الفصل السابع عشر

سليم الخوري

المحرر في جريدة «حديقة الأخبار»

هو سليم بن جبرائيل بن حنا بن ميخائيل بن عبده الخوري ولد سنة ١٨٤٣ في بيروت، وقرأ أصول اللغة العربية وآدابها على الشيخ ناصيف اليازجي فاقتبس منه الميل إلى صناعة الشعر، فنظم القصائد الشائقة منذ صباه وترك ديوان شعر نفيس سيبرز قريبًا إلى عالم الوجود. وكان ذا ذوق سليم في الفنون والصنائع، وتعمق خصوصًا في فن الموسيقى حتى بلغ به اجتهاده إلى أن يحسن التوقيع على أكثر آلات الطرب. وقصد أن يضبط الألحان العربية على الروابط الإفرنجية فوضع مقدمة لتأليفٍ مخصوص في هذا الفن، ولكن الأجل لم يفسح له بإتمامه. ثم شرع بوضع «تاريخ سوريا» شعرًا فنظم منه أبياتًا شتى وتركه أيضًا. وسنة ١٨٦٨ انتظم في سلك «الجمعية العلمية السورية» وله فيها آثارٌ مشكورة. وساعد أخاه خليل الخوري في تحرير جريدة «حديقة الأخبار» في قسمَيها العربي والفرنسي مدة خمس عشرة سنة. وألَّف رواية «الشاب الجاهل والوصي الغافل» وهي أدبية، وله رواية «نكبة البرامكة» ورواية «أنطيوخوس بن سلفقوس» وهما مأساتان تاريخيتان، وأنشأ رواية «أمراء لبنان» مع سميِّه سليم بن ميخائيل شحادة ترجمان قنصلية روسيا.

وفي سنة ١٨٧٣ سافر إلى وادي النيل حيث قدم للخديو إسماعيل كتابًا يتضمن قصائد التهنئة التي نظمها بمناسبة زفاف أنجاله الأمراء توفيق الأول الخديو السابق، وحسين كامل باشا، وحسن باشا؛ فسُرَّ به إسماعيل باشا وأجازه على ذلك بعطيةٍ مالية، ثم سافر إلى القسطنطينية ونال حظوةً لدى أعاظم رجال السلطنة العثمانية الذين امتدحهم بالقصائد الشائقة.

وبعد إيابه إلى وطنه اتفق مع سليم شحادة على وضع كتاب «آثار الأدهار» وهو المعجم التاريخي الجغرافي الذي كان صدور الجزء الأول منه في بداية سنة ١٨٧٥ مرتبًا على الحروف الهجائية، ولما رفعاه إلى السلطان عبد العزيز كافأهما عليه بمائتين وخمسين ليرة عثمانية؛ لأنه أول معجم من نوعه في لسان العرب وسائر الألسنة الشرقية. وقد اقتدى بهما المعلم بطرس البستاني في كتاب «دائرة المعارف» الشهيرة، إلا أن المنية أنشبت أظفارها بصاحب الترجمة بعد صدور الجزء الأول من «آثار الأدهار» فمات في ١٠ آب ١٨٧٥ في قرية «سوق الغرب» مصابًا بالهواء الأصفر، ولكن سليم شحادة استأنف العمل وحده فطبع باسمه واسم زميله ستة أجزاء أخرى من هذا الكتاب بلغت صفحاتها نيفًا وألف صفحة بحجمٍ كبير ولم تتجاوز حرف الباء. وقد أبقى السليمان حسرات في القلوب لعدم نجاز هذا المشروع العظيم الذي كان يُرجى من ورائه نفعٌ كبير لأبناء اللغة العربية.

وكان المترجم ممتلئ الجسم، طويل القامة، حنطي اللون، شديد الذكاء، وكان كاتبًا بليغًا وشاعرًا مطبوعًا ومؤرخًا مدققًا، ومن شعره قصيدة عنوانها «العود الحسن» رفعها للسلطان عبد العزيز سنة ١٨٦٧ لدى رجوعه من معرض باريز العام مطلعها:

قد سارت الركب لا نوق ولا هجن
وإنما البحر تسري فوقه القنن
سار العزيز منير الشرق مالكنا
للغرب والنور يحيي من به قطنوا
شق البحار بأطيار البخار فقُل
أين الرياح بما لا تشتهي السفن

وله قصيدة نظمها في تهنئة نصر الله فرنقو باشا عند تعيينه حاكمًا على جبل لبنان نذكر منها هذه الأبيات:

بنصر الله والفتح القريب
لقد فاض السرور على القلوب
ولاح على علا لبنان فجر
تبدَّى من ضيا الملك المهيب
فمد بأرزه كفًّا لشكرٍ
يردده بأفواه اللهيب
وخط على عمامته سطورًا
بأقلام من النور العجيب

ورثاه بعد وفاته عددٌ من العظماء والشعراء منهم محمد راشد باشا وزير الخارجية العثمانية حينئذٍ، فإنه أرسل إلى أخيه خليل الخوري أبياتًا تركية رقيقة المعنى، ومنهم جرجس بن إسحاق طراد الذي قال:

من لم نقم أبدًا بحق ثنائه
ولَّى فهل من قائمٍ برثائه
أبكى العيون دمًا وأودع جمرةً
في كل قلبٍ كان من تبعائه
هذا السليم سليم قلبٍ قد مضى
فمضى سليم العهد من نظرائه

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤