الباب الأول

يشتمل على أخبار كل الصحف العربية في أوروبا في الحقبة الثانية

١٨٧٠–١٨٩٢

الفصل الأول: وصف أحوال الصحافة الأوروبية بوجه الإجمال

كان للصحافة العربية في أوروبا شأنٌ محترم في هذه الحقبة لا سيما بعد ارتقاء عبد الحميد الثاني إلى عرش الدولة العثمانية، فإن هذا السلطان المشهور بمظالمه بثَّ العيون على الصحافيين الأحرار، وأراد أن يجعلها آلةً صماء لتنفيذ مآربه، فلاذوا بأوروبا حيث العدالة رافعة لواءها؛ ليكونوا آمنين على حياتهم من شر هذا الطاغية الكبير، فعاشوا هناك ونشروا جرائدهم ليحاربوا دولة الظلم ويخدموا وطنهم المحبوب بالإخلاص ويمهدوا بحرية قلمهم للبلاد الشرقية سبيل الارتقاء إلى أوج الحضارة، وإثباتًا لذلك نورد فقرة نشرها الأخ أنستاس ماري الكرملي صاحب مجلة «لغة العرب» البغدادية على صفحات مجلة «المسرة» اللبنانية في مقالة عنوانها «الصحافة في بغداد» ومنها تتضح حالة الصحافة العثمانية في عهد الاستبداد وهي:

كانت الصحافة في بلاد الدولة العثمانية في عهد الاستبداد منحطةً غاية الانحطاط هاويةً إلى أبعد دركةٍ من التسفُّل، بل كان الصحافي عبارةً عن رجل قد كمَّ فمه، وعُصبت عيناه، وغُلت يداه وقُيدت رجلاه، ونُزع قلبه وفُلج دماغه، لا حراك له حتى لم يبق له من البشرية إلا الصورة الظاهرة؛ لأنه ما كان يصدر منه أو من قلمه ما يدل على أنه رجلٌ حرٌّ مفكرٌ عامل لمنفعة أبناء جنسه، بل كل ما يدل على أنه آلةٌ عجماء بيد قوم من الظلمة الفجار، وبقيت هذه الحالة ما ينيف على ثلاثة عقود من السنين حتى قيَّض الله لهذه الأمة المهضومة الحقوق أناسًا ذوي همةٍ علياءَ شماء ضربوا على أيدي أبناء الجور والاستبداد، فافترَّ من ورائهم للحال ثغر صباح الدستور، فأُعلنت حرية المطبوعات، وتفتقت الألسنة بآلاء الحمد والشكر، ولألأ جبين الحق بنور الإخاء، وانقلبت الأمور إلى ما به خير العموم.

إن الأمور لها رب يدبرها
في الخلق ما بين تجميع ومفترق
قد يفرج الضيق يومًا بعد أزفته
ويكتسي الغصن بعد اليبس بالورق

وكان معظم صحافيي العرب في أوروبا زهرة الأدباء العثمانيين أو المصريين لذاك العهد، وأكثرهم من المسيحيين المتخرجين في المدارس العالية أو المبرزين في حلبة المعارف كالدكتور لويس صابونجي وخليل غانم وزرق الله حسون وعبد الله مراش وجبرائيل دلال ويوسف باخوس وأديب إسحاق وميخائيل عورا ونعمان بك الخوري ومنصور جاماتي وسواهم، أما المسلمون فأشهرهم السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده المصري وإبراهيم المويلحي، ونذكر من الإسرائيليين الشيخ يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة.

فأخذوا ينشرون الجرائد العديدة التي جابت مشارق الأرض ومغاربها، بل لعبت دورًا مهمًّا في سياسة الشرق عمومًا، وكانت تلك الصحف تتكلم عن الأحوال السياسية بلا محاباة وترسل إلى القراء والمشتركين في تركيا بطريقةٍ خفية حذرًا من جور المأمورين وجواسيس عبد الحميد، وقد انحصر ظهورها في إنكلترا وفرنسا وإيطاليا، ومنها صحيفتان في جزيرة قبرص وصحيفة صدرت في جزيرة مالطا وكانت تُنشر بلغة سكان هذه الجزيرة وهي مزيج من اللغة العربية العامية واللغة الإيطالية وغيرهما، وكانت تلك الصحف تُطبع غالبًا على الحجر لقلة العمال العارفين هناك بترتيب الحروف العربية في ذاك العهد. وفي الفصول التابعة نتكلم عن هذه الجرائد واحدةً فواحدةً لبيان مقصدها وكشف النقاب عن غايتها وغرض أصحابها، وبلغ مجموعها اثنتين وثلاثين صحيفةً، منها ثمانٍ في لندن وثماني عشرة في باريز وواحدة في «أنجه» بفرنسا وواحدة في نابولي وواحدة في «غلياري» من أعمال جزيرة سردينيا وواحدة في جزيرة مالطا واثنتان في قبرص.

الفصل الثاني: جرائد مدينة لندن ومجلاتها

آل سام

اسم لجريدةٍ أسبوعيةٍ سياسية برزت عام ١٨٧٢ لصاحبها رزق الله حسون الذي كان يرتب حروفها بنفسه ويطبعها على المكبس في بيته في قرية «وندسورث» بالقرب من لندن، وقد اخترع هو تلك الحروف وحفرها بأنواع الخطوط المختلفة التي تفوَّق بها وجهز بها مطبعته المعروفة بمطبعة «آل سام»، وكان قصده في إصدار هذه الجريدة مبنيًّا على أمرَين كانا عنده من أهم الأمور وهما: أولًا الاقتصاد المالي، وثانيًا التقبيح في دولة الأتراك التي كانت تتلاعب بها أيدي السياسة الخرقاء؛ ولذلك أخذ يشوق الشرقيين إلى محبة روسيا التي كان يتمنى لها الاستيلاء على القسطنطينية، ولم يصدر من نشرة «آل سام» سوى أعدادٍ قليلة؛ لأن منشئها كان يُقلد الفرزدق في الهجو ويقدح قدحًا مريعًا بالأتراك ودولتهم.

مرآة الأحوال

جريدةٌ أسبوعيةٌ سياسيةٌ أخلاقية ظهرت في ١٩ تشرين الأول ١٨٧٦ لصاحبها رزق الله حسون الذي نشرها لإظهار الخلل السائد في تركيا، فكانت آيةً في الظرف وبلاغة الإنشاء وجودة الكتابة، وطُبعت على الحجر بخط صاحبها المشار إليه، «وكان رزق الله حسون من رجال السياسة يسعى مع الأحرار في إصلاح تركيا، وذلك ما ألجأه إلى سكن لندن إلى آخر حياته.»١ وقد جرى الاتفاق بينه وبين الدكتور لويس صابونجي على أن ينشئ الأول مقالاتها الأدبية ويترجم لها أهم الأخبار عن الصحف الإنكليزية، ويحرر الثاني فصولها السياسية، لكن الصابونجي افترق عن زميله بعد ظهور بعض أعداد منها لوفرة أشغاله، فاستعان حينئذٍ مؤسس الجريدة برجلٍ أديب من وطنه يسمى عبد الله بن فتح الله مراش كان كاتبًا في محل «فتح الله طرازي» التجاري بمانشستر، فتولى إنشاء المقالات السياسية فقط في صدر الجريدة وكان رزق الله حسون يكتب سائر موادها وينسخ بخطه الجميل كل فصولها على ورقٍ مستحضَر لينقل إلى الطبع على الحجر، ثم تركها عبد الله مراش في عامها الثاني لخلاف طرأ بينه وبين حسون الذي كان يغير بعض كتابات المراش عند نسخ الجريدة. واشتهرت «مرآة الأحوال» في كل الأقطار حتى إن عدد النسخ التي كانت تُباع منها في لندن وحدها بلغ ٤٥٠ على قلة الناطقين بالضاد؛ فتأمل. أما سبب تعطيلها فقد ذكره حسون في مقدمة مجلته «حل المسألتَين الشرقية والمصرية» وهذا نصه:

ضاعف الله أيام السادة المشتركين في مرآة الأحوال وزاد بهجتهم ونضرتهم بكرمه ومنِّه إنه ولي كل إحسان. صدني وقاكم الله ضعف عن القيام بكتابة مرآة الأحوال … وامتنع تصديرها بحروف الطباعة لما تقتضيه علاوة أضعاف النفقة الليتغرافية، ولم يوازِ دخل المرآة ربع نفقتها.

النحلة

مجلةٌ مصورةٌ كبيرة الحجم متقنة الطبع ظهرت بتاريخ ٢ من شهر نيسان ١٨٧٧ مرة في الأسبوعَين لمنشئها الدكتور الفاضل لويس صابونجي الذي صدرها بهذه الأبيات:

يا بني الأوطان هبوا ما لكم
في رقادٍ عن نجاح واجتهاد
قد غرسنا جنةً في أرضكم
وانتخبنا نحلةً تجني المواد
شهدها فيه شفاء للورى
من أتاها نال منها ما أراد
وازدهت آدابنا في روضها
من قفير النحل شهد يُستفاد
ضاء نور العلم فيها بعدما
مال جهل واستوى فيها السداد
رن في الآفاق عالي صوتها
من صداه قد دوى حتى الجماد
يجتني اليعسوب ما يحلو لكم
من مواد شأنها وصف البلاد
أكرم اليعسوب حتى مصحف
خصه الرحمن رشدًا للعباد
اطلبوا منها رشادًا للنهى
من جناني تجتني زهر الرشاد
حكمة في نزهةٍ في لذةٍ
يستقي من وردها صادٍ وغاد
figure
الدكتور لويس صابونجي؛ صاحب «النحلة» وجريدتَي «الاتحاد العربي» و«الخلافة» في إنكلترا؛ رسمه عندما قابل ناصر الدين شاه إيران.

وهي المجلة التي أسسها على أنقاض مجلته البيروتية المعروفة بهذا الاسم ونقش على غلافها هذه العبارة: «النحلة الأدبية رأت التصاوير البهية تهدي العقل شهد العلم وهو يتبصر في حقائقه بالنور الطبيعي.» وقد نشرها أولًا في اللغة العربية ثم في العربية والإنكليزية معًا حتى بلغت عامها الرابع وعطَّلها لأسباب. وتعد «النحلة» من أرقى المجلات وأحسنها بتعدد مواضيعها وإتقان رسومها وسهولة عباراتها، لا سيما في ذلك العهد الذي كانت فيه مجلاتنا العلمية في عهد الطفولة، وكل من طالع أجزاءها لا يتمالك من الإقرار بفضل صاحبها العلَّامة الذي أحاط بجميع أنواع العلوم إحاطة السوار بالمعصم، وزيَّن الصحافة العربية بنفثات قلمه التي جابت الخافقَين واشتهرت في العالمين، وحسبنا برهانًا على سمو منزلة هذه المجلة أنها لم تترك بابًا من أبواب العلوم القديمة والحديثة إلا طرقته وجالت في مضماره وهي: الآثار العتيقة والتاريخ والجغرافية والأدب واللغة والنبات والمعادن والفلسفة والفلك والرياضيات والطب والطبيعيات والكيميا والآلات والزراعة والصناعة والتجارة والاكتشافات العصرية والاختراعات العقلية وغيرها، وأضاف إليها كل ما جدَّ وجلَّ من أخبار الدنيا وحوادثها مما يتشوق إلى معرفته الناطقون بالضاد بعد التحري بسبر غثها من سمينها، وانتقاد صحيحها من فاسدها، وعانى الدكتور لويس صابونجي تعبًا جزيلًا في سبيل مجلته التي أنشأها في ظل الدولة الإنكليزية لعلمه «بأن زهر المعارف لا يُجنى إلا في رياض الحرية وربيع السلام وربوع الأمان.» كما قال في فاتحة العدد الأول.

وبين الذين عضدوا الدكتور صابونجي لنشر مجلته نذكر: إسماعيل باشا خديو مصر، والسيد برغش سلطان زنجبار، وأحمد علي خان نواب رمبور، والسير «سالر جنك» وصي «النظام» حاكم حيدر آباد ووزيره الأعظم، وقاسم باشا الزهير البغدادي، والدكتور جرجس باجر، والدوق «أف وستمنستر» واللورد «شافتسبري» والسير «موسى منتيفيوري» ومستر «داود ساسون» والسير «ويليام ماكينن» وغيرهم من أعاظم الرجال. وقد قرظت أمهات الجرائد الإنكليزية الكبرى مجلة النحلة بما تستحقه من الثناء كما هو مسطر على صفحات كتاب «حر عثمانلو» والعدد الأول من جريدة «النحلة» المطبوعة عام ١٨٩٥ في القاهرة، وممن قرظها قيصر أبيلا بقوله:

ألا حبذا القوم الكرام الألى لهم
على وطن من خير أفضالهم فضل
عليهم ثناء لا يزال مؤبدًا
يطيب كما طاب الذي جنت النحل
فأكرم بمن من روض أفكارهم لنا
جنى نحلةٍ يخلو وأثمانه تغلو
تطيب لنا مما حوته فوائد
وأعذب شيء ما يلذ به العقل

وقد قرظها أيضًا جرجس بن إسحاق طراد بهذه الأبيات:

هي نحلة من كل فنٍّ قد جنت
وجلت عن التاريخ ما هو مظلم
هبوا بني الأوطان واجنوا شهدها
قد حان آن قطافه والموسم
وشَّى صحائفها جليلٌ ماجد
في وصفه الأوطان تزهو وتبسم

حل المسألتَين الشرقية والمصرية

هي أول مجلةٍ شعرية ظهرت في اللسان العربي بعناية مؤسسها رزق الله حسون الذي نشرها عام ١٨٧٩ مرتين في الشهر، وكانت تتضمن البحث في سياسة مصر خصوصًا والشرق الأدنى عمومًا، وقد عاشت نحو السنة فبلغ مجموع صفحات أجزائها أكثر من ثلاثمائة صفحة، وكانت تطبع بقطع الثمن على قرطاس رقيق جدًّا جدًّا حتى يسهل إرسالها إلى المشتركين ضمن ظروف مختومة كرسائل البريد ولا تصير مصادرتها من الدولة العثمانية؛ لأن المجلة كانت تحتوي على قصائدَ مشحونةٍ بالهجو الفظيع في حق رجال الحكومة العثمانية لا سيما مختار باشا الغازي الذي انكسر من الجيوش الروسية في القرص. وكانت مكتوبة بيد منشئها ومطبوعة على الحجر كسائر الصحف التي نشرها حسون في عاصمة الإنكليز، وتعطلت عام ١٨٨٠ بوفاته؛ إذ فاجأته المنية ليلًا في قطار السكة الحديدية بينما كان سائرًا من بيت أحد أصحابه السوريين المقيمين في لندن إلى داره التي كانت بشارع «ألفا ترس» Alpha Terrace في قرية وندسورث، وفي الغد شقَّ الأطباء صدره ليعلموا سبب موته فوجدوا قلبه محفوفًا بموادَّ كثيفةٍ شحمية، فحكموا على موته بسكتة القلب من شدة الاضطراب الذي استولى عليه في تلك الليلة؛ لأنه بقي إلى نصف الليل مع أصحابه من أبناء العرب يرغو ويزبد ويشتد غيظًا على الأتراك ويطعن فيهم، وقد أنشدهم قصيدته التي هجا بها الغازي مختار باشا ومطلعها:
هل أتاكم بأن مختار غازي
أصبح اليوم وهو محتار باشا
بات مثل البرغوث أو قملةٍ مفرو
كة قُصعت بلحية باشا

الخلافة

صحيفةٌ سياسية أنشئت في كانون الثاني ١٨٨١ في أربع صفحاتٍ مخطوطة بيد صاحبها الدكتور لويس صابونجي ومطبوعة على الحجر أيضًا، فجعل شعارها «حرية واستقلال ونجاح وإقبال»، ثم افتتحها بهذه الآية لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وقد تبرع بعض المتمولين في إنكلترا برأس مال قدره عشرة آلاف جنيه لنشر هذه الجريدة التي لم نشاهد قط أكثر منها جرأةً وأنطق لسانًا وأشد لهجةً في تشخيص أمراض الدولة العثمانية ونشر الحقائق الجارحة عن السلطان ووزرائه، وكانت في الوقت ذاته تُترجم إلى اللغات التركية والفارسية والهندية تعميمًا لفوائدها في جميع الأقطار الإسلامية، ومن أهم مقالاتها التي تستحق الذكر هي: «مسألة الخلافة والمسلمون» ثم «الخلافة في آل عثمان» وكذلك «حي على الاستقلال أيها الأبطال» ومنها «الخلافة والقانون الأساسي» إلخ، فلما اطلع عليها موزوروس باشا سفير تركيا في لندن بعث ببعض نسخ منها إلى السلطان عبد الحميد الثاني ليقف عليها، فاضطرب السلطان لذلك وارتعش فؤاده خوفًا من سوء العاقبة ثم أرسل أمرًا إلى السفير بأن يقنع منشئ الجريدة ويلاطفه ويطمعه بالمال لإبطالها؛ فاستدعاه موزوروس باشا إليه وكلمه مليًّا بهذا الشأن، فأبى الدكتور صابونجي أن يذعن لإرادة السفير مصرًّا على إصدار الجريدة؛ لأن أمراء المسلمين كانوا يعضدونه في هذا السبيل، وقد احتجبت «الخلافة» عندما أبدلها منشئها بجريدة «الاتحاد العربي» التي سيأتي وصفها.

الغيرة

نشرةٌ سياسية نصف شهرية ذات صفحتَين أصدرها في ١٠ شباط ١٨٨١ رجلٌ هندي يسمى عبد الرسول كان يتردَّد على السفارة العثمانية للاستعطاء، فأوعز إليه موزوروس باشا بإنشائها وأمدَّه بالمال لدحض مقالات جريدة «الخلافة» المشار إليها، وكان عبد الرسول قليل المعارف قاصر البصر والبصيرة ذا عينٍ واحدة نحيف الجسم قد أكل الجدري وجهه، وكان عمر جريدته قصيرًا بحيث لم يصدر منها سوى تسعة أعداد مكتوبة بعبارةٍ ركيكة ومطبوعة بحرفٍ دقيق، فلما شاهد السفير العثماني أن «الغيرة» لا تفي بالقصد الذي أُنشئت لأجله قطع المدد النقدي عن عبد الرسول وتوقفت النشرة عن الظهور.

الاتحاد العربي

صحيفةٌ سياسيةٌ أسبوعية أصدرها في عام ١٨٨١ الدكتور لويس صابونجي أيام كان مرتبطًا ومشتغلًا بسياسة مصر في عهد عرابي باشا، وكان القصد من نشرها اتحاد الناطقين بالضاد وتأليفهم عصبةً واحدة على الأتراك في جميع البلاد العربية، ولكن لما شاهد أن الفساد قد دقَّ عَظْم العرب ولا أمل باتحاد كلمتهم أهمل إصدار الجريدة بعد ظهور العدد الثالث منها، وكانت هيئتها شبيهة بهيئة جريدة «الخلافة» المار ذكرها من جهة الحجم والطبع وبلاغة الإنشاء وشدة الانتقاد واختيار المواضيع المختلفة.

النحلة

جريدةٌ أسبوعية صدرت بتاريخ ٢٦ نيسان ١٨٨٤ لصاحبها الدكتور لويس صابونجي، غرضها البحث في سياسة بريطانيا العظمى بالقطر المصري والسودان والهند الشرقية، وشعارها هي الآية الواردة في سفر أرميا النبي (٤٦، ٥) القائل: «مصر عجلةٌ سمينة يأتيها الخراب من الشمال.» وفي الأعداد الأولى من هذه الجريدة ورد مطبوعًا تحت عنوانها قول الخليفة عمر بن الخطاب وهذا نصه: «مصر تربةٌ غبراء، وشجرةٌ خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر، يكنفها جبلٌ أغبر، ورملٌ أعفر، يخط وسطها نهرٌ ميمون الغدوات، مبارك الروحات.»

ولما كانت المطابع العربية في إنكلترا نادرة الوجود ومرتبو الحروف بطيئي الشغل لجهلهم هذه اللغة اقتضى إصدار النحلة مكتوبة بخط يد منشئها مطبوعةً على المطبعة الحجرية حتى يتيسر تتبع الحوادث أسبوعًا فأسبوعًا، وقد لزم الدكتور لويس في أكثر مباحثه حدود النقل عن الجرائد الإنكليزية وتعريب خطب رجال المجلس النيابي البريطاني بدون تعرض أو تنديد بأعمال الرجال، بل ترك الأمر للقارئ أن يبرم فيه الحكم كما شاء، وكان في كل كتاباته لا يكترث لحثِّ الناس على التعصب لدين من الأديان أو التشيع لحزب من الأحزاب، لكنه اقتصر على ذكر جوهر الحوادث السياسية التي تهم المصريين خاصةً والشرقيين قاطبةً. ولصاحب «النحلة» مقالاتٌ جليلة دافع بها عن حقوق أبناء وادي النيل مقبِّحًا سياسة الإنكليز، وأخصها رسالتان على جانبٍ عظيم من الأهمية بعث بهما في ١١ آب ١٨٨٤ إلى غلادستون رئيس وزراء إنكلترا واللورد غرنفيل وزير خارجيتها، وإذ رأى غلادستون أهمية الرسالة المرفوعة إليه أوعز إلى كاتم سره بإرسالها إلى اللورد نورثبروك المعتمد الإنكليزي الخارق العادة في مصر للتدقيق في مضمونها. وبالجملة فإن هذه الجريدة المعتبرة لعبت دورًا كبيرًا في سياسة الشرق لذاك العهد ونالت إقبالًا وشهرةً عظيمين.

الفصل الثالث: أخبار مجلات باريس وجرائدها

الصدى

هو عنوان لصحيفةٍ سياسيةٍ أسبوعية أنشئت عام ١٨٧٧ بأمر حكومة فرنسا، وقد جعلتها الجمهورية الفرنسية لسان حالها ترويجًا لمصالحها السياسية والتجارية والاقتصادية في البلاد التي ينطق سكانها بالضاد لا سيما في الشرق الأدنى، وعهدت بتحرير فصولها إلى الكاتب الشهير جبرائيل بن عبد الله دلال الحلبي ترجمان وزارة المعارف في باريس، فقام بهذه المهمة خير قيام لكنه لم يكن يكتب فيها ما يريد، بل ما يُراد بإيعاز الوزارة المشار إليها. وقد تعطلت في العام الثاني من عمرها؛ لأن منشئها سافر إلى القسطنطينية بدعوة من الصدر الأعظم خير الدين باشا التونسي لإنشاء جريدة «السلام» في عاصمة آل عثمان.

جرائد أبي نظارة

للشيخ يعقوب صنوع (جمس سانوا) المعروف بأبي نظارة جريدةٌ هزليةٌ أسبوعية عنوانها «أبو نظارة زرقاء» نشرها عام ١٨٧٧ في وادي النيل، فكانت سببًا لنفيه من مصر بأمر الخديو إسماعيل باشا؛ لأن سياسته كانت شديدة اللهجة، غير أن النفي لم يؤثر فيه ولم يغير شيئًا من مبادئه بل ضاعف همته لخدمة مصالح بلاده، فلجأ إلى باريس حيث أصدر جريدة «رحلة أبي نظارة زرقاء» التي أعاد فيها الكرَّة على إسماعيل باشا منتقدًا أعماله بجرأةٍ عظيمة ظاهرها هزل وباطنها جد، صدر منها ثلاثون عددًا أولها في ٧ آب ١٨٧٨ وآخرها في ١٣ آذار للسنة التابعة، فكان يتلقاها أنصارها بما تستحقه من الاعتبار ويتهافتون على مطالعتها بما لا يُوصف من اللذة والإقبال في المدن والأرياف شرقًا وغربًا، وكانت مباحثها تتناول المحاورات الظريفة والنوادر اللطيفة والمواعظ المفيدة والمقالات السديدة مكتوبة باللغة العامية المصرية، وكان يطبع منها في كل أسبوع ستة آلاف نسخة، بل أكثر من ذلك حتى بلغ في بعض الأوقات ١٥ ألف نسخة، وهذا العدد نادر جدًّا في الصحف العربية التي ظهرت إلى الزمان الحاضر.

ثم أعاد في ٢١ آذار ١٨٧٩ للجريدة اسمها الأول الذي عُرفت به في مصر وهو «أبو نظارة زرقاء» ونشرها مزينة بالرسوم في اللغتَين العربية والفرنسية، غير أنه اضطر إلى استبدالها مرارًا بأسماءٍ جديدة؛ لأن الحكومة المصرية اشتدت في إعنات من تصل إليهم الجريدة في وادي النيل، ولذلك أنشأ في مدة أربع سنين ست صحفٍ أخرى مختلفة الأسماء وهي: «النظارات المصرية» في ١٦ أيلول ١٨٧٩، ثم «أبو صفارة» في ٤ حزيران ١٨٨٠، ثم «أبو زمارة» في ١٧ تموز ١٨٨٠، ثم «الحاوي» في ٥ شباط ١٨٨١، ثم «أبو نظارة» في ٨ نيسان ١٨٨١، ثم «الوطني المصري» في ٢٩ أيلول ١٨٨٣ وغيرها من الصحف التي سيرد ذكرها في الحقبة الثالثة من تاريخ الصحافة. وفي سنة ١٨٨٦ أنشأ جريدة «الثرثارة المصرية» أو «البافار إجبسيان» بثماني لغات شرقية وغربية.

figure
فتح الله بك خياط؛ شيخ شعراء حلب وناشر المقالات الإصلاحية والقصائد الرنانة في جريدتَي «أبي نظارة» و«تركيا» وغيرهما من الصحف السيارة.

وكان يعقوب صنوع يطعن على صفحات جرائده في الاحتلال الإنكليزي بوادي النيل ولا يخشى من المناداة بأعلى صوته «مصر للمصريين»، فلما أُطلقت الحرية للمطبوعات المصرية أبطلت الحكومة تشديدها على جرائده، فاستأنف إصدار جريدة «أبي نظارة» جاعلًا شعارها «سعادة الشعوب في صفاء القلوب» حتى بلغت عامها الرابع والثلاثين وتعطلت بداعي مرض منشئها وضعف بصره، فودع الصحافة في ٣١ كانون الأول ١٩١٠ بعدما خدم الحرية في مصر، وكان أول من رفع لواءها في عصر الاستبداد، وكانت جرائد أبي نظارة تنشر كثيرًا من المقالات السياسية والفصول الفكاهية والقصائد الرنانة بقلم مشاهير الكتبة كالسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وفتح الله بك خياط والسيد عبد الله نديم وأحمد سمير وإبراهيم اللقاني وسواهم. ونختتم أخبارها بقصيدتَين نفيستَين نظمهما فتح الله بك خياط شيخ شعراء حلب في هذا العصر تبريكًا ليعقوب صنوع ببلوغه اليوبيل الخمسيني في عام ١٩٠٥ لحياته الصحافية وهما:

تهاليل اليوبيل

باريس يا جنة النعمى لمطلب
يا بهجة الكون بل يا آية العجب
بك العواصم قد باهت مفاخرة
فتيهي فخرًا على السيارة الشهب
واستبشري بسنى يوبيل شاعرنا
سنوا الذي به عزت دولة الأدب
هذا هو السيد الميمون طالعه
يتيمة الدهر صنو العز والحسب
تالله ما سمعت أذني ولا نظرت
عيني نظيرًا له في السادة النجب
يمم حماة تجد بحرًا لمغترفٍ
زهرًا لمقتطفٍ ذخرًا لمصطحب
نعم الصديق الذي يشقى العدو به
فمن يعاديه في الدنيا ولم يخب
كم كربةٍ نفست للصحب همته
فحقُّه أن يُسمَّى كاشف الكرب
وكم خطوبٍ عن الأوطان زحزحها
لا بالصفائح بل بالصحف والخطب
ذو همةٍ مثل وَرْي الزند لو لمست
موجَ الخضم لأمسى الموج في لهب
أثيل مجدٍ تسامى في الورى كرمًا
مورَّثًا بالتوالي عن أب فأب
فلا نقسه بمن رام اللحاق به
كلا وكيف يقاس الرأس بالذنب
عمت فواضله فاحت فضائله
حاكت شمائله ضربًا من الضرب
فالعلم زينته والحزم شيمته
والحلم حليته لا حلية الذهب
يا من يحاول جهلًا أن يماثله
دع عنك هذا ولا تغتر بالكذب
ليس العِصيُّ كحد السيف نحسبها
شتان بين صقيل العضب والقضب
إن الصحافة قد عزت به وغدت
تميل عجبًا كميل الشارب الطرب
وسل إذا شئت عن آثاره فلقد
ضاقت بذاك بطون الصحف والكتب
له أشارت فرنسا وهي قائلة
يا بوسوي العصر يا علَّامة العرب
فذاك لو سمعت أذناه منطقه
أقرَّ طوعًا لهذا الجهبذ العذبي
أكرم بمملكةٍ بالعلم عامرة
حازت بسنوا الفتى ما عز من أرب
إذ زانها من سنى تاريخه درر
والعز نالته في يوبيله الذهبي
١٩٠٥

تفاؤل المادح الصادح

حجت علاك عرائس الأطراس
وتلت ثناك نفائس الأنفاس
ورأى الكرام مروءةً وفريضةً
تخليد ذكر الفضل بين الناس
جعلوا لك العيد المذهَّب موسمًا
يُزري بخير مواسم الأعراس
سموك شاعر ملكهم لو أنصفوا
سموك ملك الشعر والقرطاس
أنفقت نصف القرن في فن الصحا
فة لا تبالي فيه صعب مراس
ما اعتلَّ بين الخلق خلق مفسد
إلا غدوت له الطبيب الآسي
ورد الورى من عذب علمك مشرعًا
طهرت مجاريه من الأدناس
وسقيتهم ماءً طهورًا صافيًا
أنساهمُ معنى حُميَّا الكاس
شهدت لك الأعراب والأعجام بالـ
آداب والحلم الرسيس الراسي
لك في القلوب منازل مرفوعة
وبصدر أندية العلوم كراسي
مولاي إني عن مديحك قاصر
لكنني للفضل لست بناس
أدعو بحفظك في الليالي هاجدًا
وأكرر الدعوات في الأغلاس
يهناك عيدًا أنت بهجة أنسه
وببرد مجدك وارتقائك كاس
وحييت أرغد عيشةٍ متزملًا
من نسج عافيةٍ بخير لباس
وبقيت تُحرز رفعةً أرخ سمت
حتى تشاهد عيدك الألماسي

مصر القاهرة: مجلة وجريدة

هو عنوان لمجلةٍ سياسيةٍ شهرية شعارها «حرية — مساواة — إخاء» ظهرت بتاريخ ٢٤ كانون الأول ١٨٧٩ في ١٦ صفحة لمنشئها أديب بك إسحاق، وقد أسسها على أنقاض جريدة «مصر» التي كانت تصدر في وادي النيل لنشر ما يعود بالنفع على البلاد العربية، وصدَّرها بهذه العبارة: «ما تغيرت الحقيقة بتغير الرسم ولا تغيرت الصحيفة بتغير الاسم، بل هي مصر خادمة مصر.» أما خطتها فقد صرح بها أديب إسحاق في أول عدد برز من صحيفته قال:

على أني لا أقصد الانتقام وإنما أروم مقاومة الباطل ونصرة الحق والمدافعة عن الشرق وآله وعن الفضل ورجاله، فمسلكي: أن أكشف حقائق الأمور ملتزمًا جانب التصريح متجافيًا عن التعريض والتلميح، وأن أجلو مبادئ الحرية وآراء ذوي النقد، وأن أبين ما يظهره البحث من عواقب الحوادث ومقاصد أهل الحل والعقد، وأن أوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحًا «أولي الأمر»، ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهمًا «أمناء الأمة»، ومفاسد الظلمة الذين نُلقبهم جهلًا «ولاة النظام»، وأن أعين واجبات الإنسان الشرقي بالنسبة إلى نفسه وإلى قومه وإلى بلاده وما يقابل تلك الواجبات من الحقوق. ومقصدي: أن أثير بقية الحمية الشرقية وأهيج فضالة الدم العربي، وأرفع الغشاوة عن أعين الساذجين وأحيي الغيرة في قلوب العارفين، ليعلم قومي أن لهم حقًّا مسلوبًا فيلتمسوه ومالًا منهوبًا فيطلبوه، وليخرجوا من خطة الخسف وينبذوا عنهم كل مولسٍ يشتري بحقوقهم ثمنًا قليلًا ويذيقوا الخائنين عذابًا وبيلًا، وليستصغروا الأنفس والنفائس في جنب حقوقهم، وليستميتوا في مجاهدة الذين يبيعون أبدانهم وأموالهم وأوطانهم وآلهم من الأجانب بما يطمعون فيه من رفعة المقام، فمن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن عاش بعد أولئك الشهداء فهو سعيد.

وقد كتب فيها فصولًا متناهية في البلاغة وحاويةً من آثار حدة المزاج ما دفعه إليها نزق الشباب، وكثيرًا ما ندد بسياسة رياض باشا رئيس الوزارة المصرية فحمل عليه وعلى سياسة الدول الأوروبية في وادي النيل حملاتٍ شديدة، ثم حول المجلة إلى جريدةٍ أسبوعية ولكنها قبل بلوغها الحول الأول من العمر أُصيب أديب بعلة الصدر فزايل باريس عائدًا إلى وطنه، وكانت هذه الصحيفة تصدر مطبوعة على الحجر ومكتوبة بخط يد منشئها أو بخط عبد الله مراش الحلبي المشهور بالأدب وجودة الكتابة. وإليك ما كتبه عنها الدكتور لويس صابونجي في مجلة النحلة في لندن (عدد ١٠، سنة ٣) قال:

ورد إلينا العدد العاشر من جريدةٍ حرةٍ سياسية اسمها «مصر القاهرة» قد أنشأها صديقنا الفاضل اللبيب أديب أفندي إسحاق بحاضرة باريس الزاهرة، وهي نشرةٌ بديعة المعاني فصيحة المباني قد حوت مقالاتٍ غراء يستفاض فيها، وقد عمل الفكرة منشئها أعزَّه الله في تزيين عمدها بنبذاتٍ بارعة يستفز بها همة الشرقيين إلى النهوض من سقطة الخمول والانتباه من سِنَة الغفول والاعتصام بحبال النخوة العربية، والاعتياض عن التقاعد وصرف الزمان الثمين سدًى بتجريع قلوبهم وإجماع كلمتهم المتفرقة والذبِّ عن مصالح أوطانهم. وقد تحرينا إثبات شذرة من مقالاته البديعة في عمد النحلة على سبيل الأنموذج ليتفكَّه بها أبناء المشرق، ويتفقَّه بها من يود أن يفرق.

الحقوق

اسم لجريدةٍ حرةٍ أسبوعية شعارها «الجريدة الحرة مقدمة حامية الوطن» أسسها في ١٦ نيسان سنة ١٨٨٠ ميخائيل بن جرجس عورا للدفاع عن حقوق الشرق، وقد سلكت نهج الاعتدال في كل كتاباتها التي تدل على وجدانٍ طاهر وإخلاصٍ تام في خدمة مصالح البلاد العربية، وكانت هذه الصحيفة قويمة المبدأ بليغة العبارة كثيرة المباحث مرتَّبة المواد يكتبها منشئها بخطه الجميل ثم يطبعها على الحجر، وكان يرسلها ضمن غلافاتٍ مختومة إلى المشتركين في السلطنة العثمانية حتى تصل إليهم بطريقةٍ مأمونة، فكان القراء يتهافتون على مطالعة أنبائها، لما هو معهود بصاحبها من المقدرة الصحافية وذكاء القريحة وغزارة المعارف لا سيما في الشئون القضائية، وبعدما عاشت نحو السنة احتجبت عن الظهور لسفر ميخائيل عورا إلى وادي النيل حيث خدم الصحافة في بعض الجرائد والمجلات التي سيأتي ذكرها في الجزء الثالث من هذا الكتاب.

الاتحاد – الأنباء – الرجاء

الاتحاد هي جريدةٌ أسبوعيةٌ سياسية أنشأها إبراهيم بك المويلحي سنة ١٨٨٠ انتقامًا من الدولة العثمانية وبيانًا لمساوئ رجالها، فما كادت تظهر لعالم الوجود حتى تعطلت وأبدلها صاحبها بنشرة عنوانها «الأنباء»٢ ثم بصحيفةٍ ثالثة تسمى «الرجاء»، وكانت تضرب قاطبةً على وتر واحد، وقد توقفت هذه الجرائد بعد صدورها بزمنٍ قليل؛ لأن منشئها كان ينشرها لغرض في النفس فإذا ناله عطَّلها، ولهذا سعى سفير تركيا لدى حكومة فرنسا في طرده من بلادها ففعلت، وقد كتب أحمد فؤاد صاحب جريدة «الصاعقة» في القاهرة يصف إبراهيم المويلحي وجرائده قال: «وكل جريدة بينها من اختلاف الرأي ما بين الروافض، ومن البُعد في الفكر ما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى.»٣

البصير

جريدةٌ أسبوعيةٌ حرة تشتمل على وقائع الشرق والغرب أنشئت في ٢١ نيسان ١٨٨١ لصاحبها خليل غانم، وكانت مباحثها تتناول شئون السياسة والأدب والاقتصاد والحكمة بأسلوبٍ حسن لمنفعة الناطقين بالضاد، وقد استهلها منشئها مستغيثًا بالعزة الصمدانية بقوله:

عليك كل اعتمادي أيها الصمد
قد فاز عبدٌ على مولاه يعتمد
figure
فضل الله دباس؛ أحد مؤسسي جريدة «البصير» في باريس.

وكان غمبتا رئيس وزارة فرنسا لذاك العهد أكبر عضد لها؛ لأنه عين راتبًا شهريًّا قدره ٢٠٠٠ فرنك من خزينة دولته لأجل القيام بنفقات الجريدة المذكورة، وقد صدر عدداها الأولان بقلم مؤسسها وشريكه فضل الله بن خليل دباس البيروتي الذي انتقل إلى رحمة مولاه في ١٢ تشرين الأول سنة ١٩١٢ في الإسكندرية، وكان فضل الله دباس من أذكياء بيروت وقد نال وسام «الافتخار» من محمد الصادق باشا باي تونس، ثم دُعي لتحرير «البصير» يوسف باخوس اللبناني صاحب جريدة «المستقلّ» في غلياري، فكتب فيها سنة كاملةً حتى عاد إلى وطنه انتجاعًا للعافية من داءٍ أصيب به، ثم خلفه في التحرير نعمان الخوري اللبناني الذي تُوفي بتاريخ ١٥ آب ١٩١٠ في طنجة بعدما عهدت إليه فرنسا وظائفَ مهمة كان آخرها قنصلية مراكش، وقصدت فرنسا بإنشاء «البصير» تأييد نفوذها والدفاع عن مصالحها في الإمارة التونسية وتمهيد السبل لإعلان حمايتها على تلك البلاد. وكان عبد الحميد الثاني مستاءً من خطة هذه الجريدة الحرة؛ لأنها كانت تضرب بعصًا من حديد على أيدي الخائنين من رجال تركيا وتبين لهم وجوه الإصلاح لخير السلطنة؛ ولذلك طلب السلطان المشار إليه مرارًا من فرنسا إلغاء جريدة «البصير» للنجاة من انتقاداتها المتوالية، لكن مساعيه ذهبت أدراج الرياح حتى حل القضاء المحتوم بالوزير غمبتا، فقطع الراتب عن الجريدة التي عاشت إلى أواخر سنتها الثانية.

كوكب المشرق

صحيفةٌ سياسية أنشأها رجلٌ فرنسي عام ١٨٨٣ بعد احتجاب جريدة «البصير» المار ذكرها، وكانت تنشر في مطبعة Charles Blot ويحررها عبد الله بن فتح الله مراش الحلبي، وقد تولى ترتيب حروفها جرجي مكر الدمشقي صاحب المطبعة التجارية حالًا في بيروت، فسعى منشئها مرارًا في أن ينال لجريدته راتبًا شهريًّا على مثال جريدة «البصير» من الحكومة الفرنسية فلم يفلح، ولذلك اضطر إلى تعطيلها في السنة التابعة؛ لأن وارداتها كانت غير كافية لسد نفقاتها، وكانت مباحث «كوكب المشرق» تتناول حوادث الكون عمومًا ولا سيما الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.

العروة الوثقى

لا انفصام لها Le Lien Indissoluble
figure
أحمد باشا المنشاوي؛ صاحب اليد البيضاء على جريدة «العروة الوثقى» وأحد مؤسسيها.

جريدةٌ سياسيةٌ أدبيةٌ أسبوعية أنشئت في ١٣ آذار ١٨٨٤م/١٥ جمادى الأولى ١٣٠١ﻫ لمدير سياستها السيد محمد جمال الدين الحسيني الأفغاني ومحررها الشيخ محمد عبده المصري، وهي بليغة العبارة كثيرة المباحث تعدُّ الحجر الأول لأساس النهضة الإسلامية الحديثة بما كانت تنشره من المقالات الرنانة تعزيزًا للإسلام وتنديدًا بالسيطرة الإنكليزية في الهند ومصر، وقد صدر من هذه الجريدة ثمانية عشر عددًا آخرها في ١٦ تشرين الأول ١٨٨٤ فحالت الموانع دون الاستمرار في نشرها حيث صادرتها حكومة إنكلترا ومنعت دخولها إلى الهند وسائر البلاد التي لها فيها نفوذ. وكانت لسان حال جمعية بهذا الاسم تأسست في مدينة الإسكندرية في أوائل عهد الخديو توفيق الأول للدعوة إلى الجامعة الإسلامية، ويقال إن إبراهيم بك المويلحي نشر على صفحاتها شيئًا من نفثات قلمه.

راعت في جميع سيرها تقوية الصلات العمومية بين الشعوب الإسلامية وتمكين الألفة في أفرادها، وتأييد المنافع المشتركة بينها والسياسات القويمة التي لا تميل إلى الحيف والإجحاف بحقوق الشرقيين، فكانت تطبع بنفقة إسماعيل باشا خديو مصر سابقًا وغيره من أمراء العرب والهند وأغنيائهم وأعيانهم، وفي مقدمة الذين ساعدوا على انتشارها وأمدُّوها بالمال أحمد باشا المنشاوي صاحب المبرات الشهيرة والمثري الكبير في وادي النيل، وكانت ترسل إلى جميع الجهات ولكل من يطلبها مجانًا بدون مقابل ليتداولها الأمير والحقير والغني والفقير، وقد عينت أجرةً للبريد خمسة فرنكات في السنة لمن تسمح به نفسه، وإليك ما ورد عنها في كتاب «العروة الوثقى» المطبوع في بيروت بالحرف الواحد:

تلك الجريدة التي لم تقوَ حرية أُمِّ الحرية «إنكلترا» على احتمالها واتساع صدرها لها في حين أنها وسعت أكثر الجرائد حرية وأكثرها تطرفًا، فمنعتها من الهند ومصر والسودان واستصدرت الأوامر بمنعها عن سائر البلاد التي لها فيها نفوذ أو تطمح إلى أن يكون لها ذاك النفوذ، تلك الجريدة التي لم يكفِ إنكلترا منعها من تلك البلاد؛ لأن أشعة نورها كانت وهَّاجة تخرق الحجب وتنفذ الأغشية وتدخل إلى أعماق القلوب، فاستعملت الوسائل لمحوها من عالم الوجود وإطفاء نورها الذي كان يبدد ظلمات الاعتساف، تلك الجريدة التي تعد أم الجرائد الحاضرة على الإطلاق والتي لم يزل الناهضون من بني الشرق يسيرون في دعوتهم إلى النهوض على أثرها.

الشمس

جريدةٌ أسبوعيةٌ سياسيةٌ أدبية ظهرت في ٢٢ شباط ١٨٨٥ لمديرها سليم قويطة ومحررها الياهو ساسون وهما من أبناء تونس الإسرائيليين، وهذه الجريدة مؤلَّفة من أربع صفحات كان يطبع نصفها بحرفٍ عربي، أما النصف الآخر فكان يطبع بحرفٍ عبراني وعبارة عربية لا تختلف بشيء عن عبارة النصف الأول سوى بصورة الحروف، وهي أول جريدة من نوعها وشكلها برزت في لسان الناطقين بالضاد، وغرضها نشر حوادث المملكة التونسية والدفاع عن مصالح شعبها الوطني بعد إعلان الحماية الفرنسية عليها، فكان طبعها متقنًا لكن عبارتها ركيكة وخالية من مسحة البلاغة في الإنشاء، وإليك على سبيل المثال فقرة وردت بعنوان «الروسيا والأفغان» في عددها التاسع الصادر في ٢٦ نيسان ١٨٨٥ وهي:

إن المسألة الأفغانية قد عظمت الآن وصارت في أصعب حال، وإن كلًّا من الطرفين متعصب لجهة الأخرى وإن الحرب قريبًا للظهور، وقد أقلقت الناس هذه الخبرية، وكدَّرت سامعيها، إنما قيل أيضًا في هذا الأسبوع: إن دولة ألمانيا مستعدة للمواسطة بين الدولتَين، وإن من الأمل أن تصلح الأحوال بينهما ولكن قولًا فقط ولم يظهر شيء بالعملية.

الفصل الرابع: أخبار الصحف العربية في فرنسا خارجًا عن باريس

الشهرة

جريدةٌ سياسيةٌ أدبيةٌ علميةٌ تجاريةٌ مصورة صدرت بتاريخ غرة آب سنة ١٨٨٨ بهيئة مجلةٍ كبيرة الحجم لمنشئها المسيو بوردين صاحب «مطبعة اللغات الشرقية» ومحررها منصور جاماتي، فكانت تصدر نصف شهرية بمدينة أنجه Angers في فرنسا مزينة برسومٍ بديعة، وهي حسنة الأسلوب متقنة الطبع على ورقٍ صقيل بالحرف القسطنطيني وطافحة بالمباحث الجليلة والروايات المفيدة والأخبار الصحيحة، ومن أهم فصولها التي تستحق الذكر المخصوص «فن الاقتصاد السياسي» بقلم خليل غانم، ومن أحسن رواياتها رواية «ذات الخدر» تأليف سعيد بن راشد البستاني اللبناني وغير ذلك. ومن الرسوم التي نشرت فيها صورة السلطان عبد الحميد الثاني وكرنو رئيس جمهورية فرنسا وعلي باي تونس وتوفيق الأول خديو مصر، ومنها منظر مدينة الجزائر ومدينة تونس وبيرسة القديمة وبرج إيفل وقفصة وموانئ قرطاجنة، وخلاصة القول أن «الشهرة» كانت من أرقى جرائد ذاك العهد واحتجبت في نهاية الحول الأول من عمرها بعد صدور أربعة وعشرين عددًا منها.

وُلد منصور بن حبيب جاماتي سنة ١٨٤٦ في قرية «عين طورا» بلبنان وتلقى العلوم في مدرستها الشهيرة بإدارة المرسلين اللعازريين، فنال شهادتها العالية إذ أحكم معرفة لغاتٍ شتى وفنونٍ كثيرة جعلته في مقدمة النابغين من تلامذة المدرسة المذكورة، وبعد ذلك تولى التدريس مدة من الزمان في «مدرسة المحبة» في قرية عرامون، ثم سافر إلى وادي النيل حيث دخل مع يوسف أخيه البكر إلى مدرسة «قصر العيني» الطبية في عهد الخديو إسماعيل، فخرج منها قبل إتمام دروسه وتعين أستاذًا للترجمة في «مدرسة المهندسخانة» في القاهرة، وفي عام ١٨٨٧ سافر إلى فرنسا وأصدر جريدة «الشهرة» في مدينة أنجه فعاشت عامًا واحدًا، ثم انتقل إلى باريس واقترن فيها بفتاةٍ فرنسية وأخذ يتعاطى مهنة بيع الكتب وتعليم اللغة العربية.

الفصل الخامس: أخبار الجرائد العربية في إيطاليا

الخلافة

صحيفةٌ أسبوعيةٌ سياسيةٌ دينية صدرت عام ١٨٧٩ باللغتين العربية والتركية في مدينة نابولي، وقد نشرها إبراهيم بك المويلحي لما سافر بصفة كاتب لإسماعيل باشا بعد خلعه من سرير الخديوية المصرية، فأراد بذلك إظهار إخلاصه لمولاه الخليع والتنديد بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي وافق الدول الأوروبية على تنزيل الخديو المشار إليه. وكان المويلحي يذيع على صفحات جريدته أن مقام الخلافة عند المسلمين يتسلسل من أصلٍ عربي، وأنه انتقل بلا حق إلى آل عثمان سلاطين الأتراك، وكان يقول: إن خديو مصر هو أولى من سواه بهذه الكرامة الدينية؛ لأن مصر كانت مقرًّا للخلفاء في سالف الزمان.

فاضطرب السلطان عبد الحميد الثاني لذلك وخاف من امتداد هذا الفكر بين الأمة العربية الإسلامية التي يتألف منها القسم الأكبر من سكان السلطنة العثمانية، فأوعز إلى سفيره في باريس أن يسعى في تعطيل الجريدة المذكورة بكل الوسائل الفعالة قبل أن ينتشر خبرها بين المسلمين، واتفق أن الدكتور لويس صابونجي كان موجودًا حينئذٍ في عاصمة الفرنسيس فأشار على السفير العثماني بأن أفضل وسيلة لبلوغ الغاية المقصودة هي إغراء المويلحي بالمال، فتبع السفير نصيحته؛ وهكذا توقف إبراهيم المويلحي عن استئناف نشر جريدته بعد صدور العددين الأول والثاني منها.

المستقل

بعدما أمنت إيطاليا على كيان وحدتها بضم جميع البلاد الخاضعة الآن لصولجان أسرة «سافوا» المالكة طمحت أنظارها إلى التوسع خارجًا عن شبه جزيرتها بطريق الاستعمار، وأحبَّت أن تعزز نفوذها في تونس وتنشر حمايتها عليها، غير أن فرنسا أخذت تزاحمها على امتلاك هذه البقعة الثمينة حرصًا على مركزها في جزائر الغرب فضلًا عما لها من الديون عند الحكومة التونسية.

ولما كانت الصحافة سلاحًا قويًّا لرجال السياسة في العصر الحاضر عمدت إيطاليا إلى استخدامه لبلوغ غايتها، فطلبت من قنصلها في بيروت أن يتحرى التنقيب عن كاتب توافرت فيه الشروط الموافقة للقيام بهذا المشروع، فلبَّى كسبار بستلوسا متولي أعمال قنصلية إيطاليا في المدينة المذكورة طلب دولته واستدعى إليه يوسف باخوس اللبناني أستاذ الفلسفة والآداب العربية في مدرسة الحكمة المارونية، وأوعز إليه بالسفر إلى رومة لمعاطاة صناعة التدريس العربي والترجمة، وعند وصوله إلى رومة أمرته وزارتها الخارجية بالذهاب إلى جزيرة سردينيا مزودًا بالمحررات الرسمية إلى مدير جريدة «مستقبل سردينيا» الذي ذهب به إلى تونس، وهناك أبرم العهد بين يوسف باخوس وبين السنيور ماتشو قنصل إيطاليا وجول بستلوسا الترجمان الأول للقنصلية على إحداث صحيفةٍ عربية تدرأ عن مصالح العرب عمومًا وسكان شمال أفريقيا خصوصًا، وقرَّ رأيهم على أن تُطبع بنفقة حكومة إيطاليا وتكون ترجمان أفكارها، وأن يجعل مركز إدارتها في مدينة «غلياري» قاعدة جزيرة سردينيا ويتولى يوسف باخوس كتابة فصولها.

فسافر يوسف باخوس إلى غلياري وأنشأ في ٢٨ آذار ١٨٨٠ جريدة «المستقل» وهي أسبوعيةٌ سياسيةٌ أدبية، وكان الشيخ أسعد حبيش مع ابن وطنه زين زين يساعدانه في رصف حروف الجريدة، وأعداد «المستقل» الأولى ما تخطَّت حد الإفصاح عن مجد العرب الباسق في القرون السابقة وعن انحطاط شأنهم في العصور اللاحقة، ثم أخذت تطعن في حكومة فرنسا التي كان نفوذها يتهدد نفوذ إيطاليا في تونس.٤

فلما نشرت الحكومة الفرنسية حمايتها على هذه المملكة صرف يوسف باخوس نظره عن إيطاليا وذهب إلى باريس ليتولى كتابة جريدة «البصير» بدعوةٍ خاصة من صاحبها خليل غانم، وعاش «المستقل» إلى نهاية شهر نيسان ١٨٨١ وكان من أرقى صحف عصره في بلاغة الإنشاء وسمو المعاني وحرية الأفكار وحسن انتقاء الأخبار.

الفصل السادس: أخبار صحف الجزائر البريطانية في البحر المتوسط

مالطا

جريدةٌ سياسية ظهرت في مدينة لافالتا La Valetta قاعدة جزيرة مالطا في البحر المتوسط ولا نعلم اسم منشئها، فكانت تصدر باللغة المالطية ثم تعطلت قبل سنة ١٨٩٢ كما روى جرجي زيدان في مجلة «الهلال» المصرية (عدد ١، سنة ١)، واللغة المالطية تتألف من ألفاظٍ عربية عامية مخلوطة بألفاظٍ إفرنجية سيما الإيطالية منها، وحروف هذه اللغة هي نفس الحروف الأوروبية وإليك شيئًا من ذلك على سبيل المثال:٥

Scuola di Taglio per Sarti & Sarte

Fi Strada Reale No. 32 Birchircara, infethet Scola gdida tat-tifsil gbar-rglel u innisa. Dauc colla I'iridu jithallamu ifasslu fuk l'arti tal geometria, jirricorri ghand ll prot, Vincenzo Grech, ippremiat minn bosta Accademt ta Londra, Parigi u Torino Ghall’ arti li jippossiedi ta intagliatur. Hinijetlmit – 8 ta fill ghodu sat – 8 ta fill ghaxia.
وإليك كتابتها العربية مع ترجمة ألفاظها المكتوبة بالحروف الإفرنجية:

مدرسة التفصيل للخياطين والخياطات

في الشارع الملكي عدد ٣٢ في بير كركارا (اسم مدينة) انفتحت مدرسةٌ جديدة للتفصيل على الرجال والإناث، فإذا كل اللي يريدوا يتعلموا يفصلوا بحسب فن الهندسة يذهبوا عند المعلم منصور غريك الحائز من محافل لندن وباريز وطورينو على شهادة فن التفصيل، ينوجد من الساعة ٨ في الغدا إلى الساعة ٨ في العشا.

زمان

أنشئت هذه الصحيفة السياسية الأسبوعية باللسان التركي سنة ١٨٧٨ في نيكوزيا عاصمة جزيرة قبرص، وكان صاحبها درويش باشا رجلًا تركيًّا أميًّا اتخذ مهنة الصحافة سبيلًا للارتزاق في ظل الراية البريطانية، فأخذ يكشف النقاب عن آفات الدولة العثمانية ويوضح أسباب انحطاطها بما لا يوصف من حرية الأفكار، وأفسح في جريدته مجالًا لأرباب الأقلام لنشر آرائهم فيها، فحسب السلطان عبد الحميد الثاني لذلك ألف حساب وسعى في استمالة درويش باشا إليه بقوة المال، فرتب له معاشًا سنويًّا قدره ٢٠٠ ليرة عثمانية ترويجًا لسياسته الخرقاء، وكان مؤسس هذه الجريدة ينشر من وقت إلى آخر على صفحاتها مقالاتٍ عربيةً ليطلع عليها المسلمون الناطقون بالضاد، وقد أنشأ فيها الشيخ حبيب ابن الشيخ صعب الخوري اللبناني سنة ١٨٩٦ فصولًا جديرة بالذكر حثَّ فيها العثمانيين على طلب إعادة الدستور لتركيا، فكان ذلك داعيًا لصدور إرادة السلطان بإعدامه كما سنروي ذلك في الحقبة الثالثة من هذا الكتاب. وانتهت حياة جريدة «زمان» بقطع المدد عن درويش باشا لدى حدوث الانقلاب العثماني سنة ١٩٠٨.

ديك الشرق

اسم لجريدةٍ سياسيةٍ أدبيةٍ أسبوعية ظهرت عام ١٨٨٩ في قاعدة جزيرة قبرص لمنشئها علكسان سرافيان، وهو أرمني الأصل لجأ إلى الجزيرة المذكورة بعد تعطيل جريدة «الزمان» المشهورة التي كان ينشرها قبل هذا العهد في عاصمة وادي النيل.

وخطة «ديك الشرق» ترمي إلى الدفاع عن الأرمن وحقوقهم المهضومة في الممالك العثمانية، ثم تستنجد الدولةَ الإنكليزية لحماية مصالحهم من تعديات الأكراد ونجاتهم من مظالم عبد الحميد الثاني سلطان العثمانيين. وقد جاهد صاحبها في هذا السبيل جهادًا مستمرًّا إلى أن عطل جريدته بعد سنتين من عهد ظهورها.

١  كتاب «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» بقلم الأب لويس شيخو اليسوعي.
٢  ورد في جريدة «الكوكب» لصاحبها محمود زكي (عدد ١١٨، سنة ٥) في القاهرة أن جريدة «الأنباء» ظهرت في نابولي، أما جرجي زيدان وعيسى إسكندر المعلوف فقد رويا أنها صدرت في باريس.
٣  نقلًا عن جريدة «الكوكب» المذكورة في الحاشية السابقة.
٤  راجع تفاصيل هذه الأخبار وسواها عن يوسف باخوس في أعداد جريدة Voltaire وجريدة le Temps الصادرتَين بباريس في شهر كانون الأول ١٨٨١.
٥  نقلًا عن جريدة Malta Taghna أو «مالطا تيغنا» عدد ١١٨١ بتاريخ ٢٣ تشرين الأول ١٩٠٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤