الفصل الثالث عشر

إبراهيم سركيس

figure
إبراهيم سركيس؛ المحرر في «النشرة الشهرية» و«النشرة الأسبوعية» و«كوكب الصبح المنير».
وإن نقض البيت الذي أنا ساكن
فلي في السما بيت من الله قد بُني
ونفسي تحيا عند فادي دائمًا
وإن يكن الجسم الترابي قد فني

وُلد إبراهيم بن خطار سركيس عام ١٨٣٤ في عبيه من أعمال جبل لبنان، وتلقَّى العلوم في مدرسة القرية المذكورة عندما كانت برئاسة الدكتور كرنيليوس فان ديك، وقد توفي والده سنة ١٨٤٧، فنظم الشيخ ناصيف اليازجي بيتَين يتضمنان تاريخًا لينقش على قبره وهما هذان:

خطار سركيس في هذا الضريح ثوى
لكن له في مقاصير العلى دار
يقول في طي تاريخ أُعد له
أنا إلى جنة الفردوس خطار

وبعد أن أنهى دروسه انتقل إلى بيروت وسكن فيها، فكلفه المرسلون الأميركيون بتبييض النسخة الأولى من الكتاب المقدس والإشراف على تصحيح مسوداتها التي كان يترجمها الدكتور عالي سميث من لغاتها الأصلية إلى اللسان العربي، ثم عين مديرًا للمطبعة الأميركية ومصححًا لمطبوعاتها، فقام بهذه الوظيفة خير قيام إلى أن توفاه الله في ١٠ نيسان ١٨٨٥ في بيروت، وكان كاتبًا ضليعًا أطرف «النشرة الشهرية» ثم «النشرة الأسبوعية» وجريدة «كوكب الصبح المنير» بالفصول العلمية والأدبية، ونظم كثيرًا من الأشعار في مواضيع دينية يترنم بها أبناء الطائفة الإنجيلية في معابدهم، وعددها يزيد عن سبعين ترنيمة مطبوعة في كتاب «الترانيم والتسابيح» الصادر من المطبعة المشار إليها، وشعره لطيف الأسلوب قريب للأفهام خالٍ من التعقيد كالبيتَين المنشورَين في أسفل رسمه، وله تقريظٌ حسن لكتاب «مجمع البحرين» وهو:

بنى اليازجيُّ الفرد قطب زمانه
مقامات در زانها النظم والنثر
فلا تعجبوا للدر فيها لأنه
إلى مجمع البحرين ينتسب الدر

وألَّف مع أخيه شاهين كتاب «تحفة الأخوين إلى طلبة اللغتين» في الإنكليزية والعربية، ثم وضع كتاب «الأجوبة الوافية في علم الجغرافية» وكتاب «الدر النظيم في التاريخ القديم» وكتاب «الدرة اليتيمة في الأمثال القديمة» و«صوت النفير في أعمال إسكندر الكبير» و«أوضح الأقوال في متلف الصحة والصيت والمال» وكتاب «الأجوبة الوفية في العلوم الصرفية» وكتاب «الحساب العقلي»؛ وغير ذلك من التآليف العلمية والحسابية والفلكية والخطب والمقالات التي لم تشهر بالطبع. وكتب في مجلة «الجنان» فصولًا شتى تدل على طول باعه في المعارف، وكان فاضلًا أديبًا بشوشًا يذكره بالخير جميع المرسلين الأميركيين في هذه الديار؛ لأنه أفادهم كثيرًا وأدى لمشاريعهم خدمًا وافرة، وقد نقشت على قبره الأبيات الآتية:

لحد لإبراهيم سركيس الذي
أسفًا عليه كل دمعٍ قد جرى
أبكى المعارف والحجا فقدانه
والبر والتقوى كما أبكى الورى
هذا خليل الله والناس الذي
ناداه رب العرش من أعلى الذرى
دفنوه في طي التراب فلم يزل
كالسيف في التاريخ يغمد في الثرى
سنة ١٨٨٥

وكان لإبراهيم ثلاثة إخوة: أحدهم خليل سركيس منشئ «المطبعة الأدبية» وجريدة «لسان الحال» الذي سيأتي ذكره، وثانيهم أمين سركيس الذي توفي في ٢٦ كانون الثاني ١٨٩٦ بعدما تعاطى التجارة بكل استقامة، ثم ثالثهم وكبيرهم شاهين سركيس الذي ولد سنة ١٨٣٠ في عبيه وهو والد الصحافي الشهير سليم سركيس، وكان شاهين خطيبًا مصقعًا وكاتبًا بارعًا في اللغتين العربية والإنكليزية اللتين تلاهما في مدرسة عبيه. وفي سنة ١٨٤٨ أسس المرسلون الأميركيون مدرسة في بيروت وعيَّنوه رئيسًا لها، فكانت الوحيدة في بابها ونبغ فيها عدد من الشبان على اختلاف المذاهب، ثم تنحَّى عن خدمة العلم إلى خدمة التجارة زمنًا قصيرًا، وكتب في «النشرة الشهرية» مع أخيه إبراهيم وله فيها المقالات العديدة. وعام ١٨٦٥ انتدبته الرسالة الأسكتلندية إلى إنشاء مدرسة يتولى إدارتها فلبَّى الدعوى وأنشأ مدرسة جمعت نخبة الشبان وأحرزت نجاحًا باهرًا، ثم علَّم مدة في «المدرسة الوطنية» لمنشئها العلامة بطرس البستاني، ولبث في هذه الوظيفة حتى وافاه الأجل المحتوم في ٢٣ آيار ١٨٧٠ مذكورًا بالثناء والرحمة، فرثاه الشيخ ناصيف اليازجي بقصيدة وردت فيها الأبيات المنشورة تحت هذا الرسم:

شاهين سركيس؛ المحرر في صحيفة «النشرة الشهرية».
قل للمدارس بعد شاهين اندبي
أسفًا عليه وقد يقال لك اخربي
يربي الغلام مؤدبًا في حجره
أضعاف ما في حجر والده ربي
كانت له الخطب التي يلقى بها الـ
جم الغفير وليس بالمتهيب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤