الفصل الثاني عشر

يوسف الشلفون

figure
يوسف الشلفون؛ منشئ صحف «الشركة الشهرية» و«الزهرة» و«النجاح» و«التقدم».

هو يوسف بن فارس بن يوسف الخوري الشلفون وُلد سنة ١٨٣٩ وتعد عائلته من أقدم العائلات المارونية في بيروت، وكان جده حاكمًا على ساحل لبنان بأمر الأمير بشير الثالث الشهابي الكبير، فدرس صاحب الترجمة أصول اللغة العربية وبعض اللغات الأجنبية في مدارس وطنه، ثم اتخذه خليل الخوري مرتبًا للحروف في «المطبعة السورية» التي أنشأها سنة ١٨٥٧ لنشر جريدة حديقة الأخبار، فتعلم حينئذٍ فن الطباعة وأتقنه حتى صار من الماهرين في هذه الصناعة التي زاولها أكثر أيام حياته. ولما جاء فؤاد باشا أثناء الفتنة الشهيرة عام ١٨٦٠ استدعاه لترتيب المحررات الرسمية التي كانت تُطبع في اللغتَين التركية والفرنسية وتُرسل إلى سفراء الدول في القسطنطينية ومعتمديها في بيروت. وفي السنة التابعة أنشأ «المطبعة العمومية» التي نشر فيها أكثر من ستين كتابًا بين دينية وفلسفية وجدلية وشعرية وتاريخية وعلمية وأدبية وفقهية وسواها. وسنة ١٨٦٧ استدعاه داود باشا لترتيب مطبعة الحكومة اللبنانية في «بيت الدين» فقام المندوب بهذه المهمة القيام الحسن. ولما تأسست «الجمعية العلمية السورية» عام ١٨٦٨ كان من أقدم أعضائها وتعين حارسًا لمكتبتها، وقد ألقى في جلساتها خطبًا وقصائدَ شتى نورد منها القصيدة التي أنشدها لدى افتتاح الجمعية قال في مطلعها:

بشرى لنا اليوم نور العلم قد لمعا
في أفقنا وضيا التهذيب قد سطعا
وفي بروج ربي بيروت بلدتنا
بدر المعارف بالآداب قد طلعا
وقطرنا نال من حظ التمدن ما
قد كان في نيله بالأمس ممتنعا

وقال في الختام مؤرخًا:

وما بدا عام تاريخ به طلعت
بشرى لنا اليوم نور العلم قد لمعا

أما الصحف التي أنشأها فهي: أولًا «الشركة الشهرية» سنة ١٨٦٦ وقد مرَّ ذكرها. ثانيًا «الزهرة» سنة ١٨٧٠. ثالثًا «النجاح» سنة ١٨٧١ بالشركة مع القس لويس صابونجي السرياني الذي تركها له بعد حي. رابعًا «التقدم» عام ١٨٧٤، وسنروي أخبار الصحف الثلاث الأخيرة في الجزء الثاني من هذا الكتاب. وسنة ١٨٧١ عقد شركة مع رزق الله خضرا لنشر الكتب، على شرط أن يقتسما نفقات المطبعة وأرباحها، فبقيت شركتهما سنتين ثم تنازل صاحب الترجمة لشريكه رزق الله خضرا عن امتياز جريدة «النجاح» والمطبعة، وسنة ١٨٧٤ طلب رخصة من وزارة المعارف لإنشاء «المطبعة الكلية» وجريدة «التقدم» التي عاشت ١٥ عامًا. وخلف يوسف الشلفون بعض آثارٍ علمية نذكر منها: «ترجمان المكاتبات» وكتاب «تسلية الخواطر في لطائف النوادر» ورواية «حفظ الوداد» وديوان «أنيس الجليس». وفي سنة ١٨٧٥ أذاع نشرة في ١٤ صفحة صغيرة يُعلن فيها عزمه على طبع كتاب «عقود الدرر في أخبار مشاهير الجيل التاسع عشر» وافتتحها بهذين البيتَين:

إليك كتابًا به ترجمت
فضائل من بالبلاد اشتهر
وفيه فرائدهم نظمت
لذلك سمي عقود الدرر
غير أن هذا المشروع طوى عليه الزمان ولم يخرج إلى دائرة الوجود، ويقال إنه نسب لنفسه بعض القصائد المتضمنة في ديوانه وهي ليست من نظمه، بل إن ناظميها الحقيقيين كان القس لويس صابونجي والشيخ فضل القصار وأديب إسحاق وسليم نقاش ومصباح رمضان والله أعلم. وقد أضرَّ به تقلُّبه في الأشغال والمبادئ، وتوفي خاملًا سنة ١٨٩٦ كما روى الأب لويس شيخو،١ ويروى لأديب إسحاق بيتان قالهما على سبيل المداعبة في صاحب الترجمة وهما:
سألت فتاة العرب أنَّى اغتيالها
من العجم قالت إنهم شلفوني
فأشكوك فاشكوني لأهلي فإنني
فتاة سباني يوسف الشلفون
١  كتاب «الآداب العربية في القرن التاسع عشر»، جزء ٢، صفحة ١٣٥-١٣٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤