أخبار مجلات القاهرة من سنة ١٨٤٨ إلى سقوط الخديو إسماعيل سنة ١٨٧٩
(١) الجريدة التجارية الزراعية
مهما اجتهد الإنسان وبالغ في التنقيب والتفتيش عن الآثار القديمة لا يستطيع أن يبلغ الغاية القصوى من الكمال في أبحاثه الدقيقة، وقد حملنا على الإقرار بذلك خلو الجزء الأول لتاريخ الصحافة العربية من أخبار مجلة أو جريدة عنوانها «الجريدة التجارية الزراعية» أصدرها الخديو إبراهيم باشا قبل وفاته بعشرة أيام، فإنه مات في ١٠ تشرين الثاني ١٨٤٨ فنظم أحد الشعراء تاريخًا هجريًّا لوفاته سنة ١٢٦٤ قال:
المنشور الأول
العدد ١٣٥ الصادر في يوم الاثنين ١٢
ذي القعدة سنة ١٢٦٤
هجرية/ ١١
تشرين الأول سنة ١٨٤٨ ميلادية
المنشور الثاني
يوم الاثنين ثالث ذي الحجة سنة ١٢٦٤
هجرية/
غرة تشرين الثاني ١٨٤٨ ميلادية
«قد ذُكر في طبع من نسخ الوقائع سابقًا المنمرة بنمرة ١٣٥ أن الإرادة الداورية تعلقت بطبع جرنال عربي العبارة يحتوي على الحوادث التجارية والإعلانات الملكية، ويُنشر في كل أسبوع على كافة البلاد والقرى بالسوية خلاف نسخ الوقائع المعتاد نشرها لتعلم أرباب التجارة والزراعة منه رواجها ومحسناتها، وإذ كان ذلك معدودًا من أساس الرفاهية واليسار ومن وسائل قوت العالم كما هو جليٌّ لدى أهل البصيرة والاستبصار؛ بُودر إلى الشروع في طبع الجرنال المذكور من الآن طبق مراد الآصفي عليِّ الشان، وسينشر في كل يوم جمعة بدون انقطاع، وقد حررت في هذا الأسبوع أول نسخة منه وطُبعت، وعلى كافة المديريات نُشرت.»
في هذين المنشورَين دلالة على أن أول جريدة أو مجلةٍ زراعية أُنشئت في عام ١٨٤٨ ميلادية، وهي رابعة الصحف العربية منذ تأسيسها إلى الآن ونجهل كم بقيت من الزمان بعد عهد نشأتها، فنثني على صاحب الفضل أحمد بك تيمور الذي أتحفنا بهذه الفوائد خدمةً للتاريخ واللغة.
(٢) الجريدة العسكرية المصرية
لما نشرنا أخبار الحقبة الأولى فاتنا أن نذكر هذه المجلة القديمة التي أُنشئت بعناية إسماعيل باشا خديو مصر، وقد نبهنا إلى ذلك عيسى إسكندر المعلوف منشئ مجلة «الآثار» اللبنانية.
وهي شهريةٌ قمرية تُسمى «الجريدة العسكرية المصرية» وعنوانها يدل على مباحثها، كانت تُطبع في المطبعة الأميرية وتُوزع مجانًا على القراء، وقطعها كبير كقطع مجلة «المقتطف» في زماننا وكل جزء من أجزائها الثلاثة التي نُشرت يتألف من ٣٦ صفحة، ظهر منها الجزء الأول في ٢٢ أيلول ١٨٦٥م/غرة جمادى الثانية ١٢٨٢ﻫ ومن مقالاته «نبذة مختصرة من تاريخ فن العسكرية وكيفية تقدمه عند أشهر الأمم المتقدمين والمتأخرين».
(٣) روضة المدارس المصرية
وكانت «روضة المدارس المصرية» كثيرة المواد جزيلة الفوائد تُطبع بعناية نظارة المعارف في وادي النيل، وكان الخديو إسماعيل باشا يُساعد على انتشارها بسخائه المشهور كما ساعد كثيرًا غيرها من الصحف العربية، فطار صيتها وذاع وملأ الآفاق ثناء على مؤسسها ومحرريها الأفاضل الذين أتحفوا اللغة العربية بتآليفَ شتى في علومٍ مختلفة.
(٤) جريدة أركان حرب الجيش المصري

يرجع الفضل في معرفة أخبار هذه الصحيفة التي كنت أجهل وجودها إلى صديقي البحاثة عيسى إسكندر معلوف منشئ مجلة «الآثار» اللبنانية، وهي شبه مجلة بقطعٍ صغير نُشر منها العدد الأول في ١٥ جمادى الأولى ١٢٩٠ هجرية/١١ تموز ١٨٧٣ ميلادية، كانت تصدر في منتصف الشهور القمرية وكل سنة منها مقسومة إلى مجلدَين؛ أي ستة أجزاء في كل مجلد، وقد يلحق ببعض الأجزاء رسوم للأسلحة ومصوَّرات (خرائط) لبعض المواقع الحربية التي يقتضي المقام توضيحها، قام بنظارة تحريرها أولًا البكباشي موري أفندي من أركان الحرب، ثم خلفه البكباشي عمر أفندي رشدي من أركان الحرب أيضًا، وهذا صار بعد ذلك عمر باشا رشدي ومات وهو مدير للغربية في مصر، والمعروف من هذه المجلة أجزاء السنتين الأولى والثانية ونصف السنة الثالثة.
(٥) النحلة الحرة
هي مجلةٌ جدلية ذات ١٩ صفحة مخطوطة بيد منشئها القس لويس صابونجي ومطبوعة على الحجر، ظهر منها سنة ١٨٧١ العدد الأول فقط وهو الثاني والثلاثون لمجلة «النحلة» التي تأسست في بيروت، ثم أُلغيت بأمر راشد باشا والي سوريا على يد خليل أيوب الدمشقي، وكان قصد القس المشار إليه من نشرها تبرئة ساحته مما نسبته إليه مجلة «الجنان» وجريدة «الجنة» البيروتيتان من تهمة الطعن في حق صاحبها المعلم بطرس البستاني، ولذلك أصدر مجلته الجديدة في القاهرة وصدَّرها بالعبارة الآتية مع الأبيات التي تليها قال: «النحلة الحرة تطبع في بلادٍ حرة تنشر عند اللزوم دون ميعاد لإصلاح ما تفسره الجنة والجنان بين العباد.»
وقد قرظ هذه المجلة الشاعر الكبير محمود سامي باشا البارودي رئيس مجلس النظار سابقًا في مصر بالأبيات الآتية:
وتتضمن هذه المجلة انتقادات على المعلم بطرس البستاني في بعض المسائل الجغرافية والفلكية والعلمية، فمن ذلك أن المعلم بطرس ترجم جبل «جينيزيو» بمعنى الرماد غلطًا، ثم قال إن ارتفاعه يبلغ ٣٥ كيلومترًا مع أن أعلى جبال الأرض وهي سلسلة جبال هملايا لا يتجاوز ارتفاعها ثماني كيلومترات، ومما يؤاخذ عليه القس لويس صابونجي تحامله الشديد على النابغة البستاني وتصويب سهام الطعن عليه بعباراتٍ جارحة تحط من مقام أهل الذوق السليم والأدب الصحيح، وقد فعل مثل ذلك في حق كل من خليل أيوب المشار إليه وخليل الخوري مؤسس جريدة «حديقة الأخبار» وترجمان ولاية سوريا، ويعلم الجميع أن الأول كان من عيون أعيان دمشق المشهورين بالاستقامة والوجدان الطاهر، وكان الثاني من مؤسسي الصحافة العربية وأركان النهضة العلمية الحديثة في سوريا الذين يخلد الشرق ذكرهم جيلًا بعد جيل.