الفصل العاشر

الحاج حسين بيهم

الحاج حسين بيهم؛ رئيس «الجمعية العلمية السورية» وأحد مؤسسي مجلة «مجموع العلوم».
إن غاب شخص أحبتي عن ناظري
فهمُ بقلبي والشمائل صورتي
أو غبت عنهم فالرجا من ودِّهم
أن ينظروا عند التشوُّق صورتي

هو الحاج حسين بن السيد عمر بن السيد الحسين بيهم العيتاني الشافعي ولد سنة (١٢٤٩ﻫ/١٨٣٣م) في بيروت، وينتمي إلى عائلة جمعت كرم المحتد إلى الوجاهة والثروة وحب الأعمال الخيرية، وكان منذ حداثته كلفًا بتحصيل المعارف والاجتماع بأهل الأدب والفضل، فقرأ على جهابذة زمانه كالشيخ عبد الله خالد والشيخ محمد الحوت. وبعد أن زاول التجارة حينًا يسيرًا نزع إلى العلم فبرع بفنون الإنشاء على اختلافها، ثم نظم الشعر فصارت له به ملكةٌ راسخة بحيث كان يقوله ارتجالًا في محافل الوزراء والكبراء والأدباء، فيأتي بالنادرة الغريبة التي كانت تسير سير المثل. وكان يصح له نظم التواريخ الشعرية بما يطرب ويعجب، فمن ذلك ما نظمه لما أتى فؤاد باشا إلى سوريا سنة (١٨٦٠م/١٢٧٧ﻫ) وكان ناظر الخارجية، فوجهت عليه رئاسة الأحكام العدلية ثم أُعيدت إليه في السنة التابعة نظارة الخارجية وهو في بيروت، فقال صاحب الترجمة في ذلك مؤرخًا:

إن الفؤاد له في الملك معرفة
فالخارجية لم تترك نظارته
لذاك سلطاننا المنصور ردَّ له
مع حسن أنظاره أرخ بضاعته
سنة ١٢٧٨ هجرية

ومن شعره ما قاله في كأس فضة مؤرخًا:

يا من يريد شرابًا حل مورده
أو شرب ماء ليطفي حرَّ غصته
اشرب هنيئًا بكأسٍ راق منظره
يحكي صفاتك أرخنا بفضته
سنة ١٢٨٢ هجرية

وقال هذه الأبيات مشطرًا:

الدهر يفترس الرجال فلا تكن
ذا غفلة عنه بحالات الطرب
واحذر معاداة الرجال وإن ترى
ممن تُطيِّشه المناصب والرتب
كم نعمةٍ زالت بأيسر نقمة
أردَتْ بصاحبها إلى أردى العطب
أنسته ما قد طاب من أوقاته
ولكل شيء في تقلُّبه سبب

وكان حريصًا على اقتناء الكتب النادرة حتى جمع مكتبةً عظيمة، وهو لا يمنع طالبًا من إعارة ما يريده منها بحيث كان الكتاب يبقى لدى المستعير أعوامًا وربما تناساه، وكان حاضر الجواب عالي الفكر عالمًا بأصول السياسة محبوبًا عند الرفيع والوضيع، واشتهر بالصلاح ومناصرة العلماء وإغاثة المحتاجين من أي مذهب كانوا، وتقلد مأمورياتٍ شتى في خدمة الحكومة والوطن، فإنه تعيَّن عضوًا في «مجلس إيالة صيدا الكبير» ثم في «قوميسيون فوق العادة» ثم في «محكمة استئناف التجارة» ثم في «المجلس البلدي» ثم في «مجلس الإدارة» وغيرها، وتولى سنة ١٨٦٩ رئاسة «الجمعية العلمية السورية» وأنشأ لها مجلتها التي سبق وصفها. وظهر اقتداره خصوصًا لما انتدبه سكان وطنه ليمثلهم سنة ١٨٧٨ في مجلس النواب العثماني للمرة الأولى، فذهب إلى الآستانة ونال حفاوةً كبرى لدى وزراء السلطنة وأعاظم رجالها. وبعد عودته إلى بيروت اعتزل المأموريات منقطعًا إلى الآداب والمطالعة وعمل الخير. وقد كافأته الدولة على ذلك بأن منحته رتبة «باية أزمير» الرفيعة، وكان وديعًا متوقد الذهن شريف المبادئ طاهر السيرة والسريرة مقدامًا على المشاريع العمومية. ومن مآثره أنه أدَّى لجمعية «المقاصد الخيرية» في بيروت خدمًا تُذكر فتُشكر وكان من مؤسسيها الأفاضل. وحلَّت وفاته في ٢٤ صفر ١٢٩٨ﻫ/٢٤ كانون الثاني ١٨٨١، ثم دفن في اليوم التابع بمشهدٍ حافل يشهد بفضله وعلوِّ مكانته وكثرة عوارفه، وقد رثاه الشعراء بقصائدَ رنانة ضاعفت الأسف عليه والبكاء على خسارته، وقد أُدرج جثمانه في ضريح والده، ونُقشت عليه هذه الأبيات من نظم الشيخ إبراهيم الأحدب:

وفيه ثوى من بعد ذلك نجله
حسين فوفَّاه الكريم مناه
على أن هذا الفرع بالفضل والتقى
وكسب العلى والعلم فاق سواه
لقد كفَّ عن دنياه أرخت حبه
ولاقى بجنات الخلود أباه
سنة ١٢٩٨ هجرية

ومما رُثي به الحاج حسين بيهم قول السيد محمد طاهر الأتاسي:

أيا حاملين النعش كيف حملتمُ
من الفضل طودًا لا يوازنه العصر
ويا غاسليه ما دعاكم لغسله
أنغسله بالماء معْ أنه بحر
وما دفنوه عند حد مقامه
فإن الثريا تشتهي أنها القبر
كأن بطون الأرض من ظلماتها
شكت فأتاها من منازله البدر

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤