شحاتة عبد الكريم

ما يعرفه أهل بحري أن الأعوام السبعة عشر التي سبقت قدوم شحاتة عبد الكريم إلى بحري من روايته: أصله، فصله، مدينة مولده، وطفولته، ونشأته، وما إذا كان أبواه على قيد الحياة، وإن كان له إخوة وأقارب؟

لم يتحدث عن سيرته، ولا أرَّخ لحياته. احتفظ في نفسه بما كانت عليه أسرته، وهل هما من الإسكندرية، أو من الوافدين إلى المدينة؟ هل كانا ميسوري الحال أو من الفقراء؟

تناسى الناسُ أسئلةَ البداية. أهملوا تصوُّر شحاتة — منذ مولده — بعيدًا عن بحري. حتى لهجته ومفرداته وتعبيرات وجهه ويدَيه تنسبه إلى تميُّز أهل الحي.

حين قَدِم شحاتة عبد الكريم إلى بحري — للمرة الأولى — قدَّم نفسَه إلى الشيخ رافع عبيد صاحب الكتاب المطل على جامع ميبر بشارع فرنسا. تذلَّل ليعمل بنومه وطعامه.

حدَّق الشيخ رافع في وجه شحاتة: مَن يُزكِّيك؟

– الله!

تأمل الشيخ ما قاله شحاتة. استهوَته الكلمة: هل تعرف القراءة والكتابة؟

قفز شحاتة على السؤال الذي توقَّعه: وأحفظ معظم آيات القرآن.

أمن له الشيخ. عهد إليه بمهمة العريف. ترك له المفاتيح، يسبقه في فتح الكُتَّاب، وكنْسه، وإعداده قبل أن يأتيَ التلاميذ.

حرَّضه الشيخ رافع — فيما بعد — على أخذ الثواب. صَحِبه إلى غسل الموتى، والسير مع أفندية الجنازات، وتفكيك الأكفان.

لما عرض بخيت الحانوتي بشارع أبي وردة على شحاتة أن يمارس ما تعلَّمه، بأجر، هجر مهنة العريف. زاولَ الغسلَ — بنفسه — من بداياته. يُزيل شَعْر الميت عن جسده، حتى شَعْر ما تحت الإبطين والعانة (يضع حسابًا لأعين أهل الميت، تُتابع ما يفعل، يردُّ ذراعَي الميت إلى عضدَيه، يردُّ أصابع راحتَيه، يمدُّها، يردُّ ساقَيه إلى فخذَيه، يمدهما، ينزع عنه ثيابه التي مات فيها) يتركها أهل الميت لبخيت، فيتركها لشحاتة. يُفرد ملاءة على الجسد، تُغطِّي الرأس أيضًا. يُردد الفاتحة والشهادتين، وما يَفِد إلى ذهنه من قصار السور، وما لقَّنه له بخيت بأن يرزق الله الميت — وأمة لا إله إلا الله — العيش على الإيمان، والموت على الإسلام، وحسن الختام.

يطمئن شحاتة إلى وضع الميت على الخشبة، متوجهًا إلى القبلة. تنحدر الخشبة ناحية القدمين. تثبت في مواضع، ليسهل نزول ماء الغسل. يغطِّي يده بقطعة قماش، يضغط بها على مواضع خروج الفضلات، يضغط على البطن، يعصره تمامًا، حتى يخلوَ من كل ما به من بقايا طعام وشراب. يُوضئه وضوءَ الصلاة، وإن حرص فلا يدخل الماء في الأنف والفم. يمسح الأنف والأسنان بقطعة القماش المبللة. يطمئن إلى تغطية الفوطة الصغيرة لأسفل البطن، فلا تنكشف العورة (يعطي الفوطة لأهل الميت بعد الغسل ليحتفظوا بها). يميل على النصف الأيمن من الجسد. يدلق الماء عليه حتى يغطي كل البدن. يتجه إلى النصف الأيسر، يُعيد ما فعل ما بين ثلاث مرات إلى خمس. يُضيف — في المرة الأخيرة — بنفسجًا، أو كافورًا، أو صابونًا معطرًا (هو — في الأغلب — صابون السان لايت) ينتهي بتجفيف الجسد، يُطيِّبه بالمسك وماء الورد، وما يقدمه له أهل الميت من روائح طيبة.

ظل مساعدًا لبخيت حتى مات الرجل، فاشترى شحاتة الدكان من أبنائه.

فضَّل قهوة مخيمخ لقعداته، يجلس فيها معظم وقت فراغه، ينمِّي صداقات. هي قهوة القرَّاء، يتعاقدون فيها على المآتم والمناسبات الدينية. قد يتصيد مأتمًا قَدِم أصحابُه للتعاقد مع قارئ أو أكثر، يوسع من دائرة عمله في بحري، لا يقتصر على الأنفوشي والسيالة ورأس التين، والميادين والشوارع القريبة.

يُثير غضبَه أيُّ خروج على قواعد الغسل: صراخ النسوة، أو بكاؤهن، في أثناء تكفين الميت. الميت يتعذَّب، وهو أيضًا يتعذَّب. مَن تفعل ذلك، عليها أن تتحمل نتائج ثورته. ربما دعا الله، يؤذيها في عافيتها. وربما تمتم بتعاويذ فسخطها.

حين سأله سيد حلال عليه عن المشاعر التي يتحرك بها منذ يدخل بيت الميت حتى يغادره، قال شحاتة عبد الكريم إنه وجد العبرة لما تنبَّه إلى أن المرء يشتري بيتَ الآخرة بماله. يعرف أنه يموت، فيُعِد قبره. يختار الموقع، يُشرف على عملية البناء، يطمئن إلى التفصيلات الصغيرة، تلفُّه رهبةُ الموت وهو يهبط إلى النوامة الخالية، كأن الموت سبقه إليها، أو أنه سيلقاه في داخلها. يتأمل ما كتبه الخطاط على شاهد القبر من كلمات تطلب الرحمة وقراءة الفاتحة، تُشير إلى تاريخ الميلاد، وتترك تاريخ الوفاة حتى يأتيَ موعده.

يثق أن مهنته هي المهنة الوحيدة التي لا بد أن يحتاج إليها أهلُ بحري ذات يوم، مثلما يحتاج إليها الناس في كل الدنيا. يتناسَونها، يتوقون لتأخر السبب، لكن السبب هناك في نهاية الأفق.

•••

السِّحر — في اللغة — كلمة مشتقة من «سَحَرَ»، وهو آخر ساعات الليل، وأول طلوع النهار. يختلط الظلام بالضوء، وتلتفُّ المرئيات بالضباب. يبدو الواقع عكس ذلك. العكس أيضًا صحيح. سِحر العين يرى الحقيقة في غير ما هي عليه، لكن الحقيقة تظل على أصلها، والسِّحر لا يغيِّر طبيعة الأشياء.

السِّحر — في مضمونه اللغوي — يعني الخيال. هو رؤية الشيء على غير طبيعته، وسُمي السِّحر سِحرًا لخفاء سببه، فلا يُفعل إلا خفية. وقيل: معنى السِّحر الإزالة، وصرْف الشيء عن وجهه. ويقال: ما سَحَرك عن كذا؟ أي ما صَرَفك عنه؟ وقال أبو جعفر الطبري إن معنى السِّحر قد اختُلف فيه. قال بعضهم هو خُدَع ومخاريق، يفعلها الساحر حتى يُخيل للمسحور الشيء ذاته بخلاف ما هو به. أشبه بمن يرى السراب من بعيد، فيتوهم أنه ماء. وذهب آخرون إلى أن الساحر يستطيع — بما يملكه من قدرات — أن يُحيل الإنسانَ حمارًا، ويسحر الإنسان والحمار، ويخلق أعيانًا وأجسامًا.

السِّحر علمٌ له أصوله وقواعده.

عثر شحاتة عبد الكريم في تجويف داخل دكان بخيت على كتب صفراء مهترئة، دلَّته على طريق السِّحر، ويسَّرت له سلوكه. خلا إليها، حاول استنطاقها بالقراءات الجادة، المثابرة، التي لا تكلُّ، وبالطهارة، والحرص على الوضوء، إهمال ما يشغل المرء عن الفهم واستخراج المعاني، وبالتركيز في تنفيذ نصائح الخطوات، خطوة خطوة. تعلَّم الطقوس. لجأ إلى الرقى والتعاويذ لشفاء مختلف الأمراض، وضرب المندل، وصرف العمَّار والجان والأشباح والأرواح الشريرة.

وضعَ قراءاتٍ ووصفاتٍ شعبيةً وأعشابًا وتعازيمَ ورُقًى وتعاويذَ وأفعالَ سِحْر، توصَّل إلى الكثير من الأسرار والعلوم الخفية وعلم التنجيم وعلم الأفلاك، والبركات التي أودعها الله — سبحانه — في الأسماء والآيات والحروف.

عُرف عنه قدرته على الاتصال بالجن. يلتمس الشفاعة، يستأذن في رفع البلاء الذي ربما أصابوا به فلانًا من البشر، ينقل عن الأرواح أخبار المتوقَّع والآتي، فيُعِد المرءُ نفسَه لمواجهته ومنع ضرره.

قال إنه يحتفظ في دكانه بنسخة (نقلها إلى بيت ابتهال المنسي، بعد زواجهما). لم تُحذف منها كلمة. من كتاب سلطان الجن شمهورش بن مقارش. عرف من الأسماء والآيات والأسرار والطلاسم ما يدعوه لأن يتذلل إلى العلي القدير، فيسخِّر مددًا روحانيًّا مع خدام اسمه اللطيف المبارك، لأجل المكاشفة، وإخبار الظاهر والباطن، وفهْم علمه المكنون، وأن يكون كلُّ مَن يحيَون بفضل نعمائه، عونًا له على ما يريد، فيقضون حاجته، ويمتثلون مرضاته، ويسمعونه بالطاعة لخدمة الله ورسوله.

كان يخلو إلى نفسه في الليل أو النهار. يُغلق جميع المنافذ، فلا يراه أحد. يُضوِّع في الحجرة بخورَ اللبان الدكر والكزبرة، حتى يصعب عليه رؤية خيال نفسه. يتلو سورة الفاتحة ثلاثمائة وثلاث عشرة مرة. كلما عدَّ مائة، قال: احضر يا خادم هذه السورة، واكشف الحجاب بيني وبينك، حتى أراك بعيني، وأخاطبك بلساني.

يظهر له الخادم في لباس مغربي. يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يذكر له شحاتة حاجته، يُخبره بها بلا خفاء ولا تورية. يُهدي ثواب ما يتحقق إلى حضرة النبي، وللخلفاء الأربعة، ولأولياء الله، والتابعين.

رُوي أنه عثر داخل تجويف بحجرة مخفية، بين الطابقين الأول والثاني، على صندوق — لعل صاحبه سكن البيت من قبل — فيه قوائم بأسماء عشرات الأولياء، وأهل الخطوة والكرامات. يترددون على بحري، أو يعيشون فيه، دون أن يجاهروا بذلك. دلَّته مناقبهم على ما غاب حتى عن كتب السحر.

أصبحت قدراته السحرية بلا حدٍّ.

حتى أفعال السحر التي تُصيب مَن يستغيثون به، كان يُحسن طرْدَها، أو جعْلَها غير ضارة بتعاويذ العوالم السفلية. يُردد التعاويذ لطرد الأرواح الشريرة والعفاريت والجان. يقرأ سورة الجن على أوراق. يخطُّ على كلٍّ منها حرفًا من حروف الهجاء، إلى نهاية الأبجدية. ينقش على كل ورقة اسمَ صاحب الوصفة، واسم أمه، واسم الغائب، واسم أمه. يحرق الأوراق وهو يردِّد التعاويذ بالسريانية. يطلب رشَّ الرماد — في أحوال الحب — على عتبة المحبوبة. إذا خطت فوق الرماد، فإن النفس تميل إلى ما كانت ترفضه.

نفى ما همست به سيسبان من أن روح جني تلبَّسَته، دفعَته إلى أعمال السحر. المصادفة — وحدها — قادَته إلى كتاب السحر القديم. قرأه، وحفظ ما فيه.

قرأ في كتاب مجموعة ابن سينا الكبرى في العلوم الروحانية: الطب والسيميا والأبواب والعزائم والطوالع والبروج والطبائع والطلاسم وأبواب المحبة، وغيرها. وقرأ حكايات السحر والشياطين والمردة والجان وخاتم سليمان وسحرة فرعون وسحر بابل وهاروت وماروت والأحجار والنار والكواكب والسماوات والملائكة والجان وكتاب أخنوخ، وغيرها مما يستعين بالقُوَى الروحية الغامضة.

تعلَّم في مؤلفات أبي معشر في السحر، أن يلاحظ الكواكب والأجرام السماوية في مساراتها، ومنازل الشمس والقمر. ينظر في حال الفلك، واقترانات الكواكب، ثم يُشير بما يراه صوابًا. يراعي مناسبات النجوم والكواكب والأبراج، ورصد الأفلاك، يعمل كل عمل في الوقت الذي يناسبه.

عمل دوائر للطاعة، والقبول، والعطف، والمحبة، وجلب البيع، والشراء، وقضاء الحوائج، والرزق، والبركة، والهيبة، والعز، والجاه، والدخول على ذوي النفوذ. كتب أعمالًا لكشف السرقة، وتسهيل الولادة المتعسرة، وحل المعقود، وفك السحر، وزواج البنت البائرة، وتسكين الوجع، والشفاء من الأمراض، وطرد سم الزواحف، وحفظ المتاع، وإيجاد المحبة والعطف، وإثارة الرغبة، وقضاء المصالح، ورواج البيع والشراء في حلقة السمك، والتفريق بين المجتمعين على ما لا يُرضي الله، وخراب دار الظالم المارق من الدين، وتسهيل صيد السمك، وحفظ البلانس من الغرق، وتقوية المسافر على قضاء رحلته، واكتساب الهيبة في نظر رجال السلطة، وخلاص المسجون، وإحضار الغائب، وردِّ الآبق، وكشفِ ما غمض، وترحيل الجار السوء، وعقد الألسنة فلا تنطق إلا بالخير.

صار له خدمُه الذين يُلبُّون أوامره، من الجن الصالحين. عالج — بواسطتهم — أمراضًا لا شفاء منها؛ كالفالج والجذام والعشق والجنون، وجمَع بين المتنافرين، المتباعدين، وفرَّق بين المجتمعين على ما لا يُرضي الله، وكشف عن اختفاء الأشخاص والأشياء المسروقة. استطاع — بحول الله — تسمير العفاريت في أماكنهم.

إذا كان العمل لإزالة مرض أو مصيبة، يؤخذ اسم المريض إن كان المرض شاملًا لكل أعضاء الجسد، أو اسم العضو المريض إن اقتصر الداء عليه. فإذا غاب اسمُ الأب والأم، طلب تشخيصَ المراد رفْع الأذى عنه، أو إلحاق الضرر به، يُجسده صاحب الشأن من طوله وقصره، ولون بشرته، وملامحه، وما إذا كان أصلع أم غزير الشعر.

إذا غاب ذلك كلُّه، حلَّت حواء موضع الأم؛ فالإنسان ابن آدم وحواء. لا يتحقق العمل إلا بالطريقة الصحيحة، بالكلمات التي تُحدث تأثيرها المطلوب، لا زيادة ولا نقصان: «بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى صحبه وسلم، اللهم إني أسألك بألف ألوهيتك يا الله، وبهاء الهداية يا هادي، وبميم الملك يا ملك، وبسين السلامة يا سلام، وبقاف القهر يا قهار، وبكاف الكفاية يا كافي، وبحاء الحلم يا حليم، وبلام اللطف يا لطيف، وبعين العلم يا عليم، وبياء اليمن يا ذا المن، وبصاد الصمدانية يا صمد يا الله يا واحد يا هادي، اهدني إلى سواء السبيل، يا مؤمن يا مهيمن يا سلام، سلِّمني من آفات الدنيا والآخرة، يا قاهر اقهر عدوي، واجعلني قاهرًا غير مقهور، واكفني شرَّ ما قضيت، يا كريم يا كفيل يا كافي، اكفني السوء بما شئت، وكيف شئت. إنك على ما تشاء قدير، يا حليم يا عليم يا لطيف، الطف بي في الأمور، وعلِّمني من لدنك علمًا تنفعني به في الدنيا والآخرة، واعفُ عني يا الله يا هادي يا ملك يا سلام يا قاهر يا كافي يا حليم يا لطيف يا عليم يا صمد، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.» ربما ضمَّن الأحجبة كلماتٍ أشبه بالألغاز، لا يفهمها سواه.

أفاد من سحر الأرقام.

للأرقام خصائصها وقدراتها في رسم مصير الإنسان. قراءتها، والتعامل بها يُتيح معرفةَ ما قد يغمض عن الذهن من أمور الغيب.

الأرقام فردية وزوجية، الله هو الواحد الأحد. وأسماء الله الحسنى تسعة وتسعون اسمًا، وهو خالق العالم في ستة أيام، ثم كان اليوم السابع، ورسَت سفينة نوح على اليابسة في اليوم السابع، بعد أيام الطوفان الستة، وسفينة نوح حملت من كل زوجين اثنين، والزوجان ذكر وأنثى، والرقم سبعة هو رقم الكون، وعدد السماوات سبع، والأرضين سبع، وألوان الطيف سبعة، وحروف أوائل السور، الأسماء النورانية، أربعة عشر حرفًا، وأركان الإسلام خمسة: الشهادتان، الصلاة، الصوم، الزكاة، حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا، وثمة الشهادتان لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والصلوات الخمس، والحواس الخمس: البصر في العينين، السمع في الأذنين، الشم في الأنف، التذوق في الفم، اللمس في اليدين. وعدد أصابع كلٍّ من اليد والقدم خمسة، ولم يكذب إبراهيم الخليل إلا ثلاث كذبات: قوله حين دُعي إلى آلهتهم: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله لسارة: إنها أختي. وأولو العزم خمسة: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، محمد. والملائكة الكرام أربعة: إسرافيل وميكائيل وجبريل وعزرائيل. وجاءت النبوة لثلاث نساء: سارة، وأم موسى، ومريم. وقال الرسول: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد رسول الله. والخلفاء الراشدون أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، وكان أهل الكهف ثلاثة، رابعهم كلبهم، وفي حديث للرسول: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.» وفي حديث آخر للرسول: «بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنظرون إلا فقرًا منسِيًا، أو غنًى مطغِيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرَمًا مُفنِدًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدجال؟ فشرُّ غائب ينتظر، أو الساعة؟ والساعة أدهى وأمر.» والأربعة التي يلازمها الإنسان: المحافظة على الصلاة، والصدقة، وقراءة القرآن، وكثرة التسبيح. والأربعة التي يجتنبها: الكذب، الخيانة، النميمة، البول على البدن، والعهود السليمانية سبعة، وثمة السبع آيات المنجيات، وسبعة يُظلهم الله في ظلِّه، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل معلَّق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجل دعَته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله. والنقباء — عند الصوفية — ثلاثمائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، والجنان ثمان: دار الجلال، دار السلام، جنة المأوى، جنة الخلد، جنة النعيم، جنة الفردوس، جنة عدن، دار القرار. وأبواب الجنة ثمانية، من الذهب المرصَّع بالجواهر. على بابها الأول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. هو باب الأنبياء والمرسلين والشهداء والتابعين. الباب الثاني باب المصلين، ومَن يُحسنون الوضوء، وأركان الصلاة. الباب الثالث للمزكِّين بطيب أنفسهم. الباب الرابع للآمرين بالمعروف. الخامس لمن يقطع نفسه عن الشهوات، ويمنعها عن الهوى. السادس باب الحجاج والمعتمرين. السابع للمجاهدين. الثامن للمتقين الذين يغضُّون أبصارهم عن المحارم، ويعملون الخير. وقال يوسف: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، وروى الفرعون ما رآه في نومه: سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر، وأخرى يابسات، وتنبَّأ يوسف بسبع سنوات خير، وسبع سنوات عجاف، واستمر بلاء أيوب ثماني عشرة سنة، واليوم السابع إجازة عند المسلمين والمسيحيِّين واليهود، والقراءات سبع، وبدء نزول القرآن على محمد في الرابع والعشرين من رمضان، ومولد النبي في الثاني عشر من ربيع الأول، وسنُّ النبوة أربعون عامًا، واستمرت الرسالة المحمدية ٢٣ سنة، وبدأ الرسول هجرته من مكة إلى المدينة في الأول من المحرم، وقُتل الحسين في العاشر من محرم، وكان عدد المقاتلين — إلى جانب الحسين — ثلاثة وسبعين، ثبتوا أمام أربعة آلاف جندي، حتى قُتلوا عن آخرهم، وعاش: آدم — أبو البشر — ألف عام، وعاش النبي إدريس على الأرض ٨٦٥ سنة، ثم رفعه الله إليه، وأدرك من عمر آدم مائتين وثماني سنوات، وظل نوح في قومه ٩٥٠ سنة، ثم عاش — بعد الطوفان — ما بلغ بعمره ألفًا وسبعمائة وثمانين سنة، وعاش هود ٤٦٤ سنة، ووُلد إبراهيم الخليل — أبو الأنبياء — بعد الطوفان ﺑ ١٢٦٣ سنة، وعاش مائتي سنة. أما ابنه إسماعيل فقد عاش ١٣٧ سنة، والاثنا عشر مذهبٌ مهمٌّ في عقائد الشيعة، والتثليث أساس العقيدة المسيحية، وحواريو المسيح ثلاثة عشر حواريًّا، والأسباط اثنتا عشرة قبيلة تُنسب إلى أبناء يعقوب. ذلك ما يحدث — أو يشابهه — في أرقام أخرى، لها معانيها ودلالاتها، كالحسد الذي يواجهه الرقم خمسة، والحظ السعيد في الرقم سبعة، والطيرة في الرقم الثلاثة عشر، وأركان العالم أربعة، والليل يعقبه النهار، ويكتمل القمر بدرًا في الليلة الرابعة عشرة، وعدد الليالي التي يظهر فيها الهلال حتى يختفيَ، ثمان وعشرون ليلة، والقمر يغيب فتُشرق الشمس، وفصول العام أربعة، والسنة البسيطة ٣٦٥ يومًا، والسنة الكبيسة ٣٦٦ يومًا، والسنة اثنا عشر شهرًا، والشهور الميلادية بين ٣٠ و٣١ يومًا. شهر فبراير وحده ٢٨ يومًا ثلاثة أعوام، و٢٩ يومًا في العام الرابع، واليوم أربع وعشرون ساعة، والساعة ستون دقيقة، والدقيقة ستون ثانية، وحروف الهجاء العربية ثمانية وعشرون حرفًا، والبروج اثنا عشر، والصداقة في الرقم اثنين، وفي العشرة الطيبة. وفي بحري ١٩ شياخة.

أتقن علم الفلك وحسابات الأبراج ومسارات الكواكب.

يُطيل تأمل السماء، يتلقَّى فيض المعرفة، تهبه أجوبة الأسئلة، والأسرار. يثق أن مصير الإنسان كتبَته النجوم على جسده. للكواكب تأثيرها في الإنسان والأشياء، وفي السعد والنحس، وهي أساس كل علوم التنجيم. يبني عليها توقعاته.

لكل كوكب من الكواكب السبعة بخوره الذي يجلبه، أو يدفعه. لجلب زحل بخور الميعة السائلة واللبان الدكر، ولدفعه بخور الحنتيت والكبريت وشعر قط أسود، ولجلب المشتري بخور الصندل الأصفر وعود القماري والعنبر، ولدفعه الصندل الأصفر، ولجلب المريخ الصندل الأصفر واللبان الدكر، ولدفعه دم ماعز يُذبح يوم الثلاثاء والأفيون، ولجلب الشمس بخور الند والكافور والمسك والعنبر، ولدفعه بخور الكافور، ولجلب الزهرة بخور اللبان الدكر والجاوي والعود والمستكة، ولدفعه اللبان الدكر، ولجلب عطارد البخور الأزرق واللبان الدكر، ولدفعه اللبان الدكر والميعة السائلة، وللقمر الظفر واللادن واللبان الدكر، ولدفعه اللبان الدكر.

يُشدد على جلسائه، فتخلو المعدة من الطعام إلا ما يطلبه استمرار الحياة (تؤذيه رائحة فضلات الطعام وهو يعتصر بطن الميت)، واجتناب أكل الحيوان، وما يخرج منه، واجتناب الطعام ذي الرائحة الكريهة كالثوم والبصل، وملازمة الطهارة بدنًا وثوبًا ومكانًا، وأن يستقبل الشخص القبلة الشريفة، والصلاة على النبي قبل العمل وبعده، والاستخارة قبل كل عمل، ليكون على بصيرة من أمره.

يؤكد أنه لا يُقدِم على أمر طُلب منه، أو أُشير به عليه، أو سعى هو إليه، إلا إذا كان موافقًا للشرع الشريف، خاليًا من شبهة عرض دنيء.

يحذر الحضور فلا يلمسون شيئًا مما حولهم. يستخدم العون المبارك ريحان، خادم المليك الأخضر، خادم سورة الفاتحة. يفعل جميع ما يريده خيرًا كان أو شرًّا، متى كان موافقًا لسنن الشريعة.

رفض الأعمال المؤذية: زرع المرض في جسد الصحيح، التفرقة بين الزوجين، إيقاف حال الولد أو البنت فلا يتزوج، منع المرأة من الحمل، النزيف الدائم للمرأة فلا تصلح للمضاجعة ولا للإنجاب، تبدُّل صورة الزوجة في عينَي زوجها، موت الطفل في رحم أمه، الشرود، سلب العقل، الإصابة بالمجهول من الأمراض فلا يقدر على علاجها الأطباء، نشر الضرر والشرِّ.

الله — سبحانه — هو الذي أعلن سرَّ المحبة والمودة في قلوب أهل الأسرار، وأكمل ذوات الطالبين بالنور السرمدي، وتجلَّى بالعز الدائم والنور القائم على الأكوان، وخلق الإنسان والأشباح، وألَّف بينها وبين الأرواح التي هي من أمر الله.

عمل فائدة لطرد الجان، وفائدة لتقوية الروح، وفائدة لمنح قوى التنبؤ، وفائدة لإزالة النظرة وفك السحر، وفائدة لبكاء الأطفال، وفائدة للأرق والدوار والصداع وسرعة ضربات القلب، وفائدة للمغص والجدري والجذام والبرص، وفائدة لوجع الظهر، وفائدة لوجع الضرس، وفائدة للحمل، وفائدة للصداع، وفائدة لحل المربوط، وفائدة لإزالة الصرع، وفائدة لطرد الغازات من البطن، وفائدة لإيقاف النزيف، وفائدة لقضاء الحاجات ونَيل الرغبات، وفائدة للخوف والفزع والهمِّ والغمِّ والجنون والمرض الظاهر والباطن، والإحساس بالضعف، وكل ما يحدث في جسد الإنسان، وفائدة لدفع أذى الكلب العقور، وفائدة للصحو من النوم في الوقت الذي يريده المرء، وفائدة لكشف ما أشكل في المنام، وفائدة للسلوى، وفائدة لنجاح الأمور، وفائدة لتسخير الأرزاق، وفائدة لجلب الثراء. وكان يُلقِّن زائريه فضلَ التصرف بآية الكرسي.

فاجأ المترددين على بيته بلافتة، علَّقها في واجهة المدخل، تُثبت عضويته في الاتحاد العالمي للفلكيِّين الروحانيِّين بباريس.

زاوج بين العلاج الطبي والسِّحر.

يعتمد على القوى الخفية التي تربط مصائرَ البشر بالكائنات. أدواتُه النار والبخور والأعشاب والشجيرات والأشجار والنباتات وأحشاء الحيوانات والطلاسم والرُّقَى والتعاويذ وغيرها مما تحفل به الكتب القديمة.

يطلب أثرًا من الشخص الذي يتجه إليه بسِحره: أظافره، شعرات من رأسه، منديل. تخدمه الجان والشياطين والأرواح، بطاعة الله الذي يقتصر لجوءه عليه وحده. يتجه إليه بأنواع التعظيم والعبادة والأدعية والخضوع والتذلل لله تعالى، والتيقن من أن كل الكائنات — إنسيِّها وجانِّها — تخضع للإرادة الإلهية.

لم يكن يطلب في علاجه تحاليلَ، ولا أشعة. مجرد النظرة السريعة، المتفحصة، تكفي للتعرُّف على ما يُعانيه المريض.

حتى خاصة أصدقائه، باتوا على يقين من استطاعته المناداة — سرًّا — على الجان، أو الخادم. يحل المسائل والمشكلات.

حين صارحه خليل الفحام بما في نفسه، قال شحاتة: سيدنا سليمان اتصل بالجان في الزمن القديم.

•••

رفض الشيخ عبد الستار ما يقوم به شحاتة عبد الكريم من أفعال السحر. ما يروى عن استدعائه الأرواح، وتسخيرها في أعماله، وتسخيره للعوالم العلوية والسفلية، وعوالم البشر والملائكة والجان. رفض مزاولات السِّحر من تعاويذ وطلاسم ورموز وأرقام وحروف.

اتهمه بالسعي لضلال الناس، وصرْفهم عن أمور دينهم، وأنه يستخدم عظام الموتى وتراب الجماجم في صنع أفعال السحر، تُتيح له مطلبه صداقة بينه وبين التُّرَبي مبارك الجيلي.

قال إن السحر لا حقيقة له، إنما هو تخيُّل وتمويه، أشبه بأفعال الحواة. وقال إن عمل السحر يقرِّب من الشيطان بقدر ما هو ابتعاد عن الله. وقال إن شحاتة عبد الكريم تعلَّم السحر وتناقله من الشياطين، وهو يستعين بالجن لقضاء حوائجه، ويُحدث التأثير السيِّئ للنوات: ابتلاع الأمواج للبشر وللسفن، والوصول إلى ما بعد الشاطئ، وإيقاف حال الصيادين.

أخذ على شحاتة استخدام أسماء الله في استحضار الجن، وتسخيرهم في قضاء الحوائج.

قدرات البشر تفوق قدرات الجن. لماذا نُرضخ القويَّ لسيطرة الضعيف؟

قال الشيخ عبد الستار إن شحاتة منح لنفسه من الصفات ما يسهل تكذيبه، ويصعب قبوله، وإنه لو كان لسحر شحاتة فائدة في حياة الناس لأفاد نفسه.

أردف — في لهجة متوعدة — إن الساحر لا يموت على حالة طيبة.

دافع شحاتة عن نفسه بأن القرآن يعترف بوجود القوى الخفية: إبليس، والشياطين، والجان، والقرين، وأنواع السحر، والتنجيم، والنفَّاثات في العُقد.

قال شحاتة: أنا لا أمارس السحر الأسود.

قال الشيخ عبد الستار: السحر كله أسود!

وقال الشيخ في خطبة الجمعة بجامع علي تمراز — دون أن يشير إلى شحاتة على نحو ما — إن السحر من إعانة الشياطين، ومن الكفر أن يستعين المرء بالشيطان. السحر كلُّه محرَّم، لا يجوز فعله. مَن يفعله، أو يعتقد فيه، يخرج عن ملة الإسلام.

لم يَعُد شحاتة — منذ اتهمه الشيخ في إيمانه — يُجاهر بقدرته على مخاطبة القوى الغيبية. احتفظ بعلمه لنفسه، يستخدمه دون إعلان.

قال له خليفة كاسب ١٩٥١م: هل قرأت الصحف؟ … ألغت الحكومة الإنجليزية قانون السحرة.

علا صوتُ شحاتة عبد الكريم بالغضب: وما شأني بمثل ذلك القانون. لا صلة لى بالسحر ولا السحرة.

ولمح خليفة كاسب في عينَي شحاتة ما ألزمه الصمت.

•••

انظر: خليفة كاسب، خليل الفحام، رافع عبيد، سيد حلال عليه، سيسبان، عبد الستار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤