الباب الثالث

وصف المرأة

سأحاول في هذا الباب أن أنتقي خير ما ورد على لسان الفلاسفة والحكماء والأدباء في وصف المرأة بصفة عامة، ووصف بعض أجزاء جسمها بصفة خاصة، تاركًا للقارئ حُكمه على ما في الوصف من جمالٍ ورقة، أو ما فيه من صحة ومغالاة.

وصف أعرابي امرأة فقال: «حسناء عربيدة، طويلة فارعة، سامقة القوام، حلوة يجري ماء النضارة والشباب في محيَّاها، تتهادى مستعلية برأسها في تيهٍ ودلال، وتتمايل في رشاقة وزهو كأنها غصنُ بانٍ يُحرِّكه النسيم العليل، ذات جسم رطب رخص، تغنِّي فوقه الطيور، ووجه باسم صبوح، وعينَين سوداوَين تشعان سهامًا تفتك بالقلوب، ووجنتَين انتهبتا من الورد حمرته، وشفتَين كالعناب الحلو المتبل بالرضاب، وأسنان كاللؤلؤ، وجِيد أتلَع، وصدر كعبَ ثدياه، فكانت ملتقى أشعة العيون وشركًا لاقتناص القلوب والعقول.»

وقال آخَر: «امرأة وضيئة قسيمة وذات شعر فاحم بسط، وعيون ساحرة ونظرات نفَّاذة آسِرة، وجيد أتلَع أغرَّ، وصدر ناهِد رطب، وقوام رخص بض.»

وقال أبو القاسم الشابي في وصف فتاة:

عذبة أنتِ، كالطفلة، كالأحـ
ـلام كاللحن، كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك، كالليلة القمـ
ـراء كالورد، كابتسام الوليد
أنتِ، ما أنتِ؟ أنتِ رسم جميل
عبقري من فن هذا الوجود
فيكِ ما فيه من غموض وعمق
وجمال مقدَّس معبود
أنت روح الربيع، تختال في الدنـ
يا فتهتز رائعات الورود
وتهب الحياة سكرى من العط
ـر، ويروي الوجود بالتغريد
أنتِ تُحيين في فؤادي ما قد
مات في أمسي السعيد الفقيد
أنتِ أنشودة الأناشيد غناك
إله الغناء رب القصيد
يا ابنة النور إنني وحدي
مَن رأى فيكِ روعة المعبود
فدعيني أعيش في ظلك العذ
ب، وفي قرب حسنك المشهود
عيشة للجمال والفن، والإلـ
ـهام والطهر والسنا والسجود

وقال آخَر:

خدُّه وردي والعذار بنفسجي
والريق خمريٌّ واللواحظ نرجس
فكأنني من خدِّه وعذاره
ورضابه ولحاظه في مجلس

وقال غيره:

رأتني فألقَتْ شَعرها فوق نَحْرها
فقلتُ لها زيحي اللثام عن الدر
فقالت وقد هاج الدلال بعطفها
أخاف على عينَيك من بارق الثغر

وصف كاتب امرأة فقال: «يا لها من امرأة، لقد كانت أعجوبة الأعاجيب، بل قل ألعوبة الألاعيب، خفيفة كالطير سريعة كالخيل، قوتها في ساقَيها وقدمَيها الدقيقتَين، ولباقتها في لسانها اللولبي الذي لا يكل ولا يمل، صوتها جهوري، ثرثارة، جريئة في قحة تارة، وفي أدب تارة أخرى، مستهترة يجري الاستهتار في عروقها بسرعة جريان الدم في شرايينها، حتى لَيُخيَّل للمرء أن قد ورثَتْه جدًّا عن جدٍّ، ولا سبيل لها إلى الخلاص منه.»

ووصف أعرابي امرأة فقال: كأن وجهها السقم لمَن رآها، والبرء لمَن ناجاها.

قيل لأعرابي: «أتُحسِن صفة النساء؟» قال: «نعم، إذا عذب ثناياها، وسهل خدَّاها، ونهدَ ثدياها، وفعم ساعداها، والتفَّ فخذاها وعرض وركاها، وجدل ساقاها، فتلك همُّ النفس ومُناها.»

وذكر أعرابي امرأة فقال: «أرسل الحسن إلى خدَّيها صفائح نور، ورشق السحر عن لَحْظها سهم حداد، ولقد تأملتُ فوجدتُ للبدر نورًا من بعض نورها.»

ووصف آخَر امرأة فقال: «هي شمس تباهي بها شمس سمائها، وليس لي شفيع إليها غيرها في اقتضائها، ولكنني كَتوم لفيض النفس عند امتلائها.»

وقال غيره في وصف امرأة: «ما أحس من حبها نعاسًا، ولا أنظر إليها إلا اختلاسًا، وكل امرئ منها يرى ما أحب.»

وذكر أعرابي امرأة فقال: «لها جِلد من لؤلؤ رطب مع رائحة المسك الأذفر، في كل عضو منها شمس طالعة.»

وقال آخَر في وصفها: «هي السقم الذي لا بُرء منه، والبُرء الذي لا سقم معه، أسهل من الماء وأبعد من السماء.»

فَرْعاء تسحب من قيام شعرها
وتغيب فيه وهو ليل أسخمُ
فكأنها فيه نهار مشرق
وكأنه ليل عليها مُظلِمُ

وقال آخَر:

غرَّاء مبسام كأنَّ حديثها
درٌّ تحدَّر نَظْمه منشور

وقال النابغة الذبياني يصف المتجردة زوج النعمان بن المنذر ملك الحيرة بقصيدة طويلة منها:

في إثر غانية رمتك بسهمها
فأصاب قلبك غير أن لم تقصدِ
سقطَ النصيفُ ولم تُرِد إسقاطه
فتناولَتْه واتَّقَتْنا باليدِ
بمُخضَّب رخصٍ كأنَّ بَنَانه
عنَمٌ على أغصانه لم يَعقِدِ
لو أنها عرضَتْ لأشمط راهبٍ
يخشى الإلهَ صَرورةٍ مُتعبِّدِ
لَرَنا لبهجتها وحُلوِ حديثها
ولَخاله رشدًا وإن لم يرشدِ
فاذا لمستَ لمستَ أختم جاثمًا
متحيِّزًا بمكانه ملءْ اليدِ
وإذا طعنتَ طعنتَ في مستهدفٍ
رابي المجسة للعبير مُقرمدِ

وقال أبو نواس:

قامت بإبريقها والليلُ مُعتكِرُ
فلاحَ من وجهها في البيت لَأْلاءُ

وقال غيره:

أيام أبدَتْ واضحًا مفلَّجًا
أغرَّ برَّاقًا وطرفًا أبرجا
ومقلةً وحاجبًا مزجَّجًا
وفاحمًا ومرسنًا مسرَّجا

وقال أبو صخر:

ألا إنما هند عصا خيزرانة
إذا لمسوها بالأکُفِّ تلينُ

وقال غيره:

هي الشمس مسكنها في السماء
فعزِ الفؤاد عزاءً جميلًا
فلن تستطيع إليها الصعود
ولن تستطيع إليها النزولا

وقال آخَر:

وجه لمصباح السماء مباهي
يبدو الشباب عليه رشح مياه
رقم العذار غلالتيه بأحرف
معنى الهوى في طيبها متناهي
نادى عليه الحُسن حين لقيته
هذا المنمنم في طراز الله

وقال أبو الحسن:

خفَرتْ بسيف اللحظ ذمة مغفري
وفرَت برمح القدِّ درع تصبُّري
وجلت لنا من تحت مسكة خالها
كافور فجر شقَّ ليل العنبرِ
فزعت فضرَّست العقيق بلؤلؤ
سكنت فرائده غدير السكرِ
وتنهَّدتْ جزعًا فأثَّر كفُّها
في صدرها فنظرتُ ما لم أنظُرِ
أقلام مرجان كتبنَ بعنبر
بصحيفة البلور خمسة أسطرِ
يا حامل السيف الصقيل إذا رنت
إياك ضربة جفنها المتكسرِ
وتوقَّ يا رب القناة الطعن إن
حملت عليك من القوام بأسمرِ

وقال آخَر:

بدا فقالوا تبارك الله
جل الذي صاغه وسوَّاه
في ريقه شهدة مذوَّبة
وانعقد الدر في ثناياه
مكملًا بالجمال منفردًا
كل الورى في جماله تاهوا
قد كتب الحسن فوق وجنته
أشهد أن لا مليح إلاه

وقال أديب:

ظبي ياقوت مراشفه الو
هَّاج تكلل بالجوهر
وسما لسما عرش الوجنات
إله الجمال لا ينكر
تحكي عن محكم قدرته
رسل الألحاظ لمَن أنكر
وأقام دليل نبوَّته
في جامع خدَّيه الأزهر
فنبيُّ الحُسن له صلَّى
وبلال الخال له كبَّر
قالت شفتاه لمرتشفٍ
إنا أعطيناك الكوثر

وقال غيره:

قسمًا بوجنته وباسِمِ ثغره
وبأسهُمٍ قد راشها من سحره
وبلينِ عطفَيه، ومرهفِ لَحْظِه
وبياضِ غُرَّته وأسوَدِ شعره
وبحاجبٍ حجبَ الكرى عن صَبِّه
وسطا عليه بنَهْيه وبأَمْرِه
وبورد خدَّيْهِ وآسِ عذارِهِ
وعقيقِ مبسَمِه ولؤلؤِ ثَغْرِه
وبرِدْفِه المرتجِّ في حركاته
وسكونِهِ وبرقةٍ في خَصْرِه
ما المسك إلا من فُضالةِ خالِهِ
والطِّيبُ يروي ريحَهُ عن نَشْرِه
وكذلك الشمس المنيرة دونَهُ
ورأى الهلال قلامة من ظُفرِهِ

وقال آخَر:

نشرَتْ ثلاث ذوائبٍ من شَعْرها
في ليلةٍ فأرَتْ ليالي أربعا
واستقبلَتْ قمر السماء بوجهها
فأرَتْني القمرَين في وقتٍ معا

وقال غيره:

خذوا حذرَكُم من طَرْفها فهْوَ ساحرٌ
وليس بناجٍ مَن رمَتْهُ المحاجرُ
ولا تُخدَعوا من رقةٍ في كلامها
فإن الحميَّا للعقول تخامرُ
مُنعَّمة لو لامسَ الوردُ خدَّها
بكَتْ وبدَتْ من مقلتَيها البواترُ
فلو في الكرى شم النسيم بأرضها
سرى أبدًا من أرضها وهو عاطرُ

وقال آخَر:

إن أقبلَتْ قتلَتْ وإنْ هي أدبرَتْ
جعلَتْ جميع الناس من عشاقها
شمسية بدرية لكنها
ليس الجفا والصدُّ من أخلاقها
جنَّات عدن تحت جيبِ قميصها
والبدر في فلك على أطرافها

وقال نحوي يصف محبوبته:

بيضاء مصقولة الخدَّين ناعمة
كأنها لؤلؤ في الحُسن مكنونُ
كأن ألحاظها نبل وحاجبها
قوس على أنه بالموت مقرونُ
بالخدِّ والقدِّ إن تبدو فوَجْنتها
وردٌ وآس وريحان ونسرينُ
والغصن يعهد في البستان مغرسه
وغصن قدِّك كم فيه بساتين

وقال أحد الشعراء:

ما خاب مَن سمَّاك أنس الوجود
يا جامعة بين أنس ووجود
يا طلعة البدر الذي وجهه
قد نوَّر الكون وعمَّ الوجود
ما أنت إلا فردة في الورى
سلطان ذي حسن وعندي شهود
حاجبك النون التي سطرت
ومقلتاك الصاد صنع الودود
وقدك الغصن الرطيب الذي
إذا دعي في كل شيء يجود

وقال آخَر يصف زند محبوبته:

وسواعد تزهو بحُسنِ أساورٍ
كالنار تضرم فوق ماء جارِ
فكأنها والتبر محتاط بها
ماء تمنطقَ معجبًا بالنارِ

ووصف أعرابي امرأة فقال: «كاد الغزال يكونها، لولا ما نقص منه وتمَّ فيها.»

ووصفها آخَر فقال: «يجب أن يكون في المرأة أربعة أشياء سود: شعر الرأس، والحاجبان، وأشفار العين، والحدقة، وأربعة بيض: اللون، وبياض العين، والأسنان، والساق، وأربعة حمر: اللسان، والشفتان والوجنتان، واللثة، وأربعة مدورة: الرأس، والعنق، والساعد، والعرقوب، وأربعة طوال: الظهر، والأصابع، والذراعان والساقان، وأربعة واسعة: الجبهة، والعين والصدر، والوركان، وأربعة دقيقة: الحاجبان، والأنف، والشفتان، والأصابع، وأربعة غليظة: العجز، والفخذان والعضلتان، والركبتان، وأربعة صغيرة: الأذنان، والثديان، واليدان، والرجلان، وأربعة طيبة الريح: الفم، والعرق، والأنف، والفرج، وأربعة عفيفة: الطرف، والبطن، واللسان واليد.»

وإليك بعض ما ورد على لسان الكُتاب والأدباء في وصف المرأة:

هي غادة هيفاء، بديعة فريدة المثال، لها وجه يخجل الأقمار، وعليها من الملابس الثمينة التي لا تُقدَّر بقيمة، ومن الحلي والجواهر الغوالي ما لا يثمن بمال.

هي أغنية عذبة النغم، نشوى القرار، في قدها الريان، وعذوبتها الخضاب، تمشي فتجرُّ وراءها موكبًا من عيون رصعها الإعجاب، وتنظر فتنقل عيناها السحر إلى قلوب أقلقها دبيب الغرام.

هي فتاة يشتهي ندى الصباح أن يستقي نقاوته منها، ترتدي ثوبًا يبعث الحرارة في كل امرئ ما عداها، طويلة مشوقة، تمشي كأنها العلم، في وجهها هدوء، وفي عينها صفاء، ولصورتها رواء، هيفاء، متناسبة الطول والعرض، تسير في طريقها فلا تنحرف ولا تميل، ثيابها الغالية، وحليها الثمينة، وعطرها الزكي، كأنها فرقة موسيقية كاملة بارعة تعزف لحنًا ساحرًا.

هي روضة الحسن، ونضرة الشمس، وبدر الأرض، قد فرع عودها، وبرز نهداها، وترنَّح خصرها تحت الثوب الفضفاض الذي يخب فيه جسدها الفتيُّ المتفجِّر أنوثة وحياة، كما استدار وجهها وأناره جبين مشرق كأنه الهلال الوليد يطل من الأفق على عينَين سوداوَين كأن أهدابها الطويلة الساجية غلائل ليل حالك السواد، لها ثغر عذب المراشف، وشفتان قانيتان كأنهما حول الثنايا الملتمعة جمرتان لا تخبو لها نار، وصدر عريض ناهد، وثدي نزق، كأنه في انطباعاته جذوة نار حامية، عيناها زرقاوان، وشعرها قد اختلطت فيه الفضة والذهب، وقوامها ممشوق، تمشي على خفر واستحياء.

هي فتاة بارعة الحسن، مليحة الدل، فينانة ريَّانة، وكانت إذا تقدمت ترنو وتبتسم وتتبرج وتهتز، وتشد هذا الثدي، وتثني هذه الذراع، وتميل برأسها الذي كله خدود، وعيون وأصداغ.

هي فتاة يزينها جمال فاتن، وطلعة مشرقة، هي شقراء أميل إلى الطول منها إلى القصر، معتدلة القد، خفيفة الروح والحركات، لها شعر ذهبي لماع، كأنه إكليل من نضار توَّجَها به الجمال، وعينان زرقاوان فيهما السحر وفيهما الفتنة، وفيهما الوداعة وكرم الخلق وصفاء الضمير، لها جسم بضٌّ كأنه البلور المذاب، يكاد لصفائه تنعكس عليه الأشباح والصور.

هي فتاة وجهها جميل كالأماني، رقيق كأوراق الورد، مشرق كالضحى، وشعرها أسود ناعم، وأنفاسها كمطر تشتاقه الروح، وصوت كنغم من السماء، وبسمة يخشع لها القلب، نظراتها كوتَر الجيتار الناعم الحنون، وصوتها كاللحن الهادئ الذي ينساب في خفوت، ساقها ملتفة عبلة، وجسمها ممشوق سمهري، وثديها مثمر يتحلب نعيمًا.

كأنها البدر المنير في حسنها وجمالها، وقدها واعتدالها، لها أعين تصيد قلوب العاشقين، وحاجبان مقرونان، ومبسم لطيف، وقدٌّ أهيف ظريف، وخصر نحيف وأسنان كاللؤلؤ والمرجان، وفم مثل خاتم سليمان، إذا رأيتها ملكَتْ فؤادك وأسرَتْ قلبك وقيادك، وأصبحت قتيل هواها، ولا عدت تطلب من الدنيا سواها.

كانت فتاة ماكرة، غزلة لعوبًا، تعرف كيف تأسر في ثقة وتجذب في سكينة، وتفتن في صمت، وتستميل في إغراء هادئ مطمئن عميق لا يكشف سرها ولا يميط اللثام أبدًا عن حقيقة شخصيتها.

كانت لغزًا أنثويًّا حيًّا ممثلًا في قامة مشوقة، وشعر أسود مجعد، وعينَين واسعتَين متقدتَين، ونظرات ناعسة حادة تقترن فيها العذوبة والرقة بالإباء والغطرسة والشموخ.

امرأة تناثرت الدموع من عينها كما يتناثر اللؤلؤ من عقد انفصم سمطه، فكان منظرها من أعظم المناظر وأشهاها، وأظرفها وأحلاها.

كانت شفتاها كزورق وحيد تائه على صفحة الماء بين أوراق الأشجار الجافة المتساقطة، أما قوامها فكشعاع القمر عندما يتسلل من خلال أغصان الأشجار، لها وجه كالبدر في كامل استدارته، وأهداب كظلال الخلد كحيلة سوداء، وجيد مهتز ناضج، وفم شتيت حلو أودعت فيه السماء أسرارها، وصبغته عرائس الفنون بحمرة القُبل، فهو دائمًا يبتسم، وكل ابتسامة منه تحيي وتميت.

إنها تتمايل تمايُل الأغصان إذا حرَّكها النسيم، بقدود مائسات، وعيون ناعسات، كأنها أشبه بالبدر المنير بين النجوم السواطع، لا يبدو وجهها إلا مليحًا صبوحًا واضحًا، لا تعبس أبدًا، وقد تبتسم.

هي تجتذب بظاهر فيها قلبًا بعد قلب، وإذا هي تورد القلوب موارد المنون، طلقة المحيا، وادعة الأسارير، يستبين وجهها في إطار من خمار أسود قشيب، البِشر في عينيها، والفرحة كأمواج النسيم تداعب عطفيها، فمها ينبوع ماء حي يودُّ أن يعبَّ منه كل ظمآن، أسنانها بيضاء كياسمين منضد، صقيلة لماعة كأندر وأغلى العاج، جبينها ناصع كالصراحة، ونظرتها باترة كالعزيمة، وضحكتها مدوية كالحرية، ولمعة تفكيرها العبقري تجثم في عمق عينيها كما يجثم سر الحياة الكبرى في مقدس بدنها الغض الجميل.

لها وجه كأنه إشراقة الصبح أو صفحة البدر، أو تبلج الحق بين ظلمات الشكوك، به عينان حوراوان امتزجت بهما صولة السحر بنشوة التمر، فكانتا شِباك الفتنة لصيد القلوب، وأنف حسَّن الله تقويمه وأبدع تكوينه، فزاد وجهها جمالًا، وثغر دري ياقوتي، تهيم به الشفاه، وتحوم حوله القلوب ظمأى، كما تحوم طيور الصحراء حول معين الماء العذب النمير.

كانت فتاة فارعة القدِّ ممتلئة الجسم، جرى حديث جمالها الفاتن من فم إلى فم، وتنقَّل من دار إلى دار، حتى أصبحت مضرب المثل بين فتيات المدينة، ومقياس الجمال كلما عرض ذكر الجمال.

كانت فتاة جميلة فائقة الحسن، فاتكة اللحظات، رائعة القسمات، لم تطلع الشمس على أنضر منها وجهًا ولا أملد عودًا، ولا أشد إغراء وفتنة، يصدق فيها قول الشاعر:

ومليح قال صِفْني
أنتَ في القول فصيح
قلت قولًا باختصار
كل ما فيك مليح

ولعل أجمل ما قيل في وصف المرأة: «كلما تأملت الوردة المنتفخة، تمثلت فمك الساخر، حيث يضحك في رياء دم شرفك المطعون، وكلما تأملت الثمرة الناضجة، تمثلت صدرك الفاجر، حيث يمرح في دهاء سر قلبك المدفون، وكلما تأملت النجمة الساطعة، تمثلت بصرك الزائغ، حيث يلسع في هدوء خبث عقلك الملعون، أنت الشوكة لا الوردة، والدودة لا الثمرة، والسحابة لا النجمة، والشقوة لا النعيم.

لقد عرفتك، ومَن عرف المرأة معرفتي بك آثَرَ حرقة الزهد على وهم التمتُّع، ولَوْعة الوحدة على فرح الحياة، وكبرياء النفس على ذل الحب، حتى ولو كان في الزهد والوحدة والكبرياء فناء الجسم وموت القلب وعذاب السعير.

حقًّا، آهٍ منكِ أيتها المرأة، لقد كنت الوردة والثمرة والنور، كنتِ وردة للروح، وثمرة للجسد، ونورًا للعقل، كنتِ الجمال، وكنتِ الكمال، فكيف خدعتِني يا أيتها المرأة وغدرتِ بي؟ وكيف استحال قلبك في مثل خطف البرق من هيكل للحب إلى مرعى للديدان؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤