الفصل الرابع

أخبار جرائد الإسكندرية من سنة ١٨٨٧ إلى ١٨٩٢

(١) الببغاء

برزت هذه الصحيفة الأسبوعية الهزلية المصورة في عام ١٨٨٧ لمنشئها نجيب غرغور، وقد عين لها وكيلًا يكاد أن يكون أميًّا يُسمى نسيم بن حسين وكان جزائري الأصل فرنسي التبعية ولكنه كان خائر العزيمة، فما سئل هذا الوكيل عن اسم صاحب الجريدة حتى أفشى اسمه واختفى وراء ستار، وقد احتجبت بعد صدور خمسة أعداد منها؛ لأن عثمان باشا عرفي محافظ الإسكندرية حينئذٍ اضطهدها وصادرها، وكانت رسومها تأتي من مدينة بولونيا بإيطاليا وهي ذات الرسوم التي كانت تنشرها جريدة «الباباغلو» الإيطالية في المدينة المذكورة، أو بالحري كانت نسخ هذه الجريدة تأتي مرسومة ولكنها بيضاء بدون تحرير، فكان نجيب غرغور يحررها ثم يكتبها بقلمه على «الورق الزفر» ويطبعها على الحجر، وكان الطباع يتقاضى لذلك أجرةً تزيد على الأجرة الاعتيادية مرارًا.

(٢) المنارة

جريدةٌ أسبوعيةٌ أدبية ذات رسوم وصور برزت عام ١٨٨٨ لمحررها نجيب غرغور ومديرها سليم الخوري بشارة، فما كاد يظهر منها بعض أعداد لعالم الأدب حتى انطفأ مصباحها وأظلم نورها وتعطَّلت لأسبابٍ شخصية، وقد باح بذلك نجيب غرغور في مقالة له «الصحافة في ثلاثين عامًا» فنروي كلامه بالحرف الواحد:

المنارة، هي أول جريدة مصوَّرة في هذه البلاد، أنشأتها وجعلت لها مديرًا رجلًا لم أكن خبرته وهو أُمي مطرودٌ من بيت أبيه، فأطعمته وكسوته ودفعت عنه أجرة الفندق وجعلت له اسمًا كبيرًا؛ لأن الشعراء كانوا يتبارَون في مدحه وبيان محامده وعلمه وفضله ورشاقة قلمه، وليس منهم من يذكر بالثناء ذلك المسكين — حاجب فضلي — وهو الاسم الذي كنت أوقع به مقالاتي، ثم حصَّل معظم اشتراكات الجريدة وأركن إلى الفرار مع أنه كان لها أكثر من ألف وخمسمائة مشترك في مدة لا تزيد على شهرين.

ومن لطيف ما يُذكر من الألغاز التي كانت تنشر في هاته الجريدة حل لغز بقلم إبراهيم بك رمزي منشئ جريدة «الفيوم» وجريدة «التمدن» المحتجبتَين ومدير الشركة الصناعية التجارية الآن إذ قال في حل لغز عن «المنارة»:

ألا يا ملغزًا عن اسم شيء
رشيق القدِّ يُعرف بالإشارةْ
تبدَّى لغزك الأسنى كبدرٍ
زها في أفق هاتيك المنارةْ

أما رسوم المنارة فكان يرسمها مصورٌ إيطاليٌّ بارع يُدعى «ألبرتو فابي» وهو من مشاهير المصورين في مدينة بولونيا بإيطاليا، وكان نجيب غرغور يكتبها بكلياتها وجزئياتها ويعدُّ مواضيع رسومها ويطبعها.

(٣) الحقيقة

لما عزم الحاخام فرج مزراحي على إصدار هذه الجريدة أراد أن يدعوها باسم «الصدق»، ثم استحسن لها اسم «الحقيقة» وأصدرها بالشركة مع نجيب غرغور الذي تولى رئاسة تحريرها. ولما لم تكن في الإسكندرية معامل زنكوغرافية استحضر المنشئان اسم «الحقيقة» محفورًا على الخشب ثم مسبوكًا بالنحاس من مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت، وقد اشتريا لها حروفًا جميلة من حروف تلك المطبعة قبل أن تشتهر الحروف القسطنطينية وحروف «المطبعة الأدبية» في القطر المصري.

صدرت هذه الصحيفة السياسية الأدبية التجارية الفكاهية في ٢ آذار ١٨٨٨ فحرر فيها نجيب غرغور مدة سنتين، على أن بعض الدواعي الخصوصية لم تسمح بالاستمرار على نشر الجريدة فاحتجبت عن الظهور، وبعد حين أصدرها أحد أدباء الإسرائيليين الحلبيين فلم تفلح في عهدته، ثم انتقلت إلى يد جورج مرزا البيروتي، ولكن عدم استقلاله في إدارتها وتحريرها أدى إلى توقيف نشرها نهائيًّا على كبير أسف العارفين بأهميتها.

وكانت «الحقيقة» من الصحف المشهورة بإتقانها وكثرة موادها ونظافة طبعها، وكانت مضمارًا تتبارى فيه أقلام مشاهير الكُتاب السوريين والمصريين، أما خطتها فوطنيةٌ معتدلة تبين لسكان وادي النيل وجوه الإصلاح بلهجةٍ منزهة عن كل غرض، ومن جهةٍ أخرى كانت تعترف للإنكليز بحسناتهم في مصر وتشير إلى مساوئهم ودهائهم السياسي، وكان نجيب حاج صاحب جريدة «أبو الهول» المحتجبة في القاهرة يكاتب «الحقيقة» وله على صفحاتها المقالات الشائقة.

(٤) السرور

كان يوم صدور هذه الجريدة يومًا مشئومًا على القطر المصري بحيث حلت فيه وفاة مليكها الخديو محمد توفيق الأول، ولذلك تشاءم الناس من عنوانها «السرور» الذي وقع وقعًا سيئًا في النفوس للسبب المذكور ولو كان جميلًا في حد ذاته.

figure
نقولا عبد المسيح؛ مؤسس جريدة «السرور» في الإسكندرية.

ظهرت هذه الجريدة الأسبوعية الأدبية الإخبارية الزراعية التجارية الفكاهية في ٨ كانون الثاني ١٨٩٢ لصاحبها نقولا عبد المسيح، فاستلم هو إدارتها وإنما عهد بتحريرها لبعض الكُتاب تحت نظارته؛ لأنه كان ضعيف الإنشاء في اللسان العربي، واشتهر الذين تولوا كتابتها جورج مرزا وأنطون نوفل السوريان، وهي بلا مبدأٍ معروف؛ لأن خطتها كانت شبيهةً بخطة جرائد سليم باشا حموي تتزلَّف للكبراء وتكثر من عبارات المدح للأعيان والأمراء تعزيزًا لمركزها الأدبي، وقد عاشت نيفًا وعشر سنين ثم احتجبت غير مأسوف عليها.

وُلد نقولا بن جرجس بن إبراهيم عبد المسيح في غرة شباط ١٨٦٥ في مدينة القاهرة، وعائلته من أقدم العائلات السورية المتوطِّنة في القطر المصري، وقد تلقى العلوم أولًا في مدرسة الروم الكاثوليك ثم في مدرسة إخوة المدارس المسيحية، وفي عام ١٨٧٦ انتقل والده إلى الإسكندرية، وهناك أتم صاحب الترجمة دروسه عند الإخوة المشار إليهم، ولما خرج من المدرسة أخذ يعلم اللغتَين العربية والفرنسية للأفراد حتى أنشأ سنة ١٨٨٢ «المدرسة السورية» لحسابه الخاص، وفي سنة ١٨٨٦ وسع نطاقها متحدًا مع أخيه إبراهيم عبد المسيح منشئ جريدة «الإخلاص» المحتجبة في القاهرة، وبعد مدة تاقت نفسه إلى خدمة عالم المطبوعات فنال سنة ١٨٨٢ امتيازًا بنشر جريدة «السرور» وبإنشاء «المطبعة الوطنية»، ولبث على هذه الحال حتى احتجبت الجريدة فباع المطبعة وسافر إلى أميركا ولم يزل فيها إلى الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤