الفصل السابع والعشرون

أقوال الحكماء والفلاسفة

في موت الإسكندر ذي القرنين المكدوني

قال فيليمون الحكيم: هذا يوم عظيم العبر، أقبل من شره ما كان مدبرًا، وأدبر من خيره ما كان مقبلًا، فمن فقد ملكه فليبكِ.

وقال أفلاطون: أيها الساعي المغتصب، جمعت ما خذلك، وولى عنك، فلزمتك أوزاره، وعلا على غيرك هناؤه.

وقال تاوون: صدر عنا إسكندر ناطقًا، وقدم علينا صامتًا.

وقال أرسطوطاليس: قل لرعية إسكندر: هذا يوم ترعى الرعية فيه راعيها.

وقال فيلن: هل يعزينا على ملكنا من لم تنله مصيبة؟

وقال آخر: هذه طريق لا بد من سلوكها، فارغبوا في الباقية رغبتكم في الفانية.

وقال آخر: كفى بهذه عبرة أن بالأمس الذهب كان كنز إسكندر، واليوم أصبح إسكندر مكنوزًا بالذهب.

وقال آخر: سيلحقك من سرَّه موتك كما لحقت من سرك موته.

وقال بلوطن الفيلسوف: لا تعجبوا ممن لم يعظنا في حياته، فقد صار بموته لنا واعظًا.

وقال مطران الحكيم: قد كنا أيها الشخص الجليل بالأمس نقدر على الاستماع منك ولا نقدر على القول، فهل تسمع الآن ما نقول؟

وقال آخر: لم يؤدبنا إسكندر بكلامه كما أدبنا بسكوته.

وقال ديمتر الحكيم: يا من كان غضبه الموت لِمَ لا غضبت على الموت؟

وقال آخر: خافت حصونك أيها الشخص، وأمنت حصون خائفيك.

وقال آخر: ما أصدق الموت لأهله! غير أنهم يكذبون عيونهم، ويصمون آذانهم.

وقال آخر: أيها الجميع لا تبكوا على من جاز البكاء عليه، بل فليبكِ كل رجل منكم على نفسه.

وقال فليقطن الحكيم: إن دنيا تكون هذه آخرها، فالزهد في أولها أولى.

وقال آخر: إن كان لا يُبكى على الموت إلا عند حدوثه، فالموت في كل يوم حادث.

وقال آخر: أيا هذا الذي كان غضبه مرهوبًا وجانبه ممنوعًا، فإن غضبت لا يفرق الموت منك، ولم لا امتنعت لتنفي الذل عنك؟

وقال آخر: لقد كنت مغبوطًا، فأصبحت مرحومًا، ولئن كنت مرتفعًا، فقد أصبحت متضعًا.

وقال آخر: كفى العامة أسواء بموت الملوك، وكفى الملوك عظة بموت العامة.

وقال آخر: قد كان صوتك مرهوبًا وملكك عاليًا، فأصبح الصوت وقد انقطع، والملك وقد اتضع.

وقال آخر: ما وعظنا إسكندر بعظة هي أبلغ من وفاته.

وقال آخر: لئن كنت بالأمس لا يأمنك أحد، فلقد أصبحت اليوم لا يخافك أحد.

وقال آخر: قد أوصيت إلى من كان له عليك دين، ولا بد من اقتضاء ذلك منك، فيا ليت شعري كيف كان صبرك عند اقتضاء الدين والحق منك؟

ولما فرغت الفلاسفة من الكلام، قامت زوجة إسكندر «روكسندرة» ابنة الملك داريوس ملك العجم، وكانت من أعز الناس إلى إسكندر، فوضعت خدها على التابوت، وقالت: ما كنت أحسبك أيها الملك بعد أن غلبت دار الدنيا أن ملكك يُغلب.

ثم قالت للفلاسفة: إن كان منطقكم في إسكندر هزؤًا، فقد خلف الكأس التي شربها معكم، فكلكم تشربونها؛ لأنها دين عليكم، وإن كانت تعزية وندبًا، فاستعدوا للجواب والحجة والاعتذار، فإنه ذاق ما ستذوقون، وليكن العمل على قدر القول، فإنكم غير آمنين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤