الفصل الثامن عشر

مذمة الناس

قال مركوس أوريليوس: إذا ذمك أحد أو أبغضك أو قال فيك سوءًا، فانظر إليه وتبصَّر في حاله، فترى أن لا داعي للاهتمام بما يظنه فيك خيرًا أو شرًّا.

وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل

لا تمكن أحدًا من قول يصدق فيك أنك منافق شرير، بل ليكذبن في ما يقوله، وهذا في طاقتك؛ لأن من يستطيع أن يمنعك لا يمنعك عن الصلاح والإخلاص. إذا احتقرني أحد فهو وشأنه، وأما أنا فشأني الحذر من كل قول أو عمل يوجب الاحتقار، وإذا أبغضني أحد فهو وشأنه، وأما أنا فشأني اللطف والمعروف لكل أحد.

وقال مرقس أنطونيوس: أتعب خلق الله من جعل همه كشف خبايا الآخرين، والاطلاع على أسرار الجيران. على الإنسان أن يكون مستقيمًا لكي لا يقوم.

وقال تنيسن: لا تبحث عن عيوب الناس. وإذا عثرت عليها عثورًا فمن الحكمة وكرم الأخلاق أن تتجاهلها، وتبحث عما قد يكون وراءها من الفضل.

وقال بولانو: علم لسانك أن يقول: لا أعلم. الإنسان يرى القذى الذي في عين قريبه، ولكنه لا يدري بالجسر الذي في عينه.

وقال يوربيدس: من ساءت مبادئه ساءت خواتمه.

وقال الإمام علي: أنكى لعدوك ألَّا تُريه أنك أخذته عدوًّا.

وقالت الإنكليز: من يفتش عن ذنوب الناس لا يرى غيرها. الكلام بلا تفكير كرمي السهم بلا تصويب. من يسيء إلى الغير ثم يهم ليستر ما به من الشر؟ أشره الناس من يعيش على النميمة، فإنه لا يشبع أبدًا. الذين ينددون بالناس كالذين يدخلون بيوت غيرهم ليصلحوا ما فيها، ويتركون بيوتهم للخراب. مجانبة الذم أعسر من كسب المدح؛ لأن المدح قد يُكتَسب بعمل واحد، وأما التخلص من الذم فلا يُنَال إلا إذا قضى المرء عمره لا يقول نكرًا ولا يفعل شرًّا. من يجعل الهزؤ سلاحًا لمقاومة الحق، وجد في يده نصلًا لا مقبض له ربما جرح به نفسه أكثر مما يجرح به غيره. كلمة حادة أقطع من سيف حاد.

وقال اليابانيون: اللسان الذي طوله ثلاث عقد قد يقتل رجلًا طوله ستة أقدام. اشتم جارك واحفر قبرين.

وقالت العرب: وخز اللسان أحدُّ من وخز السنان.

جراحات السنان لها التئام
ولا يلتام ما جرح اللسان

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤