أخبار الصحف في سائر البلدان العثمانية خارجًا عن مدينة بيروت
الفصل الأول: جرائد القسطنطينية ومجلاتها
السلام
لحد الآن ما تحقق إن كان إسماعيل باشا يبقى في هذا الشتا مقيمًا في نابولي أو يأتي إلى دار السعادة أو لمكانٍ آخر، وإذا جاء إلى دار السعادة لا يسكن داره التي في «أميركان»؛ لأنها منذ مدة صارت مختصة بالحكومة المصرية، حتى إنها عينت للذين مقيمين فيها من الخدمة والمأمورين معاشًا مع ما يلزم لأجل مصاريف تعميرات لها ثمان آلاف ليرة، فبناءً عليه يقتضي له أن يشتري دار رفعت باشا التي هي في الخليج؛ لأنها كبيرة أو دار سعيد باشا الكائنية في «الببك» ويعمرها، ولقد سمعنا أنه أرسل له من مصر بابورًا مشحونًا أشياء ومايتي رأسًا من الخيل وأن حريمه الثالثة لم تزل مريضة.
مدرسة الفنون
عنوان مجلة ٍعلميةٍ فنية ظهرت في ٢٥ كانون الأول ١٨٨٢م/١٥ صفر ١٣٠٠ﻫ لمنشئها حميد وهبي، فكانت تصدر في الشهر مرتين وتنشر مقالاتٍ مفيدة غايتها تنشيط المعارف وترويج الفنون على اختلاف أنواعها، وقد لاقت نصيرًا كبيرًا في وزارة المعارف العثمانية التي اشتركت فيها بنسخٍ شتى تعزيزًا لشأن العلم بين الرعية، واحتجبت هذه المجلة في السنة الثانية من عمرها.
الاعتدال
جريدةٌ أسبوعيةٌ سياسية برزت في ٢٩ آب ١٨٨٣م/٢٦ شوال ١٣٠٠ﻫ لصاحب امتيازها ومحررها أحمد قدري ترجمان اللغة العربية في الباب العالي والكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد، فقرَّظها أحد أدباء العرب نزيل الآستانة حينئذٍ بهذين البيتَين مؤرخًا:
وقد وافق ظهور هذه الجريدة لدى أفول نجم «الجوائب» التي قضت أثقال الشيخوخة على صاحبها بإهمال صحيفته والسفر إلى القطر المصري، فأراد أحمد قدري أن يقتدي بأحمد فارس الشدياق الذي نال القدح المعلَّى بين الصحافيين بالعلم والجاه والسياسة والمال وأحرزت جريدته حينئذٍ السيادة المطلقة على سائر الصحف العربية في العالم بأسره، ولكن التوفيق لم يخدم منشئ «الاعتدال» كما خدم صاحب «الجوائب» في جميع أدوار حياته، وعاشت جريدة «الاعتدال»، خمس سنين وتعطلت بسبب مرض صاحبها ووفاته، وفي الإجمال كانت عبارتها صحيحة ولهجتها معتدلة تذيع الأنباء الداخلية والخارجية بكل صدق، وكانت ميدانًا تتبارى فيه أقلام الكتَّاب بالمباحث الشعرية والعلمية والأدبية والاجتماعية كأحمد عزت باشا العمري الفاروقي والشيخ إبراهيم الأحدب وأبي النصر يحيى السلاوي والشيخ عبد الحميد الرافعي وغيرهم من أعلام الجهابذة، وقد حرر فيها حسن حسني باشا الطويراني مددًا كثيرة لا سيما في أول عهد نشأتها.
الإنسان: مجلة وجريدة
الإنسان هي مجلةٌ دينيةٌ علميةٌ فنيةٌ صناعيةٌ زراعيةٌ أدبيةٌ أخلاقية ظهرت بتاريخ ٢٨ آيار ١٨٨٤م/غرة شعبان ١٣٠١ﻫ لصاحب امتيازها حسن حسني باشا الطويراني، فكانت تصدر في الأسبوعَين مرة في ٢٤ صفحة مكتوبة بعبارةٍ بليغة وطافحة بالمقالات الطويلة لا سيما الدينية منها، ونشرت على صفحاتها كتاب «النسر الدهري» بقلم منشئها الفاضل، وقد عاشت إلى ١٥ جماد الآخر بعدما صدر منها ١٩ عددًا واحتجبت لأسباب استدعتها الأيام، وفي ٥ جماد الثاني ١٣٠٣ عادت إلى الظهور أسبوعية بشكل جريدةٍ مؤلفة من ثماني صفحات متوسطة الحجم ناصحة لأبناء العصر بما أوتيه صاحبها من الحكمة وروح العرفان، ومن أهم منشوراتها «مقامات الحسن» ثم «التهذيب الإلهامي في خدمة الدين الإسلامي» بقلم منشئ الجريدة وغير ذلك. وقد عطلها صاحبها في نواحي سنة ١٨٩٠ عندما سافر إلى القطر المصري ليسكن فيه، وهناك أصدر صحفًا كثيرة سنأتي على ذكرها في أماكنها وفي ترجمة حاله.
كوكب العلم
مجلةٌ أسبوعيةٌ صغيرة الحجم ذات ٣٢ صفحةً صدرت في ١٣ كانون الثاني ١٨٨٥م/ ٢٣ صفر ١٣٠٢ﻫ لصاحب امتيازها ومحررها نجيب بن نادر صوايا اللبناني، وقد رُسمت اللفظة الأولى من اسمها بشكل «كوكب» داخلة فيه اللفظة الثانية أي «العلم»، وهو فكرٌ مستمد من جريدة «كوكب الصبح المنير» البيروتية للمرسلين الأميركيين، وكانت تبحث في العلوم والفنون والصنائع وكافة المعارف بعبارةٍ قريبة المنال خالية من التعقيد، وتعميمًا للفائدة قد جعل لها منشئها قسمًا تركيًّا مستقلًّا لا يقل عن القسم العربي بعدد صفحاته وجودة مباحثه.
ومن مميزات هذه المجلة أنها كانت تُدافع عن النساء وتُحافظ على حقوقهن في كل جزء من أجزائها تحت عنوان «أبكار الأفكار في أفكار الأبكار» ونظن أنها المجلة العربية الأولى التي تصدت قبل سواها للمباحث النسائية وخصصت لها بابًا مستقلًّا، وقد اطلعنا في جزئها الثالث على البيتَين المشهورَين اللذين نظمتهما «الولادة بنت المستكفي بالله العباسي» فشطرتهما حفيدتها الشاعرة البليغة «م. ﻫ» التي لم نتوفق إلى معرفة اسمها قالت:
السلام
صحيفةٌ سياسيةٌ أسبوعية أنشأها الحاج صالح الصائغي سنة (١٣٠٢ هجرية/١٨٨٥ مسيحية)، فعاشت وقتًا قصيرًا لأسبابٍ مالية قضت على صاحبها بتعطيلها، وقد تولى تحريرها في المدة المذكورة حسن حسني باشا الطويراني منشئ جريدة «الإنسان» السابقة الذكر، وقد أرخ ظهورها إبراهيم بك كرامة نجل الشاعر المعلم بطرس كرامة الحمصي بهذين البيتَين:
وقد أخطأ قسطاكي بك حمصي بنسبته هذه الجريدة لخاله جبرائيل دلال بدلًا من جريدة «السلام» الأولى التي مرَّ ذكرها، يتضح ذلك من تاريخ البيت المنشور أعلاه إذا جمعت أرقام حروفه الأبجدية فاقتضى التنويه والتنبيه، (راجع كتاب «السحر الحلال في شعر الدلال» صفحة ٢٢).
الحقائق
مجلةٌ أسبوعية ظهرت في ٨ كانون الأول ١٨٨٥م/غرة ربيع الأول ١٣٠٢ﻫ لأبي النصر يحيى السلاوي، وكانت تشتمل على المباحث العلمية والأدبية والمطالب الدينية والدنيوية سيما العقليات وما جرى مجراها كالحكمة وأقسامها والحكم وأحكامها والتمدن وملحقاته والآداب العمومية والمنتخبات الصناعية والمواعظ العامة والنصائح الخاصة والفنون المفيدة، وأضاف إليها منشئها ما يتعلق بجميع ذلك من الحدود والتعريفات بحسب الموضوعات والمصطلحات على اختلاف المذاهب والمشارب والمعتقدات قديمة كانت أو حديثة وطنية أو أجنبية، وكان الغرض الأول من نشرها تبادل الأفكار مع أرباب الصحف العثمانية فيما يئول إلى تعميم المعارف وتنشيط الصنائع بين أفراد الأمة.
ويحسب أبو النصر يحيى السلاوي من أكبر شعراء عصره وأبلغ كتاب زمانه، فإنه خلف آثارًا نفيسة تشهد له بطول الباع لا سيما في التاريخ والشعر، منها مقصورةٌ غراء تحت عنوان «عقد الجمان في تاريخ سلاطين آل عثمان» اشتملت على خلاصةٍ تاريخية شعرية من السلطان عثمان خان إلى محمود الثاني، وقد وقفنا له على تشطيرٍ بديع للقصيدة التي نظمها أبو المظفر منصور بن مبارك الواسطي في مدح السيد أحمد الرفاعي الكبير ومطلعها:
وهي تبلغ ٢١ بيتًا شطرها السلاوي المشار إليه قائلًا:
الحقائق
الحقائق هي الجريدة السياسية العربية الوحيدة المطبوعة في الآستانة لصاحب امتيازها ومحررها البارع إبراهيم أفندي أدهم الذي اتخذ فيها خطةً محمودة حظيت بالقبول … وتمتاز هذه الجريدة الإسلامية بمنهاجها السلمي واعتدال مشربها …
الحقوق
مجلةٌ شهرية صدرت في ١٣ تموز ١٨٩٠ باللغتَين العربية والتركية لصاحب امتيازها الدكتور إلياس بك مطر الحائز على شهادتَي الحقوق والطب ومديرها إلياس بك رسام من مشاهير وكلاء الدعاوى في القسطنطينية، وهي تبحث عن الحقوق العادية والتجارية وتشكيلات المحاكم وأصول المحاكمات المدنية والجزائية وحقوق الدول، وعن حكمة الحقوق وتاريخ الحقوق والحقوق الطبيعية والمحاكمات والقرارات المهمة إلخ، فكانت منزهةً عن كل غرض، تتحرى حل ما غمض من المشاكل وإذاعة ما راق من المسائل والفوائد، وعطلتها الحكومة ثلاث مرات؛ لأنها كانت تنتقد أعمال المحاكم ومقرراتها وتبين لها وجوه الإصلاح.
وأخيرًا تهدد رؤساء الدوائر العدلية صاحبَيها الفاضلَين بالسوء إذا استمرا على خطتهما الانتقادية، ولما كانت مصالحهما الذاتية تقضي عليهما بمراعاة جانب الحكام في عهد السلطان عبد الحميد اضطرا مكرهين على هجر الصحافة وتوقيف نشر المجلة بعد تعطيلها للمرة الثالثة حذرًا من شر العاقبة. ومحررها إلياس بك رسام ينتمي إلى أسرةٍ كريمة من أقدم عائلات الموصل في بلاد بين النهرين، هاجر أبواه المدينة المذكورة إلى حلب، وهناك أبصر نور الوجود، ثم رحلت عائلته إلى أورفا ولم يزل بعضهم فيها إلى الزمان الحاضر. وبعد حين جاء إلياس بك رسام مدينة القسطنطينية فسكن فيها وتعاطى الأشغال، وقد اشتهر لدى الخاص والعام بصدق معاملاته ومحاسن صفاته واستقامة مبادئه، وهو حائز على بعض الرتب وأوسمة الشرف التي نالها بكل استحقاق، وقد طلبنا منه أن يتحفنا بسيرة حياته ورسمه حتى نثبتهما في هذا الكتاب فلم نفلح لشدة اتضاعه وكراهته لحب الشهرة، أما زميله إلياس مطر فقد أفرزنا له ترجمة مخصوصة في الباب الرابع من الجزء الثاني.
الفصل الثاني: أخبار جرائد دمشق ومجلاتها
دمشق
جريدةٌ أسبوعيةٌ سياسية ظهرت عام ١٨٧٨ باللغتَين العربية والتركية لصاحب امتيازها أحمد عزت باشا العابد الذي ترقى بعد ذلك إلى أعظم مناصب الدولة حتى صار كاتبًا ثانيًا للسلطان عبد الحميد، وكان لدى تأسيس جريدة «دمشق» رئيسًا لقلم المخابرات التركية والعربية في حكومة سوريا على عهد واليها جودت باشا المؤرخ الشهير الذي حرضه على إنشائها، وقد نشر على صفحاتها فصولًا كثيرة أشار فيها إلى مآثر العرب ومفاخرها وعلومهم وفضائلهم، وبعد انتشارها بخمسة شهور احتجبت زمانًا قصيرًا لشواغل شخصية، ولما أسند منصب الولاية إلى مدحت باشا سنة ١٨٧٩ رافقه أسعد أفندي أحد أبطال تركيا الفتاة، واشتهر أسعد أفندي بهجومه مع علي سعاوي على قصر «جراغان» لإنقاذ السلطان مراد الخامس من الحبس وتقليده سيف الخلافة بدلًا من عمه السلطان عبد العزيز المخلوع، فأوعز مدحت باشا إلى أحمد عزت باستئناف نشر الجريدة التي أعيد ظهورها في ٩ آب للسنة المذكورة، وعهد إلى أسعد أفندي بكتابة قسمها التركي لرسوخ قدمه في قواعد اللغة العثمانية، وبعد سفر مدحت باشا من سوريا اشترك أسعد أفندي مع جبران لويس في تعاطي فن المحاماة ثم صار مديرًا لرزي التبغ في دمشق، وقد نفي في آخر أيامه إلى فزان بطرابلس الغرب ومات هناك.
أما القسم العربي من الجريدة فتولى كتابته سليم بك عنحوري الذي كان إذ ذاك محرر مقاولات مركز الولاية فنشر فيها المقالات السياسية والعمرانية تعزيزًا لأركان الدستور، وفي أثناء ذلك انضم أحمد عارف بك ابن الملا نور الله قاضي دمشق إلى صاحب الامتياز فاشتركا معًا في إدارة هذه الصحيفة، ثم انتقل تحريرها بعد سنة إلى يد أديب نظمي ومصطفى واصف اللذين أنشآها نحو السنتين. ولما أخذ أحمد عزت باشا يتقلب في مأموريات السلطنة خارجًا عن مسقط رأسه اضطر إلى إهمال مصلحة الجريدة التي صارت تصدر بلا انتظام إلى آخر عهدها في سنة ١٨٨٧.
مرآة الأخلاق
مجلة نصف شهرية ظهرت في غرة كانون الثاني ١٨٨٦ لصاحبيها سليم وحنا عنحوري، فكانت تنشر بشكل كتاب يتألف منه في آخر السنة ٢٤ جزءًا وكل جزء في ٢٤ صفحةً صغيرة بدون امتياز من طرف الحكومة، وقد استهلَّاها بهذين البيتَين:
وكانت هذه المجلة على قسمَين كما صرح صاحباها في فاتحة المقال: «أحدهما روايات تتجاذب طرفي الغرام والأدب وتأخذ بناصيتي الفكاهة والعلم، والثاني يخوض كل عباب ويبحث في كل ركاز وتراب، فحيثما فاز بدرة كنَزَها، وأينما ظفر بشذرة أحرزها خلا السياسة والدين.»، وعلى أثر صدور العدد الأول منها حجزت عليها الحكومة استبدادًا لوشاية قدمت على أحد صاحبيها سليم بك بحجة أنه يتحدى القرآن في المقالات التي ينشرها في القسم الأول منها وهو المختص به تحريره، وبعد المرافعة التي انجلت عن التبرئة أضربا عن اطراد نشرها حذرًا من مظالم الحكام، ثم نال سليم بك امتيازًا بتأسيس مطبعة باسم «الاتحاد» ومجلة باسم «مرآة الأخلاق» على يد ناشد باشا والي سوريا، ولكن شدة التضييق والمراقبة على المطبوعات في ذلك الوقت حالت دون استئناف إصدار المجلة؛ فبقيت مطوية إلى الآن.
وكان شريكه حنا بن روفائيل بن حنا عنحوري من نوابغ الشبان السوريين، فإنه ولد سنة ١٨٦٤ وتخرج في المدرسة البطريركية في بيروت واشتغل بفن التمثيل في دمشق مع جورج مرزا مدةً من الزمان، ثم سافر مع خاله المطران ملانيوس فكاك سنة ١٨٨٧ إلى روما فباريس، وهناك أخذ يدرس الطب ويعلم الآداب العربية في مدرسة القديس يوحنا فم الذهب إلى أن مات فجأة في ١٣ آذار ١٨٩٠ عن ست وعشرين سنة، وكان بارعًا في اللغة العربية ومن بلغاء كتابها، وقد انتخبه «المجمع العلمي الآسيوي» عضوًا له في باريس، وله من المطبوعات رواية «الهوى شرك الهوان» ورواية «شقاء المحبين» وغير ذلك من الآثار الأدبية، وكان يتردد كثيرًا على المكتبة الكبرى في باريس للمطالعة ونسخ بعض المخطوطات القديمة، وبعد وفاته نُشر كراس مصدر برسمه وحاوٍ لترجمته ومآثره.
الفصل الثالث: جرائد حلب
الشهباء
وبناء على ذلك كان إصدار جريدة الشهباء التي وقفت خدمتها بأمانة وجعلتها تحوز حسن القبول من العموم، غير أنها أصيبت اضطهاد الوالي السابق دولتلو كامل باشا فعطَّلها ثلاث مرات، ولا نرى حاجة لبسط أسباب وقوعها تحت هذا التعدي لشهرة أمره … على أننا نكتفي بالقول إن حضرة الوالي المشار إليه ماذا يجيب إذا سئل في محكمة الإنسانية عن سبب مقاومته جهده في صد هذا المشروع الخيري ومعارضة القائمين به وإضرارهم ماديًّا وأدبيًّا، هل له من جواب يدفع عنه الحكم الحق بأن السبب ليس إلا ما في فطرته من عداوة الحرية؟ … لأن كامل باشا في التعطيل الثالث أمر أولًا بالحجز على المطبعة ووضعها تحت مراقبة الضابطة، ثم لم يشأ اعتراف أعلام المحكمة الابتدائية في براءتها كما أنه لم يعمل بعد أيضًا بتصديق المحكمة الاستئنافية على البراءة، بل استبدَّ في تعطيلها بصورةٍ غريبة جدًّا، أما حضرة دولتلو مظهر باشا فإنه منذ تشريفه لا زال يبذل لها عواطف التنشيط والتشويق والوعد بالمساعدة والحماية وامتلاك الحرية مصرحًا بأنها إن وجدت في أعمال وإجراءات دولته نفسه ما يقتضي التنبيه أو التنديد يسره أن يراها غير متحاشية من ذكره … لكن قد ساءنا أخيرًا كون «الشهباء» عاقها بعض الموانع عن أن تغتنم هذه الفرصة فقامت مقامها في ذلك «الاعتدال».
الاعتدال
على أن الاعتدال هي الشهباء من كل حيثية، وقد أخذت على نفسها من قبلُ ومن بعدُ القيام بكامل وظائف الجرائد الأهلية من نشر حسنات الإجراءات وإعلان سيئات المأمورين وعرض احتياجات البلاد إلى مساعي أولي الأمر ونشر كل ما يقتضيه تهذيب الأخلاق وتوسيع دائرة المعارف من أبحاثٍ علمية وسياسية وغيرها. وبناءً على كون الاعتدال مصمَّمة بإخلاص على أن يكون مسلكها معتدلًا في جميع مقاصدها تعلن أنه إذا وقع تقصيرٌ ما ونُبِّهت عليه تبادر لإصلاحه متشكرة أفضال المنبِّهين؛ لأن أشرف ما يكون للجرائد أن تحوز على حسن القبول والولاء من العموم.
أما الكواكبي فقد كان مع ذلاقة لسانه في الخطابة صاحب نظرٍ دقيق ونير، وقد أخذ فكرة الأفغاني في عقد المؤتمر الإسلامي فشرحها شرحًا مطوَّلًا في كتابه الذي صدر باسم «سجل جمعية أم القرى»، وضمَّن هذا الكتاب أعمال المؤتمر الذي لم يمكن عقده، ووصف بأسلوبه الحسن حالة العالم الإسلامي وشخص أمراضه بكل انتباه مع ذكر الدواء اللازم لها. الكواكبي هو العالم النظري الذي دعا للجمعية الإسلامية وهو المفكر الذي لم يؤثر فيه الوعيد والتهديد، وإذا كان الأفغاني قد أظهر الميل إلى عبد الحميد بمجيئه إلى الآستانة حتى مات فيها، فإن الكواكبي ظل دائمًا العدو الألدَّ لعبد الحميد حتى ألَّف كتابه — طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد — تشنيعًا على حكومته.
الفصل الرابع: جرائد جبل لبنان
الجعبة
اسم لجريدة أسبوعية هزلية صغيرة الحجم مطبوعة على الهلام (الجلاتين) أصدرها في نواحي سنة ١٨٧٣ الشيخ نوفل الخازن في قرية «درعون» بلبنان، وهي تتضمن شيئًا كثيرًا من النوادر والحكم واللطائف التي اشتهر هو بها خصوصًا والمشائخ الخازنيون عمومًا، وكانت تحتوي أيضًا على حوادث يوسف بك كرم أشهر أبطال لبنان في القرن التاسع عشر مع أخبار الحروب التي جرت بينه وبين داود باشا أول متصرِّف على الجبل المذكور، فكان أهل الذوق يتهافتون إلى مطالعتها وقد عطلها منشئها بعد صدور أعدادٍ قليلة منها.
ولد الشيخ نوفل من أبيه قانصوة بن حصن بن نوفل بن حصن بن نوفل بن حصن بن فياض بن نادر بن خازن بن إبراهيم بن سركيس الخازن، وكان جده الشيخ نوفل بن حصن قنصل فرنسا في بيروت وكاتب المجمع اللبناني الذي التأم سنة ١٧٣٦ في دير اللويزة، وقد تلقى صاحب «الجعبة» مبادئ العلوم في دير الشرفة للسريان الكاثوليك، ثم أخذ علم الفقه عن المطران يوحنا الحبيب منشئ جمعية المرسلين اللبنانيين، وتولى القضاء مدةً في محاكم لبنان فكان مثال النزاهة والاستقامة، وبعد أن ترك القضاء زاول فن المحاماة إلى آخر أيامه، وحلَّت وفاته في أواخر تشرين الثاني ١٩٠٥ في بيروت على أثر مرض السرطان، فنقل إلى مسقط رأسه في درعون حيث دُفن بإكرام وتولى صلاة الجنازة عن روحه بطريرك الطائفة المارونية وأحبارها ومطارنة سائر الطوائف، وكان مشكور الأعمال طيب السريرة ينظم الشعر بلا تكلف، ولأجداده آثار تُذكر فتُشكر في سبيل نصارى جبل لبنان كما يتضح ذلك من الفرامين السلطانية والبراءات البابوية وامتيازات الشرف الممنوحة لهم من ملوك فرنسا، وهي محفوظة بأسرها لدى الكونت حصن دي خازن شقيق الشيخ نوفل في منزله بدرعون وشاهدناها مرارًا، ومن منظوماته الأنيقة قصيدة رثى بها الكونت أنطون دي طرازي الذي مات غريقًا بتاريخ ٢١ نيسان ١٩٠٠ في مينا بيروت وهي:
لبنان
عنوان لصحيفةٍ أسبوعيةٍ سياسيةٍ علميةٍ تجاريةٍ أدبية أنشئت في «بعبدا» بتاريخ غرة تشرين الأول ١٨٩١ لصاحبها إبراهيم بك الأسود أحد أعضاء مجلس إدارة جبل لبنان لذاك العهد، فكانت مشمولة بعناية واصا باشا وصهره كوبليان أفندي اللذين فرضا على كل الأعيان وأصحاب المصالح ومأموري الحكومة أن يشتركوا في الجريدة؛ فراجت بمساعيهما رواجًا كبيرًا وجلبت لمنشئها أرباحًا كثيرة. وفي سنتها الثانية عطَّلها نعوم باشا المتصرف الخامس على الجبل وكان قد صدر منها ٨٦ عددًا. ثم أعيد نشرها وكانت لسان حال الحكومة اللبنانية تنشر الإعلانات القضائية والأوامر الرسمية، وقامت بكثير من الاكتتابات الخيرية، منها اكتتاب في أثناء الحرب العثمانية اليونانية فنال صاحبها لأجله المدالية المخصوصة، ومنها اكتتاب السكة الحجازية وقد أحرز إبراهيم بك لأجلها مدالية السكة المذكورة، وفوق ذلك منحته الدولة «الرتبة الثانية» مع الوسامين «المجيدي الثالث» و«العثماني الرابع».
وفي ٩ كانون الثاني ١٩١٣ استقل الشيخ شاهين الخازن بإدارتها وتحريرها ومخابرة وكلائها والمشتركين فيها، وذلك بموجب شركة عقدها مع صاحب الامتياز انصرافًا من الثاني إلى أشغاله الخاصة والقيام بوظيفته كعضو في دائرة الحقوق الاستئنافية في الجبل، فأخذ الشيخ شاهين يعمل على تعزيز شأن الجريدة ويزين أعمدتها بنشر الفصول الجديرة بأن يقرأها كل لبناني، ولا غرو فهو الصحافي الذي تجسمت الشهامة الوطنية في كتاباته وأعدَّ قلمه لخدمة الحياة القومية والمبادئ الحرة، تشهد على ذلك مقالاته البليغة في أشهر الصحف السورية والمصرية وسنأتي على تفصيل كل ذلك في حينه إن شاء الله تعالى.
الفصل الخامس: أخبار الصحف العثمانية في شمال أفريقيا وشبه جزيرة العرب
طرابلس الغرب
هي جريدةٌ أسبوعيةٌ رسمية ذات أربع صفحات أصدرتها الحكومة العثمانية عام ١٨٧١ في مدينة طرابلس الغرب بأمر السلطان عبد العزيز، فنشرتها في اللغتين العربية والتركية وخصصتها بالولاية المعروفة بهذا الاسم في شمال أفريقيا. وكانت هذه الصحيفة ركيكة العبارة سقيمة الحروف تُطبع في مطبعة الولاية وتقتصر على نشر الأوامر والوقائع والإعلانات والتوجيهات كسائر الصحف الرسمية في السلطنة العثمانية. ولما اغتصب الإيطاليون هذا القطر في ٢٩ أيلول ١٩١١ وأعلنوا ضمه إلى أملاكهم أطلقوا قنابل مدافعهم على مدينة طرابلس الغرب ودمَّروها، فنالت المطبعة نصيبها من الخراب؛ ومن ذلك الحين تعطلت الجريدة بعد ما عاشت إحدى وأربعين سنة، وكان القائمون بإنشاء فصولها بعض مأموري الحكومة المحلية الذين لم يتيسر لنا الوقوف على أسمائهم.
صنعا
جريدةٌ أسبوعيةٌ رسمية ظهرت عام ١٨٧٧ في مدينة «صنعا» قاعدة ولاية اليمن في شبه جزيرة العرب، وقد أمر بإنشائها السلطان عبد الحميد الثاني لنشر أفكاره وخدمة مصالح حكومته في تلك الأصقاع النائية، فكانت تطبع في مطبعة الولاية باللغتين العربية والتركية في أربع صفحات كبيرة ثم صارت تصدر في ثماني صفحاتٍ صغيرة بحرفٍ جلي وأكثر إتقانًا، أما عبارتها فكانت ركيكة تدل على قصر باع كتَّابها في صناعة الإنشاء ثم تحسنت شيئًا قليلًا في السنين الأخيرة، ولم تزل هذه الصحيفة تصدر حتى اليوم في أوقاتها المعلومة كما سبق الكلام، وهي الأولى والوحيدة التي ظهرت في تلك الولاية الواسعة؛ لأن سكانها ليسوا على شيء من العلم والحضارة والاستعداد لقبول التمدن العصري، ويرجع أكثر اللوم في ذلك على الحكومة العثمانية التي كانت ترسل إلى اليمن عمالًا ينصرفون إلى منافعهم الذاتية ويهملون مصالح الشعب ويجهلون لغة السكان ويختلفون معهم مشربًا، ولذلك كثرت الفتن بين الحكومة وزعماء تلك البلاد كالشيخ الإدريسي والإمام يحيى وغيرهما من أمراء العرب الذين اشتهر أمرهم.