الفصل السادس

خليل الخوري

يا هلالًا قد أرانا
في الدجى وجهًا جميلًا
سوف نلقى منك بدرًا
كاملًا يُدعى خليلًا

هو خليل بن جبرائيل بن يوحنا بن ميخائيل بن عبده الخوري، أبصر النور في ٢٨ تشرين الأول ١٨٣٦ في الشويفات من أعمال جبل لبنان، وبعد زمنٍ قليل انتقل والده إلى بيروت، فتلقَّى المترجم أصول اللغة العربية في مدرسة الروم الأرثوذكس وزاولها حتى أتقنها، ثم تعلَّم اللغتَين التركية والفرنسية على أساتذةٍ مخصوصين فأجاد فيهما. وفي غرة كانون الثاني ١٨٥٨ أنشأ صحيفة «حديقة الأخبار» فكانت أول جريدةٍ عربية صدرت برخصةٍ رسمية من طرف الحكومة العثمانية خارجًا عن عاصمة السلطنة، ولهذا كان خليل الخوري من أخصِّ رجال النهضة الأدبية في سوريا في القرن التاسع عشر بما وضعه من التآليف أو نشره على صفحات جريدته من النُّبذ المفيدة والمباحث المختلفة. وقد نظم الشعر منذ حداثته فنبغ في هذا الفن كما شهد له بذلك الشيخ ناصيف اليازجي في قصيدة مدحه بها وختمها بالبيتَين المنشورَين تحت رسم صاحب الترجمة وهما هذان:

وخلَّف صاحب الترجمة ستة دواوينَ شعرية في مواضيعَ مختلفة بلغ مجموع أبياتها ١٠٨٧٤ بيتًا وهي: أولها «زهر الربى في شعر الصبا»، وثانيها «العصر الجديد»، وثالثها «السمير الأمين»، ورابعها «الشاديات»، وخامسها «النفحات»، وسادسها «الخليل» والأخير وحده لم يُطبع، وهنا ننقل عن «مجلة النور»١ المطبوعة في الإسكندرية ما كتبه جرجي بن نقولا باز صاحب مجلة «الحسناء» في وصف شعر المترجم قال:

نظم الخليل الشعر في أربعة أدوار حياته فتًى وشابًّا وكهلًا وشيخًا، وشعره طبيعيٌّ منسجم في غاية الرقة والطلاوة والسلاسة حتى جازت تسميته بالسهل الممتنع. وجلُّ ما تناوله من المواضيع الغزل والمديح والتهنئة والرثاء وغيره. وله تواريخُ أبجديةٌ عديدة ضمَّ بعضها إلى ما طبع من منظوماته. وامتاز بمدح جلالة السلاطين العظام، ووصف رجال الدولة، وبيان عظمة السلطنة؛ حتى دُعي بحق «شاعر الدولة». وبمناسبة بعض قصائده نال الوسام المجيدي وبلغ المحظوظية السلطانية بإرادةٍ سنية عدة مرات، وقد ترجم بعض أشعاره إلى اللغة الفرنسية المسيو رينو رئيس «الجمعية الآسيوية» في باريز ونشرها في مجلة الجمعية ونشر بعضها في جريدة «الديبا» وغيرها من صحف الفرنسيس المعتبرة. وكتبت عنه جريدة الديبا وقرَّظت بعض قصائده كالعناب والرمان وغيرهما. وتُرجمت قصيدته «الزيارة القدسية»، التي قدمها إلى إمبراطور النمسا حينما زار القدس، إلى اللغة النمسوية ونشرت في جريدة «فينيراباندا بوسط». وكتب عنه لامرتين الشاعر الإفرنسي مقالات أذاعت فضله في أوروبا، ويقال إنه نظم له بعض قصائده المترجمة ونشرها، وكان بينهما صداقة ومراسلة، ومثلها كان لشاعرنا مع كثير من شعراء الترك والفرس والعرب. وكتبتْ مرةً عن شعره وسيرته جريدة «المورنن بوست» الإنكليزية. وقد كان بالإجمال شاعرًا مطبوعًا سيَّال القريحة، واسع الخيال، لطيف المعاني، رقيق الغزل، مكثرًا من النسيب وإيضاح خفايا الحب ووصف وقائع المحبين؛ حتى سُمي «قيس زمانه وجميل عصره» وعُدَّ من مشاهير شعراء العرب الممتازين بالوصف الغرامي، وما خلا شعره من لمحاتٍ فلسفية وردت في بعض قصائده. وقد عزَّز الشعر بعدم استخدامه إياه وسيلة للاستجداء وجني المال. ومما يُروى عنه أنه عندما زار سوريا سعيد باشا خديو مصر في سنة ١٨٥٩ مدحه عدة شعراء فأجازهم بجوائزَ ماليةٍ بين العشرة والخمسة عشر جنيهًا، أما الخليل فلم يقبل الجائزة على قصيدته «السعادة»، بل كتب في حديقته أنه نظمها إظهارًا لإحساساته لا طمعًا بالمال؛ لعلمه أنه جاء الوقت الذي يجب فيه ألَّا تكون كلمة «شاعر» مرادفًا لكلمة «متسول» واقتدى به وقتئذٍ الشاعر أسعد طراد، ولذلك اشترك الخديو بخمسين نسخة من الخديو بكل سرور وإعجاب.

وله غير ذلك كثير من الآثار الأدبية التي نورد منها: (١) «النعمان وحنظلة» وهي روايةٌ تمثيلية. (٢) «وَيْ إذَنْ لستُ بإفرنجي» هو كتابٌ أخلاقي وضعه على أسلوب القصة وضمَّنه انتقادًا دقيقًا على الأخلاق والعادات مع ملاحظاتٍ لطيفة على المتنبي وألفنس دي لامرتين. (٣) «خرابات سوريا» خطاب ألقاه في ١٥ آذار ١٨٥٩ في الجمعية العلمية ببيروت. (٤) «تاريخ مصر» وضعه بإيعاز من سعيد باشا خديو مصر وهو غير مطبوع، فأتمه سنة ١٨٦٤ وقدَّمه للخديو إسماعيل الذي أجازه عليه بألفَي جنيه. (٥) «النشائد الفؤادية» يتضمن ترجمة فؤاد باشا الصدر الأعظم مع القصائد التي نظمها له المؤلف. (٦) «تكملة العبر» عرَّبه عن كتابٍ تاريخي وضعه في اللغة التركية صبحي باشا والي سوريا سابقًا، وهو تتمة لتاريخ ابن خلدون ويتضمن اقتسام قواد الإسكندر الكبير ممالكه بعد وفاته. (٧) «الدولة العثمانية في الماضي والحال والاستقبال» هو خطاب فرنسي لمدحت باشا نقله صاحب الترجمة إلى اللغة العربية. (٨) «الدستور» تولى بموجب إرادةٍ سلطانية إدارة ترجمته من التركية إلى العربية بقلم نوفل بن نعمة الله نوفل الطرابلسي. (٩) «الكواكب العثمانية في تاريخ الدولة العلية» تاريخٌ شعري منقطع النظير يتضمن منشأ سلاطين آل عثمان وعلو شأن دولتهم، وقد انتهى به إلى أواخر عهد السلطان محمود الثاني، وهو من بحرٍ واحد وقافيةٍ واحدة وفيه ما يزيد على ٣١٠٠ بيت. (١٠) مقتطفٌ تاريخي من كتاب «روضة الأوائل والأواخر» لابن الشحنة.

وانفرد بعدم الاستجداء بشعره عن سائر شعراء عصره كما سبق القول، ولكنه نال عدة جوائز مهمة أتحفه بها الملوك والعظماء وهي: خاتم من الماس أنعم به عليه إسكندر الثاني قيصر روسيا، وخاتمٌ آخر من الماس أهداه إياه الغراندوق قسطنطين شقيق القيصر المشار إليه، وخاتم من الفيروز أكرمه به ملك إنكلترا إدوار السابع، وعلبة من الذهب الإبريز يعلوها إكليلٌ مرصَّع بثلاثة وعشرين حجر الماس نالها من صادق باشا باي تونس، ومسبحة من المرجان أتحفه بها الصدر الأعظم خير الدين باشا التونسي، وخاتم من الزمرد دائرُهُ مرصَّعٌ بالماس أُهدي له من الغراندوق نقولا، وما خلا ذلك فإنه نال شرف المثول لدى بعض الملوك والأمراء، وراسله كثير من رجال الدولة العثمانية ومشاهير أدباء العصر.

وبعد فتنة سوريا سنة ١٨٦٠ عيَّنه فؤاد باشا مأمورًا بمعيته، وسنة ١٨٦٥ فوَّضت إليه ولاية سوريا إدارة مطبعتها وجريدتها الرسمية بإرادةٍ سلطانية، وسنة ١٨٧٠ تعين مفتشًا للمكاتب غير الإسلامية ومديرًا للمطبوعات في ولاية سوريا ومفتشًا فخريًّا لمدارس جبل لبنان ومطبوعاته، وسنة ١٨٨٠ صار مديرًا للأمور الأجنبية في الولاية المذكورة، ومن مآثره المبرورة أنه أنشأ الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في بيروت.

وسنة ١٨٨٧ سافر إلى لندن حيث اقترن في ٤ آب بالسيدة ظافر بنت حبيب نوفل وحفيدة موسى بسترس، وقد جرى لزفافهما احتفالٌ شائق شهده أكابر القوم، ثم جاء العروسان إلى بيروت، وبعد مائة يوم من تاريخ القران المذكور أُصيب الخليل بفقد زوجته التي قصفتها يد المنون في السنة الخامسة والعشرين من عمرها، وفي ٢٦ تشرين الأول ١٩٠٧ فاضت روحه فأقيم له مأتمٌ عظيم وأبَّنه مطران الأبرشية وبعض الأدباء والشعراء، وهي السنة التي أتمَّ فيها السنة الخمسين من تأسيس «حديقة الأخبار» القديمة العهد، أما الرتب والنياشين التي أحرزها في حياته فهذه أسماؤها:
  • (١)

    الرتبة الأولى من الدولة العثمانية.

  • (٢)

    الوسام العثماني الثاني من الدولة العثمانية.

  • (٣)

    الوسام المجيدي الثاني من الدولة العثمانية.

  • (٤)

    وسام إيزابلا الكاثوليكية من إسبانيا.

  • (٥)

    وسام القديسة حنة من روسيا.

  • (٦)

    وسام تاج بروسيا من بروسيا.

  • (٧)

    وسام شير خورشيد من إيران.

  • (٨)

    وسام فرنسيس يوسف من النمسا والمجر.

  • (٩)

    وسام تاج إيطاليا من إيطاليا.

  • (١٠)

    وسام موريس ولازار من إيطاليا.

  • (١١)

    وسام المخلص من اليونان.

  • (١٢)

    وسام النسر الأحمر من ألمانيا.

١  سنة ٣: عدد ١٨-١٩ لمديرها فارس مشرق ومحررها داود مجاعص.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤