الفصل الأول

العلم والفضل

قال الإمام علي — كرَّم الله وجهه: ليس الجهل عارًا، وإنما العار في رفض تحصيل العلم.

العلم ذكر لا يحبه إلا ذكر من الرجال. ما مات من أحيا علمًا، ولا افتقر من مَلَك فهمًا.

العلم صبغ النفس، وليس يفوق صبغ الشيء حتى ينظف من كل دنس. أشرف الأشياء العلم، والله تعالى عالم يحب كل عالم.

ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم؟ بل أي شيء فات من أدرك العلم؟ الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك.

تعلَّموا العلم فإنه زين للغنيِّ وعون للفقير. عدمُ الآداب سبب كل شر. احترس من ذكر العلم عند من لا يرغب فيه.

العلم أفضل الكنوز وأجملها، خفيف المحمل عظيم الجدوى، في الملأ جمال وفي الوحدة أُنس.

لا تُحدِّث بالعلم السفهاء فيكذِّبوك، ولا الجُهَّال فيستفتنوك، ولكن حدِّث به من يتلقاه من أهله بقبول وفهم، يفهم عنك ما تقول، ويكتم عليك ما يسمع؛ فإن لعلمك عليك حقًّا، كما أن عليك في مالك حقًّا: بذله لمُستحقِّه، ومنعه من غير مُستحقِّه.

الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعَالِم كبير وإن كان حدثًا.

وقال:

كن ابن من شئت واكتسب أدبًا
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي

وقال أيضًا:

ليس الجمال بأثواب تزيننا
إن الجمال جمال العلم والأدب
ليس اليتيم الذي قد مات والده
بل اليتيم يتيم العلم والحسب
وقال الأستاذ بولانو من كتاب في التلمود له:

طوبى للابن الذي يتلقى العلم عن أبيه، وطوبى للأب الذي يعلِّم ابنه.

كاسب الحكمة من يرضى بالعلم من حيث أتى. مناظرة العلماء تزيد العلم.

وقال الحسن بن علي: العلم أكثر من أن يحصى.

وقال سليمان بن وهب: أحق الناس بالتفضل أهل الفضل.

وقال نصر بن سيار: كل شيء يبدو صغيرًا ثم يكبر إلا المصيبة، فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر، وكل شيء يرخص إذا كَثُر خلا الأدب، فإنه إذا كَثُر غلا.

وقال عبد الحميد بن يحيى: القلم شجرة ثمرها المعاني، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة.

وقال الأبئيهي: قال بعض السلف: العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان، والبلاغة للسان.

وقال ابن حزم الأندلسي: الباخل بالعلم ألوم من الباخل بالمال؛ فإن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده، والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى بالنفقة ولا يفارقه مع البذل.

وقال الشبراوي: العلم خليل المرء، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قائده، والرفق والده، والصبر أمير جنوده.

وقال أبو حنيفة: إن لم يكن العلماء أولياء الله في الأرض، فليس لله فيها وليٌّ.

وقال سليم عنحوري:١ مهما سعوا في تحسين المدارس، فالأزمان أحسن منها إن لم تقم مقامها.
وقال قاسم أمين:٢ أقل مراتب العلم ما تعلَّمه الإنسان من الكتب والأساتذة، وأعظمها ما تعلَّمه بتجاربه الشخصية في الأشياء والناس. طلب العلم عندنا وسيلة لمزاولة صناعة أو للالتحاق بوظيفة؛ أي لكسب المال، أما حب الحقيقة والاستغراق في تحصيلها والشوق إلى اكتشاف المجهول ومغالبة الصعوبة والاهتمام بترقية النفس، وبالإجمال: التعلم للتعلم، فلا فائدة فيه، والفائدة كل الفائدة في هذا الذي لا فائدة فيه.
وقال مصلح الدين سعدي:٣ ينال المرء من العلم خيرًا لا يناله من النسب والمقام والغنى. العاقل من يطلب العلم، فإن سوق العلم رائجة أبدًا. اطلب العلم ولو في أباعد الأرض. لا تصلح أمورك إلا بالمعرفة.
وقال محمود الشاعر:٤ الكتب قلوب الناس في أيدي الناس. الحكماء في دنيا غير هذه الدنيا. إذا لم تكن عالمًا فكن عاقلًا. الجرائد شعراء هذا العصر، والمحامون خطباؤه، والأطباء أمراؤه. من صبر على التعلم صبر على كل شيء. الحياة دولة ملكها العقل ووزراؤها العلم والتجربة والفضيلة.

وقال فلوطرخس: العثور على العلم الصحيح مصدر الأمانة والفضيلة.

وقال ده لافونتين: ليقل الجهل ما يشاء، فإن للعلم قيمة لا تُنكر.

وقال مونتانيه: العلوم والفنون لا تفرغ في قالب إفراغًا، ولكنها تنمو نموًّا وتُتقن بالمزاولة. لا بد للفضيلة من مسلك وعَر تسلك فيه.

وقال ميجل ده سرفنتس: القلم لسان العقل.

وقال أرسطوطاليس، سئل: كم يَفضُل المتعلمون على غير المتعلمين؟ فقال: مقدار ما يَفضُل الأحياء على الأموات. العلم حلية في الرخاء وعون في الشدة. العلم خير زاد للشيخوخة.

وقال شكسبير: لا تنجو الفضيلة من لؤم الشاتم.

وقال سيكا الحكيم: إني أميز الرجال بعقلي لا بعيني.

وقال الإسكندر المكدوني: أُفضِّل أن أفوق غيري في الفضائل على أن أفوق في اتساع الملك والسلطان.

وقال سقراط الحكيم: الخير الوحيد هو العلم، والشر الوحيد هو الجهل. مال العالم معه حيث سلك.٥

وقال أبيكتيتس: العقل ينظم الأمور، فيجب ألَّا يترك من غير تنظيم. التعلم يبقى في شبابه ولو للشيخ.

وقال يوربيدس: من أهمل العلم في حداثته أضاع الماضي والمستقبل.

وقال شرنتيوس: يا إلهي! ما أشد الفرق بين العالم والجاهل!

وقال بيليوس: التأخر في العلم ولا الجهل.

وقال نابوليون بونابرت: الجاهل يُسأَم، وأما مُدَّعي العلم ادعاءً فلا يُطاق.

وقال فولتير: إذا لم يكن الله موجودًا وجب علينا أن نفرض وجوده.

وقال الأب أنطونيوفياره: أحسن صورة للإنسان ما يكتبه.

وقال سنار: قل لي ما تقرأ من الكتب وأنا أقول لك من أنت.

وقال بعضهم: الرجل القليل العلم ينمو نموَّ الثور: يزداد لحمه لا عقله. ولو صوِّر العقل لأضاء منه الليل، ولو صوِّر الجهل لأظلم معه النهار.

وقال سليمان الحكيم: طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم؛ لأن تجارتها خير من تجارة الفضة، وربحها خير من الذهب الخالص، هي أثمن من اللآلئ، وكل جواهرك لا تساويها، في يمينها طول أيام، وفي يسارها الغنى والمجد.

وهاك قصة وليم كوبت النحوي الإنكليزي، قال: إنني تعلمت النحو وأنا جندي، ومقعدي سريري، ومائدتي قطعة لوح، وأتممته في أقل من سنة، ولم يكن لي من المال شيء لأبتاع سراجًا أدرس في نوره ليلًا، فكنت أدرس على نور النار عندما تأتي نوبتي للقيام أمامها، فإذا كنت قد بلغت مرامي وأنا فقير ولا أب لي ولا صديق ولا منشط، فما عذر غيري مهما كان فقيرًا متعبًا متضايقًا. وكنت ألتزم أن أبقى بلا أكل لكي أشتري قلمًا وقرطاسًا، ولم أكن أحصل على دقيقة من الوقت. وكنت أكتب بين قهقهة عشرات من الرجال الطائشين وصفيرهم وخصامهم. ولا تحتقر الفلس الذي كنت أدفعه ثمن الحبر أو الورق أو القلم؛ لأن ذلك الفلس كان عندي بمثابة بدرة من المال عند غيري، إذ لم يَفِضْ معي في الأسبوع غير غرش واحد. وأذكر الآن أنه فاض معي مرة قطعة بعشر بارات لا غير، فحفظتها لكي أشتري بها طعامًا لليوم التالي، ولكن لما نزعت ثيابي في المساء وكنت أكاد أموت جوعًا، نظرت فإذا القطعة ضائعة، فغطيت رأسي بردائي وأخذت أبكي كالطفل. فإن كنت أنا قد تغلبت على ذلك الضنك الشديد ونجحت، فهل بقي عذر لأحد من الشبان؟

وقال ملتون: من أَعدم كتابًا مفيدًا فكأنه قتل رجلًا، ومن يقتل رجلًا يقتل مخلوقًا عاقلًا هو صورة الله، وأما من أعدم كتابًا نافعًا فقد قتل العقل نفسه.

وقال شيشرون: أقدر أن أقرأ كتبي في كل وقت؛ لأنها دائمًا غير مقيدة بمواعيد.

وقال أفلاطون: عطية العالم شبيهة بمواهب الله عزَّ وجلَّ؛ لأنها لا تنفد عند الجود بها، ولكنها توجد بكمالها عند مفيدها.

ومن أمثال الإنكليز:

يصيب أهل العلم ما يصيب سنابل الحنطة التي تعلو وتشمخ قبل البلوغ، فإذا بلغت وامتلأت حَبًّا انحنت وطأطأت رءوسها.

أكثر ما ربحه العلم هو من الكتب التي خسر بها طابعوها.

سُئل أحد القدماء: ماذا تعلمت من الفلسفة؟ قال: تعلمت أن أعيش بالسلام مع جميع الناس. الحكيم يتعلم ممن لا علم له.

لا عار على الإنسان أن يتعلم ما لم يعلم مهما كان سنه.

العلم في الشباب حكمة في الشيخوخة. العلم كنز مفتاحه العمل. الحكيم يستفيد من أعدائه أكثر ما يستفيده الجاهل من أصدقائه.

الفضل وحده نسب كريم. الفضل يكسب المرء شهرة في الأرض. الفضل قد يُحجب أحيانًا ولكنه يسطع أخيرًا. قلم الإنسان يجب أن يغط بمداد القلب.

اخدم الفضيلة في أيام الشباب وهي تخدمك في الشيخوخة.

إذا عاشرت الفضلاء عدَّك الناس واحدًا منهم. إذا عرفت نفسك لم يجهلك أحد.

القلم لازم، فإنه إن لم يكن فيه سحر فهو الضابط الذي يمنع العقل عن الشرود والتيه.

الكتب والجرائد أسلحة بطيئة العمل في هدم الضلال، ولكنها شابة أكيدة.

قد يصير الإنسان عالمًا بعلم غيره، ولكنه لا يصير حكيمًا إلا بحكمة نفسه.

يقول من لا يرى إلا الخير في الدنيا: إن القرطاس صُنع من جناحي ملاك المعرفة. ويقول من لا يرى إلا الشر فيها: بل صُنع منه جناحَا ملاك الموت؛ لأنه لم يخترع الإنسان ولا الشيطان شيئًا أفظع مما يفعله القرطاس، فهو يفطر القلوب، ويثل عروش الملوك، ويقلب نظام الأمور.

درهم من الحكمة خير من رطل من الذكاء. الحكيم يصلح عيوبه من النظر إلى عيوب غيره.

زلات الفضلاء تذاع بين الناس أكثر من فضائلهم.

أوسمة الشرف لمن لا فضل له كطغراء الملك على النقود الزيوف.

اللقب الشريف قد ينتقل إلى الولد، وأما الصفات التي تشرف الإنسان فمن الكمالات التي لا تُنقل، ولو استطاع المرءُ أن يورِّث فضائله أو يقف عقله وعلمه لوارثيه كما يفعل بأمواله، لكان الشرف الموروث أثمن المزايا.

الشرف امتياز وهمي ما لم يكن مصحوبًا بممارسة الفضائل التي يحق أن تُكتسب.

إذا أردت مشورة صالحة فاطلبها من شيخ.

ومن أمثال اليابانيين:

التعلم الصالح لا يحتاج إلى معجزات. الحكيم يخلط ماله. الشاعر يرى العالم أجمع وهو في بيته.

من فضيلة العلم أنك لا تستطيع أن يخدمك فيه أحد كما يخدمك في سائر الأشياء، وإنما تخدمه بنفسك، ولا يستطيع أحد أن يسلبك إياه كما يسلبك غيره من المقتنيات.

اطلب في الحياة العلم والمال تَحُزِ الرئاسة على الناس؛ لأنهم بين خاص وعام، فالخاصة تُفضلك بما تُحسن، والعامة تفضلك بما تملك.

الفرق بين الإبانة والبلاغة أن الإبانة لا تكون إلا لموجود، والبلاغة تكون لموجود ومفروض.

الشرير العالِم يسرُّه الطعن على المتقدمين في علمه، ويسوؤه بقاؤهم؛ لأنه يُؤثر أن يُعرَف وحده بذلك العلم؛ لأن الغالب عليه شهوة الرئاسة والغلبة. والخَيِّر يسوؤه فَقْد أحد من طبقته في العلم؛ لأن رغبته الازدياد من العلم وإحياء علمه بالمذاكرة.

من تعلم العلم لفضيلته لم يوحشه كساده، ومن تعلمه لجدواه انصرف عنه بانصراف الحظ عن أهله إلى ما يكسبه.

وقالت العرب: من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره.

يا نفس خوضي بحار العلم أو غوصي
فالناس ما بين معموم ومخصوص
لا شيء في هذه الدنيا نحيط به
إلا إحاطة منقوص بمنقوص

•••

إذا لم يذاكر ذو العلوم بعلمه
ولم يستفد علمًا نسي ما تعلَّما
فكم جامع للكتب في كل مذهب
يزيد مع الأيام في جمعه عما

•••

علمي معي حيثما يَمَّمْتُ يتبعني
قلبي وعاء له لا بطن صندوقي
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي
أو كنت في السوق كان العلم في السوق
١  هو الشاعر الدمشقي الشهير.
٢  هو نصير المرأة المسلمة، ومؤلف كتاب «المرأة الجديدة» و«تحرير المرأة».
٣  هو الشيخ مصلح الدين سعدي الشاعر العجمي الشيرازي.
٤  هو الأستاذ محمود الشاعر الإسكندري.
٥  عَنَى بذلك أن مال العالم هو العلم، فليس يفارقه بوجه من الوجوه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤