الفصل الأول

الحنين إلى الخُرافة

يظهر العلمُ منذ اللحظة التي يقرر فيها الإنسان أن يفهم العالمَ كما هو موجودٌ بالفعل، لا كما يتمنى أن يكون.

د. فؤاد زكريا

(١) في البدء كانت الخرافة!

الظلامُ — ببساطة — هو غيابُ النور
وحيثما فرغ العقلُ من العلم والفلسفة تَلَقَّفَته الخرافةُ كأنها أَولَى به
في البدء كان الظلام
وأينما تَوَجَّهَ العقلُ الفارغُ من العلم وفلسفتِه
فَثَمَّ وجهُ الخرافة.

كانت وظيفةُ الخرافة — ولا تزال — تفسيرَ الوجود حيث لا تفسير، والتأثير فيه حيث لا تأثير، لقد كان الإنسانُ الأول مُلقًى في عالمٍ مبهَمٍ غيرِ مكترث، وكان عليه أن يبتكر شيئًا يفسر به ما يجري حوله، ويتحكم به في أرتال الأحداث التي تمضي غيرَ عابئةٍ به، فابتكر الأسطورةَ يتفهَّم بها هذا الوجودَ الملغَز، ويؤَوِّل بها هذا العالمَ الغريبَ الذي لا يُفصِح عن نفسه.

لم يكن لدى الإنسان الأول مُراغَمٌ كثيرٌ لكي ينسحب من البيئة المحيطة فيتأمل ويترَوَّى ويفكر، ويميز بين الداخل والخارج، بين الذات والموضوع؛ فوَقَرَ في رُوعِهِ أن جميع الأشياء — الجامد منها والمتحرك — «أشخاصٌ» مثله لديها أرواحٌ وأغراض animism، فجَعَلَ يُجابِه الأشياءَ كما تجابِه الحياةُ الحياةَ، ويخاطب كلَّ شيء ﺑ «أنت» ولا يشير إليه ﺑ «هو»، كان لِصِيغةِ المخاطَب second person الغَلَبَةُ في عالَمِه الذهني على صيغة الغائب third person.
في مثل هذا المُناخ الوجودي كان التجريدُ الذهني مُحالًا، وكان على الفكر أن يكتسي صورًا لا تنفصل عنه. كان على الفكر أن يكون تصويريًّا أسطوريًّا، ومن ثم كانت الأسطورةُ عنده هي حق اليقين. هي حقيقةٌ اتخَذَت شكلًا، بل هي فكرٌ وفعلٌ في آنٍ معًا: إنها ضربٌ من الاستدلال العقلي يفوق الاستدلالَ بأنه يبغي إحداثَ الحقيقة التي يعلن عنها، «ضربٌ من الفعل أو المَسلَكة المراسيمية، لا يجد تحقيقه بالفعل نفسه، ولكن عليه أن يعلن ويوسع شكلًا شعريًّا من أشكال الحقيقة.»١

(٢) منطق الفكر الأسطوري

للفكر الأسطوري مَنطِقُهُ الذي ينبغي أن نفهمَه و«نُواجِدَه»٢ إن شئنا أن نَعِي موقفَ الإنسان الأول وندرك محنتَه الخاصة التي اضطرته إلى أن يفكر كما فَكَّرَ ويسلك كما سَلَك.
  • لم يكن الإنسانُ الأول يميز بين الذاتي والموضوعي؛ لأنه مغمورٌ بالظواهر وغيرُ قادر على الانسلاخ من الأحداث.

  • كانت «السببية» عنده مشخَّصةً مُغَرَّضة؛ فإذا بحث عن «السبب» فإنه يبحث عن اﻟ «مَن» لا عن اﻟ «كيف»، إنه يبحث عن إرادةٍ شخصية ذاتِ غرض تأتي فعلًا معينًا.

  • لم تكن قوانين الفكر الثلاثة: (الذاتية/عدم التناقض/الثالث المرفوع) تعمل في ذهنه، ومن ثم كان يَحتملُ التناقضاتِ ولا ينفرُ منها مثلما ننفر. كانت المتناقضات تتراصُّ في ذهنه في وئامٍ وسلام! كان بِوُسع الإنسان الأول أن يقدم جنبًا إلى جنب أوصافًا متباينةً لظواهرَ متماثلة، وإن يستلزم الواحدُ نفيَ الآخر mutually exclusive، كان يُسَلِّم بصواب عددٍ من المداخل إلى المشكلة في آنٍ واحد. إنه على إدراكٍ تام بوحدة كل ظاهرة طبيعية يراها في أزياء عديدة متباينة، ففي تعدد صور الظواهر إنصافٌ لما فيها من تعقيد.٣
  • لم يكن الإنسان الأول يميز بدقة بين الوهم والحقيقة (بين الحِلم non-veridical والعِلم veridical) ولا بين الأحياء والأموات! فحتى الموتَى موجودون على نحوٍ ما وقادرون على الفعل والتأثير!
  • لم يكن يُفَرِّق بين الرمز والمرموز إليه، فالرمز (الصنم مثلًا) والمرموز إليه (الإله) ملتئمان بحيث يغدو الواحدُ بديلًا للآخر.

  • كان «الجزء» عنده يمثل «الكل» ويقوم مَقامَه، فيمكن للاسم أو خصلة الشعر أو الظل أن يُعَد بديلًا للإنسان؛ لأن البدائي قد يشعر في أية لحظة أن خصلة الشعر أو الظل مترعٌ بحضرة الإنسان نفسِه، وقد يجابهه ﺑ «أنت» يحمل تقاطيعَ وجه ذلك الإنسان.٤
  • قد تتجسد الصفات والأفكار المجردة أمام الإنسان البدائي: العدل، الموت، الحياة … إلخ، من ذلك مثلًا أن جلجامش وُهِبَ فرصة لكسب الحياة الأبدية بأن يأكل الحياة كمادة، ويرى جلجامش «نبتة الحياة»، غير أن ثعبانًا يسلبه إياها، هكذا فإن التناول من مادة مجسمة هي الحد الفاصل بين الموت والخلود.٥
  • الأنثروبومورفيزم (الأنسنة) anthropomorphism، أي إضفاء صبغةٍ بشريةٍ (مشاعر، مقاصد، نوايا، أغراض …) على جميع الموجودات: الآلهة، الحيوانات، الجمادات … لقد كان إسنادُ فاعليةٍ بشرية للأشياء والظواهر هو استراتيجية إدراكية وتفسيرية عظيمة الفاعلية في ذلك الحين، فالإنسان يعيش في بيئة يشكل البشرُ جانبَها الأهم والأكثر تواترًا وأشد تأثيرًا، ومن ثم فلا مفر له من أخذ كل ما هو بشري في الاعتبار الأول، ولا مفر له في حالة عدم وضوح الرؤية من الرهان على التفسير الأنثروبومورفي. لقد تَحَلَّى الإدراك الأنثروبومورفي بقيمة بقاءٍ جعلت الضغوط التطورية تنتخب أولئك الذين اتبعوا مبدأ السلامة وراهنوا على الرؤية الأنثروبومورفية. وهكذا ورثنا عن أسلافنا هذه النزعة الطبيعية: أن نخطئ — إن أخطأنا — في جانب السلامة، وهكذا صار مُبَيَّتًا في الدماغ البشري أن يتوسم وجودَ بَشَرٍ آخرين أو آثار بشر في الظواهر الطبيعية. لقد أورثَنا أسلافُنا إرثًا ذهنيًّا مغلوطًا حين تصوروا العالمَ الطبيعي على شاكلة بيئتهم البشرية، ذلك التصور الذي أعانهم على البقاء واجتَبَته ضغوطُهم الانتخابية الخاصة بزمنهم. إن حقيقة أن معظم عمليات الكون وظواهره تنجم عن قوى لا شخصية ذاتية التنظيم لا عن أفعالٍ قصدية، هذه الحقيقة هي شيء لا يقع لنا على نحوٍ طبيعي غَرَزي. لقد استغرق الأمرُ قرونًا طويلةً من التجريب الدقيق والعمل النظري الشاق لكي تُسفِر الحقيقةُ عن وجهها. على أننا حين نُسلِم فروضَنا للنظام الصارم للعلم الطبيعي الحديث نحس باغتراب عن عملياتنا الفكرية الطبيعية، وذلك عندما نكتشف كم هي متمركزة على الإنسان نظرتُنا إلى العالم، وكم هي أنثروبومورفية هذه النظرة في حقيقة الأمر.

(٣) انعتاق الفكر العلمي من الخرافة

يظهر العلمُ منذ اللحظة التي يقرر فيها الإنسانُ أن يفهم العالَمَ كما هو موجود بالفعل لا كما يتمنى أن يكون،٦ ومثل هذا القرار ليس قرارًا عقليًّا صرفًا، إنه قرارٌ أخلاقيٌّ وجدانيٌّ بالأساس، أن تتعلم أن تنسى ما تعلَّمت،٧ أن تستعيض عن (الحِلم non-veridical) ﺑ (العلم veridical)، أن تفسر أحداثَ الطبيعة بما وراءها من عِلَل لا بما أمامها من غايات، بما يدفعها من الخلف٨ لا بما يشدها من الأمام، أن تُزمِع النظرَ إلى «ميدوسا» في وجهها، أن تجرؤ على أن تخرج من كهفك الدافئ، ذاك قرارٌ متقدم غير ميسور للإنسان في مراحل طفولته العقلية.
ولذا لم يأتِ انعتاقُ العلم من الخرافة دفعةً واحدة، وظل الفكرُ الخرافي يعايش العلمَ ردحًا من الزمن، ولعله ما يزال يخامره إلى يومنا هذا، وقد عاشت البشرية أمدًا طويلًا وهي حائرة بين الخرافة والعلم؛ لأن الخط الفاصل بينهما لم يكن واضحًا، ويكفي أن نذكر أن كبلر نفسه، الذي اكتشف المدارات البيضاوية للكواكب واهتدى إلى مجموعة من أعظم القوانين الفلكية الرياضية، كان يؤمن بالتنجيم ويمارسه، ولم يكن يعتقد أن ممارسته له تتعارض على أي نحو مع عمله العلمي الدقيق، بل إن السعي إلى جعل التنجيم والتنبؤ بالطالع أدقَّ ربما كان واحدًا من أهم الأسباب التي حفزت العلماءَ على الاشتغال بعلم الفلك!٩
ترتع الخرافةُ في المناطق التي ما تزال عَصِيَّةً على العلم، ترتع في «الفجوات» gaps المعرفية الباقية، وكلما أضاء العلمُ شبرًا من هذه الغياهب انسحبَت منه الخرافةُ وهي تلمُّ أذيالَها وتَعصِبُ عينَيها من خَشية الضوء.
غير أن الأمر ليس بهذه البساطة وهذا الاختزال، فالحقيقة أن الفكر الخرافي هو من الرسوخ في أعماق البشر بحيث يصعب اجتثاثُه حتى في عصر العلم وحتى لدى أعلى الفئات تعليمًا! ووفقًا للتحليل النفسي فإن الخرافة — بأرواحها وأشباحها وغرائبها — تبدو جزءًا من التكوين النفسي للإنسان، يظل كامنًا في اللاشعور إلى أن تطرأ ظروفٌ تصعد به إلى السطح الخارجي، ويبدو أن العلم والخرافة، وإن كانا ينتميان إلى عصرين مختلفين، يظلان متعايشين في نفوس البشر أمدًا طويلًا، وكأنهما طبقتان جيولوجيتان متراصتان الواحدة فوق الأخرى في الجبل الواحد، وكل منهما ترجع إلى زمن مختلف.١٠

(٤) تشارلس فرانكل، طبيعة اللامعقول ومصادره

تعقيبًا على مظاهر الرِّدَّة الفكرية في المجتمعات الغربية، وعلى الموجة العارمة للنزعة المضادة للعقلانية irrationalism (اللامعقول) في القرن العشرين، أصدر الفيلسوف الأمريكي تشارلس فرانكل مقاله الشهير «طبيعة اللامعقول ومصادره»، المنشور في مجلة Science في يونيو ١٩٧٣م.

يتساءل تشارلس فرانكل: ما الخَطب؟! ما الذي يجذب المثقفين إلى اللامعقول ويُنَفِّرهم من العقل والعقلانية؟ ما الذي أَدَّى بشريحةٍ من عِلية الناس ومن خِيرة الأكاديميين إلى اليأس من العقل، والمَوْجَدة على العلم ومنهجه؟ وكيف يتأتَّى ذلك من أناسٍ ينتمون إلى جامعاتٍ ومؤسساتٍ جَعَلَت التزامَها الرسمي والتقليدي ممارسةَ البحث العقلاني والتبشيرَ به؟ إنهم يتخذون من اللامعقول موقفًا مؤصَّلًا ومُفَصَّلًا يؤكدونه باعتزازٍ ويذودون عنه ببسالة، ويرون إلى العلم، بل إلى كل التحليل المنطقي والملاحظة المنضبطة ومعايير الحجة السديدة ومثال الموضوعية، يرون إلى كل ذلك على أنه تجهيلٌ منظَّم يُضِلُّنا عن طبيعة العالم الحقيقية وعن متطلباتنا الإنسانية الأصيلة!

وبرغم اللغة الجديدة التي تكتسي بها هذه الحركة، فإن دعائمها الأساسية التي تقوم عليها لا تَعدو أن تكون — في حقيقة الأمر — مقولاتٍ قديمةً يمكن أن تجدها في رسائل التصوف الكلاسيكية وفي أقوالِ كثيرٍ من الفلاسفة والشعراء التقليديين، وإن الأقاويل المتمردة على طرائق تفكير الحضارة الصناعية الغربية، تلك الأقاويل التي تطالعنا كل شهر أو كل أسبوع، إنْ هي إلا صِيَغٌ مستحدَثةٌ، ومهذبة في العادة، لآراءٍ تَعُود إلى العبادات السرية الإغريقية وإلى الفيلسوفَين قبل-السقراطيين هيراقليطس وبارمنيدس.

(٥) الدعاوي الأساسية للامعقول

مهما تَنَوَّعَت الخبرات التي يَصدَع بها أنصارُ اللامعقول فإنها تستند جميعًا إلى نفس الحزمة من القضايا الأساسية:
  • من هذه القضايا فكرةُ أن العالَم الذي يعيش فيه الإنسانُ ينقسم إلى عالَمَين: عالَمِ المظهر وعالَم الحقيقة أو الواقع؛ الأوَّل: تَسِمُه الصدفةُ والشك واللايقين والبرود والاغتراب، أما الثاني: فيتبدَّد فيه الشك، ويفقد الزمنُ والموتُ وَخزَهما، وينغمد المرءُ في عالَمٍ موافقٍ لأعمقِ رغباتِه، ويذوب الخِلافُ والاضطرابُ في حِسٍّ شاملٍ بالانسجام والاتساق.

  • ومنها أن الناس تأخذ المظهرَ على أنه الواقعُ؛ لأن تعريفاتهم للواقع تقوم على افتراضات مسبقة متحيزة تفرضها عليهم ثقافتُهم وطبقتُهم وشئونُهم العملية، يقول ر. د. لانج: «ليس ثمة «حالة» من قبيل «الشيزوفرينيا» (الفُصام)، وهذا النعت إنما هو واقعةٌ اجتماعية، والواقعة الاجتماعية إنما هي «حدثٌ سياسي».»١١ ويقول تيودور روزاك: «يرسم «الواقع» تخومَ ما يمكن أن يُسَمَّى الرؤية الجمعية، حدود الخبرة السوية».١٢ لكل واحد من أنصار اللامعقول طريقتُه الفُضلَى في الانفلات من عبودية التحيز الجمعي، غير أنهم يتفقون في أننا لا نَبلُغ الحقيقةَ والواقعَ إلا عندما نُقارِب الخبرةَ بانسلاخٍ من العقل. يقول روزاك منتقدًا فرويد: «إن الشيءَ الذي لم يرغب فرويد قَط في مواجهته وجهًا لِوجه هو حقيقة أن الخط الذي نرسمه بين العالَم الخارجي هناك والعالم الداخلي هنا قائمٌ بالضرورة على افتراضاتٍ ميتافيزيقيةٍ لا يمكن أن تخضع هي ذاتُها للبرهان العلمي».١٣
  • ومنها أن الطبيعة البشرية تُبدِي هذه الثنائية الأنطولوجية بين المظهر والواقع. ثمة معركةٌ تدور رحاها داخل كل شخص بين «الدماغي» و«العاطفي»، بين «الوعي» و«الحَدس»، بين «الإمبيريقي» و«الطرَبِي»،١٤ وعندما يحاول الجانب العقلاني أن يَمُد نطاقَه خارجَ حدودِه المستحقة فإنه يهين الإنسان ويبخس قيمة الطبيعة.
  • ومنها أن العلامة المؤكدة على أننا قد ضَلَلنا السبيلَ هي عندما نصل إلى حالاتٍ من الوعي يتمايز فيها الذاتُ والموضوع، وهكذا يجب طرح الثقة بالعلم من حيث المبدأ؛ لأنه يقوم على التمييز بين الذاتي والموضوعي، يقول كورت باك في وصف التأثيرات المشتِّتة التي تعوق حركة «تدريب الحساسية» sensitivity training: «علينا أن نرفض الجانب الفكري من الحياة، أو — باللغة الجسدية — نرفض تأثير اللحاء (لحاء المخ) cortex … أن نتملص من الإلحاح على الفكر، على قدرات صناعة الأدوات عند الحيوان البشري، عن التصنيف، وباختصار: عن توسُّط أي خبرة خلال التفكر، وندفع المشاركين في اتجاه الخبرة المباشرة التي لا تُقَلَّب في الفكر ولا تُحَلَّل».١٥

كذلك نعرف أننا ضَلَلنا السبيلَ أخلاقيًّا وعاطفيًّا — وفقًا لِحركة اللامعقول — عندما نشعر بالانفصال عن إخوتنا من بني الإنسان أو نغترب عن الطبيعة أو ننقسم داخل أنفسِنا. ليس ثمة تنافر بين المخلوق البشري وبيئتِه، وإذا وُجِدَ تنافرٌ فالبشر هم المسئولون عنه. عندما لا نَقنَع بمكانِنا في مخطط الأشياء يكون سببُ ذلك أننا سمحنا للحالة «العقلانية» للفهم أن تسُود على غيرها من حالات الفهم. إن أعظم حقيقة تَعَلَّمَها الجنس البشري من التصاقِه القديم بالطبيعة هي حقيقة الوجود الروحي، وإذا نسينا ذلك فسوف نفقد الكمال النفسي، ومن المتيقَّن أن ما يسلبنا الكمالَ النفسي لا يمكن أن يكون حقًّا.

  • يترتب على ذلك أن جميع المشكلات الإنسانية: المعرفية والعاطفية والاجتماعية، مَرَدُّها إلى فقدان الانسجام (الهارمونية): الانسجام بين الإنسان وبيئته، بين رأسِه وقلبِه، بين أفكارِه وغرائزِه. هكذا تُقَدِّم لنا حركةُ اللامعقول صورةً للحياة الصالحة: إنها حياةٌ خِلوٌ من الاضطراب والضيق، حياةٌ منعتقة عن طريق النشوة الانفعالية أو التأمل الجَذِل، من الندم على الفائت ومن تنغيص القرارات وأخطار اللامعصومية، ومن السهل — سواء اتفق المرءُ مع اللامعقول أو اختلَف — أن يفهم لماذا كان للامعقول جاذبيةٌ دائمة. إنها تقدم رؤيةً لِضَربٍ من السلام والقبول والالتزام غير المشروط، انتَفَت فيه الأخطارُ والآلام والهموم المعتادة للوجود البشري.

(٦) تفنيد أسس اللامعقول

  • إذا فحصنا القضية الأولَى — قضية التمييز بين «المظهر» و«الواقع» — لَوَجدنا أن هذا التمييز هو شيء لا ينفرد به تيار اللامعقول، فالعملية العلمية ما تَنفَكُّ تفعل الشيءَ نفسَه، وذلك بطريقتَين؛ الأولى: أنها تقاوم أو تعيد تأويل البنية الكثيفة لِحواسِّنا (تأملْ كوبرنيقوس وجاليليو على سبيل المثال)، والثانية: أنها تخترق ستار الاعتقاد القائم، مستبدِلةً بالأفكار المدعومة بالرأي التقليدي أو السلطة الرسمية أفكارًا أخرى تستند إلى أدلةٍ مستقلةٍ وغيرِ شخصية.

كيف يُقال إن البحث العقلاني يُقَلِّص أبعادَ الخبرة البشرية وينقصها من أطرافها؟! كيف يقال ذلك والبحث العلمي العقلاني هو الذي أماط اللثام عن العوالم السحيقة غير المرئية التي تتبطن العالَمَ المرئي، العالم تحت الذري، العالم الجِيني أو الدنا DNA، على سبيل المثال، قصة التطور المرويَّة في الحفريات والمنقوشة في أدمغة الصخور وأنوية الخلايا.
العلم أيضًا يميز — على طريقتِه — بين المظهر والواقع، وإنه لَيفعل ذلك على نحوٍ أكثر حِدةً من أي ضربٍ من ضروب اللامعقول. لقد جَرَّدَ الطبيعةَ من صفاتها الأنثروبومورفية anthropomorphic والإحيائية animistic التي هي مظهرٌ لا واقعَ وراءَه، وقَدَّمَ لها صورةً غيرَ بشرية، وغير خاضعةٍ لقانونٍ أخلاقي، وغير مُفَصَّلةٍ على مَقاس العواطف والأماني البشرية.
ويدَّعِي أنصارُ اللامعقول أن مناهج ما يُسمى ﺑ «البحث العقلاني» هي أيضًا مَعِيبةٌ قاصرة؛ لأنها ترتكز في النهاية على افتراضات مسبقة presuppositions، ومن ثم فهي تُفَصِّل تَصَوُّرَ الواقع على مقاس معاييرَ مسبقة، ويظن أنصارُ اللامعقول أنهم يؤدون استكشافاتهم للواقع دون أن يَسقطوا ضحيةً لهذه الضرورة البشرية (ضرورة الافتراض المسبق): فهم يَطفُون على بحر الخبرة، يتشرَّبون كلَّ شيء، ولا يُقحِمون من عندِهم شيئًا، وللرد على هذه الدعوَى نقول: إن مثل هذا الأداء اللامعقول — عدا أنه مستحيلٌ سيكولوجيًّا — لا يُفضِي إلى شيءٍ ولا يُثمِر شيئًا؛ إنه لَيكون التقاءً باللامحدَّد واللامعرَّف واللامتصوَّر واللامتذكَّر!

كما أنه من المُحال — كما بَيَّن مفكرٌ مثل هيدجر وجادامر من بعدِه — أن يقوم أيُّ بحثٍ من أي نوع دون فروض مسبقة، فهل كل فروضٍ مسبقة — لمجرد أنها فروضٌ مسبقة — هي إقحاماتٌ لا أساسَ لها على طبيعةِ الأشياء؟ الحق أن الفروض المسبقة في العلم وفي غيرِهِ من المناهج العقلانية، هي فروض مدعومةٌ بخبرةٍ ناجحةٍ في الماضي، وهي بَعدُ عُرضةٌ لِضوابط التحقق والتمحيص والتصحيح أو الرفض، وهي لا تُستبقَى إلا بقدر ما تَثبُت لاختباراتٍ قاسيةٍ متتالية، وبقدر ما تُبدِي نجاعةً تفسيريةً وتنبؤية تفوق ما تُبديه أيةُ افتراضات بديلة. الفروض المسبقة — إذن — ليست خَبطَ عشواء، وإنما لديها ما يُزَكِّيها مِن قَبلُ، وما يَعجِمُها مِن بَعدُ ويختبرُها اختبارَ النار، فالمجتمع العلمي ليس ناديًا مغلقًا منكفِئًا على رؤيةٍ للعالمِ ضيقةٍ منعزلة تتَأبَّى على أي اختراقٍ أو ثورة، بل إن التاريخ الفكري للعلم هو سلسلة من الثورات، بينما الفكر اللامعقول ما ينفك يدور حول نفسِه، يدور ولا يَثُور.

(٧) السيكولوجيا الثنائية للامعقول

أما الثنائية السيكولوجية التي تدينها حركةُ اللامعقول، فإن هذه الحركةَ في حقيقة الأمر منغمسةٌ فيها ومغمورةٌ بها إلى الأذقان! إنها تتحدث عن «العقل» reason كما لو كان قسمًا من الطبيعة الإنسانية في صراعٍ دائمٍ وحربٍ ضَروسٍ مع «العاطفة» emotion، غير أن «العقل» — إذا نظرنا إليه كعمليةٍ سيكولوجية — ليس مَلَكةً خاصة منعزلة مُسَيَّجة، إنه، ببساطة، عملية إعادة تنظيم العواطف، عملية وضع خطة لإشباع العواطف، وضع جدول للأولويات النسبية وفقًا لِمَوارِد الظروف المحيطة وضوابطها وقيودها. العقل — كما يقول هيوم — هو خادم١٦ الانفعالات، وينبغي بالضرورة أن يكون كذلك.
إن التفَكُّر العقلي عمليةٌ لها نبرةٌ عاطفيةٌ معينةٌ وَوَقْعٌ نزوعي خاص به، يتضمن التفكرُ الشعورَ بتحكم المرءِ في مشاعرِه، وإرجاءَ الحكم النهائي، وإضمارَ أفكارٍ بديلةٍ بطريقةٍ نَشِطة، وإخضاعَ جميعِ الأفكار، أفكارِ المرء وأفكار الغَير لنفس الاختبارات، وبالتالي فإن قوة العاطفة العقلانية (عاطفة الدرجة الثانية second-order emotion) ليست مساوية في المعتاد لِعَواطف الدرجة الأولى، ولا يتسنَّى لها أن تكون في شدة عواطف الدرجة الأولى (مثل الحب والكره والرهبة) واستمراريتها وتَوَهُّجها إلا في أحوالٍ نادرة وظروف اصطناعية. من هنا تأتي أهمية نُظُم المجتمع العلمي وأعرافه، ولطف المجتمع اللبرالي وكياسته. تلك أشياءُ تُغَذِّي العاطفة العقلانية وتُثِيبها، وتوفر إجراءاتٍ اجتماعيةً تُعَوِّض جزئيًّا عن ضعف العقل كَمُكَوِّنٍ أصلي aboriginal من مكونات السيكولوجيا البشرية.

مِن الوجهة العملية فإن تيار اللامعقول يُهِيب بالمجتمع ألا يتجشم حفظ النظُم ومدونات الأخلاق واللياقة التي ثبتَ أنها ضروريةٌ لِدَعم عاطفة العقل، قانعًا في ذلك بالمعقولية الصميمة للغريزة الإنسانية، والتماثل الأصلي المقدَّر بين حاجات الطبيعة البشرية وبين طبيعة العالَم!

إن العقل في حقيقة الأمر — وبِعَكس ما تراه حركة اللامعقول — لا يَدسُّ نشازًا بل يُضفِي التوافق، أما النشاز فيأتي من عواطف الدرجة الأولى، من الاندفاعات الآلية التي يتنافر بعضُها مع بعض.

(٨) اللامعقول والخطيئة الأصلية

قلنا: إن اللامعقول يذهب إلى أن العالم في انسجامٍ واندماج تام مع الحاجات البشرية، وهذا الاعتقاد يتبطن أيضًا فكرةَ اللامعقول القائلة بأن الواقع إذا تم فهمُه حقَّ الفهم فسوف تتبدد كل صور الانفصال والانقسام: داخل النفس وبين الأفراد، وبين «الذاتي» و«الموضوعي»، ولن تبرز مشكلاتُ الاختيار بين رغباتٍ متصارعة، ولن تكون ثمة حاجة لِجُهودٍ مِن قَبِيل التخطيط أو المحافظة على الموارد الشحيحة، مثل هذه الصعوبات التي تَسِمُ عالَمَ المظهر سوف تُترَك لطبقةٍ من «الهلوت»١٧ تمارِس فنونَ العقل لكي تحلها، بينما يتمتع الناجون ﺑ «الواقع» في صنفِه الأعلَى.

صفوة القول أن العالَم — عند نصير اللامعقول — خيرٌ، وإن الإنسان، الإنسان العقلاني، هو الذي جعله، عن عمد، شرًّا، إن اللامعقول — من وراء جدلياته الطويلة وبلاغته المستغلقة — هو محاولة لِحَل المشكلة القديمة: مشكلة «الشر»، ولإعادة طرح الأسطورة القديمة: أسطورة «السقوط».

(٩) بروميثيوس وآكل اللوتس

في هذا السياق يليق تقييم فكرة اللامعقول عن الحياة الصالحة، فرغم أن المتحدثين بلسان اللامعقول يطنطنون كثيرًا بكلمات مثل ecstasy (الوَجد/النشوة/الجَذب) وrhapsody (الطرَب/الجَذَل)، فإن الرؤية التي يقدمونها عن كيف ينبغي للبشر أن يعيشوا هي رؤية سلبية وكئيبة في الصميم، إنها ليست صورة بروميثيوس١٨ أو أوديسيوس تلك التي يقدمونها، بل صورة آكل اللوتس Lotus-Eater،١٩ وإن الحُلم هو بمخطط للأشياء لا يواجه فيه البشر مآزق، وتُتاح فيه كل الأشياء الخَيِّرة على السواء، تُسِرُّ إلينا حركةُ اللامعقول أن المصاعب والقيود لا وجود لها في العالم إذا نحن فهمنا العالَمَ على وَجهِه، وأن مناهجنا العقلانية التي تَظهَر لكي تخفف هذه المصاعب والقيود هي التي تخلقها!

(١٠) لِمَ اللامعقول؟

ثمة ملامح خاصة للمشهد الراهن تساعدنا في تفسير الرواج الكبير للامعقول، ونوعية الجمهور واللغة والأسلوب الخاص لهذا اللامعقول، بين هذه الملامح: الحاجات التسويقية وعادات الاقتصاد التنافسي وخصوصيات وضع الشباب وثقافة العقاقير وشغف لاهوتيي التحرير في التوحد مع ما هو جديد أو ما يبدو جديدًا.

وهناك عوامل أخرى، منها: الأذى الذي ألحقته التغيرات التكنولوجية المنفلتة، ومنها بعض العلماء الذين زَلَّت أقدامُهم إلى مواقف علمية زائفة، ومنها الأذى الذي ألحقه بالعلم بعضُ العلماء، وبخاصة من علماء الاجتماع، الذين بالغوا في تقدير ما لديهم من علمٍ صحيح وقابل للتطبيق فتقدموا — بثقة — بحلولٍ لمشكلات اجتماعية تَبَيَّنَ أنها ليست أكثر من خليط من الأمل الكاذب والأحكام الأخلاقية الضيقة.

حين نتفحَّص طبيعةَ حجج اللامعقول ندرك أن النزاع بين مؤيدي المناهج العقلانية ومعارضيها يُمثِّل انقسامًا قديمًا في الروح الغربية: في الخلافات بين السوفسطائيين والفيثاغوريين، بين المسيحيين الأرسطيين والمسيحيين الأوغسطينيين، بين الدومينيكان والفرنسيسكان، بين كولِريدج والنفعيين، بين هنري برجسون وبرتراند رَسِل. في هذه الخلافات نجد تكريرًا متعاقبًا لنفس الدراما، وهي تعلو لِدرجة الحُمى عندما يتسارع الكشف العلمي وتبدو الكشوفُ التي يصنعها العلمُ هادمةً أكثر فأكثر للاعتقادات الموروثة أو العقائد الاجتماعية أو عادات الفعل أو القوانين، ومقوِّضة لصواب الآمال والضغائن القديمة ووجاهتها. في مثل هذه الظروف يقدم اللامعقول وعدًا بالانفراج والمناعة، ورغم أن اللامعقول لا يشير إلى شرٍّ ما إلا على نحوٍ أخرق، فالحق أن هذا الشر قائمٌ هناك. لقد دأب المنهجُ العقلاني على التركيز فيما يؤدي إلى تقدم المعرفة والتقنية، وقلما التفت إلى فحص الأغراض التي تُسَخَّر لها هذه المعرفة وهذا الذكاء، ومن الطبيعي أن العلم في هذه الحال سيبدو بالضرورة أشبه بفرانكنشتاين عند من يتهددهم العلم.

وفي خاتمة مقالِهِ يضيف تشارلس فرانكل ملاحظةً أخيرة، هي أنه كثيرًا ما تنجم الخلافاتُ بين المعقول واللامعقول — على الأقل في حالاتها الأخف — عن نوع من سوء التفاهم، فالاختلاف في بعض الأحيان لا يَعدو أن يكون اختلاف ذائقة واختلاف أسلوب؛ فيؤخَذ ذلك على أنه اختلافٌ أخلاقيٌّ ومعرفي جوهري، وعلى الذين لا يطيقون اختلافَ الذوق والأسلوب أن يأخذوا بمبدأ التعايش: عِش ودَعْ غيرَك يَعِش.

(١١) بقاء الخرافة بين الشرق والغرب

تبدو مظاهر التفكير الخرافي في الغرب ضربًا من الرِّدَّة، من الحنين (نوستالجيا)، من «النكوص» regression إلى مراحل قديمة من تطور الفكر البشري. أما التفكير الخرافي عندنا فيبدو من قَبيل «التثبيت» fixation، من الجمود والتوقف عند أوضاع قديمة، والخوف من التخلي عنها وتجاوزها.

حين تنكص المجتمعات الصناعية الكبرى إلى بعض مظاهر التفكير الخرافي (قراءة الطالع، الأرواح والأشباح، الأطباق الطائرة، الذين هبطوا من السماء، الجلاء البصري، الحاسة السادسة … إلخ) فإنما تفعل ذلك لعجزٍ اجتماعيٍّ لا لعجزٍ معرفي أو فكري. يتمثل هذا العجز الاجتماعي في عدم القدرة على التحكم الواعي في مسار المجتمع، وفي القوى التي تسيطر عليه. ويظل الفكرُ الخرافي هناك ظاهرةً هامشية لا ضرر منها ما دام أسلوب الإنتاج السائد لا يسمح بوجود عناصر غير محسوبة أو غير متوقعة، وما دامت الحياة اليومية ذاتها تخضع لنظام محدد لا مجال فيه للاستثناءات أو الانحرافات، والمجرى العام للحياة يخضع للضوابط العقلية والتخطيط المدروس.

يمثل الفكرُ الخرافي في الغرب ردَّ فعل على العلم المتغلغل في صميم كيان المجتمع، ومحاولةً للتخلص من قبضة تلك العقلانية المحكمة التي تمسك بجميع جوانب حياة الناس عن طريق بعث عناصر لا عقلية من مكمنها اللاشعوري. إنه تعبير عن تمرد الشعوب الخاضعة للعقل على هذا العقل نفسه، ورغبتها في الخروج عنه، ولا يتم ذلك إلا بصورة مؤقتة؛ لأنها في النهاية تعود إليه، ولا تستطيع التخلص منه بعد أن أصبحت كل جوانب حياتها تُنَظَّم وفقًا له،٢٠ لَكأنها قفزةُ غطاءِ الوعاء وهو يتمَيَّزُ من الضغط الداخلي، تفرِّج قليلًا عن الضغط الزائد لكي يعود الغطاءُ سيرتَه الأولى، ولعل هذه القفزةَ اللاعقلية ذاتها هي ما يساعد الوعاء على تحمل ضغوط الحياة الصناعية بإيقاعها السريع ونظمها الحتمية الصارمة، وهكذا يكون التفكير الخرافي في هذه الحالة منبثقًا من قلب التفكير العلمي والعقلي، ولا يُفهَم إلا في إطاره.
حين يرتد الغربي عن التفكير العلمي فإنما يفعل ذلك من موقع الاندماج فيه لا من موقع الجهل به أو الخوف منه أو العجز عن تحقيقه. إن البون جِد بعيد بين الفكر الخرافي حين يكون تعبيرًا عن جمودٍ متأصل وتَحَجُّر على أوضاعٍ ظلت سائدةً قرونًا طويلةً دون أن يرغب المجتمع في تغييرها أو يجرؤ عليه، وبين هذا الفكر ذاته حين يكون تعبيرًا — محدود النطاق — عن رغبة في التغيير يشعر بها مجتمع لا يستطيع أن يظل أمدًا طويلًا على حالة واحدة، حتى لو كانت هذه الحال هي التفكير العقلي الرشيد.٢١
١  ما قبل الفلسفة، ﻫ. فرانكفورت وآخرون، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط٣، بيروت، ١٩٨٢م، ص١٩.
٢  أي نتمثَّله ونتخذ — إلى حينٍ — إطارَه المرجعي ونرى العالَمَ من منظورِه.
٣  المرجع السابق، ص٣٢-٣٣.
٤  المرجع نفسه، ص٢٤-٢٥.
٥  المرجع نفسه، ص٢٧.
٦  د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، عالم المعرفة، الكويت، ١٩٧٨م، ص٥٩.
٧  يقول النِّفَّري (في مقام آخر): «انسَ ما تَعَلَّمت»، ويقول مارك توين: «يتطلَّب التعليمُ منا أن نمحو من عاداتنا القديمة التي تعلمناها قدرَ ما نتعلَّم من عاداتٍ جديدة على أقل تقدير.»
٨  vis a tergo.
٩  المرجع السابق، ص٦٨.
١٠  المرجع نفسه. ص٧١-٧٢.
١١  R. D. Laing, The Politics of Experience. Penguin, Baltimore, 1967, p. 100.
١٢  T. Roszak, Where the Wasteland Ends, Doubleday, New York, 1972, p. xxiv.
١٣  Ibid., pp. 74-75.
١٤  rhapsodic.
١٥  K. Back, Beyond Words. Russell Sage, New York, 1972, pp. 207-208.
١٦  حَرفيًّا: عبد.
١٧  Helots: العبيد بأسبرطة القديمة.
١٨  بروميثيوس (في الميثولوجيا الإغريقية) هو التيتن الذي سرق النارَ من الآلهة وأعطاها البشرَ، وقد عُوقِبَ بأن رُبِطَ إلى صخرةٍ وجعل نسرٌ عظيمٌ ينهش كبدَه، ورغم هذا العذاب أبَى بروميثيوس الإذعانَ وبقي على تمرده، وقد نجا في النهاية على يد البطل هرقل، وقد ظل بروميثيوس رمزًا للمقاومة الباسلة والمتفردة لكل سلطة.
١٩  في «الأوديسا» أن رياحًا شديدة حادَت بسفينة أوديسيوس ورجاله عن مسارها عدة أيام؛ فاضطروا إلى الرسو في جزيرة تكثر فيها نباتات اللوتس، وكانت ثمار اللوتس وأزهاره هي الطعام الرئيسي لأهل الجزيرة، وهو طعامٌ مخدِّر جعل أهلَ الجزيرة مُنَوَّمين طيلة الوقت في بلاهةٍ مسالِمة، وقد أرسل أوديسيوس من رجاله من يستطلع أمرَ سكان الجزيرة، فقدم هؤلاء لهم اللوتس فوجدوه لذيذًا، وغَمَرَهم بِخَدَرِه فاستعذبوه وما عادوا يفكرون في الوطن ولا يرغبون في العودة إليه، وقد اضطُرَّ أوديسيوس إلى جذبهم بالقوة إلى السفينة، وهم ينتحبون من كراهية العودة، وأمر بقية رجاله بالإبحار فورًا خشية أن يذوق أيٌّ منهم من اللوتس فيحجم عن العودة.
٢٠  د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، مرجع سابق، ص٧٤-٧٥.
٢١  المرجع السابق، ص٧٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤