الباب الرابع

الأم

الأم جوهرة ثمينة لا تُقدَّر بمال.

الأم ركن هام في بيتها وفي بيت الأمة.

الأم سلاح قوي تنهض به الأمم.

الأم كل شيء في الوجود، إن لم تكن هي الوجود نفسه.

الأم رمز السلام والمحبة والطهر.

الأم هي المعلم الأول للجيل الجديد.

الأم أعظم قائد في معركة الحياة الخالدة.

يقول طومسون: «لا شيء في هذا الوجود يعدل حِجر الأم رقة، ولا زهرة أجمل من ابتسامتها، وما من طريق أكثر أزهارًا من ذلك الطريق الذي تمهده قدماها.»

ومما لا شك فيه، أن حبَّ الأم هو أشرف أنواع الحب وأعمقه وأدعمه، إنه الحب الخالد الذي لا يموت ولا ينتهي، وللألمانيين مَثلٌ مشهور يقول: «حبُّ الأم لا يهرم.»

ولعل جبران خليل جبران قد أصاب حينما كتب هذه العبارة الجميلة عن الأم، التي يقول فيها:

«إن أعذب ما تُحدِثه البشرية في الشفاه هو لفظ «الأم»، وأجمل مناداة في الوجود هي: «يا أمي.» كلمة صغيرة كبيرة، مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنوِّ والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدرًا يسند إليه رأسه، ويدًا تباركه، وعينًا تحرسه.

كل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة، فالشمس هي أم هذه الأرض، ترضعها حرارتها، وتحضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنام على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار، تلدها وترضعها ثم تفطمها، والأشجار والأزهار تصير في وقتها أمهات حنونات للأثمار الشهية والبذور الحية.

وأمُّ كل شيء في الكيان هي الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة.»

إن لفظة الأم تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض وتنشق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح، كما يتصاعد القطن من قلب الوردة في الفضاء الممطر الصافي.

إن قلب الأم زهرة لا تذبل، إنه مستودع لكل عاطفة نبيلة سامية، ومبعث لكل نور يضيء الحياة، ولذلك ما أصدق المثل الإستوني الذي يقول: «إذا ماتت الأم أصبح الأب أعمى.»

والأم في نظر الطفل كالخالق في نظر المخلوق، مصدر كل صلاح، وهي العناية والشريعة والكل في الكل، ومن ثَمَّ يرى هنري فريدريك إميل أنه يجب على الأم أن تكون لطفلها كالشمس في الفلك، نجمًا ثابتًا لا يتغير، ولا يحجب نوره عن ذلك المولود.

ولا أدلَّ على حب الأم لأولادها مما كتبته إحدى الأمهات، من قدماء المصريين، على قبر ابنها: «مَن ينتهك حرمة هذا القبر، فليكن آخِر مَن يموت ممَّن يحبهم.» لقد خرجت هذه الكلمة من نفس ذاقت آلام الحياة بجميع أنواعها ودرجاتها، وهي كلمة يفزع لهولها كل مَن فارق عزيزًا محبوبًا.

وإنَّ كانت أليس هاوثرون تقول: «ما هو البيت بدون أم؟» فإن نابليون الأول يقول: «لا تحتاج فرنسا لكي تنهض لغير أم صالحة.» ولقد قال الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعدَدْتَها
أعددتَ شعبًا طيِّب الأعراقِ

ولقد قال نابليون بونابرت لمدام كمبان: «إن نُظم التعليم لتبدو لي عديمة الفائدة، فماذا ينقصنا حتى يصبح الشعب مهذبًا بمعنى الكلمة؟» فأجابت مدام كمبان: «الأمهات.» فسُرَّ الإمبراطور من إجابتها وقال: «أصبتِ، فهذا نظام تربية يتلخَّص في كلمة واحدة، ليكن شغلك الشاغل منذ الآن أن تُلقِّني الأمهات كيف يهذِّبن أطفالهن.»

والأم خير مثال في التضحية، فيؤكد ذلك لنا ما قالته «أجربينا» والدة «نيرون» عندما قيل لها إن ابنها سيقتلها عندما يصبح إمبراطورًا، إذ قالت وعلى شفتَيها ابتسامة الرضا: «يسرني أن أموت على يدَيه لو تحقَّق له أن يصبح إمبراطورًا.»

فيا لها من تضحية أمٍّ!

ونستطيع تقدير أهمية الأم ومكانتها في المجتمع من أمثال الأمم الآتية:

  • يُهجر البيت بلعنة الأب، ولكنه ينهار وينهدم بلعنة الأم (مَثل بلغاري).

  • توجد أمهات وآباء يملأ الحنان قلوبهم، ولا يوجد أبناء وبنات عندهم حنان (مَثل صيني)

  • يخرج الجسد من الأم سليمًا، وعلى الابن أن يُعيده سليمًا (مَثل صيني).

  • علَّمنا أبونا وأمنا الكلام، وعلَّمتنا الحياة الصمت (مَثل تشيكي).

  • مَن يتناول الابن بيدَيه يتناول الأم بقلبه (مَثل دنمارکي).

  • قد يحظى الابن بفيض غزير من بركات أمه (مَثل إنجليزي).

  • أطراف أنامل الطفل تؤلم قلب الأم (مَثل إستوني)

  • يدوم حب الأب إلى اللحد، أما حب الأم فسرمدي (مَثل إستوني).

  • مَن لا يعلِّمه أبوه وأمه تعلِّمه الحياة (مَثل إستوني).

  • مَن لم يعلِّمه أبواه علَّمته الأيام والليالي (مَثل مصري).

  • إن لحقَ أمك العار، لحقَ زوجة أبيك (مَثل أوغندي).

  • إن أعطاك أحمق أمه فخذها ولا تخف (مَثل أوغندي).

  • عندما تبرز أسنان الطفل، فعلى الأم أن تبيع قميصها لتشتري له خمرًا (مَثل ألماني).

  • مَن داعب أنف الطفل، قصد تقبيل خدِّ الأم (مَثل ألماني).

  • ليست الحقيقة كما ترويها الأم، بل كما يرويها الجيران (مَثل هندي).

  • انظر الأم وتزوج الابنة (مَثل هنغاري).

  • يحب المرء معشوقته أكثر الحب، وزوجته أفضل الحب، وأمه أطول الحب (مَثل أيرلندي).

  • لا يحب الأب الطفل إلا عندما تمكث الأم معه (مَثل كونفي).

  • أعظم حب هو حب الأم (مَثل بولندي).

  • الأب والأم لا يعوضان، أما الزوجة فيمكن تعويضها (مَثل روماني).

  • الأم النشيطة تعلِّم ابنتها الكسل (مَثل برتغالي).

وخير ما نختم به هذا الباب ويعطينا فكرة صحيحة عن مكانة الأم، هو القصة الآتية:

سأل أعرابي رسول الله فقال: يا رسول الله، مَن أحق الناس بصداقتي؟ قال: «أمك.» قال: ثم مَن؟ قال: «أمك.» قال: ثم مَن؟ قال: «أمك.» قال: ثم مَن؟ قال: «أبوك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤