الفصل الثاني

أخبار سائر مجلات الإسكندرية إلى نهاية الحقبة الثانية

(١) مرقى النجاح

أول مجلةٍ عربية أنشأها أحد شبان الأقباط لخدمة طائفته كانت «مرقى النجاح» لعطية جرجس، وهي ذات ثماني صفحاتٍ كبيرة القطع دقيقة الحروف مختلفة المواضيع كانت تصدر ثلاث مرات في الشهر، وقد ظهر جزؤها الأول في غرة كانون الثاني ١٨٩٢ وقصد بها منشئها ترقية بني قومه ليتسنَّى لهم مباراة سائر الشعوب في مدارج المعارف وأسباب الحضارة الحديثة؛ لأن الأقباط كانوا كسائر الأمم الشرقية منقطعين عن العلم وتائهين في بيداء الإهمال، ولم يتنبَّهوا من غفلتهم إلا عندما استجلب لهم بطريركهم كيرلس الرابع الكبير مطبعة من أوروبا وتأسست لهم جريدة «الوطن» على يد ميخائيل عبد السيد، ومن ذلك الحين أخذت النهضة القومية تتزايد فيما بينهم شيئًا فشيئًا حتى صارت الآن لهم صحافة يعولون عليها في شئونهم العلمية والسياسية والمذهبية.

ومجلة «مرقى النجاح» التي نقصُّ أخبارها كانت من جملة العوامل التي حركت الأقباط على الاقتداء بسائر الشعوب جيرانهم في السعي وراء ترقية مصالحهم الخاصة والعامة، وإن تكن قد عاشت عمرًا قصيرًا إلا أنها مهدت السبيل لظهور غيرها من المجلات التي أدت خدمًا وافرة للأقباط وأنعشت في قلوبهم روح العلوم والرابطة الجنسية، وكانت مباحثها تتناول الأبواب الآتية: المقالة الافتتاحية – الكتابة والإنشاء – التاريخ – القضاء – شذرات – حل ألغاز – المكاتبة والمناقشة – أسئلة وأجوبة – ملخص أخبار الأسبوع – حكم ونصائح – فكاهات.

(٢) الفتاة

figure
نسيم نوفل؛ مدير مجلة «الفتاة» ووالد مؤسستها.

كانت الصحافة إلى أواخر الحقبة الثانية محصورة بيد الرجال من كتَّاب اللغة العربية، ولم نلم بجريدة أو مجلةٍ واحدة ظهرت بهمة ربات القلم من النساء؛ لأن المرأة الشرقية كانت عائشة في ديجور الجهل والجمود والخمول لقلة العناية بترقية شئونها وإهمال تربيتها وتحسين أحوالها، ولذلك قصرت النساء عن مجاراة الرجال ومنافستهم في هذه الحلبة الشريفة، ولبث الحال على هذا المنوال حتى برزت من خدرها فتاةٌ من كرائم سوريا ومن أديبات عائلاتها المشهورة، فأرادت أن تمزق بيدها حجاب الجهل عن أبصار بنات جنسها وأنشأت لهن مجلةً جديرة بالثناء والاعتبار، ونعني بها السيدة هند نوفل التي أسست في ٢٠ تشرين الثاني ١٨٩٢ مجلة «الفتاة» الشهرية، وهي باكورة الصحف النسائية للناطقات بالضاد، ولذلك دُعيت منشئتها الفاضلة بأم الصحافيات وعميدتهن كما دُعي إسماعيل بن الخشاب بأبي الصحافيين وزعيمهم، وقد افتتحت الجزء الأول من المجلة بهذين البيتَين:

يا ربة العلم بل يا ربة الكرم
غضي لحاظك عما خطَّه قلمي
تصفِّحيه بحسن الود منعمةً
هذي فتاتك بين العرب كالعلم

أما مباحث المجلة فكانت مبتكرة تحت سماء الشرق بمواضيعها المتعلقة بالجنس اللطيف، فكانت تتحاشى الأمور السياسية ولا تنزع إلى المشاحنات الدينية عملًا بمبدئها الوحيد وهو: الدفاع عن حق المرأة المسلوب والاستلفات إلى الواجب المطلوب، ونشرت بنوعٍ خاص فصولًا عن حالة المرأة ومركزها الطبيعي في الأزمنة الغابرة والقرون الوسطى، وما بلغته الآن من العلم والآداب والأخلاق والأزياء وحسن الإدارة وتدبير المنزل وتربية الأولاد وسائر الفنون كالخياطة والتطريز والتخريم والنقش والرسم والتصوير، فصادفت المجلة قبولًا وإقبالًا لدى ربات الأدب وأميرات البلاد وقرَّظتها الصحف العربية والأجنبية بدرر المقالات، وقد تواردت على صاحبتها قصائد الثناء فاخترنا منها الأبيات الآتية من نظم الشاعرة زينب فواز التي اختتمها بتاريخ على الحساب الهجري:

عز الفتاة يزين أرباب الأدب
وبها ازدهى الجنس اللطيف كما أحب
جاءت لنا هند تزفُّ فتاتها
حور المعاني المسفرات ولا عجب
وفدَتْ محلاة بكل فضيلةٍ
جمعت حضارتها فصيحات العرب
وصفت فلو وصفت جمال سماتها
أفكارنا مالت وملنا في طرب
لله در فتاتنا وفنونها
فلقد حوت من كل معنى منتخب
فليهنأ الجنس اللطيف بنشأةٍ
ما كان يبلغها الزمان ولو طلب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤