الفصل السابع عشر

الحسد

قال أفلاطون: الحسود ظالم ضَعُفت يده عن انتزاع ما حسدك عليه، فلما قصر عنك بعث إليك تأسُّفه.

ومما ثبت في الصحيفة الصفراء التي تقرأ في قرابين الهياكل: لا يرتفع الحسد عن أحد إلا رحمه الناس.

وقال نصر بن سيار:

لقد نشأت وحُسَّادي ذوو عدد
يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن يحسدوني على ما كان من حسن
فمثل حسن بلائي جر لي حسدا

وقال أرسطوطاليس: الحسد حسدان: محمود، ومذموم. فالمحمود أن ترى عالِمًا فتشتهي أن تكون مثله، أو زاهدًا فتشتهي مثل فعله. والمذموم أن ترى عالِمًا أو فاضلًا، فتشتهي أن يموت. إن الحسود يأكل نفسه كما يأكل الصدأ الحديد.

اصبر على كيد الحسو
د فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله

وقال الإمام علي: الحسد حزن لازم، وعقل هائم، ونفس دائم، والنعمة على المحسود نعمة، وهي على الحاسد نقمة. إن حسدك أخ من إخوانك على فضيلة ظهرت منك فسعى في مكروهك، فلا تقابله بمثل ما كافحك به فيعذر نفسه في الإساءة إليك، وتشرح له طريقًا إلى ما يحبه فيك، لكن اجتهد في التزيد من تلك الفضيلة التي حسدك عليها، فإنك تسوؤه من غير أن توجده حجة عليك. لا يرضى عليك الحاسد حتى يموت أحدكما. الحاسد يرى زوال نعمتك نعمة عليه. إذا أراد الله أن يسلط على عبد عدوًّا لا يرحمه، سلط عليه حاسدًا. الحسد خُلق دنيء، ومن دناءته أنه موكل بالأقرب فالأقرب. يا عجبًا من غفلة الحساد عن سلامة الأجساد.

وقال هسيودس: الخزاف يحسد الخزاف، والصانع الصانع. الفقير ناقم على الفقير، والشاعر على الشاعر.

وقال سيفري: إخراج الذهب من البخيل أسهل من إخراج كلمة الثناء من فم الحسود.

وقال إسخولس: قَلَّ من يُسَرُّ بنجاح صديقه بلا حسد.

وقال شكسبير: لا يهدأ للحسود بال ما زال هناك أرفع منه.

وقال عثمان بن عفان: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.

وقال قاسم أمين: إن كان في الوجود إنسان يستحق أن يُحسد على نعمته فهو العاشق.

وقالت الإنكليز: يهزل الحسود إذا سمن جاره.

وقالت الترك: الحسود كريم جاهل، يهب المجد لغيره ولا يدري. لا ترى الحسود إلا مغتاظًا.

وقالت العرب: عقوبة الحاسد من نفسه.

إن العرانين تلقاها مجسدة
ولن ترى للئام الناس حُسَّادا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤