أخبار مجلات القاهرة من سنة ١٨٨٠ إلى ١٨٨٦
(١) نشرة الشركة الزراعية المصرية
لكل بلدٍ خاصة يمتاز بها عن سائر البلدان، فالقطر المصري الذي يخترقه النيل المبارك قد خصَّه الله بخصب التربة حتى صار بذلك مثلًا سائرًا على ألسنة الناس، وقد عرف هذه الحقيقة حكام مصر من أمراء الأسرة الخديوية فصرفوا اهتمامهم إلى تنشيط الزراعة وتوسيع نطاقها في كل أنحاء البلاد الخاضعة لصولجانهم، ولبلوغ غايتهم حفروا الترع وأقاموا الخزانات وشيدوا القناطر الخيرية وأسسوا المصارف المالية ومدُّوا السكك الحديدية وعمموا غرس الأشجار وجلبوا النباتات الكثيرة الخيرات وأنشئوا الشركات والمعامل على اختلاف أنواعها ورتَّبوا مسائل الري طبقًا للأصول الفنية وأوفدوا الإرساليات العلمية إلى مدارس أوروبا لتحصيل المعارف العالية، وذلك كله ليستعينوا به على تحسين شئون الزراعة التي يتوقف عليها عمران القطر المصري وتوفير موارده وإسعاد حال سكانه.
وكانت الصحافة من جملة الوسائل الفعالة التي عولوا عليها لنجاح مساعيهم، وثاني مجلةٍ زراعية ظهرت بعنايتهم لعالم الوجود في أرض الفراعنة «نشرة الشركة الزراعية المصرية» التي تأسست في ٣١ كانون الثاني (يناير) سنة ١٨٨٠ ميلادية، وهي مجلةٌ شهريةٌ صغيرة الحجم ذات عشر صفحات مطبوعة بحرفٍ دقيق تبحث في المسائل الزراعية علمًا وعملًا. وكانت هذه الشركة تسعى في انتشار استعمال النباتات المختلفة الأجناس التي يمكن نموها ونجاحها في القطر المصري والانتفاع من غلَّاتها، ولحصول الفائدة المرغوبة كانت الشركة تقدم لأعضائها جميع ما لديها من أصناف البذور، وترشدهم إلى طرق استعمالها لتنوير أذهان العموم وتوفير ثروة البلاد وتدريب الشعب المصري على استثمار أطيانه المشهورة بالخصب.
(٢) المنتخب
هو عنوان لمجلةٍ شهريةٍ علميةٍ طبيةٍ صناعية أصدرتها الحكومة المصرية في أواخر شهر آيار سنة ١٨٨١ وسلمت إدارتها للدكتور أحمد باشا حمدي مفتش الصحة، وقد أنشأتها على أنقاض مجلة «يعسوب الطب» التي مر ذكرها في الجزء الأول من تاريخ الصحافة العربية وجعلت إدارتها تابعةً لإدارة جريدة «الوقائع المصرية» الرسمية، فتولى تحريرها رئيس المدرسة المذكورة الدكتور عيسى باشا حمدي وبعض أساتذتها كعثمان بك غالب وغيرهما من مشاهير الأطباء المصريين الذين يشار إليهم بالبنان، وكان هؤلاء يتبرعون بتحرير «المنتخب» بلا أجرة خدمة للبلاد وسعيًا في نشر المعارف بين أبنائها.
وتحتوي هذه المجلة على أصول وفروع من المعارف العمومية التي يستفيدها كل ناظر ويستطيع إدراكها كل كاتب وقارئ، وتشتمل أيضًا على كثير من الفوائد الطبية من تشخيص أمراض بطريقةٍ سهلة وتعيين علاجات بسيطة وتقريب وسائل لحفظ الصحة فضلًا عن الاكتشافات الجديدة والاختراعات المهمة، أما عبارتها فكانت قريبة التناول خالية من التعقيد إلا ما ندر، وقد تعطَّلت بعد زمنٍ قصير من عهد ظهورها لقلة ميل المصريين عمومًا في ذلك العهد إلى مطالعة الصحف العلمية وترويج بضاعتها.
(٣) مرآة الشرق
سبق لنا وصف هذه المجلة الأسبوعية ضمن أخبار جريدة «مرآة الشرق» التي أوردناها في [الكتاب الثالث – الباب الأول – الفصل الثاني].
(٤) الحضارة
ومن ذلك ما تقع المماثلة في اللفظ دون المعنى بين لغتَين فأكثر كالنار، فإنها تعتبر في اللغة العربية بمعنى النار المحرقة المعلومة وفي اللغة التركية بمعنى الرمان، ومما قلت في المعنى:
وقد انطفأ سراج حياتها على أثر ظهورها بوقتٍ قليل؛ لأن صاحبها لاذ بالفرار من مصر إلى سوريا بسبب الفتنة العرابية، وبعد استتباب الراحة عاد إلى القاهرة فأخذ يحرر في جرائدها السيارة حتى وفاته، وقد نشرنا ترجمته في [الكتاب الثاني – الصحافة العثمانية].
(٥) الشفاء

فارتقاء الأمم وانحطاطها وتقدمها وتقهقرها وقوتها وضعفها لا يكون إلا بالنظر إلى حال العلم فيها، الحكم العدل الذي يعطي كل أمةٍ بقدر استحقاقها منه، فلا منعة المعاقل والحصون ولا كثرة الرجال والعدد تحمي الديار وتدفع العار وتصد هجمات العدو عن المواطن والحمى؛ إن لم يكن العلم ضاربًا فيها أطنابه داقًّا فيها أوتاده وأسبابه رافعًا فوقها قبابه، وماذا تنفع المعاقل إذا ارتفعت، والحصون إذا امتنعت والرجال إذا اشتدت والعدد إذا عدت ما دام العلم يخلق لها كل يوم ما يدقُّها دقًّا، ويمحقها محقًا، ويذرها هباءً منثورًا، كأن لم تكن شيئًا مذكورًا، فبدونه لا تستقلُّ أمة، ولا تدفع ملمة، ولا تحسن صناعة، ولا تستقيم تجارة أو زراعة، فالعلم هو السيف الذي لا يعتريه فلل، وأصحابه هم الجند الذين لا يصيبهم فشل، فالسياسة خادمةٌ للعلم وإن أنكر المنكرون، وأصحابها عبيد لأصحابه وإن استكبر المستكبرون، فويلٌ لقوم سادت كبراؤهم، وذلَّت علماؤهم، فإنهم قومٌ خاسرون، وعما قليل سيمحقون.
وكان يساعد في تحرير المجلة مشاهير أطباء مصر الذين نذكر منهم: سالم باشا وأباتي باشا وحسن باشا محمود وغرانت بك وأحمد باشا حمدي وهربرت ملتون ومحمد بك علوي وإبراهيم صوصة وفوكة وغيرهم.
(٦) اللطائف
مجلةٌ شهريةٌ علميةٌ أدبيةٌ تاريخيةٌ فكاهية أنشئت في ١٥ آيار ١٨٨٦ لصاحب امتيازها شاهين بك مكاريوس السوري الأصل وأحد أصحاب جريدة «المقطم» في القاهرة، فكانت حاويةً لكثير من الملح والنوادر والروايات والفوائد وتنشر أحيانًا أخبار الماسون وتدافع عنهم، غير أنها كانت بسيطة العبارة ولا سيما في أعوامها الأولى كأكثر المجلات في ذاك العهد، وقد جرت بينها وبين جريدة «البشير» البيروتية مجادلاتٌ كثيرة وهما على طرفَي نقيض في المبدأ؛ لأن الأولى كانت تنتصر لجماعة الماسون وتعظم شأنهم والثانية تُقبِّح أعمالهم وتذيع مساوئهم، وتبين أن غايتهم نقض الخير ومقاومة الحق وتقويض أركان الدين. ولدى بلوغها السنة الخامسة والعشرين من تاريخ ظهورها تصرَّم حبل حياتها بوفاة منشئها التي حلَّت في ١٢ حزيران ١٩١٠ بمدينة حلوان.
ومن مزايا شاهين مكاريوس أنه لم يتعلم على أستاذٍ طول حياته، بل حصل أصول الصرف والنحو والعروض بينما كان يشتغل في صف الحروف بالمطبعة الوطنية عند عمه جرجس شاهين في بيروت، فكان يلتقط ذلك من الأدباء والشعراء الذين كانوا يختلفون إلى المطبعة المذكورة لطبع مؤلفاتهم، ثم عُيِّن مديرًا لهذه المطبعة أربع سنين وانتقل منها إلى المطبعة الأميركانية حيث استوقف اجتهاده وبراعته أبصار أوليائها فجعلوا اعتمادهم عليه، وبعد ذلك سافر إلى وادي النيل حيث أنشأ مجلة «اللطائف» واشترك مع الدكتورين صروف ونمر في تأسيس جريدة المقطم، وقد ترك بعد وفاته بعض آثار علمية وأدبية شعرًا ونثرًا نذكر منها كتاب «تاريخ الإسرائيليين».
هذا ما أمكننا الوقوف عليه من أخبار هذا الصحافي القديم من أحد أصدقائه في بيروت، وقد كتبنا مرارًا إلى نجله سليم بك مكاريوس مدير جريدة «المقطم» المصرية ليتحفنا بترجمة والده ورسمه لننشرهما على صفحات هذا التاريخ فبقيت رسائلنا مهملة على أسف منا.