الفصل الثاني

نصوص مسرحية مرفوضة قديمًا

١٩٢٣ – ١٩٣٦

‎‎‎‎ مسرحية «دار العجائب» ١٩٢٣، لمحمد إبراهيم منصور

تعتبر مخطوطة مسرحية «دار العجائب» لمؤلِّفها محمد إبراهيم منصور١ أقدم مسرحية، تمنعها الرقابة، ويحتفظ المركز القومي للمسرح والموسيقى بنصها الأصلي، بما يشتمل عليه من مستندات وتقارير رقابية. ففي يوم ٢ / ٦ / ١٩٢٣ تقدَّم محافظ الإسكندرية بطلب لوكيل وزارة الداخلية، يطلب فيه الترخيص بتمثيل المسرحية على أحد مسارح تياترات مدينة الإسكندرية.

وفي ٢٠ / ٧ / ١٩٢٣ كتب الرقيب «عزيز» تقريرًا بمنع الترخيص، قال فيه: «اطَّلعتُ على هذه الرواية؛ «دار العجائب» وهي تاريخية من نوع الكوميدي. وتتضمن سَرْد حياة فرنسواي ملك فرنسا، وكيف كان ينزع به المجون إلى الاغتصاب والاعتداء على الأعراض. وقد بلغ به الهتك أنه جمع وزراءه وذهب بهم ليلًا كي يُهاجِم صَبِيَّةً أعجبَه جمالُها وافتُتن بها. مع أن هذه الصبية كانت ابنته وهو لا يدري. وكان قد اغتصب أمَّها من قبلُ وماتتْ يائسة. ويتخلَّل مواقفه كثير من الامتهان والازدراء والتحقير. وفي ذلك من التعريض والتهكُّم نحو أشخاص الملوك مما يُوجِب التنفير والتأثير السيِّئ. ولا يَحسُن السماح بتمثيله. والرأي مُفوَّض لسعادتكم.»

figure
وبناءً على هذا التقرير أرسل مدير المطبوعات في ٢٩ / ٧ / ١٩٢٣ مذكرة لمحافظ الإسكندرية، بشأن رفض الترخيص بتمثيل الرواية، قال فيها: «إيماء إلى مكاتبة المحافظة بشأن رواية «دار العجائب» لصاحبها محمد إبراهيم منصور الممثِّل بالإسكندرية نؤمل التنبيه بتفهُّم الشخص المذكور أن هذه الرواية قد تمَّ رفضُها وعدم التصريح بتمثيلها.»٢
وقبل الحديث عن المسرحية، وأسباب منعها، يجب أن ننبِّه بأن المؤلِّف قد ضمَّنها مقدمة أبَانَ لنا فيها، أنَّ له باعًا طويلًا في ممارسة الفن المسرحي عملًا وعلما.٣

أما المسرحية فتدور حول «تريبول» مُضحك الملك فرانسواي، ومتبنِّي «جلبت» في الخفاء، الذي يعشقها الملك بجنون. و«جلبت» هذه تحب «منفرو» الشاب الباسل الذي دافع عنها، وأنقذها من بعض الأشرار. وهو في نفس الوقت رئيس الشحَّاذين. وعندما يُريد الملك أن يأخذ «جلبت» عنوة إلى قصره، يَظهَر له «منفرو» ويُهاجِمه ويجرح قوَّاده. وبمرور الأحداث نعلم أن «جلبت»، هي ابنة الملك «فرانسواي»، من امرأة كان قد اغتصبها في الماضي، وألقى بها بعد ذلك، ولكنها أنجبتْ منه ابنة، فأعطاها الملك لأحد قوَّاده كي يَقتُلَها. ولكن القائد أعطاها لتريبول المُضحك، كي يرعاها. وبالفعل تمَّتِ الرعاية حتى أصبحتْ فتاة ناضجة، وقد هواها الملك دون أن يعلم أنها ابنته. ولكن هذه الحقيقة تصل إلى الملك عندما شك في تريبول فأفْضَى له بالسِّرِّ. وهنا يُحضِرها الملك إلى القصر كدوقة. ويهرب «منفرو» من حكم الإعدام، الذي أصدره الملك ضدَّه، ثم يذهب إلى قصر الملك للانتقام. وفي القصر تتوالى الأحداث التي تنتهي باعتراف الملك بأبوته ﻟ«جلبت». ونجد أن منفرو هو ابن منكلر الوزير، الذي خُطف من عشرين سنة من قِبَل عصابة الشحَّاذين. وتُختتم المسرحية بزواج منفرو من جلبت، بعد أن أنعم عليه الملك برتبة حاكم باريس.

وإذا أردنا الحديث عن أسباب منع هذه المسرحية، نقول: إن الرقيب كممثِّل لرجال الحكومة، استند في أسباب رفضه على بداية المسرحية فقط، التي تُصوِّر الملك بصورة الإنسان الشهواني، الذي يعتدي على أعراض الفتيات. ولم يلتفتِ الرقيب إلى مضمون المسرحية ومعالجتها الإيجابية لتصرفات بعض الملوك. وكأنه خَشِيَ من ذوي الأمر إذا وافق على هذه المسرحية، لما فيها من رموز من الممكن أن تُفسَّر على أن المؤلِّف أراد بها التنديد بوضع الشعب المصري في ظلِّ حاكِمِه في تلك الفترة.

ومِن المؤكَّد أن المؤلِّف أراد ذلك الرمز، بدليل أنه استغلَّ المَخرج الوحيد له بأنْ نَقَل الأحداث إلى فرنسا. والرقابة في ذلك الوقت، كانت ممثِّلة للحكومة ولمَن يُهَيْمِن عليها من رجال الاستعمار الإنجليزي. فمِن غير المعقول أن توافق على مسرحية تُندِّد بالحاكم وتُظهِر مَعَايبَه وتصرفاتِه المَشِينة. بل وتقول صراحة إن قوة الحُكم تكمن في الشعب البسيط، ويجب أن يكون الحاكم من عامة الشعب. كما انتهتِ المسرحية بأن أصبح منفرو زعيم الشحاذين حاكمًا لمدينة باريس. هذا بخلاف ما في المسرحية من تخوُّف المَلِك أمام قوة العلماء والفلاسفة ورجال الدين والصحافة والثائرين عليه. وللدلالة على ذلك نسرد هذا الجزء من الحوار الذي دار بين الملك والكونت منكلر:

منكلر : لقد جئتك يا ذا الجلالة «بالأيمة» تشتمل على أسماء الذين يرغبون في التشرُّف بمقابلتك لتختار مَن تأذن له بها، وأولهم اتينان دولي صاحب المطبعة المشهورة.
الملك : (بخشونة) لا رغبة لي في مقابلته، وعليك أن تراقب هذا الرجل؛ فقد علمتُ أن له علاقة بأهْل المذهَبِ الجديد الذين يطرحون السم في الدسم … ثم مَن؟
منكلر : ثم الأستاذ الفيلسوف فرانسواي رابلي.
الملك : (بحِدَّة) قد بلغني عن هذا الرجل أنه يُحرِّض الشعب ضدي، فليحذر هذا الفيلسوف غضبَنَا؛ فإن لصبرنا الملوكي حدًّا.
منكلر : ثم الصحافي المشهور المسيو أجان.
الملك : لقد قرأتُ مقالات مهيِّجة لهذا الرجل فهو يستحقُّ الباستيل [أي سجن الباستيل].٤
figure
الصفحة الرابعة من مخطوطة المسرحية.

ومما سبق نجد أن الرقابة رفضتْ هذه المسرحية على اعتبار أنها مسرحية رمزية سياسية، تصوِّر أحدَ ملوك فرنسا بصورة غير لائقة. ومن الممكن إذا مُثِّلتْ أن تجعل الجمهور في حالة تفكير أو مقارنة بين حياة هذا الحاكم في فرنسا ونظيره في مصر.

وإذا تتبعنا تاريخ المسرح في ذلك الوقت،٥ أو بالتحديد موقف الرقابة من المسرحيات المُرخَّص بها في فترة نظر هذه المسرحية، أيْ فيما بين ٢ / ٦ / ١٩٢٣ و٢٩ / ٧ / ١٩٢٣، سنجد أن الرقابة قد رخَّصت بمجموعة كبيرة من المسرحيات سواء لفرقة رمسيس أو لفرقة أمين صدقي وعلي الكسار. ومن هذه المسرحيات «أهو كده»، «الهلال»، «ولسه»، «أحلاهم»، «القضية رقم ١٤»، «البربري حول الأرض». وهذه المسرحيات كانت تخص فرقة أمين صدقي والكسار. وهي تدور حول الشخصية الكوميدية النمطية المشهورة للبربري عثمان عبد الباسط. وهذا النوع من المسرحيات كان يضمن في داخله موافقة الرقابة دون فحص أو تدقيق، لبعده عن السياسة أو رموزها.

أما فرقة رمسيس فقد رُخِّص لها في هذه الفترة بمجموعة مسرحيات، هي: «طاحونة سافاريا»، «الحلاق الفيلسوف»، «صرخة الألم»، «النائب هالير»، «غادة الكاميليا»، «الشياطين السود»، «ناتاشا»، «المجنون»، «المرحوم»، «استقلال المرأة»، «عبد الستار أفندي». وهذه المسرحيات يغلب عليها طابع الدراما الاجتماعية. وأهم ما يُميِّز معظمَها — في الحصول على الترخيص الرقابي — هو عامل الترجمة أو التعريب. وبمعنًى آخَرَ، أن أية مسرحية مُترجمة أو مُعرَّبة يُصرِّح بها جهاز الرقابة المسرحية دون قيد أو شرط؛ حيث إن موضوعها بما يحمله من رموز وإسقاطات يُفسَّر في صالح النص؛ حيث إنه يخص الدول الغربية، ولا علاقة بينه وبين المجتمع أو السياسة المصرية.

أيْ إن رفض مسرحية «دار العجائب»، جاء بسبب أن المسرحية مُؤلَّفة من قِبَل مؤلِّف مصري؛ لذلك فكل رمز أو إسقاط يجب أن يُفسَّر ضد النص وضد المؤلِّف. أما إذا كان النص مُترجَمًا أو مُعرَّبًا كما هو متبع في الكتابة المسرحية في ذلك الوقت، لكان حصل على الموافقة الرقابية. وهذا أكبر دليل على أن الرقابة في تلك الفترة كانت تقف أمام إبداع المبدعين المسرحيين، كما كانت تقف ضد وصول أفكارهم لعامة الشعب المصري؛ لأن الرقابة كانت تخدم رجال الدولة والاستعمار الأجنبي أكثر من خدمتها في تنوير الشعب. ومن هنا كان الرقيب يبحث وينقِّب عن الأسباب الواهية، مهما ضَؤُلَتْ، ثم يُضخِّمها ويضعها في تقريره حتى يُخفِي مضمون المسرحية أمام رؤسائه، حتى لا يُتَّهَم بالخيانة وعدم الوطنية. وهذا ما حدث في هذه المسرحية عندما وقف الرقيب أمام تصرفات الملك الشخصية وترك مضمون المسرحية البنَّاء والإيجابي في تبصير الشعوب بتصرُّفات ملوكهم السياسية.

figure
صورة غلاف مخطوطة المسرحية.

‎‎‎‎ مسرحية «الرقيق الأبيض» أو «أسرار الغربي»٦ ١٩٢٥، لحسين فهمي

تقدَّم حسين فهمي مؤلِّف مسرحية «الرقيق الأبيض» أو (أسرار الغربي» في ٧ / ٦ / ١٩٢٥ بطلب إلى إدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، للترخيص له بتمثيل المسرحية على مسرح رمسيس بمعرفة فرقة حسين فهمي.

figure
صورة طلب الترخيص.

وفي ١٠ / ٦ / ١٩٢٥ كتب الرقيب «السيد المدني» تقريرًا برفْض المسرحية قال فيه: «وهذه الرواية تمثِّل الجناية الفظيعة التي وقعتْ على الفتيات وهتْك أعراضهن بواسطة «إبراهيم الغربي السجين الآن» تلك المأساة أنَّتِ البلاد لسماع فظائعها الوحشية المنافية للآداب والكرامة، وكثيرًا ما هو وارد بهذه الرواية من العبارات ما يَندَى له الجبين خجلًا لسماعها، ومنها ما يترك في النفس حسرة لما ينتاب الفتيات والإيقاع بهن في بيوت الفسق والفجور، وبما أن هذه الرواية عبارة عن صورة طِبْق الأصل لقضية الغربي وفظائعه المعروفة والتي نادتِ البلاد من أقصاها إلى أقصاها بوجوب التخلص من مرتكبيها؛ بناء عليه أرى أن هذه الرواية غير مستحسَن تمثيلُها وعدم التصريح بها.» وفي ١٧ / ٦ / ١٩٢٥ أصدر محمد مسعود مدير المطبوعات الأمر لمحافظ مصر بمنع المسرحية ومراقبة عدم تمثيلها.

figure
تقرير الرقيب وتأشيرة المنع.

وتدور المسرحية حول الفتاة «فاطمة» ابنة الحاج «حسن»، التي أحبَّتْ شابًّا يُدعَى «عزيز»، وفي نفس الوقت يُجبِرها الأب والأم لقبول الزواج — رغمًا عنها — من «رفعت». وعن طريق الدلَّالة «عطرشانة» — الوسيط الدائم بين الحبيبين — تتفق مع «عزيز» على الهرب ليلة عقد قرانها من رفعت. ونعلم من أحداث المسرحية بأن الحبيب «عزيز»، ما هو إلا أَحَد أعوان «إبراهيم الغربي» تاجر الأعراض، ومغرِّر الفتيات، وحاكم بيوت الدعارة في القطر المصري. ويستدرِج «عزيز» الفتاة بعد الهرب إلى منزل الفساد والدعارة، مُوهِمًا إيَّاها بأنه بيت والِدِه، وبواسطة زبائن هذا البيت، يتمُّ سَلْب شرفِها وعفافها بالقوة. وأمام هول المفاجأة تنهار «فاطمة» ثم تتماسك وترفض وتدافع عن نفسها بكل قوة، وإيمان، وتواجه المجرمين في حوار درامي بنَّاء، وتدبِّر طريقة للخلاص، فترسِل لوالِدِها مَن يُفهِّمه الحقيقة، وبالفعل يحضر الأب والزوج مع رجال الشرطة وينقذون الفتاة ومَن مَعَها من بؤرة الفساد، ويتم القبض على المجرمين، وتنتهي المسرحية بمشهد تختلط فيه عبارات الندم والاستغفار والتوبة والعفو والخلاص.

وإذا أردنا أن نناقش أسباب الرقيب في رفضه لهذه المسرحية، سنجد أنه اعتمد على ثلاثة أسباب؛ الأول: العبارات الماجِنَة الخادِشَة للحَيَاء، والثاني: حسرة النفس عند الجمهور لمشاهدة وسماع ما ينتاب الفتيات بسبب وقوعهن في بيوت الفسق والفجور، والثالث: أن المسرحية صورة طِبْق الأصل لقضية إبراهيم الغربي المعروفة.

فأما عن السبب الأول، المتعلِّق بالعبارات الماجنة، فلم نَجِد مثل هذه العبارات في المسرحية بأكملها إلا في موضعين، الأول حوار بين «عزيز» و«إبراهيم» قبل وصول الفتاة «فاطمة» إلى بيت الدعارة، وكان هكذا:

عزيز : دي بنت شريفة قوي يا سي إبراهيم.
إبراهيم : لكن يا واد، ما عملتش معاها في المدة دي؟
عزيز : لا وشرفك يا سي إبراهيم، وهي كل ما تشوفني ما أطلبش منها حاجة بطَّالة كل ما تحبني زيادة. وأنا كمان عارف إني لما أجيبها بنت موش زي ما أجيبها مَرَة؛ لأن لما أجيبها بنت حاتنفَّع مِن وَرَاها أنا وأنت.٧

والموضع الثاني، عبارة عن حوار بين بنات الهوى زكية ونفوسة وهانم في بيت الدعارة:

زكية : أنت يا نفوسة وحياة النبي إنْ شفتك بتكلِّمي إبراهيم تاني ما أخلِّيك تتهنِّي على زبون.
نفوسة : إبراهيم دا مين ياختي؟ هو أنا بتاعة الحاجات دي؟ دا هو اللي بيرمي جِتِّته.
زكية : ليه ياختي؟ ما له إبراهيم؟ موش أحسن من عثمان البربري بتاعك؟
نفوسة : عثمان بربري لكن فنجري. أقله بيقبض الماهية كلها ويروح راميها في إيدي موش زيك. أشتغل وأدِّي له.
زكية : مين هو ياختي دا اللي بأدي له؟ فَشَر!
هانم : هو فين الشغل يا حسرة؟ الواحدة منَّا يمكن تقعد طول الجمعة ماتستفتحش.٨

ومن الواضح أن عبارات الموضعين، بما فيهما من ألفاظ يَندَى لها الجبين — كما أوضح الرقيب في تقريره — من الممكن التغافُل عنها، إذا قِيستْ بمقياس السياق الدرامي. فمِن غير المعقول أن مسرحية تُعالِج السقوط، وتُكافِح الرذيلة، وتصوِّر بيتًا من بيوت الفسق والفجور، تخلو من هذه الألفاظ. هذا فضلًا عن وجود قلم الرقيب في الشطب، وهو من الأدوات المُصرَّح له بها. فمِن الممكن أن يَشطب هذين الموضعين، أو يعدِّل فيهما إذا أراد.

وسبب الرفض الثاني — من وجهة نظر الرقيب — هو في الحقيقة سبب في جواز التصريح بالمسرحية لا رفضها؛ لأن الرقيب استند على ما في المسرحية من معانٍ تترك في النفس الحسرة لما ينتاب الفتيات من الإيقاع بهن في بيوت الفسق والفجور. ولكن المسرحية وما فيها يؤكِّد العكس تمامًا. فالمسرحية تؤكِّد على أهمية أخذ رأي الفتاة في الزواج، وتُعارِض فكرة زواج الفتيات بالإكراه. كما تؤكد على فكرة الزواج المبنِي على العاطفة المتبادَلة بين الزوجين قبل الزواج. والمسرحية برُمَّتها تبيِّن أسباب سقوط الفتيات في الرذيلة، كما تبيِّن فكرة الخلاص، وتفسح المجال إلى المغفرة، والعودة إلى الطريق الصحيح، وتُعطِي الأمل أمام الساقطات في التوبة والمغفرة. ومن الأدلة على ذلك قول «فاطمة» في بداية المسرحية بعد أن تحدَّد الزمن بعقد القران، وبعد انصراف الجيران مهنِّئين لها فتقول:

«… آه! بيهنُّوني قال بالعريس الجديد ولا يعرفوش اللي في قلبي من جوه … آه! لو كانوا يعرفوا إيه اللي بأخفيه تحت ضحكات الفرح والسرور اللي بأظهرها قدامهم لكانوا يقلبوا الفرح إلى محزنة. وبدال ما يهنوني بالعريس يعزونى على بختي الأسود … أنا عارفة لحد إمْتَى حايفضل الجهل مغطِّي على عقول الدَّقَّة القديمة دي؟ وإمتى بَقَى يتركوا لنا الحرية في تنقية العريس؟ آه من استبداد الأبَّهات والأمَّهات المودة القديمة مع بناتهم! عشان يبيعوا بنتهم بيع العبيد وعلشان شوية فلوس يِمْلُوا بها جيوبهم يقدموا بنتهم وتروح ضحية مطامعهم. بيجوزوها بغير إرادتها لراجل ما بتحبوش.»٩

ومن الواضح أن المؤلِّف هنا أراد أن يَبثَّ بعض الأفكار الحضارية أملًا في مجتمع أفضل، فهو يُندِّد بالزواج المبنِي على عدم رغبة الزوجة في قبول الزوج، كما يوضح مساوئ الزواج المبني على الأطماع من قِبَل الأب أو الأم.

وقُبَيْل نهاية الفصل الثاني، وبعد أن أُجبرتْ «فاطمة» على التفريط في عفافها تتحدث إلى نفسها قائلة:

«يا ربي! أروح فين؟ إيه اللي وقعني الوقعة السودة دي؟ الله يجازيك يا عزيز! … أنا فاطمة الشريفة عفيفة النفس ماسمعتش كلام أبويا وطاوعت واحد منافق سمسار أعراض؟ … أشتكيك لمين غير ربنا؟ هو اللي ياخد حق المظلوم من الظالم … تعالي يا أمي الحنونة تعالي. تعالى يا أبويا تعالى. واخنقني بإيديك الطاهرة. عشان ما سمعتش كلامك … أروح فين؟ أروح بيت أهلي بعد سلب عفافي مني بالقوة؟ والَّا أرجع لبيت الفسق والرذيلة (تبكي).»١٠
figure
صورة الصفحة الأولى من مخطوطة المسرحية.

وهذا الندم من قِبَل «فاطمة»، لا يترك في نفس المُشاهِد أية حسرة على مصير الفتيات — كما توهَّم الرقيب — بل يترك في النفس العبرة والموعظة، وعدم الاستسلام والاستمرار في السقوط. والمؤلِّف يؤكِّد على هذه المعاني بصورة أوضح في مواجهة فاطمة لكل مَن كانتْ له يدٌ في سقوطها، أمثال عزيز وعطرشانة وطالبي اللذَّة المحرَّمة.

فعندما واجهتْ عزيز قالت له: «ارجع، ابعد عني، ابعد عني يا تاجر أعراض بنات الناس، ابعد عنِّي ياللي مالكش ذمة ولا شرف. ياللي دُست عالإنسانية وعلى شرفك برجليك عشان شوية فلوس، ابعد عني يا شيطان في صورة إنسان.»١١
وعندما واجهت عطرشانة قالت لها: «تعالي يا ملعونة عند العبد وعند الرب. أنت اللي كنت بافتكر فيك الحنية. وأعتقد فيك الصلاح؟ أنت اللي كنت واخداك سندي الوحيد؟ … تروحي فين من ربنا يا مجرمة؟ … أنت سبب كل أسيه ورأس كل خيط … إن كان راح عفافى عندكم بالقوة الشيطانية بتاعتكم ما تفكريش إني أرضى وأطاوعكم على فكركم. أنا برضه لازم أدافع عن عرضي بكل قوتي. أما ذنبي يخلصه لي ربنا منكم فهو منتقم عادل.»١٢
وعندما واجهت طالبي اللذَّة المُحرَّمة قالت لهم: «اتقوا الله في أموالكم في شعوركم، وبدال ما تصرفوا فلوسكم في الدعارة والفسق في الحرام. اتجوزوا وعمروا بيوتكم في الحلال افتحوا الملاجئ الخيرية. عضدوا المشروعات الوطنية. افتحوا مدارس تعلم اللي زيكم الشرف. حافظوا على أعراض بنات الناس. إذا كان لكم عرض تخافوا عليه. حافظوا على نسوانكم إن كنتم متجوزين. واخلصوا لهم لا يخونوكم زي ما بتخونوهم أنتو دلوقت.»١٣

والأقوال السابقة كلها تؤكد على العبرة والموعظة، وتعطي درسًا حيًّا للأسرة المصرية. وكفى أن نُورد هنا كلمات اللحن الختامي للمسرحية بعد القبض على مُروِّجي الفساد والرذيلة، ونشعر بمدى تأثيرها على الجمهور؛ إذ هو آخِر ما يسمعه المشاهد قبل إسدال الستار، هذا إذا رجع الزمان ومُثِّلت هذه المسرحية على مسرح رمسيس، كما كان مقررًا لها.

آدي اللي كان الجهل عاميهم
وفي الدعارة كانوا عايمين
وقعوا في عملهم بإيديهم
يا ما طغوا يا ما كانوا ظالمين!
فاطمة :
الحمد لله الحق أهو بان
والرب خلصنا ونجانا
ما دام قلوبنا فيها إيمان
والحق في إيدنا وعفانا
من اللي يقدر يؤذينا مين؟
الجميع :
يا ناس ربو بناتكو يا ناس
وعلموهم إيه العفاف
الجهل يا ما ضيع ناس
من جهلهم باعوا العفاف
راعوا نسوانكم
اخلصوا لحريمكم
صونوا أعراضكم
العرض غالي وكنز ثمين١٤
أما بالنسبة إلى السبب الثالث من أسباب الرفض — وهو كون المسرحية صورة طبق الأصل من قضية الغربي — فنقول: إن هذا السبب خارج عن نطاق الرقابة على الأعمال الفنية عمومًا والمسرحية خصوصًا. فلا يجوز للرقيب منع أي عمل فني لمجرد أنه صورة طبق الأصل من حادثة معيَّنة؛ لأن هذا معناه أن الرقابة تتدخل في أسلوب معالجة المؤلف ورؤيته الفنية. وحتى ولو كانت المسرحية كذلك، فيصبح التصريح بتمثيلها أقرب إلى الصحة من منعها. فالصحف وقت القبض على إبراهيم الغربي أفاضت في سرد تفاصيل الموضوع بكل دقائقه،١٥ لدرجة أن حوادث الغربي وتحقيقات النيابة معه، كانت تُطبَع في كتيبات صغيرة وتُباع من خلال باعة الصحف والمجلات. وهذا معناه أن القصة معروفة لدى الجميع، وعرْضُها على المسارح يؤكِّد رغبة المؤلِّف في بثِّ الأسباب والدوافع، وأيضًا علاج السقوط في الرذيلة، وهذا الأمر في صالح الأُسَر المصرية لا ضدها.

وبعد هذا العرض، وتفنيد أسباب الرقيب في المنع، نجد أنه من المُستبعَد أن الرقيب لم يتنبَّه إلى ما في المسرحية من معانٍ تدل على الموعظة والعبرة للأسر المصرية. وهي من المعاني الصالحة للعَرْض وفي صالح الجمهور المصري أيضًا. فمِن المؤكَّد أن هناك أسبابًا أخرى للرَّفْض لم يُفصِح عنها الرقيب وتمسَّكَ بأسباب واهية كستار للأسباب الحقيقية. ومن المؤكد أيضًا أن هذه الأسباب تمسُّ رجال الحكم في مصر ومصالح الاستعمار الأجنبي، في تلك الفترة. والرقيب كما مرَّ بنا، هو المحافظ على مصالح هؤلاء أكثر من مصالح الشعب نفسه. والدليل على ذلك كلمات اللحن الختامي للفصل الأول التي تقول:

الله أكبر الفجر لاح
والديك بيدَّن الوقت راح
قوموا نصلي فرض الصباح
حيو وحيو على الفلاح الله أكبر
يالَّه بقى نصلي ونطلب من رب كريم
يحفظ بلادنا ويحميها من كل ذميم
يا رب حقق أملنا بالاستقلال
وفق جميع أحزابنا واصلح الأحوال
طهر قلوبنا … اهدي نفوسنا
واللي يسئنا … وعلينا يكبر
الله أكبر١٦
figure

ومعاني هذا اللحن تتحدث بالوطنية، وبثِّ الشعور القومي في نفوس الشعب المصري. «فالفجر لاح» توحي بالأمل في المستقبل، والحثِّ على يقظة الشعب المصري من سُبَاتِه. و«الوقت راح» تؤكِّد على السرعة في إنهاض الأمة، وعندما يطلب الشعب — في ذلك الوقت — من الله أن يحفظ البلاد من كل ذميم، يقصد بذلك الذميم الاستعمار الأجنبي، ورجال الحكم في مصر المساندين لهذا الاستعمار. أما تحقيق الأمل بالاستقلال فكانت الجملة المباشرة ضد الاستعمار، وأيضًا الأمل في وفاق جميع الأحزاب، دلالة على تفرُّقها بسبب الاستعمار والتدخل الأجنبي، أو رمز على العناصر السيئة لبعض الرجال داخل الأحزاب المتفرقة. والرقيب لا يملك في هذا الموقف الشجاعة أو القدرة على شطب هذا اللحن، وإلا اتُّهم بالخيانة، وعدم الوطنية، فما كان أمامه إلا منع المسرحية من التمثيل.

وفي المسرحية أيضًا حوار بين فاطمة ونفوسة يدور حول «إبراهيم» وقراره بنفي نفوسة إلى السودان. وهذا الحوار من الممكن أن يُضاف إلى اللحن السابق ضمن أسباب الرقيب الخفية في المنع:

نفوسة : دلوقت حكم عليَّ إبراهيم بالنفي عالسودان.
فاطمة : نفي إيه ياختي؟ هو فيه نفي غير كده؟
نفوسة : أنت شفتي حاجة؟ دا له في كل بلد وكيله؛ في الصعيد، في بحري، في السودان. والبنت اللي تعمل ذنب، أو يكون عليها فلوس ما تقدرش تسدهم ينفيها عالسودان أو على الصعيد، زي ما يحب.
فاطمة : يا حفيظ يارب! يا حفيظ! بقى عامل نفسه حاكم.
نفوسة : حاكم وأي حاكم! دا حاكم على النفس، عالعرض، عالزبون. والأدْهَى من دي أنه عامل لنا سجن نتحبس فيه في البيت.
فاطمة : يا ساتر يا ساتر! وبعدين ياختي نعمل إيه؟
نفوسة : أنا عارفة ياختي؟ أديني أهو محتارة.
فاطمة : مافيش مطرح والَّا شباك ننط منه ونهرب.
نفوسة : ماتِتْعِبِيش نفسك؛ كل اللي في البيت جواسيس على بعض.١٧

وكلمات هذا الحوار ترمز إلى الأحوال السياسية في مصر — في تلك الفترة — فإبراهيم الغربي هنا رمز على الحاكم، الذي يملك جميع الأقطار عن طريق وكلائه، وله الحق في نفي أي شخص إلى السودان — التي تتبع مصر في ذلك الوقت — والنفي إلى السودان كان من العقوبات المعروفة في مصر. وأيضًا السجون، رمز على قهر الحاكم لرعاياه. أما عبارة «كل اللي في البيت جواسيس على بعض» توضح وبصورة مباشرة فساد المناخ السياسي في مصر عام ١٩٢٥.

صورة غلاف مخطوطة المسرحية.
صورة غلاف ملف المسرحية.
ومما سبق نجد أن الرقابة أرادت بكل وسيلة ممكنة رفض هذه المسرحية، التي ترمز إلى بعض الأجواء السياسية الفاسدة في مصر في ذلك الوقت. ومن الملاحظ أن المسرحية تشترك في أسباب رفضها مع مسرحية «دار العجائب» السابقة في كونها مؤلَّفة من قِبَل مؤلِّف مصري. ولو كانت مترجمة أو معرَّبة لكانتْ أقرب إلى الترخيص. ففي فترة رقابتها من ٧ / ٦ / ١٩٢٥ إلى ١٧ / ٦ / ١٩٢٥١٨ رُخص لفرقة علي الكسار بتمثيل مسرحية «عثمان حيخش دنيا»، ولفرقة عكاشة بتمثيل مسرحيتي «عايدة»، و«هدى». والطابع الغالب على هذه المسرحيات هو الطابع الكوميدي أو الغنائي، وهما من الأنواع المعهودة الترخيص دون رقابة تُذكر، لبُعْدها عن السياسة أو مكاشفة الواقع بما يحمل من سلبيات.

مسرحية «شيخ الحارة» ١٩٢٨، لمحمد كامل علي

هذه المسرحية تدور في إطار كوميدي حول شخصية «عثمان عبد الباسط» شيخ الحارة، الذي يقع في مخالفات قانونية كثيرة، بسبب جهله واحتلاله لوظيفة شيخ الحارة بما فيها من ضبط وربط وقوانين ولوائح، ولكن ابنه «حسن» — المحامي — استطاع بلباقته أن ينفي عنه هذه التُّهَم والمخالفات أمام المحكمة، فيَحكم القاضي ببراءة عثمان، وعزله من وظيفة «شيخ الحارة».١٩
وفي يوم ١ / ١٢ / ١٩٢٨ تقدَّم مؤلِّف المسرحية محمد كامل علي٢٠ — من الإسكندرية — بطلب لمدير قلم المطبوعات بالداخلية، قال فيه: «حضرة صاحب العزة مدير قلم المطبوعات، أتشرفَّ بأن أُحيط علمَ عزتكم أنني أرغب الحصول على تصريح بتمثيل رواية «شيخ الحارة» تأليفي والمرفق منها ثلاثة نسخ مع هذا الخطاب ويكون التصريح عموميًّا بحيث يجوز لأية فرقة تمثيلُها حسب موافقة عزتكم دون أن تتخلل الحفلة التي تُمثَّل فيها منولوجات أو أغاني أو أي شيء آخر غير ما جاء بالرواية. وإني سأتولَّى إخطار قلم المطبوعات عن الفرقة التي ستقوم بتمثيلها وتاريخ ذلك قبل الميعاد بوقت كافٍ.» وفي نهاية هذا الطلب توجد عبارة تقول: «الثلاثة نسخ المطلوبة مُرسلة في غلاف آخر.» ثم تأشيرة مدير قلم المطبوعات، وهي «خضر بك في ٢ / ٢ / ١٩٢٨». أيْ إن خضر بك هو الذي سيتولَّى أمر فحص هذا الطلب:
figure
صورة طلب الترخيص من المؤلف.

وفي ٣١ / ١٢ / ١٩٢٨ أرسل المؤلف الخطاب التالي: «حضرة صاحب العزة مدير قلم المطبوعات، أتشرَّف بإحاطة عزتكم علمًا بأنني سبق أن أرسلت بتاريخ أول ديسمبر سنة ١٩٢٨ (منذ شهر الآن) ثلاثة نسخ من رواية شيخ الحارة بالبريد المُوصَى عليها بنمرة ٥٩٣٥، وذلك حسب تعليمات القلم، وللآن لم أتلقَّ أمرًا بالموافقة على تمثيلها. وحيث إن الفرقة الأدبية هنا التي تريد القيام بهذا التمثيل منتظرة مصادقة عزتكم على الرواية حتى تعلن عن موعد تمثيلها والمسرح الذي ستمثَّل عليه؛ لذلك ألْتَمس من عزتكم الموافقة على تمثيلها وإعادة نسخة من النسخ الثلاثة التي سبق أن أرسلتُها.» وأسفل هذا الخطاب أشَّر مدير قلم المطبوعات «سليم عز الدين» بتأشيرة في ٢ / ١ / ١٩٢٩، قال فيها: «حضرة خضر بك ماذا تمَّ بهذا الطلب؟»

وفي ٣ / ١ / ١٩٢٩ أرسل مدير المطبوعات (بالنيابة) الخطاب التالي للمؤلِّف: «حضرة المحترم محمد كامل علي أفندي: شارع وليمس نمرة ٣ فلمنج رمل الإسكندرية. ردًّا على كتابكم … بشأن التصريح بتمثيل رواية «شيخ الحارة» نُفِيد حضرتكم أن هذه الإدارة سبق أن قرَّرتْ ألَّا تَقبَل الروايات من الأفراد للترخيص بها، بل يجب أن تُقدَّم بمعرفة التياترو أو الجوق الذي سيقوم بتمثيل الرواية مع تحديد موعد ومكان التمثيل؛ وعليه نُعيد الرواية بأمل أن تُقدَّم بمعرفة الفرقة لمحافظة الإسكندرية، وهذه تتولَّى إرسالها لنا وتكتب لنا رسميًّا للترخيص بتمثيلها.»

وقبل يوم ٢ / ٢ / ١٩٢٩٢١ أرسل محمد معوض الخطاط رئيس فرقة نادي الرمل التمثيلي خطابًا إلى مدير قلم المطبوعات، قال فيه: «أتشرَّف بإحاطة علم عزتكم أنني أرغب تمثيل رواية «شيخ الحارة» بما فيها من المنلوجات على مسرح سينما باكوس في مساء ٢ فبراير ١٩٢٩ فأرجو التصريح بذلك مع العلم بأن النسخ الثلاثة المطلوبة سبق أن أرسلها المؤلِّف محمد أفندي كامل علي بالبريد المُوصَى عليه في أول ديسمبر ١٩٢٨ فنرجو بعد اعتمادها إرسال إحدى النسخ إما بعنواني أو عنوان المؤلف الموضحين بعدُ.» وأسفل هذا الخطاب كتب المدير سليم عز الدين في ٣ / ٢ / ١٩٢٩ كلمة: «يحفظ».

ومما سبق يتضح لنا أن النظام الرقابي — في ذلك الوقت — ماطَلَ المؤلِّف وسوَّفه، ووضع أمامه العراقيل لمنْعه من الحصول على الترخيص. وعندما رضخ المؤلِّف لتعليمات الرقابة — رغم عدم وجود مثل هذه التعليمات كما سيتضح لنا من خلال المسرحيات القادمة — بأن جعل الفرقة تتقدَّم بطلب الترخيص، وجدنا الرقابة تعرقل سَيْر الطلب، حتى جاء موعد التمثيل دون الحصول على الترخيص. فتأشيرة المدير بالحفظ كانت في ٣ / ٢ / ١٩٢٩، وموعد التمثيل كان في ٢ / ٢ / ١٩٢٩. مما أدَّى إلى أن الفرقة صَرَفتِ النظر عن عرض هذه المسرحية.

ولكن المؤلف لم يستسلم لهذا التعسُّف الرقابي، وتجدَّد الأمل من جديد في ظهور هذه المسرحية على خشبة المسرح. وهذا ما يُبيِّنه الخطاب التالي، وهو مِن المؤلِّف في ١٨ / ٣ / ١٩٢٩ إلى فايق طنوس الذي يرغب في تمثيل المسرحية.

«حضرة المحترم فايق أفندي طنوس، بعد التحية، بالنسبة لما جاء بخطاب النادي رقم ٤٩ المؤرَّخ ٨ الجاري نُفيد حضرتكم أننا قد صرَّحنا٢٢ لكم بتمثيل رواية «شيخ الحارة» تأليفي على شرط أن تقوموا بما تعهَّدتم به من الاستعدادات لتمثيلها، وأن يكون الغرض من ذلك مساعدة النادي فقط. فيقتضي الآن إجراء اللازم للقيام بتمثيلها بكفر الشهيد. وهذا التصريح يُعتبَر عن ليلة واحدة يجب إخطاري بتاريخها قبل بدء التمثيل بأسبوعين على الأقل. وأرجو ملاحظة عدم تغيير أي دور في الرواية من شأنه أن ينتقصها أو يعيبها ويستحسن عند اختزال أو إضافة أي جزء لها أن تفيدوني بذلك. وإني أدعو الله أن يوفِّقكم في تمثيلها وأن يَخرُج مشاهدوكم مادحين لا قادحين، مُثنِين على الاستعداد والمجهود.»

وفي يوم ٢٢ / ٦ / ١٩٢٩ أرسل وديع سلامة عن هيئة النادي الخطاب التالي: «حضرة صاحب العزة مأمور مركز ميت غمر … مقدِّمه لعزتكم أعضاء نادي الألعاب الرياضية بكفر الشهيد مركز ميت غمر دقهلية … نعرض الآتي: حيث إننا قد عزمنا بمشيئة الله على تمثيل رواية «شيخ الحارة» تأليف محمد أفندي كامل علي يوم الخميس الموافق ٤ / ٧ / ١٩٢٩ بالناحية المذكورة فنرجو التصريح لنا بتمثيلها في هذا الميعاد، وهذه الحفلة لا تتعلق بالسياسة بأي شكل كان، كما وأن أعضاء النادي ليس لهم أية علاقة بالسياسة. مع العلم بأنه سبق لنا تمثيل رواية «تاجر البندقية» في العام الماضي يوم ٥ / ٧ / ١٩٢٨ بتصريح تحت نمرة ٢٤٨٨، ولم يحصل أي خلل بالنظام … ومرفق مع هذا الرواية تصريح مؤلِّفها بالتمثيل، مع العلم أن الغرض من تمثيل هذه الرواية مساعدة النادي بالقيام بأعماله الرياضية بالبلدة، وإحياءً لفن التمثيل وأملنا الوطيد في أُبُوَّتكم إجابة طلبنا هذا، ولعزتكم الشكر على الدوام.»

ويعتبر هذا الخطاب وثيقة مهمة لنظرة أصحاب الفرق التمثيلية إلى رجال الرقابة، وما صاحب هذه النظرة من خوف وحَذَر. بدليل أن صاحب الفرقة يتوسَّل إلى مأمور المركز بكلمات تدلُّ على الاستعطاف، كما يَلفِت نظر المأمور إلى بُعد الفرقة وأعضائها عن السياسة. ولعل صاحب الفرقة عرف من المؤلِّف ظروف هذه المسرحية مع الفرقة السابقة، فأراد أن يسترحم قلوب رجال الرقابة، حتى يوافقوا له بالتمثيل.

ونلاحظ في أصل الخطاب السابق، أن مدير المطبوعات قد وضع خطًّا باللون الأحمر أسفل يوم وتاريخ٢٣ التمثيل مما يُعطي الإحساس بأن المدير يريد أن يعرقل إجراءات الحصول على الترخيص إلى ما بعد هذا التاريخ، كما سبق وأن فعل مع الفرقة السابقة. والدليل على ذلك أن في نهاية الخطاب جاءت تأشيرة المأمور، هكذا: «يبلغ للمديرية بالموافقة إذا كان مصرَّحًا بتمثيل هذه الرواية من وزارة الداخلية.» وهذه التأشيرة متناقضة! فالمأمور يُطالِب الداخلية بإفادته أولًا بأن هذه المسرحية مصرَّح بها، وبناء على هذا يوافق على النص. علمًا بأن جميع الإجراءات السابقة جاءت أصلًا من أجْل الترخيص! وهذا الإجراء بما فيه من متناقضات يؤكِّد شكَّنا بأن الرقابة — في ذلك الوقت — أرادت رفض المسرحية بصورة تعسُّفية وغير قانونية؛ لأن الإجراء السابق قام به جميع المسئولين بعد ذلك.

ففي ورقة صغيرة مرفقة توجد تأشيرة بتاريخ ٢٢ / ٦ / ١٩٢٩، من أحمد فهمي مأمور مركز ميت غمر بها الآتي: «للمديرية، ونحن نوافق على هذا الطلب إذا كان مصرَّحًا بتمثيل هذه الرواية في وزارة الداخلية وطيَّه الطلب والرواية.» ثم جاءت تأشيرة أسفلها من وكيل مدير الدقهلية في ٢٧ / ٦ / ١٩٢٩ قال فيها: «تُرسَل للوزارة لإفادتنا عن رأيها.» وبالفِعْل أرسَل مدير الدقهلية الخطاب في ١ / ٧ / ١٩٢٩.

وبعد هذا التعسُّف والمُمَاطَلة من قِبَل الرقابة، والصبر والصمود من قِبَل المؤلف، كتب الرقيب «فرنسيس» في ٦ / ٧ / ١٩٢٩ تقريرًا بالموافقة على التصريح، قال فيه: «المغزى الذي ترمي إليه هذه الرواية هو حضُّ الحكومة على تعيين أناسٍ متعلِّمين في وظائف مشايخ الحارات وأشباهها؛ نظرًا لما يُوقِعُهم فيه الجهل من الأخطاء التي تضرُّهم وتضرُّ الأهالي على السواء … وليس في الرواية مانع من التمثيل بعد حذف العبارات والمواقف المُبيَّنة في الصفحات ١٣، ١٥، ١٨، ٢٥، ٣٣، ٣٥، ٤٧، ٤٩، ٥٤، ٥٩، ٦٤، ٦٥، ٦٦، ٦٧، ٨٢، ٨٣.» مع ملاحظة أن هذه المواضع كلها عبارة عن ألفاظ السباب، الخارجة عن الذوق والآداب العامة.

ويُعتبَر هذا التقرير مفاجأة لرجال الرقابة؛ لأنهم توقَّعوا أن الرقيب سيكتب تقريرًا برفض النص بناءً على ملاحظاته السابقة، كما هو مُتَّبَع في مثل هذه الحالات. ولكن الرقيب بحسِّه المسرحي؛ لأنه أحد كُتَّاب المسرح٢٤ لم يجد في المسرحية ما يُخالِف وظيفتَه كرقيب. أو على أقل تقدير تعامَلَ مع النص ككاتب مسرحي لا كرقيب. وأمام هذه المفاجأة غير المتوقَّعة، مارستِ الرقابة مؤامرتها للمرة الثانية في وضْعِ العراقيل أمام النص بغرض مَنْعِه عن طريق التحايل، طالما أن الرقيب تمرَّد على أوامر رؤسائه ووافق على النص.

ففي يوم ٧ / ٧ / ١٩٢٩ أرسل مدير المطبوعات «سليم عز الدين» خطابًا إلى مدير الدقهلية، قال فيه: «بالنظر إلى الطلب المقدَّم من نادي الألعاب الرياضية الوارد بكتاب المديرية رقم ٤٢٣ المؤرخ ٢٧ يونية الماضي لتمثيل رواية «شيخ الحارة» المرجوُّ التنبيهُ على النادي المذكور بتقديم نسختين أخريين منها للتصديق عليهما كالمتبع.» مع العلم بأن الثلاث نسخ موجودة بالفعل في الداخلية — كما مرَّ بنا سابقًا — وكما هو ثابت من أول خطاب للمؤلف. وهذا إجراء تعسُّفي أيضًا يُضاف إلى ما سبق من أجْل عرقلة الحصول على الترخيص.

وأسفل الخطاب السابق وجدنا تأشيرة من وكيل مديرية الدقهلية بولس جورجي في ١٠ / ٧ / ١٩٢٩، قال فيها: «كفر الشهيد مركز ميت غمر والإفادة في ظرف ثلاثة أيام.» أيْ إن وكيل المديرية يريد من مدير الفرقة إرسال نسختين من الرواية أو ما شابه ذلك في ظرف ثلاثة أيام أي في يوم ١٣ / ٧ / ١٩٢٩ على الأكثر. ثم جاءت المفاجأة أسفل هذه التأشيرة، عندما وجدنا توقيع مأمور مركز ميت غمر أحمد فهمي بالاستلام في ١٢ / ٧ / ١٩٢٩. أيْ إن المأمور قد استلم الخطاب السابق في يوم ١٢ / ٧ / ١٩٢٩، أي بعد يومين من الأيام الثلاثة الممنوحة. ثم تبعًا للإجراءات سيسلم الخطاب إلى مدير الفرقة بعد ذلك أي في يوم ١٣ / ٧ / ١٩٢٩، وفي هذا اليوم ستكون المدة الممنوحة من قِبَل الداخلية لحصول النص على الترخيص، قد انتهت.

ورغم هذا لم يبلغ المأمور النادي بأي شيء، وانتظر حتى جاءت هذه الإشارة التليفونية من النادي بتاريخ ١٤ / ٧ / ١٩٢٩: «رد الإشارة بالكفر يُفيد بأن أعضاء النادي عَدَلُوا عن تمثيل الرواية لانشغالهم بالمذاكرة لحلول ميعاد امتحان اليوم الثاني وذلك أن ميعاد تمثيلها مضى وهو يوم ٤ الجاري.»

وفي نفس اليوم ١٤ / ٧ / ١٩٢٩ أرسل مأمور مركز ميت غمر إلى المديرية الآتي: «مُعاد للمديرية للإحاطة بتنازل نادي الألعاب الرياضية بكفر الشهيد عن تمثيل رواية «شيخ الحارة» للأسباب التي ذكروها بالإشارة التليفونية طيَّه فنرجو التصرف.»

وفي يوم ١٨ / ٧ / ١٩٢٩ أرسل محمود حمدي وكيل مديرية الدقهلية إلى مدير المطبوعات بالآتي: «حضرة صاحب العزة مدير المطبوعات بوزارة الداخلية … إيماءً لكتاب عزتكم نمرة ١١ / ٥ / ٤١٣ نُفيد بأن نادي الألعاب الرياضية بكفر الشهيد قد عدل عن تمثيل رواية «شيخ الحارة».»

وهكذا تنتهي سلسلة معاناة مسرحية «شيخ الحارة» مع الرقابة، برفع الراية البيضاء والاستسلام من قِبَل المؤلِّف والفرقة المسرحية أمام تعنُّت وقسوة وتعسف الرقابة وتلاعبها بالقانون ولوائحه. فعن طريق المماطلة والتسويف وعرقلة الإجراءات استطاع رجال الرقابة — في ذلك الوقت — أن يمنعوا عرض المسرحية، دون رفضها بصورة صريحة، ولكنهم رفضوها بوضع العراقيل حتى يأتي موعد التمثيل دون الحصول على الترخيص، مما جعل الفرقة تصرف النظر عنها والبحث عن غيرها. والسؤال الآن: لماذا قامتِ الرقابة بذلك؟! ولماذا أرادت منع عرض هذه المسرحية، رغم موافقة الرقيب عليها، كما رأينا؟!

figure
الحقيقة أنه من خلال قراءة هذه المسرحية وجدنا بها بعض المواضع المختلفة التي تُشير وتؤكِّد على أن المؤلِّف أرادَ إظهار الواقع بما فيه من سلبيات في مصر. كما تطرَّق إلى الحديث عن الاحتلال والوطنية وغير ذلك من الموضوعات. وهذه المواضع تُعتَبَر ممنوعة رقابيًّا؛ لأنها ضد أُولي الأمر السياسيين في مصر، على اعتبار أن رجال الرقابة هم ممثلو رجال الحكومة والسلطة في تلك الفترة، أكثر من تمثيلهم لنبض الشعب المصري. ومن هذه المواضع: الحوار الذي دار بين «عثمان» و«الباشكاتب»، الذي يُوحي بتفشِّي الرشوة بين رجال الحكومة، ومَدَى تسلُّطهم على العامة من الشعب. وذلك عندما طلب الباشكاتب من عثمان بعض العسل بشرط أن يَدفَع ثمنه، فيقول عثمان أو «شيخ الحارة»: «تِفْ من بُقَّك يا شيخ، بلا تمنه بلا ماتمانوش، أنت بتكلِّم راجل له سلطة على الرعايا بتوعه، أطلب وأنا سدَّاد.»٢٥ وعندما أراد بعض الطلبة توقيع شيخ الحارة من أجْل السماح لهم بالسفر يأتي هذا الحوار بينهم:
تلميذ نمرة ١ : وإحنا نلقاه فين دلوقت دول بيقولوا إن أعمال القرية كتيرة.
تلميذ نمرة ٢ : يعني هيا دي مسألة كبيرة. دي إمضا ودمتم.
تلميذ نمرة ٣ : إمضا ودمتم إزاي؟ مش بيتحرُّوا عن صحة البيانات اللي في الاستمارة زي ما هو مكتوب؟
تلميذ نمرة ٢ : يتحرُّوا قال! معاك نص ريال؟
تلميذ نمرة ٣ : أيوه
تلميذ نمرة ٢ : خلاص يا سيدي قُضيت. أهو دا يقوم مقام التحرِّي تغمز به شيخ الحارة. يلطَّعها لك عشرين ختم.٢٦

وبعد انتهاء المهمة، وختم الأوراق المطلوبة بعد أن دفعوا لشيخ الحارة يدور بينهم الحوار الآتي:

١ : أما راجل طمَّاع صحيح.
٣ : أما شغلة مكسبها زي القمل.
٢ : أنا قابل اشتغل شيخ حارة.
١ : أما والله يا إخواني دي شُغلة بيحطو فيها ناس جهلة وأرباحهم أكتر من واحد معاه الليسانس.
٢ : لا، واللي يغيظ أن الحكومة عارفة كده وساكتة. فيه ألف واحد واخد بكالوريا دلوقت. ومش لاقي ينقِّي سبارس.
٣ : آه يا ناري. يا ما البلد في احتياج لشوية ناس يعدلوها! كل النظام بتاعنا دلوقت بقى روبابكيا، وبرضه نتعلم بَرَّه مهما نتعلم نرجع ونلقى الوظائف شاغلينها ناس إفرنج اللي أصله جزَّار في بلاده واللي أصله صياد أسفنج. واللي بلاده ما لهش فيها عيش.
١ : ما هم ناس. شغل يا أحمد يا خويا. أديك بتشوف الواد الجريجي والمالطي بيجي يمسح جزم ولا بيشتغل جرسون. وشهر فِ التاني تبص تلقاه من ذوي الأملاك.٢٧
وفي موضع آخَر — من المسرحية — يتهكَّم المؤلف من طريقة التجنيد. فنجد أحد المجندين — بنظام القرعة — كامل اللياقة البدنية والجسدية — ويتفنَّن المؤلف في وصف قوَّتِه وحيويته … إلخ — ورغم ذلك يكتب الطبيب أنه غير لائق طبيًّا. ثم يفسر لنا المؤلف — عن طريق الرمز والإسقاط — أن الحكومة في ذلك الوقت لا تريد أن يدافع عنها الأشداء الأقوياء من أبنائها، ولكنها تريد الضعفاء والمرضى من أجْل استمرار بقاء الإنجليز في مصر.٢٨ وبالرغم من ذلك نجد الشباب المصري ممَّن وَقَع عليهم الاختيار للتجنيد يهتفون باسم مصر، متحدثين بالوطنية والاستقلال في حوار غنائي، يكشف عن هدف من أهداف المؤلف في مسرحيته، مما كان له أكبر الأثر في منع المسرحية، كما أوضحنا:
العساكر :
الوطن … الوطن
الوطن فوق الجميع
خلو بالكم من نفوسكم
وإحنا مش رايحين نضيع
امرأة :
والنبي يا جناب الكومندان
تسمحلي بنظرة لمتولي
القائد :
كلم يا متولي أمك
وكلامها أوعى يكون ترللي
امرأة :
أوصيك يابني بخدمة وطنك
خدمة تجيب الاستقلال يجري
تحيا مصر ويحيا نيلها
بحدودها من قبلي لبحري
متولي :
إزاي أسيب مجد البلاد
للأعداء ياخدوه مننا
شمر إيديك واجمد يا واد
نجود لمصر بدمنا
العساكر :
قلبنا فداكي يا مصر في
كل عصر إلى الأمام
واللي بيقول تحيا مصر
مصيره نصر … …
نساء :
… … … تمام تمام
العساكر :
عهد وقطعناه علينا
نخلي خدمتنا بشجاعة
والسلاح ماضي فِ إيدينا
القائد :
يالَّه سيروا يا جماعة٢٩
وأخيرًا نجد المؤلف يتحدث عن تفشِّي الجهل وكثرة البطالة بين المتعلِّمين في مصر وإسهام الحكومة في ذلك. وكأن المؤلف يقول: إن هذا التناقض مقصود من قِبَل رجال الحكم، وبالأخص ممَّن يُساندون الإنجليز في هذا المخطط، حتى لا تتقدَّم مصر — بفضل أبنائها المتعلِّمين — وتنال استقلالها. وهذا المعنى أوضحه حسن — المحامي — ابن «عثمان» شيخ الحارة عندما تَرَافَع عنه في المحكمة قائلًا: «ومن ذلك يا حضرات يتضح لكم أن اللوم كله واقع على الحكومة لتعيينها أمثال هؤلاء الجهلة في وظائف مهمة كوظيفة شيخ الحارة، لها من المسئولية ما لها، ثم تعود فتُنحِي باللائمة عليهم إذا ارتكبوا أمرًا مُخِلًّا بالنظام أو قصَّروا في واجباتهم. وكم في مصر من ألوف من المتعلِّمين الذين يبحثون عن كسرة الخبز فلا يجدونها. وكان أولى بالحكومة أن تأخذ منهم في جميع الوظائف التي تُسنَد إلى الجَهَلة. ولا يتم الرُّقِيُّ لأمة إلا إذا تعلَّم أفرادها.»٣٠

وتعتبر هذه المسرحية أحد النماذج الصارخة للممارسات التعسفية للرقابة المسرحية، للحيلولة بين وصول فكْر المؤلف إلى الجمهور، في ذلك الوقت. وأكبر دليل على ذلك المدة الزمنية التي استغرقتْها، وهي ما بين ١ / ١٢ / ١٩٢٨، ١٨ / ٧ / ١٩٢٩؛ أي ما يقرب من سبعة أشهر ونصف، وهي أطول فترة زمنية مرت على نص مسرحي يُنظر في أمره رقابيًّا طوال تاريخ الرقابة منذ نشأتها إلى الآن.

وفي هذه الفترة رخَّصتِ الرقابة بكمٍّ هائل من المسرحيات المترجمة والمؤلَّفة، سواء الاجتماعية أو الكوميدية.٣١ فعلى سبيل المثال رخصت لفرقة نجيب الريحاني بتمثيل «أنا وأنت»، «علشان بوسة»، «ياسمينة»، «علشان سواد عنيها»، وهي من الأنواع الكوميدية التي تدور حول شخصية كشكش بك. كما رخصت لفرقة فاطمة رشدي بتمثيل «العواطف»، «أما ليلة»، «المائدة الخضراء»، «النسر الصغير»، «يوليوس قيصر»، «ركن الزيزفون». ولفرقة رمسيس بتمثيل «البرنس جان»، «الاستعباد»، «عطيل»، «الحب المسكوفي»، «راسبوتين»، «الجيش»، «الذبائح»، «كرسي الاعتراف»، «حانة مكسيم». ويُلاحَظ على مسرحيات هذه الفترة طابع الترجمة والتعريب فيما يتعلق بالموضوعات الاجتماعية والتاريخية. أما التأليف فاقتصر على الموضوعات الكوميدية. وهذه الأنواع جميعها تتمتع بالموافقة الرقابية لبُعْدها عن الحديث أو التطرُّق إلى الواقع الاجتماعي والسياسي في مصر. وتعتبر مسرحية «شيخ الحارة» المسرحية الوحيدة المؤلَّفة في تلك الفترة، التي استطاعت الحديث عن هذا الواقع، فكان نصيبها الرفض الخَفِيَّ لا الصريح؛ كي لا تصل أفكارها إلى الشعب المصري المتعطِّش في ذلك الوقت للأفكار والكلمات التي تُنِير عقلَه وطريقَه نحوَ حياة أفضل.

مسرحية «لَبْخَتْ دكتور» ١٩٣١، لسيد الجمل

تقدَّم أحمد فريد مدير إدارة الفرقة المصرية في يوم ١٢ / ٩ / ١٩٣١ بطلب إلى مدير قلم المطبوعات بوزارة الداخلية، يُخبِره فيه برغبة الفرقة في تمثيل مسرحية «لبخت دكتور» من تأليف «سيد الجمل»٣٢ يوم ٢٤ / ٩ / ١٩٣١ على مسرح دار التمثيل العربي، ويرجوه بترخيص النص.

وفي يوم ١٤ / ٩ / ١٩٣١ كتب الرقيب محمد صادق عنبر تقريرًا بمنع الترخيص قال فيه: «اطَّلعت على هذه الرواية فإذا هي هَزْل. ولكن هزل يمسُّ العِرْض ويؤذيه، ويمس الشرف ويُدمِيه … ففي الرواية معرض للخيانة الزوجية؛ ومِن هنا كان مسُّها للعرض وإيذاؤه ظاهرًا. وفيها تجريح لكل بيئة صالحة من بيئات المجتمع المصري وهي بيئة الطب؛ لأنها تُظهِرها مظهرًا يُنافي الشرف والأمانة. على أن الرواية تكاد تكون مُقتَطَعة من رواية أخرى سبقتْها باسم «حاجة حلوة» قبل أن تُهذَّب التهذيب الذي جعلها صالحة للعرض على الجمهور؛ ولذلك أقترح على اللجنة أن تمنع تمثيل هذه الرواية منعًا باتًّا، ولها رأيُها الموفَّق.»

وفي نفس اليوم أشَّر المراجع عبد الرحمن على التقرير السابق بقوله: «تصفحتُ الرواية وأوافق على المنع، وأقرِّر أن الرواية فوق كونها ضدَّ الآداب فهي سخيفة وكلها عبث، ويَظهَر أنها مقتصة من رواية أخرى؛ إذ إن حوادثها لم تتم.» وأقرَّ مدير اللجنة «عز الدين» المنْعَ في نفس اليوم، وأرسل مدير المطبوعات الأمر لمحافظ مصر بمنع تمثيل المسرحية في ١٨ / ١٠ / ١٩٣١.٣٣

وإذا نظرنا إلى أسباب الرقيب، والمراجع في منع هذه المسرحية، نجدها تتمثَّل في أربعة أسباب هي: الخيانة الزوجية، والتعرُّض إلى بيئة الطب، وسخافة الرواية، واقتطاعها من رواية أخرى. وقَبْلَ تفنيد هذه الأسباب نُورِد ملخَّصًا يَسيرًا عن المسرحية.

فمسرحية «لبخت دكتور»، تَدُور حول طبيب يُدعَى «فؤاد»، كان يُغافِل زوجتَه بصورة دائمة للمَبِيت خارجَ المنزل مع سيدة تُدعَى «إحسان»، مبرِّرًا ذلك المبيت بزياراته الليلية للمرضى. ولكن حماته السيدة «عيشة» توجَّستْ من تصرُّفاته، فأوعزتْ لابنتها «وحيدة» — زوجة الطبيب — أن تعكِّر عليه صفْوَ الحياة. ولكن الزوجة تُخالِف تعاليمَ أمِّها بسبب حبِّها لزوجها. وفي عيادة «فؤاد» تحضر خليلته «إحسان» بمصاحبة زوجها «حمودة». الذي حضر معها — بسبب شكِّه في الأمر — لرؤية هذا الطبيب التي لا تستطيع مفارقة علاجه كل يوم. وفي هذا الوقت يدخل عليهم «لَبْخَتْ» صديق الدكتور «فؤاد» فيتوهَّم الزوج «حمودة» بأنه الدكتور المعالج، فيقتنع أنه أخطأ في شكَّه؛ لأن «لبخت» بعيدٌ كلَّ البُعد عن الوسامة أو الرومانسية، بل لا تستطيع أية امرأة أن تنظر في وجهه. فيخرج الزوج، ويحضر «فؤاد» ويتواعَد مع خليلته «إحسان» على المُقابَلَة القادمة في غرفة في بنسيون، حتى لا يراهما أحد، وتنتهي المسرحية.

ومن هذا الملخَّص نجد أن الخيانة الزوجية — وهي من أسباب رفض المسرحية — صوَّرها المؤلِّف بصورة كوميدية كاريكاتورية، لا يبغي الإشادة بها، أو التشجيع عليها — كما قال الرقيب — بل يبغي فقط الإضحاك، وهذا النوع من التأليف كان سائدًا في تلك الفترة، ومن الأدلة على ذلك مشهد بداية المسرحية:

وحيدة : (تدخل منفعلة) أما غريبة ي اخواتي … فيه حد في الدنيا يقعد برة للساعة ٧ ولا يكنش دخل بيته؟ … يا ترى كان فين؟
عيشة (تدخل) : هيه … لسه المضروب جوزك مجاش لغاية دلوقتي؟
وحيدة : لسه يا نينا.
عيشة : والله عال! … وبقى له زمان على كده؟
وحيدة : والله ما أنا عارفه.
عيشة : مش عارفه إزاي بقى؟
وحيدة : أنا بدخل في أودتي وأسكَّها عليَّ … معرفش بينزل ولا بينام.
عيشة : لانتي بتنامي في أوده وهو في أوده؟
وحيدة : أيوه يا نينا.
عيشة : والله عال على شبان اليوم! … وبقى لكم كتير على كده؟
وحيدة : من يوم متجوزت.٣٤
والحوار هنا يتسم بكوميديا الموقف، فمِن غير المعقول أن تتعجَّب زوجة طبيب من تأخُّر زوجها إلى الساعة السابعة، ومن غير المعقول أيضًا من يوم الزواج، وهي تنام في غرفة، والزوج في غرفة أخرى — رغم أنهما في سِنِّ الشباب. فالمؤلِّف أراد من هذا الموقف أن يصوِّر الزوجة المخدوعة، بصورة امرأة بَلْهَاء حتى يبرِّر للزوج الخيانة، وهذا في حدِّ ذاته درس للمجتمع المصري في تلك الفترة إذا شاهد هذه المسرحية. وأيضًا أراد المؤلف أن يصوِّر في مسرحيته الشخصية النمطية للحَمَاة المصرية الكارهة بصورة مستمرة زوج الابنة، أملًا في إضفاء روح الفُكَاهة على النص، لضمان إقبال الجمهور. وكفَى أن نعلم أن شخصية الحماة ومواقفها الكوميدية، شغلت ثُلُثَيِ المسرحية.٣٥

أما التعرُّض لمهنة الطب، وهو السبب الثاني من أسباب منع المسرحية، نقول: ما الضرر في التعرض لطبيب يصوِّره المؤلِّف بصورة رجل خائن! وهل الخيانة مقصورة على مهنة محددة دون المِهَن الأخرى؟! وبمعنًى آخَر، هل الخيانة محددة بالجهل فقط إذا اعتبر الرقيب أن الطبيب لما له من درجة علمية، لا يَجرُؤ على الخيانة حفاظًا على علمه ومركزه. بالقَطْع هذا تصوُّر محدود من قِبَل الرقيب إذا فكَّر في ذلك. فالإنسان تركيب معقَّد، والعوامل النفسية متفرِّعة ومتشابِكة، والحياة مليئة بالعديد من النماذج المرموقة علمًا ومركزًا، ومع ذلك تُقدِم على الخيانة.

أما السبب الثالث، وهو سخافة الرواية، فلم نجده بالمسرحية. والمُراجِع لتقرير الرقيب لم يُحدِّد نوع السخافة، ولم يُشِر إلى مقياس سخافة الرواية. وهل من حق الرقابة محاكمة فِكْر الكاتب وطريقة معالجته لموضوعه؟ فكان أَوْلَى بالمُراجِع مناقشة المؤلِّف في طريقة المعالجة، ويَعرِض كلٌّ من الطرفين وِجْهَةَ نَظَرِه. فمِن المؤكَّد أن المراجع قصد بالسخافة هنا، إما سخافة الموضوع، أو سخافة معالَجَة الموضوع. وبالنسبة لسخافة الموضوع لا نجدها في المسرحية، بل العكس صحيح فمِثْل هذه الموضوعات كانت مُنتَشِرة ومُحبَّبة لدى الجمهور المصري في تلك الفترة وكانت مُتدَاوَلة في جميع التياترات والصالات والمسارح. أما سخافة طريقة معالجة الموضوع فأمْرُها مكفول للمؤلِّف وحدَه، فهو خالقُها ومُبدِعُها. ولا يَحِقُّ لأية جهة مهما كانت أن تفرض عليه أسلوبًا معيَّنًا للمعالَجَة.

أما السبب الرابع، المتمثِّل في اقتطاع أو اقتصاص المسرحية من رواية أخرى باسم «حاجة حلوة». نلاحظ أن هذا المعنى غير واضح. فهل المقصود بالاقتطاع أو الاقتصاص هنا أن المسرحية جزء من رواية «حاجة حلوة»؟ … أو أن المسرحية مقتبسة منها؟ … أو أن الرواية تُعالِج نفس الموضوع؟ فإذا كان المقصود الاقتباس أو معالجة نفس الموضوع٣٦ فلا ضرر من ذلك، وهذا هو حال الكتابة المسرحية المصرية في هذه الفترة. أما إذا كان المقصود بأنها جزء من رواية «حاجة حلوة»، نقول أيضًا: ما الضرر في ذلك؟ فهناك حالات مماثِلة كثيرة٣٧ في ذلك الوقت. وكان المفروض على الرقيب أن يَذكُر صراحة أن المسرحية مسروقة من مسرحية «حاجة حلوة»، وهنا كنا وافقناه على الرفض؛ لأنه بذلك سيكون له موقف محدَّد ضد السرقة الأدبية. ولكنه بكل أسف لم يذكر ذلك صراحة. ومن المحتمل أن عدم التصريح بذلك كان بسبب تفشِّي سرقة الموضوعات المسرحية في تلك الفترة.
هذا بالإضافة إلى أن في تلك الفترة، كانت لا توجد أية ضوابط أو قوانين تحمي حق المؤلف.٣٨ وكفى أن نثبت هنا رأي الكاتب المسرحي إبراهيم رمزي، عن هذه القضية، عندما تعرَّض لها عند طبعه لمسرحيته «البدوية» للمرة الثانية، حينما قال: «لما انفرط عِقْد فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي المحامي، ظلت هذه الرواية نهبة لكل فرقة ممثِّلة في البلاد، حتى رأيتُ إعلانًا عن تمثيلها في وِجَار٣٩ «كشكش بك». وإذا ساءني من هذا الاعتداء أنهم كانوا يشوِّهون الرواية بفساد تمثيلهم … فقد سرَّني أنهم أجمعوا على أن لا يذكروا اسم المؤلِّف على صحيفة الإعلان. غير أن الحالة تستوجب عناية الحكومة … ويجب أن يكون في قوانينها شيء عن حقوق التأليف فقد أدَّى إهمال ذلك إلى العبث العظيم بالأعمال الأدبية في البلاد، وعندي أنه يجب أن يُعتَبَر مَن يطبع كتابًا بغير إذن صاحب الحق فيه، أو يمثِّل رواية بلا ترخيص من صاحبها، داخلًا في حدود السرقة … فعسى أن نرى من رجال الأدب في الحكومة مَن ينهض لتحقيق هذه الأمنية الغالية.»٤٠

هذا بالإضافة إلى أن مسرحية «حاجة حلوة» — وهي من تأليف نجيب الريحاني وبديع خيري — مثَّلتْها فرقة الريحاني في فبراير سنة ١٩٣١؛ أي قبلَ مسرحية سيد الجمل بسبعة أشهر. ومن غير المعقول أن يتقدم بها المؤلِّف (سيد الجمل) — وله الكثير من المسرحيات المؤلَّفة — وتوافق على تمثيل النص الفرقة المصرية — وهي من أكبر الفرق في تلك الفترة — على مسرح دار التمثيل العربي أكبر المسارح وأشهرها، والنص مسروق! مِمَّن؟ مِن أشهر المؤلِّفين نجيب الريحاني وبديع خيري، والمُمَثَّل من قِبَل أشهر فرقة خاصة وهي فرقة الريحاني.

ومما سبق يتضح لنا أن الرقابة رفضت هذه المسرحية بناءً على تقرير الرقيب «محمد صادق عنبر»، رغم اعتماده على أسباب رفض بعيدة كل البُعد عن قوانين ولوائح ونُظُم الرقابة. هذا بالإضافة إلى أن المسرحية خالية تمامًا من الموانع الرقابية. فمَن يقرأْها لا يَجِدْ بها أية رموز سياسية أو إسقاطات من أي نوع. بل على العكس، فموضوعها كوميدي ويتشابَه إلى حدٍّ كبير مع موضوعات المسرحيات المُرخَّص بها والمعروضة في تلك الفترة.

والسؤال الآن، ما السبب الحقيقي وراء رفض هذه المسرحية من قِبَل الرقيب؟! وأيضًا ما السِّرُّ في اعتماد الرقابة على تقرير الرقيب وموافقتها على المنع — دون دراسة أو مناقشة — رغم خلوِّ المسرحية من الموانع الرقابية المعهودة؟!

والإجابة على السؤال الثاني، تتمثل في أن الرقيب «محمد صادق عنبر» هو نفسه الكاتب والناقد والأديب محمد صادق عنبر٤١ الذي كانت مقالاته تتصدر صحف «المؤيد» و«اللواء» و«الأهرام» و«الأخبار» منذ بداية القرن الحالي. وكان يُذكر مع المويلحي وعلي يوسف وعبد العزيز جاويش والمنفلوطي وحفني ناصف وغيرهم من أعلام الأدب العربي. ومعني أن يكتب هذا الأديب تقريرًا يقول فيه إن المسرحية تستحقُّ الرفض، فيجب على الرقابة أن تُوافِقه الرأيَ دون مناقشة تَبَعًا لمَكَانَتِه الأدبية.

أما الإجابة على السؤال الأول، فتتمثَّل في أن الرقيب الأديب الناقد محمد صادق عنبر رغم إنتاجه الأدبي الغزير المتناثر بين أوراق الدوريات منذ عشرات السنين، إلا أنه عكف بما يقرب من اثنتي عشرة سنة على إتمام كتابة كتابه الوحيد «رسالة الحب والجمال: بين قيس وليلى» الصادر في عام ١٩٣٦. وهذا الكتاب وضع فيه المؤلِّف الأساس الحقيقي لفن الغزل العذري. وهذا يعني أن المؤلِّف عاش بوجدانه طَوالَ فترة إعداد الكتاب — التي دخلت في نطاقها فترة عمله كرقيب — في معبد الحب العذري، مما أثَّر على كتاباته ووجهة نظره في الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة، وبالقطع العلاقة الزوجية. ومن هذا المنطلق رفض مسرحية «لبخت دكتور» لأنها تصوِّر الخيانة الزوجية، وهدْم الحب بين الزوجين.

وعلى الرغم من إعجابنا برأي الرقيب الناقد، إلا أننا أمام لوائح ونُظُم رقابية تُحرِّم على الرقيب المساس بأسلوب معالجة المؤلِّف لعمله الإبداعي. هذا بالإضافة إلى عدم جواز الحكم على العمل المسرحي من خلال التجارب الشخصية للرقيب، أو تبعًا لذوقه الشخصي. ولكن إحقاقًا للحق فنحن نُشِيد بالرقابة في موقفها من هذا الرقيب، التي وافقتْ على تقريره دون معارضة أو مناقشة احترامًا لوجهة نظره، وأيضًا تبجيلًا لمكانته الأدبية. وهذا وإن دلَّ فإنما يدلُّ على أن الرقيب يجب أن يكون من الأُدَباء النُّقَّاد أصحاب النظرة النقدية، التي تُقيِّم العمل المسرحي تبعًا لمستواه الفني ورسالته للجمهور، بدلًا من تقييمه تبعًا لنظم ولوائح وقوانين صارمة صمَّاء.

مسرحية «الجواري في عهد هارون الرشيد» ١٩٣٤، لحسني علي الحسيني

هذه المسرحية تدور في إطار كوميدي حول مسألة بيع الجواري وتفشِّي تجارة الرقيق، في الوقت الذي تُعانِي فيه الدولة من سوء الأحوال الاقتصادية. فنجد التجار يشكون من توقُّف الحال والتجارة، وعامة الناس يشكون من الجوع والحاجة … إلخ. وفي هذا الوقت يعرض النخَّاس والدلَّال مجموعة من الجواري الحِسَان، دون جدوى من وجود المشتري. وفي نفس الوقت أيضًا يمرُّ عليهما «جحا» الذي يُعاني الجوع هو وصبيُّه. فيَعرِضان عليه فتْح المزاد على الجواري فيُوافق من باب التسلية حتى يَنسَى الجوع. فتتقدَّم كل جارية كي تُبرِز محاسنَها ومفاتِنَها وتتحدَّث عن مؤهِّلاتها. ومن خلال هذا العرض يعلم جحا حقيقة كل جارية، وكيف كانت تعيش في الماضي حُرَّة، حتى تمَّ اختطافها، وكيف تُعاني الآن من الأسْر والرِّقِّ والسجن وكبْت الحرية بما في ذلك من ذلٍّ ومهانة وعدم ديمقراطية. حتى تأتي جارية وتُخبِره بأن أمَّها أعطتْها كيسًا من النقود كي تَفدِي به نفسَها إذا وقعتْ في أسْر الرِّقِّ، ثم تعطيه هذا الكيس فيقوم بشراء كل الجواري ويُطلِق سَرَاحَهُنَّ.

وفي ديسمبر ١٩٣٤ تقدَّمت السيدة «بديعة مصابني» صاحبة الكازينو المعروف باسمها — قديمًا — بطلب لمدير المطبوعات، تطلب فيه الترخيص بتمثيل مسرحية «الجواري في عهد هارون الرشيد»٤٢ من تأليف «حسني علي الحسيني»، المحرِّر بجريدة «البلاغ». وفي ١٢ / ١٢ / ١٩٣٤ رفضتْ لجنة الرقابة الترخيص بالنص دون إبداء الأسباب.

ففي يوم ٩ / ١٢ / ١٩٣٤ أشَّر مدير المطبوعات (سليم عز الدين) على الصفحة الأولى من المسرحية قائلًا: «لجنة الرقابة في ٩ ديسمبر، حضرة أحمد بك مراد.» وفي نفس اليوم يقوم أحمد مراد بكتابة تقرير — أو على الأرجح تأشيرة — على نفس الصفحة قال فيه: «موضوع الرواية عرض بنات رقيق في سوق الدلالة ويحضر جحا ويعرض عليه الدلَّال البنات وتُعطِيه إحداهن نقودًا ليشتريها وزميلاتها وينفِّذ ذلك ويَعتِقُهُنَّ. وأرى عدم التصريح بالرواية.» مع ملاحظة أن الرقيب هنا لم يُبرِّر الرفض ولم يُعدِّد الأسباب كما هو مُتَّبَع.

figure
وفي يوم ١٣ / ١٢ / ١٩٣٤ كتب المؤلِّف حسني علي الحسيني تظلُّمًا إلى رئيس لجنة الرقابة الأدبية٤٣ بوزارة الداخلية، قال فيه: «حضرة صاحب العزة رئيس لجنة الرقابة الأدبية بوزارة الداخلية، يتشرَّف حسني علي الحسيني المحرِّر بجريدة البلاغ برفع مظلمته التالية لعزتكم: كلنا يعلم يا صاحب العزة أن الرقيق الأبيض من شَرِّ الآفات التي مُنِيَتْ بها الأمم. ومصر ولله الحمد في مأمن من تلك التجارة المرذولة. وحدث يا صاحب العزة أن قدَّمتُ لفرقة السيدة بديعة رواية باسم «الجواري في عهد هارون الرشيد» استعرضتُ فيها تجارة الرقيق وأعلنتُ عليها حربًا شعواء، وأظهرتُ للمتفرِّج أن تلك التجارة التي لاتزال كثير من الصحف والمجلات تأتي على وصْف الكثير من حوادثها ما هي إلا وحشية مجسَّمة ورذيلة من أخطر الرذائل، ولما عرضتُ الرواية على لجنة الرقابة في جلستها الماضية المنعقدة بتاريخ ١٢ / ١٢ / ١٩٣٤ قررتْ رفضَ هذه الرواية دون الاطِّلاع على موضوعها أو إبداء الأسباب. ولما كانت دُور السينما المختلِفة قد عَرَضَتْ كثيرًا من أمثال هذا الموضوع وكان آخِر تلك الدُّور دار سينما متروبول وقد عرضتْ فيلمًا عنوانه «سن سن شو» أو «علي بابا والأربعين حرامي» وقد تضمَّن سوقًا لبيع الجواري وشاهدنا علي بابا نفسَه يَبتَاع بعضَ الجواري. وقد عُرِضَتْ هذه الرواية ولا شك على اللجنة قبلَ التصريح بعَرْضها؛ فلهذا يا صاحب العزة أرجو عرض هذه المظلمة على اللجنة في جلستها المُقبِلة وتكليف مَن تَرَوْن عزتكم بقراءة موضوع روايتي وعرض موضوعها على اللجنة.»
وعلى الرغم من أن تظلُّم المؤلِّف كان في يوم ١٣ / ١٢ / ١٩٣٤ إلا أن مدير الرقابة لم يلْتَفِت إليه ولم يَعرِضه على اللجنة، وكأن الرفض نهائي دون أي استئناف. والدليل على ذلك أن جميع التأشيرات على الصفحة الأولى من النص — أو على الوثائق المصاحِبة للنص — تؤكِّد الرَّفْض دون إبداء الأسباب. وآخِر تاريخ لها كان في ١٣ / ١٢ / ١٩٣٤؛ أي نفس يوم كتابة التظلُّم، الذي يؤكِّد أن هناك لجنة أخرى ستنعقد قريبًا؛ أي بعد يوم ١٣ / ١٢ / ١٩٣٤.٤٤
figure

وبالكشف عن هذه المسرحية في الدوريات المصرية، في ديسمبر ١٩٣١ وما بعد هذا التاريخ، لم نَجِد لها أي عرض تمثيلي، مما يؤكِّد أن الرفض كان بصورة نهائية. ورغم عدم إبداء أسباب الرفض من قِبَل الرقابة، إلا أن بقراءة المسرحية، اتَّضَح لنا أن المؤلِّف ضمَّن مسرحيته بعض الرموز والإسقاطات المعاصِرَة فيما يتعلَّق بالحالة الاقتصادية والاجتماعية السيئة في مصر في ذلك الوقت.

وهذه الرموز والإسقاطات كانت سافرة، رغم محاولة المؤلف مواراتَها بأن جَعَل الأحداث تدور في عصر هارون الرشيد. ورغم ذلك لم نجد أية إشارة تدل على هذا الزمن إلا من خلال شخصية «جحا» الصالحة لكل زمان ومكان. فمِن المؤكَّد أن لجنة الرقابة رفضتِ المسرحية بسبب خشيتها من فهْم الموضوع على أنه صورة من صور الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر في ذلك الوقت. فقد أوضح المؤلِّف أن الشعب يُعاني من الفقر والجوع، كما رمز بتجارة الرقيق وتحكُّم النخَّاسين في الأحرار بوجود الإنجليز في مصر وتحكُّمهم في الشعب المصري. أيْ إن النخاس هو الاحتلال الإنجليزي والرقيق هم الشعب المصري. كما أن المؤلف يأمل بظهور الرجل الشجاع الذي يُخلِّص الشعب المصري من ذلِّ العبيد، أو من الاستعمار الإنجليزي، ويرمز له بالشخصية الشعبية «جحا». أيْ إنه يريد أن يَظهَر المخلِّص من عامة الشعب المصري. ويكفي أن ندلِّل على ذلك بكلمات لَحْن ختام المسرحية بعد أن حصلت الجواري على حرياتهن:

زغردي يا ختي أنت وهي
دي قيود الأسر انفكت
ورجعنا للحرية
وببان الذل انسكت
والنور لقيناه
بعد ما فُتْناه
انعتقنا م السلاسل
واتفردنا
أصل جحجح شهم باسل
جه نجدنا
يسلم دراعك يا جحا
الله يزيدك بحبحه
الرقيق دا نكبة سودة
ضد تحرير النفوس
عصرنا دلوقت مودة
عصر نيِّر مش عبوس
عصر المدنية
والاختراعات
ضد الوحشية
والهمجيات٤٥

وهكذا وقفت الرقابة بالمرصاد ضد فكر المؤلف، كي لا يصل إلى الجمهور. أيْ إن الرقابة — الممثِّلة لرجال السلطة والاستعمار — أرادت تغييب الشعب المصري — في تلك الفترة — عن سلبيات واقِعِه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إرضاءً لأصحاب النفوذ.

وكانت الرقابة في ذلك الوقت ترخِّص وتوافِق على الموضوعات الكوميدية المُسِفَّة، التي تُعرَض على مسارح الصالات والكباريهات في شارع عماد الدين وروض الفرج. ففي ديسمبر ١٩٣٤ — نفس فترة رفض هذه المسرحية — وافقتِ الرقابة على عرض مسرحيات «ارمي بياضك»، «برج الوفاق»، «مبروك»، «اللي في حاله» لصالة ببا عز الدين. وعلى «تعداد العزاب» لصالة رتيبة وإنصاف رشدي.٤٦

مسرحية «نيران» ١٩٣٥، لسيد الجمل

في يوم ١٩ / ١ / ١٩٣٥ أتم «سيد الجمل» تأليف رواية «نيران»،٤٧ ثم تقدَّم في ٢١ / ١ / ١٩٣٥ — كنائب مدير معهد التمثيل الشرقي — لمدير إدارة المطبوعات يطلب الترخيص بتمثيل الرواية في الحفلة الخاصة بمدرسة الأمة. وفي يوم ١٨ / ٢ / ١٩٣٥ تقدَّم ناظر المدرسة بطلب لمدير إدارة المطبوعات، ليحدِّد له الفرقة، وهي «فرقة معهد التمثيل الشرقي»، وأيضًا موعد الحفلة، وهو السبت الموافق ٢ / ٣ / ١٩٣٥.
figure

وتُعتَبَر هذه المسرحية — بما يُصاحِبها من مستندات رقابية — تطوُّرًا مُهِمًّا في نظم الرقابة في عِدَّة أمور. فلأوَّل مرة نشاهد مُلخَّصًا عن الرواية يقدِّمه المؤلِّف ضمن مستندات الترخيص. وهذا الإجراء من الأساليب الحديثة للرقابة، بدليل ذكر ذلك في خطاب ناظر المدرسة — السابق — عندما قال: «نرجو التصريح لنا بتمثيل رواية «نيران» المُرفَقة طيَّه من ثلاث نسخ على الآلة الكاتبة وملخَّص عنها.»

وفي يوم ٢٤ / ٢ / ١٩٣٥ كتب الرقيب — الناقد — «عباس حافظ»٤٨ تقريرًا برفض الترخيص — يُعَدُّ من التقارير المُهِمَّة في تطوُّر نُظُم الرقابة فيما يختص بمَلَكات الرقيب النقدية — قال فيه: «قرأتُ هذه الرواية بل صبرتُ على قراءتها إلى النهاية. وهي رياضة نفسية عنيفة واحتمال تجربة قاسية؛ لأن الرواية من الصفحات الأولى تكشِف عن ضعفٍ بالِغٍ وركاكة ظاهرة في كل موضع. ولستُ أدري هل أراد واضعُها مغزًى اجتماعيًّا منها ثم توخَّاه. أم أراد أن يختلق حوادث ويفتعل مناظر ويلفِّق رواية من ها هنا وها هنا؛ لأن المغزى فيها — إنْ تجاوزتُ في هذا التعبير — ضائع، بل يكاد يكون بالرواية نفسِها معكوسًا على ذاته، منقلبًا على محوره … الرواية على هذا النحو تُعطِي مثلًا سيِّئًا ولا تُعطي مثلًا صالحًا. ثم هي مع العيوب التي ذكرتُها تَفقِد العُقْدة الروائية والحبكة المسرحية والتصوير المتَّفِق مع الأشخاص والحوادث. فإن كان المراد من رقابة الروايات الاطمئنان المجرَّد إلى خلوِّها من أية فكرة خَطِرة على الأمن أو على النظام الاجتماعي فهذه من ذلك كله خالية. ولا مانع مِن ردِّها إلى المؤلِّف ليُعالِج إصلاحَها إنِ استطاع. وإن كان غرض الرقابة على سلامة ما يُقدَّم إلى الجمهور والمخافة على ذوقه من الإفساد وحمايته من أن تكون تجارب المؤلِّفين المبتذلين على حسابه فلستُ أرى وجْهًا لإقرار هذه الرواية بحال.»٤٩

وهذا التقرير — كما أسلفنا — يُعتبَر وثيقةً مُهِمَّةً لنُظُم الرقابة لما احتوى عليه من روح نقدية، وبنود رقابية تقدُّمية. فلأوَّل مرَّة نَجِد الرقيب يبحث عن المغزى والمضمون، قبلَ أن يبحث عن الموانع الرقابية. هذا فضلًا عن ذكره وبحثه في مصطلحات النقد المسرحي، مثل العُقْدة والحَبْكة والتصوير … إلخ.

وأهم ما يُميِّز هذا الرقيب الناقد، تفهُّمه الواعي لدَوْر الرقابة. فهو لا يطبق نصوص القانون بصورة عمياء — كما يفعل معظم الرقباء — بل نجده يُطبِّق رُوحَ القانون. فهو يعلم كل العلم أن الأساس الأول والأخير في مراقبة الرواية، هو خلوُّها من الأفكار الخَطِرة على الأمن والمجتمع. والرواية بالفعل خالية من ذلك. ومن هنا يقترح اقتراحًا، يتمثَّل في ردِّ الرواية — إذا كان بها خَطَر على الأمن العام والمجتمع — للمؤلف ليُصلِح ما فيها من موانع رقابية إذا أراد الحصول على الترخيص. ولا يعلم الرقيب — في ذلك الوقت — أن هذا الاقتراح أصبح من التعليمات والنظم الأساسية للرقابة على المصنَّفات الفنية في وقتنا الحاضر.

figure

وتبلغ الجرأة برقيبنا الناقد أن يوجِّه أنظار المسئولين على رقابة الروايات، إلى أن الهَدَف من الرقابة ليس المحافظة على الأمن العام والمجتمع — كما هو معروف ومتَّبع من قِبَل جميع الرقباء — بقدْر المحافظة على سلامة الذوق الفني عند الجمهور، فيما يتلقَّاه من فنون مسرحية. وأمام إيمانه بهذه الحقيقة يرفض الترخيص بتمثيل المسرحية.

ومن نُظُم الرقابة المعروفة في تلك الفترة، كتابة تقرير واحد من قِبَل الرقيب على النص المسرحي ثم تأشيرة المراجع عليه. ولكن في هذه المسرحية وجدنا تقريرين، أحدهما للرقيب «عباس حافظ» — السابق — والآخر للرقيب «فرنسيس شفتشي» بتاريخ ٢٤ / ٢ / ١٩٣٥ الذي أكَّد على رفْض الترخيص أيضًا. ومن هنا نجد أن الرقابة قامتْ بتطورات كبيرة في نُظُمها ولوائحها، متَّخِذة هذه الرواية بداية لهذا التطور.

وأهم ما يُميِّز تقرير الرقيب «فرنسيس»، أنه يمثِّل التقارير التقليدية، الباحثة عن الموانع الرقابية في المقام الأول. أيْ إن الرقيب فرنسيس كان يمثل صورة الرقيب التقليدي في تطبيق النظم واللوائح بصورة صارمة،٥٠ بعيدة كل البُعْد عن الروح النقدية، الموجودة في تقرير الرقيب «عباس حافظ». فقد جاء في تقريره: «هذه الرواية فضلًا عما يشوبها من ارتباك وخلط ولغو لا يُستطاع من حيث مغزاها وأغراضها وَصْفُها بأكثر من أنها بؤرة موبقات وكشكول للأخلاق الساقطة التي حاول المؤلف — في غير براعة — أن يُزجِيها إلى أذهان الجمهور منتحلًا كحجة له في ذلك تمثيل الدعارة لاتخاذ العبرة مما تشتمل عليه من قُبْح وإباحية واستهتار أو تنبيه الآباء — على زعمه — إلى ضرر مَنْح الحرية لفتياتهم. وهذه النغمة التي أَلِفْناها في المطبوعات من أمثال هذا المؤلف أضْحَتْ ممجوجة لكثرة ما حَفِيَتْ بها أقلامهم فضلًا عن أن نقد الفضائح لا يستلزم إبرازها على المسرح في شكلها المعيب.»٥١

وأمام ما جاء بالتقررين اجتمعتِ اللجنة، ووافقتْ على الرفض بتاريخ ٢٧ / ٢ / ١٩٣٥، وأرسل مدير المطبوعات الأمر لمحافظ العاصمة بمراقبة منْع تمثيل المسرحية في ٢ / ٣ / ١٩٣٥.

والمسرحية تدور حول «عنايات» ابنة أحد الباشوات، التي تفرِّط في عفافِها مع «سمير» ذلك الوَجِيه المزيَّف، مما ينتج عن ذلك جنين ينمو في أحشائها. وتمرُّ الأحداث ونعلم أن «سمير» ما هو إلا أحد اللصوص. وبعد أن تَكتَشِف «عنايات» ذلك، يُوهِمها «سمير» بالهرب معه ليتزوَّجا بعيدًا عن والدها، بعد أن تقوم بسرقة ما في خزانة والدها بإيعاز من «سمير»، ويعلم الباشا بكل ذلك فيموت من هَوْل الصدمة. وتمرُّ الأحداث وفي الريف حيث يعيش «سمير» مُطارَدًا من قِبَل البوليس يتنكَّر من «عنايات» التي أُعجِب بها ابن عمدة البلدة، ولكن العمدة يَقِف حائلًا دون زواج ابنه من هذه الساقطة، بعد أن عَرَف عنها كل شيء. وفي أثناء ذلك يحضر إلى البلدة الريفية «رأفت» ابن خالة «عنايات» في مَهَمَّة زراعية، وعندما يرى «عنايات»، يُصمِّم على مساعدتها، وبالفعل ينجح في ذلك، بأنْ زوَّجَها لمُدِيره في المصلحة، بعد أن تزوَّج هو من ابنة هذا المدير.

figure
الصفحة الأولى من مخطوطة المسرحية.

وعلى الرغم من أهمية الوثائق الرقابية لهذه المسرحية، إلا أنها ابتعدتْ عن تطبيق القواعد المعمول بها في النظم الرقابية. فبشهادة الرقيب عباس حافظ، وجدنا أن المسرحية خالية من الموانع الرقابية، ورغم ذلك تم الإجماع على رفضها. وربما يتوهَّم القارئ أن هذا الإجماع جاء إرضاءً لوجهة نظر الرقيب النقدية. ولكن الحقيقة أن الرقابة وجدتْ أن الأفضل لها الاعتماد على وجهة نظر الرقيب — البعيدة عن تطبيق قانون الرقابة فيما يتعلق بالموانع الرقابية — من أن تطبق قوانينها الصارمة، التي لا تحرم أسلوب معالجة المؤلف المسرحي فيما يتعرض له من موضوعات؛ لأن المسرحية تتعرض إلى الأُسَر الراقية من طبقة الباشوات، فيما يتعلق بتربية بناتهن، وما يُصاحِب هذه التربية من بعض التسيُّب وعدم التمسك بالتقاليد والأعراف الاجتماعية في بعض الأحيان. وهذا هو السبب الحقيقي وراء رفض المسرحية.

figure
صفحة غلاف مخطوطة المسرحية.

مسرحية «الزعيم» ١٩٣٦، لأحمد يوسف

في يوم ١ / ١ / ١٩٣٦ تقدَّم «أحمد يوسف»٥٢ مؤلِّف مسرحية «الزعيم» بطَلَب لمحافظ الإسكندرية، يطلب فيه الترخيص بتمثيل المسرحية من قِبَل الفِرْقة التمثيلية لرابطة هواة فن التفريغ بالإسكندرية، على مسرح نادي موظفي الحكومة في ٢٦ / ٣ / ١٩٣٦. وفي يوم ٣ / ٢ / ١٩٣٦ أرسل المحافظ مذكرة بهذا الشأن لمدير عموم الأمن العام بوزارة الداخلية.
figure

وفي يوم ٨ / ٢ / ١٩٣٦ كتب أحَد الرقيبين — بتوقيع غير واضح — تقريرًا بمنْع المسرحية، اختتمَهُ بقوله: «… والرواية سياسية، كلُّها تعريضٌ بالحالة السياسية في مصر، وأقترح عدم الترخيص بها؛ لأنها صوَّرتْ زعماءنا السياسيين بالاستهتار بالآداب العامة إلى حدِّ التَّمادِي في سبيل شهواتهم الذاتية، ولا أدري لمَن هذه صفاتهم أن يُقيموا وزنًا لشئون بلادهم العامة.»

وفي اليوم التالي الموافق ٩ / ٢ / ١٩٣٦ كتب الرقيب الناقد «عباس حافظ» تقريرًا بمنع الترخيص أيضًا، قال فيه: «لستُ أدري ما سِرُّ الحُمَّى التي تولَّتِ الكُتَّاب الذين يَضَعون روايات للمسرح في الأيام الأخيرة. فهذه ثالث رواية أقرؤها تَدُور حول الزعامة السياسية في مصر. وأظن أن هذه الأخيرة «الزعيم» قد دخلتْ في موضوع دقيق للغاية؛ لأن المؤلف يريد أن يصوِّر فيها زعيم حزب الأكثرية — ويُعطِيه في الرواية من الألقاب التي تُعطَى له فعلًا في الحياة العامة كلقب «الرئيس الجليل» — كما أنه عنَّ إلى تصوير الخلافات الحزبية متحدثًا عن الخَوَنة والمنشقِّين وأعداء الوطن والذين يبيعون الذِّمَم حتى من «أعضاء البرلمان». ولو كان الموضوع في ذاته حسنًا لما كان لنا اعتراض على الرواية، ولكن الحُمَّى الخامرة التي جعلتِ المؤلِّفين يصوِّرون الزعامة تصويرًا لا يتفق مع الاحترام الواجب لها والشخصية الخالية من المغامز والعيوب، قد حَدَتْ بهذا الكاتب إلى تصوير بطل الرواية — زعيم الأكثرية — في صورة غير لائقة؛ إذ جعله في الفصل الأول محاميًا في الأصل يهجر امرأتَه بل يُطلِّقها ويطردها من بيته هي وابنه الصغير منها؛ لأنه يعشق راقصة. ثم جعله في الفصل الثاني بعدَ خمسة عشر عامًا من حوادث الفصل الأول يتزوَّج بتلك الراقصة ويتضح له أخيرًا أنها تخونه مع ابنه من الزوجة المطلَّقة! … هذا كلام فارغ، وموضوعات لا يليق عَرضُها على الجمهور في المسارح، وأنا أوجِّه النظر إلى الصفحات ١٩، ٢٠، ٢٣، ٢٤، ٣٤ على الأخص، وهناك تأشيرات في صفحات أخرى مُعلَّمة بالأحمر … ولا يمكن السماح برواية كهذه مطلقًا.»

وفي نفس اليوم يؤشِّر سليم عز الدين مدير المطبوعات على التقرير السابق بقوله: «أرى عدم التصريح، ومع ذلك فللَّجنة الرأي الأصوب.» وبالفعل تجتمع اللجنة وتقرِّر المنْع برقم ٣٧ في ١٥ / ٢ / ١٩٣٦، وترسل إلى محافظ الإسكندرية مذكرة بهذا الشأن في نفس اليوم.٥٣
figure
صورة تقرير الرقيب عباس حافظ.
figure
صورة قرار منْع المسرحية.

والمسرحية تدور حول المحامي الكبير «جلال»، وبسبب كثرة أعمالِه وتغيُّبه المستمر خارج البيت، تُطارده زوجته «أمينة» بأسئلتها اليومية … أين كنتَ؟ ولماذا تأخَّرتَ؟ … إلخ. ومن هنا تدخل حياتَه الراقصةُ «سميرة» حتى يَقَع في حبِّها. وتمرُّ الأحداث وتعلم الزوجة، التي تُواجِهه بالأمر، فتثور ثورتُه ويُطلِّقها ويطردها هي وابنه «فؤاد»، ثم يتزوَّج من الراقصة «سميرة». وبعد مرور خمسة عشر عامًا يصبح «جلال» زعيم حزب الفلاح، ومن أبرز الزعماء السياسيين في مصر. وبسبب هذه المكانة المرموقة، تحاول إحدى شركات الاحتكار الأجنبية رشوته لإتمام مشروعها في مصر. وأمام وطنية هذا الزعيم يرفض الرشوة، ويقف حيال إتمام هذا المشروع بالمرصاد. وتنجح الشركة في إقامة علاقة مفتَعَلة بين «سميرة» زوجة «جلال»، وبين ابنه «فؤاد» من مطلقته «أمينة». وتنشر الشركة قصة هذه العلاقة مع ماضي «جلال» في الصُّحف لتزعزِع مكانته السياسية، وتنتَقِم منه. ويعلم «جلال» بذلك فيُطلِّق «سميرة» ويعود إلى «أمينة» وابنه «فؤاد»، في الوقت الذي يقف بجانبه الشعب المصري، ويموت «جلال» في النهاية وسط تشجيع الجمهور، وتعضيد الصحف لموقفه الوطني.

وإذا أردنا مناقشة تقارير الرقباء ولجنة رفض الترخيص، سنجد أنها استندت إلى صورة هذا الزعيم العائلية، أكثر من استنادها لصورته السياسية، وهي الأهم. وأمام ذلك نقول: ما الضرر في عشق محامٍ لراقصة، ثم تطليقه لزوجته، ثم زواجه من الراقصة، ثم ندمه على ذلك فيطلق الراقصة، ويُعيد الزوجة الأولى؟ وبمعنًى آخَر: هل هذا المحامي — بما مرَّ به من ظروف اجتماعية — إذا استمر في المحاماة، ولم يصبح من الزعماء السياسيين كانت المسرحية نالت الترخيص؟ فمِن العجب أن أسباب المنْع تحددت حول الحياة الاجتماعية لرئيس حزب الفلاح، ووجدت الرقابة أن هذا النموذج خطر على الأمن العام والآداب العامة. وكأن من المفروض في المعالجات الدرامية أن يلتزم المؤلف بتغليف حياة السياسيين بغلاف من المُثُل والفضيلة، باعتبار أن هؤلاء السياسيين من نوع بشري خاص.

والحقيقة أن الرقيبين أوْرَدَا في تقريرهما مُلخَّصًا، يُخالِف موضوع المسرحية. فقد اعتمدا كل الاعتماد على حياة ذلك الزعيم الاجتماعية، بقصْد تشويه صورة المعالَجة الدرامية لهذا الزعيم — من قِبَل المؤلف — حتى تقتنع اللجنة برفض النص. فعلى سبيل المثال لم يذكر أي رقيب أن هذا الزعيم كانت له من الأسباب، ما جعله يعشق الراقصة.٥٤ هذا فضلًا عن ندمه الشديد بعد طلاقه لزوجته الأولى، ومحاولته للحديث معها بعد ذلك أملًا في رجوعها،٥٥ وأيضًا رد هذه الزوجة بعد مرور الوقت عندما عرفت الحقيقة، بأن الراقصة كانت دسيسة عليه من قِبَل خصومه السياسيين.٥٦ كل هذه الأمور تَغافَل عنها — وعن قصد — الرقيبان. وأقول: عن قصد؛ لأن المسرحية بمضمونها الحقيقي — إذا مُثِّلتْ — تُعَدُّ مثلًا حيًّا يُقتدى به من قِبَل الجمهور المصري عامة، والمشتغلين بالسياسة خاصة.

والحق يُقال، بأن المؤلف أعطى السلاح للرقيبين لمهاجمة النص ومنعه، بتصوير الزعيم السياسي وصلته المشينة بالراقصة. ولعل المؤلف أراد بذلك أن يرمز إلى أحد زعماء الأحزاب الحقيقيين في ذلك الوقت، بدليل قول الرقيب الأول في تقريره: «والرواية سياسية … كلها تعريض بالحالة السياسية في مصر.»

والسؤال الآن، لماذا تَغَافَل الرقيبان وأيضًا لجنة الرفض، وكل المسئولين في الرقابة — في تلك الفترة — عن الحقائق الاجتماعية التي تُفنِّد وتُعارِض أسباب الرفض الاجتماعية الموجودة بتقريري الرقيبين؟

والإجابة تكمن في نص المسرحية؛ لأن بها من الموانع الرقابية السياسية الكثير، الذي ليس من شأنه منع المسرحية فقط، بل ومحاكمة المؤلف عليها، إذا نظرنا إلى المسرحية من خلال منظور الرقابة في تلك الفترة. ولكن لا يستطيع أي رقيب أن يكشف ذلك ويمنع بسببه النص، وإلا سيُتَّهم بالخيانة وعدم الوطنية. فمن غير المعقول أن يُصرح بمسرحية — تُعرَض على الجمهور المصري في تلك الفترة — وهي تتحدث عن: بيع الوطن للأجانب، وعن الفساد، والرشوة، وشركات الاحتكار الأجنبية في مصر، وبيع حقوق المصريين للأجانب، وخيانة بعض الزعماء السياسيين في سبيل إرضاء الأجانب، ورشوة الأجانب لبعض أعضاء البرلمان، ومنع إقامة المشروعات الأجنبية في مصر، والدعوة لتحرير الشعب المصري من عبوديته للأجانب، ورفض استعباد وحماية وتدخل الأجانب في شئون مصر، والدعوة للضربة القاضية على رءوس الأعداء … إلخ هذه الموضوعات.٥٧
والدلائل — في المسرحية — على ذلك كثيرة، منها موقف «جلال» عندما رفض رشوة شركة الاحتكار نَجِدُه يقول لمندوب الشركة: «ثمن الوطن أغلى من كل شيء … لا يمكن لثروة العالم كله إنها تشتري مني شبرًا واحدًا … مصر اللي اشتراها أجدادنا بأرواحهم … مصر اللي روى أرضها آباؤنا بدمائهم الذكية … واللي كل حجر فيها يحدثك عن شهيد استُشهد في الدفاع عنها وعن حريتها … يستحيل إننا نبيعها بأبخس الأثمان … من أجْل عَرَض زائل ومعدن حقير.»٥٨
وعندما يتحدث عن بعض المصريين المرتشين، يقول: «دول خَوَنة، يستحيل إنهم يكونوا مصريين … لا بد أن الدم الأجنبي بيجري في عروقهم؛ لأن المصري الصميم يستحيل أنه يفرط في حقوق بلاده.»٥٩
وعندما يتحدث عن مشروع شركة الاحتكار يقول للمندوب: «… من المحال أن نأمن لكم ونترككم لتزرعوا في أرضنا جراثيم مشروعكم الخبيث ليعود علينا وعلى أولادنا من بعدنا بالويل والأهوال.»٦٠
وعندما يهدده مندوب الشركة بزعزعة مركزه، ومركز حزبه السياسي، يقول: «ما هذا إلا وَهْم من أوهامكم … لأن حزب الفلاح أقوى حزب؛ لأنه قام على حق، وكل ما قام على حق فهو حق … والشعب كله يعرف مبادئ حزبنا ويقدسها، فهي عنده بعد الدِّين دِين … فلن تُؤثِّر فضائحكم الكاذبة فينا … ولن يؤثر اختلاقكم ووشاية بعض المعارضين والناقمين علينا من الرءوس الأجنبية وطالبي الاحتكارات بسفالتهم على مكانتنا.»٦١
وعندما يتحدث مع زوجته عن دوره السياسي، يقول: «… الشعب الوادع الأمين الذي ناء منذ أجيال تحت ظُلْم الغُزاة وانكتم نَفَسُه تحت ضغط رقِّ الأجانب بأنوَّر له طريقه نحو المجد والعظمة … نحو الاستقلال والسعادة.»٦٢ وفي موضع آخَر يقول: «… يجب أن نقدم على التخلص من كل ذلك … لا استعباد … لا استعمار … لا حماية … لا تدخُّل لأحد في شئوننا … هذا ما نريد الحصول عليه، ولا بد من الحصول عليه، ولأجْل أن نَصِل إلى غايتنا النبيلة يجب أن نعمل بجد.»٦٣

والأقوال السابقة نُثبِتها على سبيل المثال لا الحصر — فالمسرحية مكتظَّة بالأقوال الكثيرة أمثال ما قدمنا — وكل ذلك كفيل بمنع المسرحية — من قِبَل الرقابة — والتذرُّع بأسباب واهية تُرضِي الرقابة ورجال الحُكْم، وتغلق أفواه الكُتَّاب. أيْ إن الرقابة وقفت — كعادتها في هذا الوقت — حائلًا بين فِكْر الكاتب وبين الجمهور المصري. وعملت في صالح رجال السياسة، أكثر من عملها في صالح الشعب.

مسرحية «البروفة» ١٩٣٦، لعثمان حمدي

في أواخر مايو ١٩٣٦ تقدَّم نادي الموظفين للتمثيل والموسيقى والأدب بدمنهور بطلب لمدير المطبوعات من أجْل التصريح له بتمثيل مسرحية «البروفة»٦٤ لعثمان حمدي.
figure

وأحداث المسرحية تدور في مكتب وزير الحقانية، الذي يقوم بتجهيز مذكرة بشأن قانون الصحافة الجديد، لعرضها على مجلس الوزراء الذي سينعقد بعد دقائق معدودة. وفي نفس اللحظة يدخل عليه الخادم ليخبره بأن هناك شابًّا يلبس ملابس تشخيصية (تمثيلية) يريد مقابلته. فيوافق الوزير، ويدخل الشاب الذي يمسك بسيف يشهره في وجْهِ الوزير ويتَّهِمه بالخيانة والمتاجرة بالقوانين ضد الشعب … إلخ هذه الاتهامات. وهنا يطلب الوزير من الخادم القبض على هذا الشاب المجنون. ولكن الشاب يُغيِّر من لهجته وتصرفاته الجنونية ويطلب بهدوء من الوزير أن يصرف الخادم ليتحدَّث معه في أمرٍ مُهِمٍّ. وأمام هذا التغيير المفاجئ يأمر الوزير الخادم بالانصراف، فيشرح الشاب الموقف بجدِّيَّة قائلًا: إنه شاب يهوى التمثيل، وقد جاءتْه الفرصة لتمثيل دور وزير، وضمن المشاهد المطلوبة منه تمثيل دور الوزير بعد أن يُوجِّه له أحَدُ الشُّبَّان الإهانات المتلاحقة. فأراد أن يَرَى ذلك الموقف على الحقيقة، فقام بما قام به منذ لحظات. أما لماذا اختار وزير الحقانية بالذات؛ ذلك لأنه أفضل وزير من وجهة نظره. فيفهم الوزير الموقف ويشكر الشاب على حُسْن إتقانه للتمثيل، ويشكر الشاب بدوره الوزير على تشجيعه للتمثيل. وتنتهي المسرحية بالمصافحة بين الوزير والممثل.

وفي يوم ٢٦ / ٥ / ١٩٣٦ كتب الرقيب «أحمد الفقي» تقريرًا بالموافقة على تمثيل المسرحية بشرط استبدال شخصية الوزير، قائلًا: «… وأرَى أن تُستبدَل شخصية الوزير بشخصية أخرى؛ لأنه لا يَلِيق مطلقًا أن يوجَّه للوزير ما وجَّهَه الممثِّل من العبارات المذكورة بهذه القطعة وبدون ذلك لا يجوز التصريح.»

وفي نفس اليوم كتب الرقيب «علي شافعي» تقريرًا بالموافقة على الترخيص بدون أية ملاحظات. ولكن مدير المطبوعات «سليم عز الدين» أشَّر على تقرير الرقيب «على شافعي» بتأشيرة قال فيها: «أرى تغيير شخصية الوزير ويستحسن وضع لقب «الحاكم» بدل الوزير وبغير ذلك لا يُصرَّح.»

figure

وإذا نظرنا إلى شرط الرقيب أحمد الفقي سنجده منطقيًّا من وجهة نظر الرقابة. أيْ أن تستبدل شخصية الوزير بشخصية أخرى. فمن الممكن أن تكون شخصية مدير مصلحة حكومية أو رئيس ديوان أو … إلخ من هذه الشخصيات. أما طلب مدير المطبوعات بأن تستبدل شخصية الوزير بشخصية الحاكم، فهذا أمر غير منطقي! فهل المدير يريد حماية وزير الحقانية من الإهانات الموجَّهة له من الممثِّل، ولا يريد حماية الحاكم منها؟! ومن المؤكد أن مدير المطبوعات يريد السخرية من المؤلف، أو يريد رفض المسرحية بصورة تهكمية. والدليل على ذلك أن المؤلف — من المؤكد — رفض استبدال شخصية الوزير بشخصية الحاكم؛ لأن المسرحية رُفضت من قِبَل الرقابة بتاريخ ١٠ / ٦ / ١٩٣٦، واقتراح تبديل الشخصية كان في ٢٦ / ٥ / ١٩٣٦.

وبقراءة المسرحية اتضح لنا أن الرفض جاء بسبب خوف الرقابة من فكرة المسرحية — رغم طرافتها — على أنها تتحدث عن الواقع في مصر بصفة عامة، وعن وزير الحقانية بصفة خاصة. فالممثِّل — أو الشاب — وجَّه للوزير العديد من السلبيات، التي من الممكن أن تكون فيه من حيث الواقع، حتى ولو كانت على سبيل التمثيل، كما تؤكد بذلك المسرحية.

فالممثل أثناء مواجهته للوزير قال له: «… يا لهذا الحظ الطائش! يُرفَع السوقة الدهماء إلى قمة المجد والشهرة ويُترَك الأكفاء ذوو القلوب الكبيرة العالية يُعانون من شَظَف العيش وبأساء الحياة ما لا قِبَل لهم باحتماله … إني أمام وزير الحقانية حارس العدالة. وليِّ الله على ذِمَم الأفراد وحقوق الجماعات، أتيتُ إليك لأناقشك الحساب عما تقدَّم من آثامك وجرائمك … ها أنت تعترف بالخيانة الوطنية العظمى أخطر ما يمكن أن يتهم به إنسان في هذا الوجود.»٦٥

فنحن نظن أن الرفض جاء بسبب هذه العبارات وغيرها مما في المسرحية. ومن المؤسِف أن مدير المطبوعات يتهكَّم على المسرحية ويسخر من المؤلف؛ لأنه لا يريد أن توجَّه هذه العبارات لوزير الحقانية، ويُطالب بتوجيهها إلى الحاكم في حالة استبدال شخصية الوزير بشخصية الحاكم، إذا أراد المؤلف الترخيص بمسرحيته.

وهكذا تستمر الرقابة في تعسُّفها ضدَّ المُبدِعين من المؤلِّفين المسرحيين، وحجب أفكارهم عن الجمهور. فالرقابة — في ذلك الوقت — لا تريد أي عمل إبداعي — أو مسرحي — يكشف للناس واقِعَهم، ويتحدث عن السلبيات الحقيقية في مصر. أيْ إن الرقابة تريد من الشعب المصري أن يعيش في تغييب مستمر عن واقعه الحقيقي. وفي نفس الوقت تقف بالمرصاد أمام أي فكر يكشف هذا الواقع أو يقوم بتنبيه الشعب، أو يجعله — على أقل تقدير — يفكر في هذا الواقع بصورة إيجابية وجدية.

مسرحية «جريمة في الريف» ١٩٣٦، لقلادة ميخائيل ولطيف إبراهيم

في ٢٣ / ٨ / ١٩٣٦ تقدَّم لطيف إبراهيم رئيس فرقة الجهود الجبارة بطلب لمدير المطبوعات من أجْل الترخيص له بتمثيل مسرحية «جريمة في الريف»٦٦ بتياترو الماجستيك من خلال فرقة الجهود الجبارة للتمثيل والسينما في ١١ / ٩ / ١٩٣٦ وهي لقلادة ميخائيل ولطيف إبراهيم.

وفي ٢٩ / ٨ / ١٩٣٦ كتب الرقيب «إبراهيم حسني ميزار» تقريرًا برفض المسرحية قال فيه: «… هذه الرواية منقولة ببعض تصرُّف من رواية «بنات الريف» للأستاذ يوسف وهبي، وقد شوَّه المؤلفان وقائعَها فلم تأتِ كرواية «بنات الريف» المصرَّح بتمثيلها وأرى عدم الموافقة على تمثيلها.»

وفي ٥ / ٩ / ١٩٣٦ كتب الرقيب «علي شافعي» تقريرًا برفض المسرحية أيضًا قال فيه: «… الرأي: عدم الترخيص بتمثيل الرواية لنبوِّها عن الذوق السليم وحُسْن الآداب والأخلاق. فضلًا عمَّا فيها من الحملة على أصحاب المناصب الكبيرة (راجع صحيفة ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٢٧).» وفي ١ / ١٠ / ١٩٣٦ أرسل مدير المطبوعات خطابًا إلى محافظ القاهرة بمنع المسرحية من التمثيل.

والمسرحية تدور حول «حمدي» بك الثري الذي يمتلك الأراضي الشاسعة، وفي أحد الأيام يذهب مع بعض الأصدقاء لقضاء نزهة وسط أراضيه، وبعد شرب الخمر تحضر إليه «وردة» ابنة شيخ الخفر فيُغرِّر بها بعدَ أنْ أعطاها خاتمه على أمل الزواج منها. ولكن بعد أن أفاق من سُكْرِه تنصَّل من وَعْدِه. وبعد أعوام كثيرة أصبح «حمدي» قاضيًا كبيرًا. وفي أثناء إحدى القضايا المتَّهم فيها أحَدُ الشبان، تُدخُل أمُّ المتهم لتُدافِع عن ابنها، وتُظهِر للمحكمة أنها السبب في ضياعه؛ لأنها في يوم من الأيام سلَّمتْ نفسَها لأحد الأثرياء. وبعد أن تنتهي من حديثها تتعرَّف على القاضي، وتَظهَر الحقيقة بأن القاضي هو حمدي بك الذي غرَّر بها منذ سنوات، وهذا الشاب المتَّهم هو ابنه.

figure
وإذا نظرنا إلى أسباب المنع عند الرقيب «إبراهيم حسني ميزار» سنجدها تتمثَّل في أن المسرحية منقولة بصورة مشوَّهة من مسرحية «بنات الريف» — المصرَّح بها — ليوسف وهبي، وأنها جاءتْ بصورة مختلفة عنها. وبقراءة المسرحيتين وجدنا أن مسرحية «جريمة في الريف» هي نفسها مسرحية «بنات الريف»٦٧ بصورة مختصرة، مع تغيير أسماء الشخصيات. وبالرغم من ذلك نالتْ «بنات الريف» الترخيص، ورفضتِ الرقابة «جريمة في الريف»!
figure
تقرير الرقيب علي شافعي.
figure
قرار منع المسرحية.

فهل سبب قبول الأولى أنها من تأليف «يوسف وهبي» صاحب الشهرة الكبيرة، وسبب رفض الثانية أن أصحابها من كُتَّاب المسرح المغمورين؟! ولو كان الرقيب اعتمد في رفضه على أن مسرحية «جريمة في الريف»، مسروقة من مسرحية «بنات الريف» — للتَّشابُه المتطابق بينهما — لكنا حسبنا له هذا الموقف الإيجابي؛ لأننا كما ذكرنا من قبلُ لا نُقِرُّ بالسرقة الأدبية.

أما أسباب الرفض عند الرقيب «علي شافعي» فتمثَّلتْ في الابتعاد عن الذَّوْق السليم وحسن الآداب والأخلاق، فضلًا عمَّا فيها من الحملة على أصحاب المناصب الكبيرة. أما بالنسبة إلى الابتعاد عن الذوق السليم، فلا نعلم على وجه التحديد ما مقياس الذوق السليم في التأليف المسرحي عند الرقيب حتى نناقشه فيه! ونحن نعتقد أن هذه العبارة من العبارات الروتينية التي يتذرَّع بها الرقباء للتأثير على لجنة الرفض. أما ابتعاد المسرحية عن حُسْن الآداب والأخلاق، فحقيقة الأمر أن المسرحية بعدت كل البُعْد عن سوء الأخلاق والآداب، فقد جاءت على عكس ما أراد الرقيب أن يُوهمنا. رغم أن بالمسرحية دلائل تُشير على السُّكْر والعربدة وحادثة اعتداء على الشَّرَف. ورغم ذلك لم نشاهد هذه الدلائل أو قرأنا عنها في المسرحية، ولكننا عرفناها عن طريق الإيحاء دون إظهارها في النص، بعكس ما جاءت في مسرحية «بنات الريف» ليوسف وهبي بصورة ملموسة وممثَّلة على خشبة المسرح. أما اعتماد الرقيب على أن المسرحية تَشُنُّ حملة على أصحاب المناصب الكبيرة. فالردُّ على ذلك يَسِيرٌ جدًّا، ويتمثل في أن هذه المناصب، هي نفسها المناصب في مسرحية «بنات الريف»، والمنصب كان منصب القاضي في المسرحيتين، والفارق الزمني بين ترخيص «بنات الريف» ورفض «جريمة في الريف» كان ثمانية أشهر.

والحقيقة في منع هذه المسرحية — والتي تنطبق أيضًا على مسرحية «بنات الريف» المُرخَّص بها — يأتي من خلال قراءتها؛ لأنها تحدَّثتْ عن بعض السلبيات في مصر في ذلك الوقت — وهي نفس السلبيات الموجودة في «بنات الريف» المُرخَّص بها — والتي من شأنها تعرية المجتمع المصري أمام الجمهور، في حالة تمثيل المسرحية. وهو الأمر الذي تخشاه الرقابة.

figure
figure
الصفحة الأولى من مخطوطة المسرحية.
فالمسرحية تحدثت عن انتشار الفقر وتفشِّي الأزمة الاقتصادية مما أدَّى إلى انتشار الجريمة من أجْل استمرار الحياة،٦٨ وأيضًا الحديث عن انتشار التسوُّل وفكرة تشويه أجساد المتسوِّلين من أجْل استرحام الناس كي يعطفوا عليهم.٦٩ هذا بالإضافة إلى دفاع «وردة» عن ابنها في المحكمة، قائلة: «… وأنتم يا كبار البلد والمتعلِّمين والظاهرين فيها بتكتبوا عن الشَّرَف كتير في الجرانين ولكن إيه الفايدة مادام أنتم ما بتمشوش عليها. هو بس كلام عن الشرف وحبر على ورق.»٧٠ وعندما تتكشَّف الحقيقة في نهاية المسرحية أمام «حمدي» القاضي، يقول: «… أنا لا أستحق أن أتبوَّأ هذا المنصب الذي أنا فيه الآن … أنا المجرم الحقيقي … أنا المجرم الأثيم … أنا الوحش الكاسر صاحب الرُّتَب الذي انتزعت منها شرفها … مع إني رجل من رجال القانون … أنا رجل الحرية والمساواة الذي أحكم على المجرمين، بل أنا منهم … أنا المجرم المستهتر بالحياة لا أستحق هذا المنصب …»٧١

وتعتبر هذه المسرحية دليلًا على تناقض وتخبُّط الرقابة المسرحية في أحكامها الرقابية أمام النص الواحد. فبالرغم من أن الموضوع واحد في مسرحيتَيْ «بنات الريف»، و«جريمة في الريف»، إلا أنها رخَّصتْ بالأولى ومنعتِ الثانية. مع أن أسباب منع الثانية تنطبق وبصورة أكبر على الأولى. وهذا يدل على وجود بعض المجاملات أو المصالح المشتركة بين بعض رجال الرقابة وبين كبار المؤلِّفين، أو أصحاب الفِرَق الكبرى، أمثال يوسف وهبي. مما يؤكد على أن الرقابة في ذلك الوقت كانت لا تنتقي رجالها بصورة جيدة.

تعقيب

من الملاحظ على النصوص المسرحية السابقة، أن الرقابة اعتمدت على أسباب واهية، لا تُعتبَر من الأسباب القوية المعمول بها في النظم الرقابية لرفض النصوص المسرحية، التي تمس الآداب العامة ومصالح الدولة العليا، كما هو معروف. وهذا الموقف من قِبَل الرقابة راجع إلى أنها كانت ممثِّلة لأُولِي الأمر في البلاد — المهيمنين على الرقابة — سواء من الأجانب المحتلين لمصر، أو من المصريين المساندين لهؤلاء الأجانب؛ لذلك كله كان الرقيب يبحث وينقِّب عن أي سبب من الأسباب الواهية، ليبني عليه رفض المسرحية. وذلك إذا شعر بأن المسرحية تتحدث عن الوطنية، أو تمس من قريب أو من بعيد الاحتلال والاستعمار، أو تقوم بالتركيز على أية سلبية من سلبيات الحياة في مصر وقت كتابتها. فأي أمر من هذه الأمور كفيل بمنع المسرحية.

فالرقابة في تلك الفترة كانت «تطبق دستورًا غير مكتوب؛ أيْ إنها تطبق القواعد التي تُلائِم زَمانَها ووَقتَها وطبيعة الكيان السياسي والاجتماعي السائد في كل مرحلة من مراحل التاريخ، وكل ما يصنعه الرقيب هو أن يقوم بعملية موازنة دقيقة تتوزعه دوافع — لعل بعضها أن يكون متعارضًا.»٧٢

ومن الغريب أن الأسباب الحقيقية في رفض النصوص المسرحية، كانت غير معلَنة من قِبَل الرقابة، بل ولم يُسجِّلْها أيُّ رقيب في تقريره. فهذه الأمور — من وجهة نظر الرقابة وأُولِي الأمر — تحثُّ المشاهد على التفكير في واقعه، ومن الممكن أن تؤدِّي به إلى التذمُّر أو محاولة تغيير هذا الواقع. وهذا التفكير حاولتِ الرقابة بشتَّى الطرق ألَّا يَصِل إلى المشاهد، ليعيش فترة طويلة من حياته بعيدًا عن مشاكله ومشاكل وطنه. وفي الوقت نفسه حجبت الرقابة أفكار المؤلف من الوصول إلى مستحقِّيها من الشعب المصري.

فمسرحية «دار العجائب» عام ١٩٢٣، رفضتْها الرقابة مستندة إلى تهكُّمها على أحد الملوك الأجانب، من أجْل عدم وصول أفكارها الحقيقية للشعب المصري؛ لأنها تدعو إلى وجوب أن يكون الحاكم من عامة الشعب البسيط، الذي تكمن فيه قوة الحُكم. كما رفضت أيضًا مسرحية «الرقيق الأبيض» عام ١٩٢٥ مستندة إلى ما بها من عبارات خادشة للحياء. والحقيقة أنها تدعو الشعب المصري للقيام من سُباته من أجْل التحرُّر من الاستعمار؛ ولهذا السبب أيضًا تمَّ رفض مسرحية «الجواري في عهد هارون الرشيد» ١٩٣٤. أما مسرحية «الزعيم» ١٩٣٦ فقد رفضتْها الرقابة بعد أن فسرت موضوعها بصورة مخالفة للواقع؛ لأنها تحدثت عن بعض المصريين المنحرفين ممن باعوا الوطن للأجانب، كما لمست بعض السلبيات مثل الرشوة، وأخيرًا تأكيدها على رفض الاستعمار والتدخل الأجنبي في شئون مصر.

وفي ذلك تقول اعتدال ممتاز: «كانت الرقابة قبل ثورة ٢٣ يوليو١٩٥٢ أداة تحمي النظام السياسي والاجتماعي القائم وقتذاك، والذي كان يقع في إطار النظم الملكية التي تعتبر الدستور منحة منها للشعب، ذلك أنه كان لزامًا عليها أن تمنع ما يمس النظام الماضي، كما أنها كانت تحذف أيَّ مشهد يُشير إلى تمرُّد بعض العامة أو الفلاحين من البسطاء على مَلِك أو أيِّ حاكم أو أيِّ طاغية.»٧٣

وإذا كان سلاح الرقابة في المنْع، تمثَّل في البحث عن أسباب واهية للرفض، فما هو سلاحها في الرفض عندما لم تَجِدْ هذه الأسباب؟! … سلاحها هو عرقلة إجراءات الترخيص، أو تطبيق مبدأ المحسوبية إرضاءً لأشخاص آخرين من مصلحتهم عدم عرض النص. فمسرحية «شيخ الحارة» عام ١٩٢٨، خالية من الموانع الرقابية القانونية، ومن هنا لم تجد الرقابة أي سبب لرفضها؛ لذلك عمدت إلى عرقلة إجراءات الترخيص، حتى جاء موعد التمثيل ولم تحصل المسرحية على الترخيص اللازم فصرفت الفرقة النظر عن تمثيلها. وهذا التصرف جاء من قِبَل الرقابة لأن المسرحية تحدثت أيضًا عن الوطنية ووجوب الوقوف أمام الاحتلال، كما أظهرت سلبيات هذا الاحتلال في مصر. ومسرحية «لبخت دكتور» عام ١٩٣١ رفضتْها الرقابة إرضاءً لوجهة نظر الرقيب الشخصية. ومسرحية «نيران» ١٩٣٥ رفضتْها الرقابة، رغم اعتراف الرقيب بأنها خالية من الموانع الرقابية القانونية، إرضاءً للطبقة الأرستقراطية في مصر؛ لأن المسرحية تصوِّر هذه الطبقة بعدم التمسك بالتقاليد والأعراف الاجتماعية الأصيلة. ومسرحية «جريمة في الريف» عام ١٩٣٦ رفضتْها الرقابة أيضًا إرضاءً ليوسف وهبي وفرقته؛ لأن موضوعها متشابه إلى حدٍّ كبير مع مسرحية «بنات الريف» ليوسف وهبي، والمرخص بها في نفس العام. علمًا بأن الموانع الرقابية القانونية الموجودة في «جريمة في الريف» — من وجهة نظر الرقابة — هي نفسها الموانع الرقابية الموجودة في «بنات الريف».

وهكذا وقفت الرقابة بالمرصاد أمام الإبداع المسرحي الخلَّاق والبنَّاء، من أجْل عدم وصوله إلى المشاهد المصري، المتعطِّش لمِثْل هذه الأفكار — في ذلك الوقت — ليُغيِّر من واقعه في ظل الاحتلال الأجنبي. ومن جهة أخرى أصابتِ الرقابة كُتَّاب المسرح بالإحباط، عندما رفضتْ نصوصَهم، وهم في بداية الطريق نحو المجْد الأدبي، فمنهم مَن توقَّف عن الكتابة المسرحية؛ أمثال عثمان حمدي، وقلادة ميخائيل، ولطيف إبراهيم، ومنهم من قلَّل من إنتاجه المسرحي؛ أمثال حسين فهمي، وسيد الجمل.

والجدول التالي يوضِّح لنا بعض أسماء المسرحيات المرفوضة رقابيًّا، وغير المستخدمة في هذه الدراسة لعدم وجود وثائق رقابية مُلحقة بنصوصها. والمتأمِّل في معظم أسماء كُتَّابها سيجد أنها أسماء مجهولة لنا الآن. فبسبب تعنُّت الرقابة طَوَى الزمانُ هذه الأسماء كما طَوَتِ الرقابة أعمالَها المسرحية. تلك الأعمال التي تشترك مع النماذج السابقة في أنها كانت مسرحيات فكرية وطنية ثائرة على الأوضاع الشاذة، حتى في موضوعاتها الكوميدية، التي كانت ساخرة من الأوضاع السيئة في مصر في ظل الاحتلال:

عنوان المسرحية الكاتب تاريخ الرفض
دي مراتي أو شيء يجنن محمود عبد المجيد فهمي ٢٧ / ٥ / ١٩٢٨
عثمان الحادي عشر بديع واصف ٥ / ١ / ١٩٢٩
حرامي الفراخ أحمد المسيري ٢٨ / ٤ / ١٩٢٩
أرض الفراعنة مصطفى أحمد ٦ / ١٠ / ١٩٣١
صحصح صالح سعودي ١٩ / ١٠ / ١٩٣١
سرير العريس سيد قدري ١٢ / ١١ / ١٩٣١
صاحب بالين أحمد زكي السيد ١٦ / ١١ / ١٩٣١
رسول الموت يوسف قطب ١٩٣٢
رئيس التحرير سعد الشريف ٤ / ٨ / ١٩٣٢
صحن عجة أمين عطا الله ١٠ / ٦ / ١٩٣٣
الزواج موديل ١٩٣٣ محمد شوقي ١٠ / ٦ / ١٩٣٣
السلطان عبد الحميد إسكندر فخر الدين ٢٨ / ١٠ / ١٩٣٣
الأسطى فتح الله عبد اللطيف جمجوم ١٠ / ١٢ / ١٩٣٣
الدنيا بخير حسني الحسيني ١٩ / ١٢ / ١٩٣٤
مع السلامة طلعت حسن ٢٣ / ١ / ١٩٣٦
أعاقب نفسي إسماعيل وهبي ٦ / ٣ / ١٩٣٦
إسكندرية في الصيف محمد إسماعيل ١٠ / ٦ / ١٩٣٦
التأمين على الحياة فرقة ماري منصور ١٠ / ٦ / ١٩٣٦
معرض الغزل فرقة حورية محمد ١٠ / ٦ / ١٩٣٦
فضائح المجتمع عبد الحميد زكي ١٠ / ٦ / ١٩٣٦
قلوب محطمة زكي جرجس سيدهم ١ / ١٠ / ١٩٣٦
دمعة وابتسامة زكي جرجس سيدهم ١ / ١٠ / ١٩٣٦
هو أو هي محمد حداية ١٣ / ١٢ / ١٩٣٦
دقة بدقة سعد الشريف ١٣ / ١ / ١٩٣٧
بعد ما شاب عبد العزيز أحمد ١٦ / ١ / ١٩٣٧
توبة من دي النوبة طلعت حسن ٢١ / ١ / ١٩٣٧

ولعل القارئ يتساءل … لماذا لم تتطرق الدراسة إلى الأعمال المسرحية المرفوضة لكبار الكُتَّاب في هذه الفترة؟! والإجابة يسيرة جدًّا … فكبار الكُتَّاب في ذلك الوقت من مؤلِّفين ومترجمين ومعرِّبين ومقتَبِسين، كانوا أمثال: أمين صدقي، وبديع خيري، ونجيب الريحاني، وعزيز عيد، ويوسف وهبي، وفرح أنطون، وإبراهيم المصري، وعبد الحليم دلاور، وعبد الرحمن رشدي، وإبراهيم رمزي، وعباس علام، وجورج مطران، ووداد عرفي، وحسن فايق، وسليمان نجيب، وإستفان روستي، وإسماعيل وهبي، وفهيم حبشي … وكتاباتهم المسرحية كانت تتمثل في ثلاثة أنواع لا رابع لهم إلا في القليل النادر:

  • فالنوع الأول: «مسرحيات كوميدية»، مثل: «البربري حول الأرض»، و«البربري في الجيش»، و«عثمان حيخش دنيا»، و«كشكش في الحبشة»، و«كشكش في الجيش»، و«التلغراف»، و«علي نور الدين»، و«أديني جيت»، و«شهر العسل»، و«خاتم سليمان»، و«ألف ليلة وليلة»، و«الليالي الملاح»، و«أهو كده»، و«لوكاندة الأنس»، و«مملكة العجائب»، و«إللي فيهم»، و«كان زمان»، و«الشاطر حسن»، و«إمبراطور زفتى»، و«أيام العز»، و«قنصل الوز»، و«مراتي في الجهادية»، و«بنت الشبندر»، و«سوسو هانم»، و«مجلس الأنس»، و«طاقية الإخفاء»، و«اسم الله عليه»، و«عقبال عندكم»، و«مرحب»، و«قلنا له»، و«فهموه»، و«لسه»، و«راحت عليك» … إلخ هذه المسرحيات الكوميدية.
  • والنوع الثاني: «المسرحيات المترجمة والمعرَّبة» من المسرحيات العالمية، مثل: «هملت»، و«لويس الحادي عشر»، و«ماري تيودور»، و«فران البندقية»، و«غادة ليون»، و«غادة الكاميليا»، و«المرحوم»، و«بلانشت»، و«النائب هالير»، و«طاحونة سفاريا»، و«ناتاشا»، و«الشعلة»، و«الأب ليبونار»، و«سيرانو دي برجراك»، و«كاترين دي مدسيس»، و«الكونت دي مونت»، و«الممثل كين»، و«مكبث»، و«أوديب الملك»، و«عطيل»، و«مدام سان جين»، و«المستر فو»، و«النسر الصغير»، و«هرناني»، و«توسكا»، و«مضحك الملك»، و«الميت الحي»، و«كارمن»، و«حانة مكسيم» … إلخ هذه المسرحيات.
  • والنوع الثالث: «المسرحيات التاريخية»، مثل: «الناصر»، و«أبطال المنصورة»، و«كليوباترا»، و«مجد رمسيس»، و«توت عنخ آمون»، و«حور محب»، و«محمد علي باشا»، و«نابليون»، و«نيرون» … إلخ.

والملاحظ على هذه الأنواع أنها خالية من الموانع الرقابية الحقيقية؛ أيْ إنها خالية — كما مر بنا — من التحدُّث عن الواقع، أو عن الاستعمار، والوطنية، ورصد سلبيات الشعب المصري … إلخ، فالمسرحيات الكوميدية كانت موجَّهة في المقام الأول إلى الإضحاك والترفيه فقط. أما المسرحيات المترجمة والمعرَّبة، فكان يُنظَر لها على أنها مستوردة وأن موضوعاتها لا تَمُتُّ بأية صلة إلى مجتمعنا المصري، أو بسياسته العليا. أما الموضوعات التاريخية، فكانت موجَّهة بصفة عامة نحو التاريخ الفرعوني، أو الإسلامي، مع خلوِّها من أيِّ رمز أو إسقاط.

وعندما يقع أي كاتب مسرحي مشهور — من الكُتَّاب السابقين — في المحظور الرقابي — وهو النوع الرابع من الكتابة المسرحية عند هؤلاء المشاهير — بأن يُضمِّن مسرحيته بعض الرموز أو الإسقاطات، أو يتعرَّض ولو من بعيد لبعض السلبيات في واقعه، كانت الرقابة ترفض نصَّه، ولكن على استحياء؛ لأنها سرعان ما تلتمس له العذر لمكانته أو لمكانة الفرقة التي ستمثل النص، فتوافق على المسرحية بعد ذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة.

فمسرحية «الحب بالعافية» أو «الأغراض» لحسن فايق، رفضتْها الرقابة في ٤ / ٩ / ١٩٢٣. ورغم هذا الرفض مثَّلتْها فرقة فكتوريا موسى.٧٤ ومسرحية «مدام فهمي» رفضتْها الرقابة في مايو ١٩٢٤، ومثَّلتْها فرقة علي الكسار في يونية من نفس العام.٧٥ ومسرحية «الشرف والوطن» تعريب جورج مطران، رفضتْها الرقابة في ١٠ / ٨ / ١٩٢٤، ومثلتْها فرقة جورج أبيض في سبتمبر ١٩٢٤.٧٦ ومسرحية «السلطان عبد الحميد» من تأليف وداد عرفي، رفضتْها الرقابة في ١٦ / ١٢ / ١٩٢٧، ومثلتْها فرقة فاطمة رشدي في ٥ / ١ / ١٩٢٨.٧٧ ومسرحية «الصليب والهلال» ليوسف وهبي، رفضتْها الرقابة في يولية ١٩٣٣ ومثلتْها فرقة رمسيس بعد ذلك.٧٨ ومسرحية «هوانم اسبور» لعبد الرحمن رشدي، رفضتْها الرقابة في ٢٧ / ٥ / ١٩٣٣ ومثلتْها فرقته في ٣١ / ٨ / ١٩٣٣.٧٩ ومسرحية «بنات الريف» ليوسف وهبي، رفضتْها الرقابة في ٢٢ / ١ / ١٩٣٦، ومثلتْها فرقة رمسيس في ٢٣ / ١ / ١٩٣٦.٨٠ وأخيرًا مسرحية «طبيب المعجزات» لفهيم حبشي، رفضتْها الرقابة في ١١ / ١ / ١٩٣٧، ومثلتْها الفرقة القومية في ٢ / ٢ / ١٩٣٨.٨١

ولعل المتتبع معنا لما سبق في مجمله، سيلاحظ أن جميع المسرحيات المرفوضة رفضًا تامًّا، توقَّفتْ عند عامَيْ ١٩٣٦ / ١٩٣٧. فعلى الرغم من أن قانون الرقابة المعمول به الآن صدر وطُبِّق في عام ١٩٥٥، إلا أننا لم نجد أية مسرحية مرفوضة — رفضًا تامًّا — من قِبَل الرقابة بعد عام ١٩٣٧، وقبل عام ١٩٥٥، أو تحديدًا قبل قيام ثورة ٢٣ يولية ١٩٥٢. وكأن الرقابة توقَّفتْ عن رفض النصوص المسرحية طوال هذه الفترة!

والحقيقة أن هذه الفترة شهدت عِدَّة أمور، نعتقد أنها السبب في هذه الظاهرة. مثل الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة في فترة الثلاثينيات وما بعدها، مما أثَّر بالسلب على الإقبال الجماهيري على مشاهدة المسرح. وأيضًا انتشار فن السينما الناطقة في مصر، وتحويل بعض المسارح إلى دُور للسينما. هذا بالإضافة إلى تفكُّك بعض الفرق المسرحية مثل فرقة عكاشة، أو توقُّفها عن النشاط المسرحي مثل فرقة منيرة المهدية، أو تحويل نشاطها المسرحي إلى نشاط سينمائي كفرقة يوسف وهبي، أو سفرها خارج البلاد مثل فرقة مصر بقيادة عمر وصفي، وفرقة فوزي منيب.٨٢

وأهم هذه الأمور على الإطلاق نشأة الفرقة القومية — التي ضمَّتْ معظم نجوم وفناني الفرق المسرحية، والتي انتهجتْ سياسة جادَّة وصارمة في تقديم الأعمال المسرحية ذات المستوى الرفيع والجيِّد، مما قلَّل مِن تدخُّل الرقابة في رفض الأعمال. وبالأخص عندما نعلم أن الفرقة القومية، والفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، كان بهما لجان للقراءة على أعلى مستوًى من العِلْم والدراية بالفن والأدب المسرحي، أمثال فتوح نشاطي ودريني خشبة. وكانت هذه اللجان تقوم بعمل الرقابة بصورة مبدئية، قبلَ تقييم النص من قِبَل جهاز الرقابة.

فتقرير القراءة في هذه الفترة، والخاص بالفرقة المصرية، كان يتضمن بنودًا محددة مثل: موضوع المسرحية، وحبكتها، وأسلوبها، وملائمتها لرسالة الفرقة، والعظة منها، وملاحظات عضو اللجنة عليها، وأخيرًا يأتي القرار … هل تصلح المسرحية أو لا تصلح؟٨٣ ومن المؤكد أن تقييم النص المسرحي تبعًا لهذه البنود، داخل لجان القراءة، وقَبْل وصوله إلى الرقابة، يفسِّر لنا ظاهرة عدم الرفض المسرحي من قِبَل الرقابة في الفترة ما بين عامَيْ ١٩٣٧ حتى ١٩٥٢.
figure

وهكذا قُمْنا بتوضيح دور الرقابة المسرحية في رفضها للمسرحيات في العهد الماضي، وقبل إصدار قانون الرقابة عام ١٩٥٥، والمعمول به إلى الآن. فهل بعد صدور القانون تغيَّرت الرقابة، عما كانت عليه في الماضي، وبالأخص في رفضها للمسرحيات؟! وهل تغيَّر دور الرقيب؟! وهل تغيَّر موقف الكاتب المسرحي أمام دَوْر الرقابة في ظل هذا القانون؟ هذا ما سنحاول الحديث عنه في الصفحات التالية …

١  ويقول عنه محمد شكري في «مجموعة التياترو»، أكتوبر ١٩٢٥، ص٢٠٥: «ممثِّل قديم عَرَفتُه عندما كنتُ أُدير فرقة السيدة منيرة المهدية؛ حيث كان ممثِّلًا بها، ورأيتُه بعدَ ذلك بفرقة إخوان عكاشة، وهو الآن من ممثلي فرقة الماجستيك.» ونضيف على ذلك أنه في عام ١٩٢٠ كان ممثِّلًا بجوق كشكش البربري، وانتهى به الأمر كممثِّل بالفرقة القومية عام ١٩٣٥. أما عن مؤلَّفاته المسرحية فلم نجد له سوى مسرحيتين فقط، غير «دار العجائب»؛ الأولى: «بلا آفية» أو «الشقيقان»، وهي محفوظة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ٨٠٦، والثانية: «عاقبة الظلم»، وهي محفوظة أيضًا بالمركز تحت رقم ٩٧٥.
٢  وصورة هذه المذكرة، يصعب تصويرها بأي حال من الأحوال لأنها بحالة رثَّة جدًّا، تكفي فقط بقراءتها. راجع ذلك في ملف رواية «دار العجائب» تحت رقم ١١١ / ٥ / ١٢٣ بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، بما يشتمل عليه من تقارير رقابية. ونص المسرحية محفوظ الآن بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ١٩٥١، وللرواية نسخة أخرى بالمركز تحت رقم ٥٣٨.
٣  وهذا هو نص المقدمة الوارد في بداية مخطوطة المسرحية: «بعد الحمد الله، أُعلِم حضرات القُرَّاء والممثِّلين الأفاضل أن بعضًا من مؤلِّفي الروايات التمثيلية قد مالوا مع الأهواء في كثير من مؤلَّفاتهم حبًّا في الانتشار، ولا أدري أذلك ناتج من عدم ممارستهم لهذا الفن، أو لقِلَّة تردُّدهم على المسارح التمثيلية. وعندي أن لهم عذرًا فيما جاءوه؛ لأن هذا الفن الجليل منقول اجتهادًا عن المسارح الإفرنجية، وهو حديث العهد في قطرنا هذا. وعلى كل حال فهم مشكورون على خدماتهم الأدبية. هذا ولما كنتُ ممَّن فُطِرَ على تلقِّي هذا الفن وقد مارستُه علمًا وعملًا وصناعة من سنة ١٩٠٤ ميلادية في بدء جمعية البهجة وجمعية رابطة التمثيل الأدبي الذي كنتُ أحد مؤسِّسيها وجمعية الاتحاد الأخوي، وقد مارستُ على غيرها من مسارح التمثيل، قد حَدَا بي حادي الأمل لأنْ أضَعَ جملةَ روايات؛ منهم هذه الرواية المسماة «بدار العجائب» وهي متضمنة سيرة فرنسواي الأول ملك فرنسا، مضافًا إليها بعض وقائع مدهشة فجائية قَضَى عليَّ بها ذوق هذا الفن الدقيق. ولقد بَزَغَتْ في حُلَّة من البلاغة لما جاء فيها من الحِكَم الغالية، فجاءت طبق الغاية المطلوبة، فلي من قرائِها وممثِّليها الكرام مزيد الأمل بقبول عذري وغض النظر عن هفواتي.»
٤  مخطوطة المسرحية، ص٤، ٥.
٥  انظر على سبيل المثال جريدتي «المقطم» و«الأخبار» في الفترة ما بين ٢ / ٦ / ١٩٢٣، ٢٩ / ٧ / ١٩٢٣.
٦  حفظت هذه المسرحية تحت رقم ملف ١١١ / ٥ / ٣٠٩ بقسم مراقبة الروايات التمثيلية لإدارة المطبوعات بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية لعام ١٩٢٥، وهي الآن محفوظة بما يصاحبها من تقارير ووثائق رقابية، تحت رقم ٦٢٨ بالمركز القومي للمسرح والموسيقى. وللمؤلِّف مسرحيات مخطوطة أخرى محفوظة بالمركز، مثل: «الأستاذ» ١٩١٩ تحت رقم ١٠٤، و«الحرب العظمى» أو «انتصار الحق» ١٩٢٥ تحت رقم ٤١٨، و«الكونت دارنوي» تحت رقم ١٥٠٥.
٧  حسين فهمي، مخطوطة مسرحية «الرقيق الأبيض»، ص١٨، ١٩.
٨  المسرحية، ص٢٢، ٢٣.
٩  المسرحية، ص١، ٢.
١٠  المسرحية، ص٢٧، ٢٨.
١١  المسرحية، ص٢٨.
١٢  المسرحية، ص٣٧، ٣٨.
١٣  المسرحية، ص٤٢.
١٤  المسرحية، ص٤٥.
١٥  فعلى سبيل المثال نَجِد في مجلة «اللطائف المصورة» (عدد ٤٧٧ بتاريخ ٣١ / ٣ / ١٩٢٤، ص٤) صورة لامرأة في كامل زينتها وتتحلَّى بالكثير من الحلي، (وهي الصورة المنشورة)، وكتبتِ المجلة أسفل الصورة: «لا يظن القارئ أن هذه الصورة امرأة، بل هي صورة «إبراهيم الغربي» بملابس امرأة وهو المتَّهم بالمُتاجرة بأعراض البنات القاصرات، والمسجون منذ ٥ شهور رهن التحقيق لمحاكمته أمام محكمة الجنايات، وقد صُوِّرت الصورة منذ سنين عندما كان الرجل يتنكَّر كامرأة تضليلًا وتغريرًا، وتراه متحلِّيًا بالذهب والفضة والخواتم والأساور، فعسى الحكومة أن تهتم بالبحث عن أمثاله.»
١٦  المسرحية، ص١٢، ١٣.
١٧  المسرحية، ص٣١.
١٨  وللتعرُّف على المسرحيات المعروضة في هذه الفترة، انظر جريدة «كوكب الشرق» ومجلة «التياترو المصورة».
١٩  محمد كامل علي، مسرحية «شيخ الحارة»، مطبعة المستقبل بالإسكندرية، ١٩٢٨. والمسرحية بما فيها من وثائق رقابية محفوظة بوزارة الداخلية بإدارة عموم الأمن العام، تحت رقم ملف ١١ / ٥ / ٤١٣.
٢٠  وله غير هذه المسرحية، أربع مسرحيات أخرى بين تأليف وتعريب — قبل عام ١٩٢٨ — وهي: «صدق الأحلام»، و«جنون الشباب»، و«روبنسون كروزو»، و«في سبيل الحرية»، راجع: غلاف مسرحية «شيخ الحارة»، السابق.
٢١  لأن الخطاب غير مؤرَّخ من قِبَل رئيس الفرقة، ومن غير المعقول أن يرسل الخطاب بعد يوم ٢ / ٢ / ١٩٢٩، وهو اليوم الذي يرغب التمثيل فيه.
٢٢  وهذا الخطاب بمنزلة تصريح كتابي من المؤلِّف بتمثيل مسرحيته؛ لأن المؤلف في بداية المسرحية «المطبوعة» قال تحت عنوان «ملاحظات هامة»: «لا يجوز لأي فرقة تمثيلية أيًّا كان نوعها أن تمثِّلها بدون استصدار إذن كتابي من المؤلِّف … تُعطَى مكافأة من المؤلِّف قدرها خمسون قرشًا لمَن يُرشِد عن فرقة تمثيلية تكون قد تأهَّبتْ لتمثيلها بأن طَبَعت أو نَشَرت أو وَزَّعت إعلانات أو تذاكر أو غير ذلك باسم الرواية أو بأي اسم مستعار آخَر على شرط أن يُثبِت المرشد ذلك ما لم تكن قد حصلت الفرقة المذكورة على تصريح كتابي من المؤلف.»
٢٣  وهو نفس القلم الذي يؤشِّر به دائمًا مدير المطبوعات «سليم عز الدين» في جميع وثائق هذه المسرحية.
٢٤  وهذا الرقيب هو الكاتب المسرحي «فرنسيس شفتشي» مُترجِم مسرحية «السيد» في عام ١٩٢٥، ومؤلِّف مسرحية «ابنة الشمس»، المحفوظة بالمركز القومي تحت رقمَيْ ٨٥، ١٨٣. كما أن له كتابات عن المسرح الإغريقي، نشرها بمجلة «المستقبل» في عام ١٩٢٨.
٢٥  المسرحية، ص١٥.
٢٦  المسرحية، ص٢٥.
٢٧  المسرحية، ص٢٧، ٢٨.
٢٨  راجع أحداث المسرحية، ص١٦، ١٧.
٢٩  المسرحية، ص٣٠.
٣٠  المسرحية، ص٩١.
٣١  وللتعرُّف على المسرحيات المعروضة في هذه الفترة، انظر جريدة «المقطم» ومجلة «المصور».
٣٢  وهذه المسرحية حُفظت بقلم المحفوظات بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية بملف رقم ١١ / ٥ / ٦٨٧. وهي الآن محفوظة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ١٥٣٠. وللمؤلِّف مسرحيات أخرى مخطوطة بالمركز هي: «وحوش الإنسانية» عام ١٩٢٩، تحت رقم ١٠٩٧، و«اليتيمة أو بيت الشقاء» عام ١٩٣١، تحت رقم ١٠٦٩، و«نيران» عام ١٩٣٥، تحت رقم ١١٥٤، و«الصواعق» عام ١٩٣٦، تحت رقم ١٠٣٩.
٣٣  مستندات الرقابة المُرفقة بملف المسرحية وهي: طلب الترخيص بالمسرحية على صفحة من مطبوعات الحاج مصطفى حفني مدير تياترو دار التمثيل العربي، وأورنيك رقم «١٧ مطبوعات» تحت رقم ٩٣، ومذكرة مدير إدارة المطبوعات لمحافظ مصر.
٣٤  مخطوطة المسرحية، ص١.
٣٥  من ص١ إلى ص٨ من مجموع صفحات المسرحية البالغ عددها ١٢ صفحة.
٣٦  وعندما قمنا بقراءة مسرحية «حاجة حلوة» لبديع خيري، وهي بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ٤٣٧، وجدنا المؤلف سيد الجمل أقام مسرحيته على غرار الفصل الأول منها، مع تغيير أسماء الشخصيات، والجُمَل الحوارية، والمواقف الكوميدية. فجعل شخصية «كشكش»، المشهور بها نجيب الريحاني، شخصية «لبخت»، وشخصية «إحسان» جعلها «نميسة»، وشخصية «شلاطة» جعلها «حمودة»، والحماة «عيشة» جعلها «سلامكة» … وهكذا. أيْ إن المؤلِّف قام بمعالجة الفصل الأول من مسرحية «حاجة حلوة»، بأسلوبه الخاص ليخلق منه مسرحيته «لبخت دكتور». هذا بالإضافة إلى أن مسرحية «حاجة حلوة» لبديع خيري مكتظَّة بالموانع الرقابية. وإذا كان سيد الجمل قام بمحاكاة الفصل الأول منها فمُنِعتْ مسرحيته، فلماذا لم تُمنَع مسرحية «حاجة حلوة»؟! ومِن الواضح أن شهرة اسم المؤلِّف من العوامل الأساسية والمؤثِّرة، في ذلك الوقت، في نظرة الرقيب للنص عند تقييمه رقابيًّا.
٣٧  فعلى سبيل المثال لا الحصر، تُوجَد مخطوطات كثيرة للمسرحية الواحدة لأكثر من مؤلِّف لها، وهي محفوظة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى وتغطِّي هذه الفترة، مثل: مسرحية «دقة المعلم» عام ١٩٢٤ تحت رقم ١٩٤٩ لنجيب الريحاني وبديع خيري، ولعام ١٩٣٦ تحت رقم ٥٥٨ لمصطفى إبراهيم، ولعام ١٩٣٨ تحت رقم ٥٦٩ لكامل عبد السلام. ومسرحية «الطواف حول الأرض» عام ١٩٠٥ تحت رقم ١٠٨٧ لنجيب كنعان، ولعام ١٩٢٤ تحت رقم ١٠٨٨ لنجيب الريحاني وبديع خيري، ولعام ١٩٢٩ تحت رقم ١٠٩٤ لأمين صدقي. ومسرحية «طيش الشباب» عام ١٩٣٢ تحت رقم ١٠٨٦ لعيسى محمد السباعي، ولعام ١٩٣٣ تحت رقم ٨٠٥ لرزق يعقوب، ولعام ١٩٣٤ تحت رقم ١٠٩٥ لمحمد أبو العلا. ومسرحية «المجرم» في عام ١٩٢٩ تحت رقم ٧٥٥ لعباس يونس، ولعام ١٩٣٣ تحت رقم ١١٨٨ لأحمد شكري. ومسرحية «شيخ الحارة» في عام ١٩٢٨ تحت رقم ٨٥٩ لمحمد كامل علي، ولعام ١٩٣٠ تحت رقم ٨٣٧ لعبد العزيز حمدي.
٣٨  فأول قانون صدر لحماية حق المؤلِّف كان القانون رقم ١٣١ لسنة ١٩٤٨، ولكن نصوصه ظلَّتْ مُعطَّلة حتى صدور القانون رقم ٣٥٤ لسنة ١٩٥٤، وهو المعمول به الآن.
٣٩  وكلمة «وجار» بمعنى جُحْر الضبع، وقد أتى بها إبراهيم رمزي كنوع من السخرية وتقليل الشأن بالنسبة لنجيب الريحاني.
٤٠  إبراهيم رمزي، ختام مسرحية «البدوية» تحت عنوان «كلمة»، مطبعة السفور، ١٠ / ٥ / ١٩٢٢، ص١٠٧، ١٠٨.
٤١  وللمزيد عن هذا الرقيب الناقد المتوفَّى في ١٦ / ١ / ١٩٣٨، انظر: أنور الجندي، «المحافظة والتجديد في النثر العربي المعاصر في مائة عام»، مطبعة الرسالة، ١٩٦١، ص٥٨٠–٥٨٥، وأيضًا: د. محمد رجب البيومي، محمد صادق عنبر: أديب رائد، مجلة «الثقافة»، عدد ٦٥، فبراير ١٩٧٩، ص٩–١٥.
٤٢  حسني علي الحسيني، مسرحية «الجواري في عهد هارون الرشيد»، وهي محفوظة بملف رقم ١١ / ٥ / ١٢٤٧ بإدارة المطبوعات بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية. والنص محفوظ حاليًّا بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ٣٧٦. وللمؤلف مسرحيات أخرى منها: «أما مرستان»، و«تعداد العزاب»، و«الدنيا بخير»، و«زقزوق في باريس»، و«شارلوك هولمز».
٤٣  وهي لجنة مكوَّنة من بعض كبار موظفي إدارة الأمن العام، وقراراتها نهائية لا استئناف فيها، راجع: مجلة «الكواكب»، عدد ٩١، بتاريخ ١٨ / ١٢ / ١٩٣٣.
٤٤  ومن الجدير بالذكر أن لجنة الرقابة الأدبية التي مَنَعتْ مسرحية «الجواري في عهد هارون الرشيد» كانت لجنة تحت رقمَيْ ١٥٧، ١٥٨ بتاريخَيْ ٩ / ١٢ / ١٩٣٤، ١٣ / ١٢ / ١٩٣٤. أما اللجنة التي أراد المؤلِّف أن تبحث مظلمته فكانت تحت رقمَيْ ١٥٨، ١٥٩ بتاريخَيْ ٢٦ / ١٢ / ١٩٣٤، ٢٩ / ١٢ / ١٩٣٤. ومن الطريف أن اللجنة انعقدتْ لا لتبحث مظلمة المؤلِّف، بل لتَمنَع له مسرحية جديدة هي «الدنيا بخير» وكان مُزمَع تمثيلُها في كازينو رتيبة وأنصاف رشدي، ونصُّها محفوظ بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ٥٦٠، دون أية وثائق رقابية، ولكن مكتوب على الصفحة الأولى: «منعتْها لجنة الرقابة بتاريخ ٢٩ / ١٢ / ١٩٣٤.»
٤٥  المسرحية، ص٧.
٤٦  انظر على سبيل المثال، إعلانات مجلة «المصور» في ديسمبر ١٩٣٤.
٤٧  وهذه المسرحية محفوظة بملف رقم ١١ / ٥ / ١٣٢٠ بإدارة المطبوعات الخاصة بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية. والنص محفوظ الآن بالمركز القومي للمسرح تحت رقم ١١٥٤.
٤٨  و«عباس حافظ: ١٨٩٣–١٩٥٩» هو أحد تلاميذ الكاتب الأديب «محمد صادق عنبر»، وأحد محرِّري جريدة «البلاغ». وقد نَقَل إلى العربية أكثر من ١٨ مسرحية، غير ما قام بتأليفه. منها: تعريب «شقاء الشاعر» و«الزوج المُوَسْوَس» عام ١٩١٦، وتأليف «قسوة الشرائع» عام ١٩١٧، و«قابيل» و«تيمون» عام ١٩٢١، وتعريب «نبي الوطنية» عام ١٩٢٤، وترجمة «سيرانو دي برجراك» و«الاستعمار» و«زواج بالحيلة». وله من المؤلَّفات المطبوعة: «علم النفس الاجتماعي»، و«الزعامة والزعيم»، و«دموع وضحكات»، و«مصطفى النحاس». وللمزيد عن هذا الأديب، انظر: مجلة «الإثنين» في ٣١ / ١٠ / ١٩٤٩، وجريدة «الأهرام» في ٢٤ / ٦ / ١٩٥٩.
٤٩  تقرير الرقيب «عباس حافظ» المرفَق بالملف رقم ١١ / ٥ / ١٣٢٠، السابق.
٥٠  ولعل الرقيب «فرنسيس» قد تخلَّى عن وجهة نظره ككاتب مسرحي، لطول عمله في مجال الرقابة. فأسلوبه الرقابي هنا يختلف كل الاختلاف عن أسلوبه السابق في مسرحية «شيخ الحارة» في عام ١٩٢٨.
٥١  تقرير الرقيب «فرنسيس شفتشي» المرفق بالملف رقم ١١ / ٥ / ١٣٢٠، السابق.
٥٢  وهو سكرتير رابطة هُواة فنِّ التفريغ بالإسكندرية في عام ١٩٣٦. وتحتفظ إدارة التراث بالمركز القومي للمسرح ببعض أعماله المسرحية، مثل ترجمته لمسرحية «الأستاذ كلينوف» عام١٩٤١، وهي تحت رقم ٧٠ بالمركز، وأيضًا تعريبه لمسرحية «لكل حقيقة» لبيراندللو عام ١٩٥٠، وهي تحت أرقام: ١٥٣٢، ١٥٥٤، ١٧١٢، ١٧١٢ / أ بالمركز أيضًا.
٥٣  راجع ذلك في مخطوطة مسرحية «الزعيم» لأحمد يوسف بملف رقم ١١ / ٥ / ١٥٤٠ بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، بما يشتمل عليه من وثائق. وهذه المسرحية محفوظة الآن بالمركز القومي للمسرح تحت رقم ٤٨٨. ويلاحظ أن بالمركز نسخة أخرى لمسرحية مختلفة باسم «الزعيم» أيضًا، وهي لبول بورجيه من تعريب (حسن صديق) تحت رقم ٥١٤، وهذه المسرحية مُثلت من قِبَل فرقة رمسيس في ديسمبر ١٩٢٧.
٥٤  انظر المسرحية، ص٦، ٧، ٨.
٥٥  انظر المسرحية، ص٢٠، ٢١.
٥٦  انظر، المسرحية، ص٣٢، ٣٣، ٣٤.
٥٧  راجع المسرحية، من ص١٨ إلى ص٢٤.
٥٨  المسرحية، ص١٨.
٥٩  المسرحية، ص١٩.
٦٠  المسرحية، ص١٩.
٦١  المسرحية، ص٢٠، ومن العجيب أن الرقيب عقَّب على ذلك، في نفس الصفحة، بقوله: «كلام عن الأجانب وشركات الاحتكار لا يصح على المسارح.»
٦٢  المسرحية، ص٢٠، وقد عقَّب الرقيب على ذلك، في نفس الصفحة، بقوله: «تُحذَف؛ حكم قاسي على مصر لا يقول به غير أعدائها.»
٦٣  المسرحية، ص٢٣، وقد عقَّب الرقيب على ذلك، في نفس الصفحة، قائلًا: «كلام حزبي لا يتناسب مع الظرف الحالي في مصر.»
٦٤  عثمان حمدي، مسرحية «البروفة»، وهي محفوظة بملف رقم ١١ / ٥ / ١٦٣٢ بقلم المحفوظات بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية. وهي الآن محفوظة بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى تحت رقم ٢٨٤.
٦٥  المسرحية، ص٣.
٦٦  قلادة ميخائيل ولطيف إبراهيم، مخطوطة مسرحية «جريمة في الريف»، وهي محفوظة بملف رقم ١١ / ٥ / ١٦٩٠ بقلم المحفوظات بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، وهي الآن محفوظة بإدارة التراث بالمركز القومي تحت رقم ٣٨٠.
٦٧  يوسف وهبي، مسرحية «بنات الريف»، وهي محفوظة بملف رقم ١١ / ٥ / ١٥٣٢ بقلم المحفوظات بإدارة عموم الأمن العام بوزارة الداخلية. وقد حصلت على ترخيص رقم ١٤ بتاريخ ٢٨ / ١ / ١٩٣٦.
٦٨  راجع، مسرحية «جريمة في الريف»، ص٦.
٦٩  راجع، المسرحية، ص٢٣.
٧٠  المسرحية، ص٢٧.
٧١  المسرحية، ص٣٠.
٧٢  اعتدال ممتاز، «مذكرات رقيبة سينما»، السابق، ص٣٦.
٧٣  اعتدال ممتاز، «مذكرات رقيبة سينما»، السابق، ص٣١.
٧٤  راجع: مجلة «المسرح»، عدد ٥٩، ٧ / ٢ / ١٩٢٧.
٧٥  راجع: مجلة «التمثيل»، عدد ٩، ٢٩ / ٥ / ١٩٢٤، وعدد ١٠، ٥ / ٦ / ١٩٢٤.
٧٦  راجع: مجلة «التياترو»، عدد ١، ٥ / ١٠ / ١٩٢٤.
٧٧  راجع: مجلة «الناقد»، عدد ١١، ١٢ / ١٢ / ١٩٢٧، ومجلة «المستقبل»، عدد ٦، ٥ / ١ / ١٩٢٨.
٧٨  راجع: جريدة «المقطم»، عدد ١٣٥١٧، بتاريخ ١٣ / ٧ / ١٩٣٣، ص٤.
٧٩  راجع: جريدة «المقطم»، عدد ١٣٥٥٩، ٣١ / ٨ / ١٩٣٣.
٨٠  راجع: مجلة «المصور»، عدد ٥٩٠، ٢ / ٢ / ١٩٣٦.
٨١  راجع: مجلة «المصور»، عدد ٧١٢، ٣ / ٦ / ١٩٣٨.
٨٢  وللمزيد عن تفاصيل هذه الأمور، راجع: د. سيد علي إسماعيل، «قضية النص المسرحي بين الفصحى والعامية في مصر»، مطبعة الزهرء بالمنيا، ١٩٩٦، ص٩٩–١٠٤.
٨٣  انظر تقارير لجنة القراءة الخاصة بالفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، والمكتوبة من قِبَل فتوح نشاطي ودريني خشبة، المحفوظة في مجلد خاص بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤