الفصل الرابع

أخبار الصحف من فتنة برِّ الشام سنة ١٨٦٠ إلى سنة ١٨٦٩

(١) الرائد التونسي

صحيفةٌ رسميةٌ أسبوعية تأسست في غرَّة محرم ١٢٧٨ﻫ/٩ تموز ١٨٦١م على يد محمد الصادق باشا؛ الباي الثالث عشر للدولة التونسية. وهي باكورة الصحف الدورية التي ظهرت في القطر المذكور، رأى هذا الأمير أن الصحافة من أقوى دعائم العمران للممالك؛ إذ ثبت لديه بالاختبار ما نتج من الفوائد العظيمة بواسطة انتشار صحيفة «الوقائع المصرية» في وادي النيل وجريدة «المبشر» في الجزائر؛ فأَراد أن يقتفي آثار هاتين الحكومتَين المجاورتَين لبلاده ويفتح عهد حكمه بمأثرةٍ جليلة تعزيزًا لشأن العلم وتمهيدًا لأسباب الحضارة في الإمارة التونسية؛ فأنشأ جريدة «الرائد التونسي» على مثال الجريدتَين المذكورتَين لتكون لسان حال الإمارة، وقد صدَّرها بهذه العبارة «حب الوطن من الإيمان، فمن يسعَ في عمران بلاده إنما يسعى في إعزاز دينه.» التي جعلها شعارًا لها، وتوصلًا للغاية المقصودة استدعى لديه رجلًا فرنسيًّا من مشاهير المستعربين يسمى منصور كرلتي صاحب جريدة «عطارد» سابقًا في مرسيليا، ثم كلَّفه بإخراج هذا المشروع من حيِّز القوة إلى حيِّز الفعل؛ فقام منصور بمهمته أحسن قيام؛ إذ هيأ المطبعة ونظَّم أدواتها، وعلَّم العَمَلة ترتيب الحروف، وكان يحرر بذاته أكثر فصول الجريدة ويساعد العمال في طبعها. وبعد استقالته من هذه الوظيفة خلفه الشيخ محمد السنوسي، ثم السيد محمد بيرم الخامس، والحاج حسن لازغلي وسواهم في كتابة هذه الجريدة القديمة وإدارتها، فقضى الرائد التونسي أدوارًا مهمةً نفقت فيها آداب الكتبة، وتخرَّجت فيها جماعة من حمَلة الأقلام لا تزال آثارهم تشهد لهم بكمال الاقتدار والبراعة. ومن جملة أولئك الكتاب خير الدين باشا التونسي؛ الصدر الأعظم الشهير الذي نشر على صفحات الرائد «فصولًا سياسية تسترقُّ الألباب ليست مذيلة باسمه» كما روى محمد الجعايبي صاحب مجلة خير الدين. وبعدما بسطت الحكومة الفرنسوية حمايتها على تونس خصصت هذه الجريدة بالشئون الرسمية والإعلانات الشرعية، ثم جعلتها نصف أسبوعية، وزادت عدد صفحاتها التي لا تقل الآن عن اثنتي عشرة صفحة. وللرائد قسمٌ فرنسيٌّ أسبوعي يُطبَع منفردًا عن النسخة العربية.

figure
محمد الصادق باشا؛ الباي الثالث عشر على المملكة التونسية ومؤسِس جريدة «الرائد التونسي».
الصادق العَلَمُ الحسينيُّ الذي
به تونس حيطت بأعظم سورِ
إذ إنه الملكُ الذي أحيا لها
ربعَ المعارف بعد محض دثورِ

وقد روى جرجي زيدان في ترجمة أحمد فارس الشدياق المطبوعة في كتابه «تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر» أن أحمد فارس حرَّر في جريدة الرائد التونسي، والحال أن المشار إليه زار تونس قبل سنة ١٨٥٧ ولم يعدْ إليها مرةً ثانية، وكان ذلك قبل تأسيس الرائد التونسي بأربع سنين في عهد الباي أحمد باشا، وروى مثل ذلك الأب لويس شيخو في كتابه «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» فاقتضى التنويه؛ لأنه لما صدر «الرائد التونسي» كان أحمد فارس يحرر جريدة «الجوائب» في الآستانة التي لم يزايلها إلى أواخر أيامه.

(٢) أخبار عن انتشار الإنجيل في أماكن مختلفة

هي نشرةٌ شهريةٌ دينيةٌ مصوَّرة يرتقي عهد أقدم أعدادها إلى غرَّة آذار ١٨٦٣، أنشأها الدكتور كرنيليوس فان دَيك الشهير من رؤساء المبشرين الأميركيين في سوريا. وهي تُعدُّ باكورة الصحف الدينية والمصوَّرة معًا في لسان العرب وسائر الألسنة الشرقية، وغرضها إذاعة أخبار المرسلين البروتستانت في أقطار العالم وتعميم انتشار الإنجيل بين القبائل المختلفة في الشرق الأدنى، فكانت تُطبع أولًا في صفحتَين صغيرتَين بقطع ربع، ثم نُشرت في أربع صفحات حتى احتجبت في ختام سنة ١٨٦٥ وأُنشئت مجلة «النشرة الشهرية» بدلًا منها، وكانت رسومها مطبوعة بغاية الإتقان، ويؤتى بقوالبها محفورة في أميركا.

(٣) نتائج الأخبار

عنوان لجريدةٍ أسبوعيةٍ سياسية أنشأَها السيد حسين المقدم في عاصمة الإمارة التونسية، وهي باكورة الصحف السياسية التي ظهرت في شمال أفريقيا من وادي النيل إلى المغرب الأقصى، فكانت تُطبَع بحجمٍ صغير على مطبعةٍ حجرية وتنشر أهمَّ أخبار العالم شرقًا وغربًا. وروى لنا السيد الطيب بن عيسى صاحب جريدة «المشير» المعتبرة في تونس أن «نتائج الأخبار» ظهرت في نواحي سنة ١٨٦٣ ولم يصدر منها سوى أعدادٍ قليلة.

(٤) يعسوب الطب

مجلةٌ طبية ظهرت في القاهرة سنة ١٨٦٥ لصاحبيها محمد علي باشا الحكيم رئيس الأطباء بمصر، وإبراهيم الدسوقي. وهي أول مجلة من نوعها في اللسان العربي، شعارها «يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس» وكانت تُطبع في مطبعة بولاق الأميرية بنفقة الحكومة المصرية، وقد دُعيتْ بهذا الاسم إشارةً إلى أنها تجني لمطالعيها من أزهار الطب ما يغنيهم عن مراجعة مطوَّلات الكتب والمجلات كما يجني اليعسوب (أمير النحل) مواد العسل من زهور البساتين. ومنذ العدد السادس والعشرين انسحب إبراهيم الدسوقي من إدارتها؛ فتولاها محمد علي باشا وحده، ثم انضمَّ إليه محمد إسماعيل منذ العدد الثاني والأربعين الصادر في ٢٤ ربيع الآخر ١٢٨٧، وصارت تصدر باسم كليهما. وما عدا المقالات الطبية التي كان ينشرها المديرون المشار إليهم فقد حرَّر في هذه المجلة كثير من الكتَّاب والكاتبات الذين نذكر منهم: أحمد ندا، وخليل حنفي، وحسن عبد الرحمن، والقابلة الشهيرة جليلة تمرهان.

وقد تُوفي محمد علي باشا في الحبشة سنة ١٨٧٧ عندما رافق الأمير حسن باشا ابن الخديو إسماعيل باشا رئيس الحملة المصرية هناك، وترك بعض تآليفَ مفيدة، منها كتاب «غاية الفلاح في أعمال الجرَّاح» وغيرها، وتولى رئاسة المدرسة الطبية ومستشفيات الحكومة وتخرَّج على يده كثير من مشاهير الأطباء المصريين، واشتهر بين أبنائه الدكتور أحمد باشا حمدي.

(٥) سورية

figure
أحمد جودت باشا؛ مؤسس جريدة «فرات» في حلب.

جريدةٌ أسبوعيةٌ رسمية صدرت في ١٩ تشرين الثاني ١٨٦٥ بعناية راشد باشا والي ولاية سورية، وهي تظهر في أربع صفحاتٍ كبيرة، نصفها تركي يُكتب بقلم مكتوبي الولاية، والنصف الآخر عربي يقوم بتحريره أحد الكتبة الدمشقيين الذين نعرف منهم أديب نظمي صاحب جريدة «الكائنات» حالًا، ومحمد كرد علي صاحب مجلة «المقتبس» وجريدة «المقتبس» أيضًا. وليس لهذه الجريدة «سورية» شأن في عالم الإنشاء والآداب والسياسة؛ لأنها مختصة بنشر أوامر الحكومة ونظاماتها، والحوادث الرسمية في الولاية من عزل ونصب، مع إعلانات دوائر الحكومة، وهي ما برحت حتى اليوم بإدارة مدير تحريرات الولاية.

وأول من رتَّب أحوالها ونظم مطبعتها كان خليل الخوري اللبناني منشئ جريدة «حديقة الأخبار» البيروتية، فلما انتظمت شئونها تركها بعدما تخرج على يده بعض العمال الماهرين، وآخر الذين تولوا إدارتها مصطفى واصف صاحب امتياز جريدتي «الشام» و«السكة الحجازية» سابقًا.

(٦) الشركة الشهرية

مجلةٌ شهرية أنشأها يوسف بن فارس الشلفون في غرة كانون الثاني ١٨٦٦ بقطعٍ صغير، ونشرها في المطبعة العمومية، وكان كل جزء منها تبعًا لرتبته العددية يُعرَف بالشهر الأول والشهر الثاني والشهر الثالث، بدلًا من الجزء الأول والجزء الثاني والجزء الثالث … إلخ. فعاشت هذه المجلة ثمانية شهور ثم احتجبت لقلَّة مباحثها وعدم إقبال القوم على مطالعتها؛ لأن منشئها اقتصر على أن ينشر فيها نُبذًا من كتب الأقدمين أو قصصًا مترجمة عن كتبة الإفرنج المحدثين، فأجزاؤها الثلاثة الأولى تضمنت نبذة من تاريخ «يوسيفوس بن كربون» اليهودي، ونشرت في الرابع والخامس قصة «منتوكريستو» لإسكندر دوماس مترجمة بقلم سليم صعب، وحوى السادس نبذة في «تهذيب الأخلاق» لأبي زكريا بن عدي، وطبع في السابع ديوان السلطان خليل الأشرف، وظهرت في الجزء الثامن والأخير «لامية العجم» للطغرائي.

(٧) النشرة الشهرية

هو اسم لجريدةٍ شهريةٍ دينيةٍ مصورةٍ ذات ثماني صفحاتٍ صغيرة، أنشأها الدكتور كرنيليوس فان ديك، وقد ظهر عددها الأول في غرة كانون الثاني ١٨٦٦ على أنقاض الصحيفة المسماة «أخبار عن انتشار الإنجيل في أماكن مختلفة» المارِّ ذكرها، وكانت الغاية من إصدارها بث تعاليم المذهب البروتستانتي، مع إذاعة أخبار المبشرين به وأعمالهم بين الشعوب الناطقة بالضاد، فكان يحرر فيها قسوس الطائفة الإنجيلية وأبناؤها كالدكتور المشار إليه، والمعلم شاهين سركيس، وأخيه المعلم إبراهيم سركيس، والأستاذ رزق الله برباري وسواهم، وبعدما عاشت خمس سنين كاملة خلفتها عام ١٨٧١ جريدة «النشرة الأسبوعية» التي لم تزل حية إلى الآن، وفي العام الأخير من عمرها جرى بينها وبين مجلة «المجمع الفاتيكاني» الخاصة بالآباء اليسوعيين جدال يتناول بعض المسائل المختلَف عليها بين الكاثوليك والبروتستانت، وكانت هذه الجريدة مكتوبة بعبارةٍ بسيطةٍ ملائمة لأهل ذلك العصر خاصتهم وعامتهم.

(٨) وادي النيل

هو عنوان مجلةٍ سياسيةٍ علميةٍ أدبية أنشأها سنة ١٨٦٦ عبد الله أبو السعود ناظر المدرسة الكلية التي أسسها محمد علي باشا الكبير في القاهرة، وهي أول صحيفةٍ عربية تناولت هذه المباحث في القُطر المصري، وكانت تصدر مرتَين في الأسبوع مكتوبة بعبارةٍ صحيحة وأفكارٍ راقية وذوقٍ سليم، ولا غرو فإن أبا السعود اشتهر بين علماء زمانه بفنون الإنشاء شعرًا ونثرًا، وعاشت جريدة «وادي النيل» اثنتي عشرة سنةً حتى تعطلت عام ١٨٧٨ بوفاة صاحبها، وكان الخديوي إسماعيل من أكبر المساعدين لها؛ لأنها كانت تخدم أفكاره بإخلاصٍ تام واعتدال المشرب من دون أن تتعرض في جميع مباحثها للشئون الدينية.

(٩) فرات

صحيفةٌ أسبوعيةٌ رسمية أسسها الوزير الخطير والمؤرخ التركي الشهير جودت باشا والي حلب سنة ١٨٦٧م/١٢٨٤ هجرية، وخصصها بنشر أخبار الولاية المذكورة وأوامر الحكومة وإعلاناتها، وكانت تُطبع أولًا في اللسانَين العربي والتركي، ثم أُضيف إليهما في السنة الثانية قسمٌ ثالث باللغة الأرمنية، فدام سنةً ونصف سنة. وهي الآن تُنشر فقط باللغتَين الأوليَين؛ أي العربية والتركية. وبعد إعلان الدستور في السلطنة العثمانية سنة ١٩٠٨ اتسع نطاق مباحثها وتحسنت عبارتها وأخذت تنشر المقالات المفيدة سياسيًّا واجتماعيًّا وزراعيًّا واقتصاديًّا لمنفعة قرائها، وبعد أن كان لا يطالعها سوى أرباب المصالح ورجال الحكومة صارت كسائر الجرائد السيارة يقرؤها التاجر والكاتب والصانع والزارع والكبير والصغير. وأول من تولى كتابة قسمها العربي كان أحمد مصطفى زاده، وقد خلفه السيد عبد الرحمن الكواكبي الشهير مدة خمس سنين، ثم تولاها الشيخ كامل الغزي، وغيرهم، حتى انتهت اليوم كتابة القسم المذكور إلى حنفي أفندي، أما إدارتها وشئون مطبعتها فمتعلقة بجبرائيل برغود منذ سنين عديدة.

(١٠) المشتري

figure
فرنسيس مرَّاش؛ منشئ المقالات الشائقة في «الجوائب» و«المشتري» و«المجمع الفاتيكاني» و«البشير» و«النحلة» و«الزهرة» و«الجنان» و«الجنة» و«مرآة الأحوال» و«النشرة الأسبوعية».
أنا لا أرى في الأرض شيئًا يروقني
لذلك نور العمر عندي ناره
أيطربني هذا الزمان وكله
عراكٌ على الدنيا يثور غباره

هو عنوان لجريدةٍ سياسية كانت تُنشر في باريس أثناء معرضها العام سنة ١٨٦٧ في عهد نابليون الثالث إمبراطور الفرنسيس، واسم صاحبها مجهول لدينا على رغم ما بذلناه من التنقيب لمعرفته، وإنما يترجَّح عندنا أنَّ منشئها كان الكنت رُشَيد الدحداح اللبناني الذي كان مقيمًا حينئذٍ في عاصمة فرنسا، ولا شك أنها كانت على جانبٍ عظيم من الفائدة والمكانة؛ لأن الشاعر الحلبي الكبير فرنسيس بن فتح الله مرَّاش أطراها، وقد وصفها بهذه الأبيات:

ليَ عينٌ تظلُّ جنحَ الدياجي
ترقبُ المشتري فيا سعدَ عيني
كوكبٌ قد غدت أشعته أخبا
رُ صدق ما شابها من مَين
فمن الغرب قد بدا وللقيا
هُ غدا الشرقُ باسط الراحتَين
يرشد الناس للتمدُّن والتهذ
يب فهو الآتي من النوعَينِ
فيه شملُ الأخبار يحكي الثريَّا
فإليه يشارُ بالكفَّينِ

(١١) أعمال شركة مار منصور دي بول

figure
ميخائيل فرج الله؛ مدير مجلة «أعمال شركة مار منصور» وأَحد مؤَسسيها.
مجلةٌ شهرية ظهرت في غرَّة حزيران ١٨٦٧ بعناية شركة القديس منصور دي بول في بيروت، وتولى إدارتها أحد مؤسسيها الطيِّب الأثر ميخائيل بن نقولا فرج الله، فكانت تنشر أخبار الشركة المذكورة، وميزانية حسابها السنوي، وخلاصة وقائع جلساتها العمومية، مع أنباء سائر فروعها الممتدة في أنحاء المعمور. وكان يحرِّر فصولها كرمًا منهم نخبة من آل الفضل والأدب كالخوري يوسف البستاني، والشيخ حبيب ابن الشيخ ناصيف اليازجي، وأنطون عيد الصبَّاغ، وسليم بك تقلا، ودرويش تيان، وسواهم. واستمرَّت هذه المجلة على خطتها الشهرية حتى كثرت الصحف في بيروت؛ فصارت تصدر منذ مطلع السنة ١٨٧٤ مرَّة كل ثلاثة شهور، ثم أُبطلت بعد زمنٍ قليل حتى قُيِّض للشركة أن تنشر برنامجها السنوي عام ١٨٩٨ عندما تولى رئاستها كاتب هذه السطور، فاقترح على مجلس شورى الشركة أن يُوضَع لها تاريخ يتضمن شتات أخبارها وحوادثها منذ نشأَتها حتى ذاك العهد؛ فاستحسن المجلس هذا الرأي، وعين بتاريخ ١١ كانون الثاني ١٨٩٨ لجنةً مؤلَّفة من فيليب دي طرازي رئيس الشركة، وأنطون شحيبر نائب الرئاسة، ونقولا قماطي، وخليل يارد، وشكري غلاييني، والمرحوم نجيب حبيقة؛ للقيام بهذا العمل. ولما كان يستحيل على أعضاء اللجنة الاجتماع بنظام لكثرة أشغالهم فوَّضوا إلى الرئيس المشار إليه أن يضع تاريخًا جامعًا لأخبار الشركة؛ فلبَّى الطلب بكل ارتياح، وكانت اللجنة تصدِّق على كتاباته بعد تدقيق النظر في محتوياتها؛ حتى أنجز العمل الذي جاء وافيًا بالغاية المقصودة والضالة المنشودة. هكذا انتشر تاريخ جمعية مار منصور الذي أحيا آثار أعضائها والمحسنين إليها، ووفَّاهم نصيبهم من الثناء بمكيال الحق والعدالة. ولبث الرئيس بعد ذلك معتنيًا بكتابة برنامج الشركة سنةً فسنةً مدة ثمانية أعوام متوالية حتى تنازل برضاه واختياره عن الرئاسة، عندما احتفلت الشركة سنة ١٩١٠ بيوبيلها الذهبي عيَّنت لجنةً لطبع برنامج هذه السنة وكان نقولا قماطي أحد أعضائها، فاستقلَّ وحده بالعمل، ونسب لنفسه دون سواه وخلافًا للحقيقة؛ تأليف التاريخ المذكور آنفًا، ثم ضرب صفحًا عن إيراد مآثر كثير من ذوي الفضل الذين سطرَّت لهم الشركة أعمالًا تُذكر فتُشكر؛ بحيث جاهدوا الجهاد الحسن. فدفعًا للالتباس وجب الإلماع إلى ذلك على سبيل إظهار الحقيقة، وهنا نورد نصَّ الرسالة الرسمية التي وجهتها الشركة للرئيس المشار إليه بعد استقالته، وحسبنا بها برهانًا قاطعًا لفصل الخطاب في هذه القضية، وهاك نصها بالحرف الواحد:

جناب الفاضل الهمام الفيكونت فيليب دي طرَّازي الأفخم رئيس شركة مار منصور دي بول سابقًا
أيها الأخ المحترم

إن استقالتكم من رئاسة شورى شركة القديس منصور دي بول في بيروت كان لها تأثيرٌ مُحزِن ومؤثر للغاية في نفوس جميع إخوانكم أبناء هذه الشركة المحبوبة لا سيما أعضاء شوراها، فإنهم يذكرون بالشكر والافتخار ما لكم في سبيلها من الأيادي البيضاء من يوم انضوائكم تحت لوائها وخصوصًا أثناء رئاستكم العامة عليها مدة ثماني سنين متوالية، نعم أيها الأخ المحترم لقد أحييتم رسوم مؤسسي الشركة وجمعتم آثار الأولين من أعضائها الذين أتوا في جادتها ونهضتها كلَّ أثرٍ يُذكر فيُشكر، ثم سعيتم في تجديد برنامجها السنوي وعُنيتم بأوقافها ومدارسها وجمعياتها واحتفالاتها وسائر مصالحها الخيرية، قائمين بكل استحقاق بالمهمة السامية التي تقلَّدها أسلافكم الرؤساءُ الأفاضل الذين طابوا أثرًا وذكرًا وهم: يوسف برطالس الشريف نسبًا، وبطرس ديشان الملتهب غيرةً، وبشارة خوري المتدفق كرمًا؛ فأحرزتم جميعَ هذه الصفات المعتبرة، كما أنكم توفقتم إلى استدرار البركات الروحية والإمدادات الزمنية من لدن الأحبار الأعظمين ورؤساء الطوائف الكاثوليكية وسراة القوم، فضلًا عن التبرعات السخية والخِدَم الجليلة التي بذلتموها حبًّا بالشركة التي تذكر لكم أيضًا ما امتزتم به من علو الهمة وشهامة النفس ونبل المقاصد وسائر المناقب الفريدة. وفي الحقيقة أنكم جاهدتم في سبيل نجاحها جهادًا حسنًا حتى إنكم نلتم ثناء الجميع وصارت الشركة في عهد رئاستكم تتفاخر وتتباهى بين سائر الجمعيات الخيرية بانتظام أحوالها ونمو وارداتها واتساع دائرة أعمالها المبرورة.

وبناءً عليه فمجلس الشورى في جلسته المنعقدة في مساء اليوم الرابع من شهر تموز الغابر قد أَقرَّ على كتابة هذا الرقيم معلنًا شكره الحميم لجنابكم، ومعربًا عن أسفه الشديد لاستقالتكم من منصب الرئاسة، وبرهانًا على ما سبق ذكره، رأينا أن نزين قاعة الاجتماعات برسمكم الكريم الذي سيبقى أثرًا خالدًا يذكرنا بمساعيكم المحمودة وغيرتكم الوقادة. وفي الختام نتوسل إلى الله سبحانه أن يوفِّق أموركم ويوليكم مع أُسرتكم العزيزة سوابغ النعم وقرائن القسم، وأن يمدَّ بحياتكم الثمينة ويجعل التوفيق لكم أليفًا والسعد حليفًا والهناء ملازمًا والزمان خادمًا بمنِّ الله سبحانه وكرمه.

صدر عن مركز الشركة ببيروت في ٣ آب ١٩٠٦ (مكان الختم)
أمين الصندوق كاتب الوقائع الرئيس
حبيب فرنسيس نادر شكري غلاييني أنطون شحيبر

(١٢) لبنان

figure
داود باشا؛ مؤسس جريدة «لبنان» الرسمية.

صحيفةٌ أسبوعيةٌ رسمية، أنشأها داود باشا حاكم جبل لبنان سنة ١٨٦٧ لخدمة مصالح الحكومة اللبنانية وإذاعة أوامرها وإعلاناتها. وقد نشرها في أربع صفحات حسنة التبويب لطيفة الحروف، نصفها عربي العبارة ونصفها الآخر فرنسي، وطبعها في المطبعة التي أتى بها إلى «بيت الدين» مركز الحكومة الصيفي، وانتدب لتنظيمها رجلًا بيروتيًّا ذا همةٍ كبيرة يُدعى يوسف الشلفون، فرتَّب داود باشا للجريدة مكتبًا مخصوصًا وإدارةً منتظمة على نسق الجرائد الكبرى في الدول المتمدنة، وجعل لها مراسلين في جميع الجهات، وكان كل عدد منها يتضمن خلاصةً سياسية بوجه الإجمال ثم أنباء الحوادث الخارجية والأخبار الداخلية وغيرها. وقد تولى كتابة قسمها العربي أولًا صاحب السيف والقلم حنا بك صعب، ثم خلفه حبيب خالد الحلو، ثم الأستاذ الشهير إلياس بك حبالين الذي صار فيما بعدُ رئيس قلم الترجمة في مجلس نُظَّار مصر. أما قسمها الفرنسي فكان يحرره فرنسيس دياب رئيس القلم الأجنبي في الحكومة اللبنانية. وكانت هذه الجريدة متقنة الطبع، فصيحة العبارة، كبيرة الحجم، تعدُّ من أهم صحف ذاك العهد، وبعدما عاشت عامَين كاملَين عطَّلها فرنقو باشا حبًّا للاقتصاد، واتخذ جريدة «حديقة الأخبار» البيروتية بدلًا منها، لكنها بعد أربعين سنة عادت إلى الظهور في ٢٥ كانون الثاني ١٩٠٩ بعناية يوسف باشا المتصرف السابع على جبل لبنان ونجل فرنقو باشا المشار إليه، وقد تعين بولس زين محررًا فيها ومديرًا لشئونها. وهي الآن مكتوبة باللغة العربية فقط وتُطبع في «بعبدا» ولا تنشر سوى الإعلانات الرسمية وأوامر الحكومة، وقد نظم حنا بك صعب قصيدة في مدح داود باشا لدى إنشاء مطبعة «بيت الدين» جاءَ في مطلعها:

في عصر داود مولانا المشير لقد
جادت سواجعنا في كل تغريدِ
مولًى له الراية البيضاءُ في ملأ
غيثٌ وغوثٌ لظمآنٍ ومنكود

وقال في آخرها:

كانت جوائبنا بالحزن منبئةً
والآن تنبي بسر كل تهجيد
لذاك فرضٌ علينا الدهرَ ننشدها
في حمد مولى سليم القلب داود
أنباءُ شكرٍ على إيجادِ مطبعةٍ
في طود لبنان لا زالت بتجديدِ
إن تتلُ مدحًا بتاريخ ترُق جملٌ
راجٍ لداود تأييدًا بتأييد
١٨٦٧

(١٣) مجموعة العلوم

مجلة تشتمل على أعمال «الجمعية العلمية السورية» في بيروت، وعلى مباحثَ عمومية كالزراعة والصناعة والتجارة والتاريخ والشعر وسائر المواضيع العلمية، نشأت في ١٥ كانون الثاني ١٨٦٨ بعناية الجمعية المذكورة، وكان صدورها مرَّة في الشهر، يختلف باختلاف أوقات التئام الأعضاء، فظهرت منها في السنة الأولى عشرة أعداد، وفي السنة الثانية سبعة أعداد، آخرها في ٢٥ آيار ١٨٦٩ ثم احتجبت. وقد قرَّظها سليم رمضان مؤرخًا افتتاحها بهذين البيتين:

قلتُ للدهر والنجاح تبدَّى
قمرٌ في بلادنا السورية
أيُّ يوم يتمُّ ذا قال أَرِّخ
يوم فتح الجمعية العلمية
سنة ١٢٨٤ هجرية

وغرض هذه الجمعية تنشيط المعارف وتعزيز شأن الآداب وزيادة انتشار المدارس لتنوير أذهان الشعب وارتقاء الأمة في معارج الفلاح، وكانت عمدتها مؤَلفة من الأدباء والأعيان الآتي ذكرهم: (الرئيس) الأمير محمد ابن الأمير أمين أرسلان، (المميزون) الحاج حسين بيهم، وسليم البستاني، وحنين الخوري، (أمين الصندوق) رزق الله خضرا، (المصحِّحان) المركيز موسى دي فريج وسليم رمضان، (الكاتبان) عبد الرحيم بدران وسليم شحادة، (مدير الأشغال) حبيب جلخ، (أمين المكتبة) يوسف الشلفون، وفي ٢٠ كانون الثاني ١٨٦٩ انتخبت الجمعية عمدةً جديدة فأصابت الرئاسة الحاج حسين بيهم، وعُين سليم البستاني لنيابة الرئاسة، وانضوى تحت لواء هذه الجمعية كثير من الوزراء والأعيان وحملة الأقلام في بيروت والآستانة ودمشق وحمص وحماة ولبنان وطرابلس واللاذقية وبعلبك وصيدا وصور وعكا وحيفا ويافا والقدس وحلب والقاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن الشرقية، وإليك أسماء البعض منهم:

فؤاد باشا الصدر الأعظم سابقًا، يوسف كامل باشا رئيس المجلس العالي، كامل باشا الصدر الأعظم سابقًا، مصطفى فاضل باشا، محمد رشدي باشا وزير المالية، صفوت باشا وزير المعارف، فرنقو باشا حاكم جبل لبنان، جميل باشا سر قرناء الحضرة السلطانية، راوف باشا باش ياور حرب الحضرة السلطانية، أمين بك رئيس كتاب السلطان عبد العزيز، مرزا حسين خان سفير إيران، البارون قراندل سفير بلجيكا في الآستانة، إسكندر كاتسفليس قنصل روسيا، وأنطونيوس يني قنصل الولايات المتحدة في طرابلس، الدكتور شبلي أبيلا قنصل أميركا في صيدا، الدكتور ميخائيل مشاقة قنصل أميركا في دمشق، المطران مكاريوس حدَّاد، الكونت نصر الله دي طرَّازي، حبيب باشا مطران، أحمد باشا أباظة، الأمير سعد شهاب، الأمير مصطفى أرسلان، الأرشيمندريت غبريل جبارة، خليل الخوري، خليل غانم، الشيخ إبراهيم اليازجي وأخوه الشيخ حبيب، سليم بك تقلا، حبيب بسترس، المعلم جرجس زوين، الشيخ خطار الدحداح، عبد القادر الدنا، إلياس بك حبالين، جبور بك رزق الله، إسكندر بك التويني، السيد نصري كيلاني، نقولا بك مدور، حنا بك أبكاريوس، الدكتور يوحنا ورتبات، سعيد بك تلحوق، الدكتور ملحم فارس، الدكتور سليم فريج، إبراهيم فخري بك، خليل أيوب، أسبر شقير، إبراهيم يعقوب تابت، بشارة زينية، إلياس صالح، خطار البستاني، جرجس مرزا، جرجس نحاس، قيصر بك نوفل، أسعد خلاط، قيصر كاتسفليس، سليم طراد، أيوب تابت، سليم أبو أحمد، جبرائيل أسبر، ديمتري شلهوب، نقولا بحري، أنطون الشامي، جبور نمور، علي بك حمادة، عبد النجيب الأيوبي، المعلم إلياس كركبي، يوسف الجلخ، حبيب نوفل، يوسف باخوس، جرجس الجاهل، شاكر شقير، سليم الخوري، ضاهر خير الله، وغيرهم.

figure
المركيز موسى دي فريج؛ أَحد مؤسسي مجلة «مجموعة العلوم» الخاصة بالجمعية العلمية السورية.

وخلَّفت لنا هذه الجمعية المعتبرة آثارًا جليلة تشهد لأعضائها بطول الباع في العلوم الحديثة والقديمة، وفي هذا المقام نورد شيئًا من مآثرهم تخليدًا لذكرهم الحسن وعبرةً لسواهم: «أرجوزة على افتتاح الجمعية» نظمها حسين بيهم وهي تتضمن ١٥١ بيتًا، خطبة في «فوائد العلم» للأمير محمد أرسلان، مقالة في «احتياجات العقل» وتاريخ «حياة سقراط» وخطبة في «الزراعة» ومقالة في «تاريخ التمدن الأوروبي» لحنين الخوري، وقصيدة في «الحث على التقدم» وخطبة موضوعها «الطب القديم» بقلم الشيخ إبراهيم اليازجي، وخطبة في «التجارة» ومقالة موضوعها «التمدن» أنشأهما المركيز موسى دي فريج، ونبذة مدارها «علم الطبيعيات وتصوير الشمس» بقلم يوسف الجلخ، وخطبة في «معرفة أعضاء جسم الإنسان ووظائفها» للدكتور ملحم فارس، ومقالة في «الموسيقى» لسليم رمضان، ونبذة عن «حالة العلم» لسليم شحادة، وخطبة في «الاحتياج إلى التمدُّن» ألقاها إبراهيم يعقوب تابت، ومقالة في «الدم ودورته» كتبها سليم دياب، وقصيدة في «الحث على الاجتهاد» نظمها المعلم ضاهر خير الله، وخطبة في «تاريخ سوريا» أنشأَها المعلم جرجس زوين، ومقالة في تاريخ «هارون الرشيد» لعبد الرحيم بدران، ومنها «رسالات سينكا الفيلسوف الروماني» بقلم سليم شحادة، وخطبة موضوعها «الخرافات اليونانية» ليوسف الشلفون.

(١٤) رجوم وغسَّاق: إلى فارس الشدياق

هو عنوان لمجلةٍ جدليةٍ صغيرة صدرت عام ١٨٦٨ في لندن لمنشئها رزق الله حسون الحلبي مؤسس جريدة «مرآة الأحوال» في الآستانة، غرضها الرد على أحمد فارس الشدياق صاحب جريدة «الجوائب» لإطالة لسانه وتحريك قلمه بالسفاهة في حق رزق الله حسون، فاشتدَّ الجدال بهذا المقدار حتى انتقلت المناظرة بينهما إلى المشاتمة والمهاترة. وكانت كتابات كليهما وردود الواحد على الآخر مشحونةً بالهجو المرِّ والطعن الموجع؛ ولذلك يسوءنا أن نسطر أخبارًا كهذه على صفحات التاريخ عن رجلَين كبيرَين يفتخر اللسان العربي بآثارهما الصحافية، وقد احتجبت هذه المجلة بعد صدور عددَيها الأوَّلين.

(١٥) الزوراء

صحيفةٌ رسمية أنشأها سنة ١٨٦٨ مدحت باشا عندما كان واليًا على بغداد، وقد جعلها لسان حال الولاية المذكورة لنشر الأخبار والأوامر والإعلانات في اللغتَين العربية والتركية، وهي أول جريدة ظهرت في العراق بمساعي زعيم الأحرار العثمانيين. أما الذين حرروا قسمها العربي فمعارفهم متباينة جدًّا؛ لأنَّ عبارتها بلغت تارةً مناط العيوق في الفصاحة والبلاغة، وطورًا انحطَّت إلى الحضيض في الركاكة والسخافة، وهذا أجلى دليل على تباين طبقات مُحرِّريها في صناعة الإنشاء. ولما كانت القيود القديمة لهذه الجريدة قد احترقت فلم نعثر إلا على أسماء الذين تولوا إدارتها وكتابة فصولها من سنة ١٨٧٧ وهي: حسن أزوم (١٢٩٤–١٢٩٩ﻫ) زهيد أفندي (١٢٩٩–١٣١٣ﻫ) إسماعيل أفندي (١٣١٣–١٣١٧ﻫ) أحمد فهمي (١٣١٧–١٣١٩ﻫ) فهمي أفندي (١٣١٩–١٣٢١ﻫ) عباس حمدي (١٣٢١–١٣٢٣ﻫ) فهمي أفندي (١٣٢٣–١٣٢٦ﻫ) عبد الوهاب أفندي (١٣٢٦ﻫ).

(١٦) نزهة الأفكار

صحيفةٌ سياسيةٌ أسبوعية ظهرت في القاهرة سنة ١٨٦٩ لصاحبَيها ومحررَيها إبراهيم بك المويلحي ومحمد عثمان بك جلال، فما كاد هذان الشريكان الفاضلان يتفقان على إصدارها حتى تعطَّلت بعد ظهور العدد الثاني منها، ودخلت في خبر كان. ويُعزى السبب في ذلك إلى شاهين باشا الذي أبدى للخديو تخوُّفه من أنها تهيج الخواطر وتبعث على الفتن؛ فصدر أمر إسماعيل باشا بإلغائها.

وقد ترك محمد عثمان جلال بعض تآليف نذكر منها «السياحة الخديوية» التي كتبها عندما رافق الخديو توفيق الأول في رحلته إلى جهات القطر المصري، ثم نقل من اللسان الفرنسي رواية «بول وفرجيني» إلى اللسان العربي، ونظم بالشعر العربي أمثال لافونتين الشاعر الفرنسي وجمعها في كتاب سماه «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ» ثم طبعه. ومات في ١٦ كانون الثاني ١٨٩٨ بالغًا السبعين من العمر، أما إبراهيم بك المويلحي فسننشر ترجمته في محلٍّ آخر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤