حال الزمان

هذا هو الرب القادر، والأسدُ الكاسر، والحسام الباتر. هذا هو الخصم والحكم، والحرب والسَّلم، والسيف والقلم. هذا هو الداءُ والدواءُ، والنعيم والشقاء، والراحة والعياءُ. هذا هو العدوُّ والصاحب، والمطلوب والطالب، والمنهوب والناهب. هذا هو الحق والزور، والخير والشرور، والحزن والسرور. هذا هو الميزان والأوزان، والرجحان والنقصان، والطاعة والعصيان. هذا هو الظهور والخفاء، والخيانة والوفاء، والكدر والصفاء. هذا هو الوجوم والابتسام، والثواب والانتقام، والحلال والحرام. هذا هو الباب والطريق، والوحدة والرفيق، والفرج والضيق. هذا هو الزمان الغلاب، والشيخ المهاب، كاسر الأكاسرة، قاصر القياصرة، رافع الوضيع، خافض الرفيع، مفقر الأغنيا، مغني الفقرا، كاشف الأسرار، هاتك الأستار، ترجمان النوايا، قهرمان العنايا، دهقان الخبايا، محتِدُ البلايا. إذا فرَّح أحزن، وإن قوَّى أوهن، ومتى منح أمحن. فلا يضرب إلا ليكف، ولا ينتقم إلا ليعف، ولا يواسي إلا ليأسي، ولا يذكِّر إلى لينبي، ولا يوجع إلى ليريح، ولا يسدل إلا ليزيح، ولا يأخذ إلا ليعطي، ولا يعلي إلا ليوطي، ولا يحصد إلا ليزرع، ولا يمنح إلا ليمنع، ولا يعدل إلا ليظلم، ولا يبني إلا ليهدم، ولا يرشد إلا ليضل، ولا يلهي إلا ليمل. ففيه اللهو والملل، والخيبة والأمل، والريُّ والظِّماءُ، والشدة والرخاءُ، والثبوت والتقلب، والقهقرة والتغلب. أيان طال صال، وأينما طلب نال، وحيثما رمى أصاب، وكلما أكَّد أراب. فتركه طلب، وهدوهُ شغب، وصلاحه فساد، ونومه سهاد، ويقظتهُ رقاد، وحلمه جور، ونجده غور، وسلسله دور، وسلمه قتال، ودوامه محال. ومن شأنهِ أنه كلما أعطى أطمع، وكلما طيَّب أفجع. ومما دهاني به في غالية، ما دعاني لهذه الأقوال القالية:

سطوة الزمان

جئت أرض الغيث كي أطفي الصدا
فطفت عزمي وزادت عطشي
وأطاشتني فصحتُ المددا
يا لراسٍ عمرهُ لم يطشِ

دور

لم أجد والله في هذه البلاد
غير داءٍ لي وللغير دوا
ذقت فيها كل كاسات النكاد
وكذا غيري من البشر ارتوى
وبها الدهر كساني بالحداد
وكسا الكل بأثواب الغوى
يا فؤادي قد جرى فيك الردى
فعلى هذا الردى متْ أو عشِ
واصطبر أو فاختبط كل سدى
قضي الأمرُ فلا تلتطشِ

دور

لستُ لا والله أدري حجتي
لا لدى الله ولا عند البشر
غير أني سالكٌ في دعوتي
ولكل مسلكٌ فيه اشتهر
فرمى الدهرُ اغتيالًا همَّتي
بنبال الغدر يا قوم الحذر
ذلك الدهرُ لنا شرُّ العدى
سارقٌ لكنه لا يختشي
يرعش الدنيا إذا ألقى يدًا
وهو شيخُ أنحس لم يرتعشِ

دور

يا لقومي في صباحي والمسا
أُسدُ الخطبِ لقلبي تفترسُ
قد أعادتني أصمًّا أخرسا
في ربوعٍ فَاهَ فيها الأخرسُ
ما احتيالُ المرءِ في حكم الأسى
مشكلٌ تحتارُ منه الأنفسُ
قيل صبرًا قلت والصبر غدا
صاحب الدهر ومنه مرتشي
وكذا العقل الذي منه الهدى
صار كالطفلِ كثير الطيشِ

دور

إن مَن كان الشقا قسمتهُ
لا يرى إلا الشقا أينَ سرى
لا يرى في الأرض إلا مقتهُ
كيفما جدَّ عليها وجرى
وأخو السعد يرى نعمتهُ
أينما سار وأنَّى خطرا
رُبَّ ذي عجزٍ له فاض الندى
وأخي عزمٍ قضى في عطشِ
ما ترى الهرَّ يعيشُ الرغدا
ويصاد النمرُ ضمن الحرشِ

دور

قد قطعتُ الآن آمالَ الشفا
بعدما جرَّبت كل الأدوية
هُدم البيت وأقوى وعفا
هكذا غاية كل الأبنية
فطبيبُ اليأس حسبي وكفى
إنَّ في اليأس لكلٍّ تعزية
لا يغرَّنَّ الفتى يومٌ بدا
أبيضًا في زمن كالحبشي
فأمام الدهر كلٌّ وُجِدَا
مثل عصفور أمام الحنشِ

دور

كلنا نحن بني هذا الوجود
نشرب السمَّ بكاسات الذهب
تظهر الدنيا لنا ماءَ الورود
فندانِيها فتسقينا النكب
تركها أَولى فلا كان الوفود
نحو خوَّانٍ إذا أعطى نهب
ليس من أمنٍ لحيٍّ أبدا
من زمانٍ جائعٍ مستوحشِ
فاحذروا يا ناس هذا الأسدا
أيُّ نابٍ في الطوى لم ينهشِ

دور

تفرح الآباء في حظوى البنين
فرح الصاحي بإقبال المدام
ما صراخ الطفل في أول حين
غير قولِ جئتُ فاذهب بسلام
لو درى ما النور في الدنيا الجنين
فضَّل الإجهاض واستحلى الظلام
حُرِّم القتلُ فمثلٌ أو فدا
والورى عن ذا القضا في طرشِ
كلما للدهر أعطوا ولدا
ساقهُ للذبح مثل الكبشِ

دور

يا أبي نمْ أَمِنًا في ذا التراب
فعلى ذي الأرض جاءت نوبتي
قد خلصتَ الآن من هذا العذاب
بعدما أثبتَّ فيه وقعتي
دمعك المهراق ما غاص وغاب
عنك لولا دورهُ في مقلتي
فأهنيك بموتٍ أنجدا
آه لو ترثي لعيشي المنتشي
طبْ فما عدت تقاسي نكدا
قد أتى دوري فيا موت ابطشِ

دور

وكذا يا أمُّ أوجاع المخاض
كنَّ رمزًا عن مصابي المقبلِ
أنتِ قد أرضعتني ذاك البياض
لدخولي في سوادِ الأجلِ
خطتِ لي أقمطة قبل المباض
لم تكن غير قيودي الأولِ
منذ ما ألبستني هذا الردا
حاك لي الدهر لباس الفحشِ
وأعدَّ السهد لي والكمدا
منذ تبسيمكِ لي في المفرشِ

دور

كم بكت عينكِ دمعًا كالدما
كلما تنظر عيني في أرق
آه لو تنظرني الآن وما
في فؤادي من لهيب وحرق
فاستريحي الآن بالموت فما
أتعب العيش على ذاك القلق
واتركيني باكيًا طول المدى
خابطًا وحدي رفيق الرعشِ
ضايعًا في غربتي مبتعدًا
صارخًا يا سعد مَن لم يعشِ

دور

فأنا أبكيكما يا والديَّ
بدموع ما بكاها أحدُ
إنَّ في موتكما القاسي لديَّ
مات حقًّا سندي والعضدُ
أيُّ شيءٍ عوضٌ لي أي شي
وجميع الأرض لي تضطهدُ
ولذا صرتُ فتًى منفردا
أنظر الدنيا نظير البرغشِ
أرتجي في خلواتي الصمدا
فسواهُ ليس لي من منعشِ

وأيضًا قلت في جور الزمان:

حتامَ هذا الزمان يفتك بي
حتامَ يجري عليَّ بالنكبِ
ويلاه لم يروَ من دمايَ فلو
مستسقيًا كان لارتوى وأبي
فما احتيالي وأين أهرب من
دهرٍ إليهِ المصيرُ بالهربِ
دهرٌ لذي الامتلاءِ كل سخا
وكل محلٍّ لكل ذي سغبِ
كعارضٍ غرَّق السباخ ولم
يسقِ الأراضي التي على لغبِ
والدهر أعمى العيون وهو على
سبل الورى قايدٌ فوا عجبي
بئس الليالي التي أثرن على
قلبي خطوب الحروب والنوبِ
كسفن شمسي على الضحى وكذا
خسفن بدري وليس فيَّ الذنبِ
لله كم بتُّ والشئون على
خدَّيَّ ينسجنَ حلَّة الكربِ
والليل يلقي رماد ظلمتهِ
في الشرق فوق الصباح ذي اللهبِ
ما لليالي غدرن بي أترى
زعمنني ثايرًا على الخطبِ
وما لدهري أتى يطاردني
هل ظنَّ أني مطارد الحبِ
فلينعم الآن كل ذي نعمٍ
فالدهر لاهٍ عليَّ بالغضبِ
وهكذا ذي الحياة جاريةً
ذا في اضطرابٍ وذاك في طربِ
يا أيها الدهرُ لا بلغت مني
إلامَ أيدي سباك تلعبُ بي
أقمت بي دار ندوة جمعت
كل البلا خبتَ يا أبا لهبِ
فأنت خصمٌ لكل ذي طمعٍ
وأنت ضدٌّ لكل ذي طلبِ
وأنت للهدم والدثار أبٌ
وأنت أمٌّ لكل منقلبِ
وأنت شيخٌ وأنت ذي حكم
وأنت تسعى كجاهل وصبي
فكم مدارٍ يصيح ضدك يا
جانٍ وكم مركزٍ وكم قطبِ
وكم بلاد وكم قرًى وورى
حتى وكم أنجمٍ وكم شهبِ
فلا معينٌ لنا عليك سوى
سوم الرضا في الهنا وفي الوصبِ
إن الرضا تارةً يجرُّ منًى
والصبر طورًا يجيءُ بالأربِ
صبرتُ حتى العياءُ غار على
صبري ولولا العنا لكان سبي
وأنفس الصابرين قد خلقت
مقاوماتٍ لأثقل النكبِ
وكل بلواي جهل دهري بي
دهرٌ به ضاع أجرُ ذي الأدبِ
والجهلُ ليلٌ إذا فشا سرقت
فيهِ أجور النهى بلا تعبِ

وقلت أيضًا استغاثةً بالله:

عظمتْ عليَّ نوائب الدنياءِ
والدهر قابلني بكل بلاءِ
وغدوت فوق الأرض ريشة طائرٍ
سقطت أمام عواصف الأهواءِ
أيَّانَ سرتُ رأيت كل مصيبة
عُظمى تهددني بقطع رجائِي
فأودُّ أن أهوى الزمان عسى أرى
تعذيبهُ عذبًا على أحشائي
فكأَن قلبي صار عضوًا للشقا
والحزن لا لعيالة الأعضاء
قلبٌ أبي دفع الدما إلَّا إلى
عيني لتطفي نارهُ ببكائي
أبكي أضجُّ أنوحُ إذ لا سامعٌ
غير الدجى والريح والأنواءِ
فدعوتُ من لم يُدعَ دون إجابة
فرثي لحالي واستجاب دعائي
إن كنت صنع يديك يا ربي فلا
أدعو سواك ففي يديك شفائي
أنت العليمُ بما جنيتُ به فلا
أشكو لغيرك يا رحيم ضنائي
يا رب قد دارت عليَّ دوايرٌ
سودٌ وعدت فريسة النكباءِ
يا رب قد قهر الزمان عزايمي
فاقهر زمان القهر يا مولاي
زمنٌ قد استسقى بكل مكيدةٍ
وغدا على ولعٍ بشرب دمائي
صرعتني المحنُ الشداد فمدَّ لي
يدكَ الشديدة يا أبا الضعفاء
محنٌ تعاظم فتكها وصراعها
فافتك بها يا أعظم العظماء
يا منقذًا أيوب من بلوائه
بالصبر فأنقذني من البلواء
أذناك سامعتان أصواتي كذا
عيناك ناظرتان حال عناي
إن كان سخطك صار داءً لي فلا
ريبٌ سألقى من رضاك دوائي
أنت العليم بلى بضعف طبيعتي
وأنا العليم نعم بعظم خطائي
أغصان حلمك دانيات قطوفها
وجنان عفوك فايح الأرجاءِ
عبدٌ إلى مولاه مدَّ يد الرجا
حاشا يردُّ بقسوةٍ وجفاء
عبدٌ رأى في قلبه ربًّا له
رؤياهُ شمس الكون في العلياء
فانحاز يقرع صدره طَلب الندى
قرع الفقير لباب ربِّ غناء
إنِّي علمت وجود باري الخلق من
إيحاء نفسي لا من الإيحاء
إن كنت موجودًا فربٌّ موجدي
هيهات مبروءٌ بلا إبراء
ها كافة الأشياء تدعو كل ذي
عقلٍ ليعبد مبدع الأشياء
من ذا الذي سوَّى السماء وصاغها
وكسا الكواكب حُلَّة الأضواءِ
من ذا الذي دهق الفضا بعوالم
جلَّت عن التعداد والإحصاءِ
بعوالمٍ صبغت بأحسن صيغةٍ
وجرت بكل شريعةٍ غرَّاءِ
من ذا الذي جعل الجماد مجهزًا
قوتَ الحياة وقوة الإحياء
من ذا الذي أعطى النبات طبيعةً
منها إلى الحيوان كل عطاءِ
من ذا الذي قد صيَّر الحيوان أن
يدري المحيط به بلا استثناءِ
متحركًا بإرادةٍ متمتعًا
بوجودهِ متطاوع الأجزاءِ
من ذا الذي من ذلك الحيوان قد
سوَّى كيانًا فاق كل سواءِ
أعني بهِ الإنسان سيد جنسه
رأس الخليقة مالك الحوباءِ
من ذا الذي أعطاه خليقةٍ
وحباهُ أعظم قدرةٍ وسطاءِ
أعطاهُ أن يسطو على كلٍّ وأن
يستخدم الأشياء بالأشياءِ
أعطاهُ فهمًا أدرك الأشيا به
وأبان ذا عن ذاك بالأسماءِ
أعطاهُ ذكرًا يستطير به على
جنح الضمير إلى أشمِّ سماءِ
ذكرًا بقوته يرى في قلبهِ
صورَ الحوادث في الزمان النائي
فمن الذي قد صاغ هذا كله
من حيث ليس سوى سكون فضاء
ذا خالقٌ متحجِّبٌ في ذاته
ويرى الجميع وما له من رائي
ربٌّ كبيرٌ قادرٌ متسلِّطٌ
منهُ الحياة ومنهُ كل سخاءِ
فيه استغثت على جميع مصايبي
وعليهِ قد ألقيت كل رجائي
وكذَاك أرجوهُ يمنُّ عليَّ أن
أطفي بماءِ قويق حرَّ ظمائي
وأعافُ نهر السينِ فهو لذي الظما
ملحٌ أجاجٌ معطش الأحشاءِ
حيث الغريب يرى الجنان بعينه
وفوادهُ يصلى بنار لظاءِ
لا ناقةٌ أبدًا له كلا ولا
جملٌ ولا حصباءُ في بطحاءِ
فمتى أرى الأظعان تعدو بي على
سمعان حيث مطالع الشهباءِ
وأرى رءوس السرو تدعوني إلى
أن أستطيب نسائِم الزوراءِ
كلٌّ يميل إلى مساقط رأسه
ميل الرضيع إلى لقا الأثداءِ
فأنا إلى حلبٍ أميل صبابةً
أبدًا وإن أكُ في سما الدنياءِ
بلدٌ لرأسي مسقطٌ وبها أرى
أهلي وأصحابي وآلَ ولائي
للوحش أوكارٌ وللأطيار أشـ
ـجارٌ وللأسماك لُجُّ الماء
لا يزأَرنَّ الليثُ في دوح ولا
يترنَّمُ القمريُّ في البيداءِ
والجرف للظبي الغرير أحب من
قفصٍ من البلور ذي اللأَلاءِ
كلٌّ لنغمة أرضه يصبو ولا
يلوي سوى ذي فطرة صماءِ
فمتى أرى جبل اللكام يمدُّ لي
باعًا يطول على جبال ألتاي
حيث الطبيعة بالطبيعة زينت
حتى اغتنت عن صنعةٍ وعناءِ
حيث السما وفت الفصول فما أتت
بشتاء صيفٍ أو بصيف شتاءِ
حيث المناخ كسا الثرى بل والورى
ثوب النعيم فكان خير كساء
إن المليحة من تجل بحسنها
عن صقل عرقوبٍ ورثم رداءِ
وبكل أرضٍ آفةٌ تجري على
قدر المألوفِ وقدرة الأجراء
فالعمرُ سوقٌ والخطوب بضايعٌ
والدهر فيه يبيع دون شراء
إن العذوبة في الحياة عذابها
كوعود معشوقٍ بدون وفاءِ
فتبسُّم المفقود رمز خلاصه
وتوسمُ المولود رمز بلاءِ
والدهر أعمى وهو دالول الورى
وأصمُّ وهو يرنُّ بالأرزاءِ

وقلت ندبًا لفعل الحوادث:

هل عاد عندك يا زمان بعادي
خطبٌ تعاندني به وتعادي
لا عدت أجزع منك إذ قد أفرغت
كل الكنانة في صميم فوادي
لم يبقَ عندك ما تروُّعني بهِ
غير المنيَّة وهي جُلُّ مرادي
أشكوك يا دهري وإنِّي عالمٌ
شكوايَ تذهبُ صرخةً في وادي
وكذا أناديك الدوام وإنني
أدري بأنك لا تجيب منادي
لي معك يوم العرض وقفة مشتك
يا ظالمًا وعديم كل رشاد
يا دهرُ لِمْ كسَّرتَ كل ظباك في
عنقي لحاك الله من جلَّاد
أترى أنا وحدي عدوك في الملا
يا من له كل الأنام أعادي
أعدمتني كل الهنا وتركتني
متغرِّبًا عن معشري وبلادي
وحكمت أن أقضي الحياة شقًا وأن
أرعى الأسى كمدًا ليوم معادي
ومنعت عني المنجدين فلو بدوا
لي في المنام لرمتَ منع رقادي
سحقًا لعمرٍ كل يومٍ منه لي
موتٌ وقايعهُ بلا تعدادِ
ما أجفني فيه سوى سحبٍ وما
نفسي سوى لهبٍ وقدح زنادِ
يبدو الصباح لكل عين أبيضًا
ولأعيني متوشِّحًا بسوادِ
والشمس عند شروقها تلقي على
كل الطبيعة حلة الإسعادِ
لكن أبت تلقي عليَّ سوى اللظى
وأبى يراها الطرف غير رمادِ
وا حسرتي نفخ الزمان بلمتي
شيبًا تداخل في شباب بادي
والعمر في زمن الصبا زهر الربى
للكل لكن لي كشوك قتادِ
قد كنت خلو البال لا أهوى سوى
قبضي لأقلامي وبسطي مدادي
وقطوف أغصان الشباب دوانيًا
وتنقلي من زينبٍ لسعادِ
فغدوت أروغ من ثُعالةَ في العنا
وأضل من مهرٍ بغير قيادِ
لم أدرِ قط من الشقا إلا اسمهُ
حتى تصرَّفَ فعله بفوادي
قد كان يحسدني على دهري الورى
والآن صرتُ أنا من الحساد
وأشدُّ ما قاسيتُ من ألم البلى
ضجرٌ يرافقني بكل عنادِ
فكأنهُ مَلَكٌ يروم وقايتي
لكن من الإصلاح لا الإفسادِ
أيَّانَ سِرتُ أراه نصبَ لواحظي
أبدًا وأين ظنعتُ فهو الحادي
وهو الكرى وخيالهُ في أعيني
ولربما هو مضجعي ووسادي
من لي به بطلًا يطاردني بلا
حلمٍ وما أنا من رجال طراد
قردٌ قبيحٌ لم يَخِرْ قفصًا سوى
قلبي ولم أكُ قط بالقرَّاد
بعدًا له نغلًا شنيعًا أمهُ
بنت الشقا وأبوهُ ابن جهاد
أو ذاك حظي منك يا باريس يا
دار الهناءِ ودارة الأعياد
وعلامَ أسندُ إن أقل هنا لي هنًا
والحكم مردودٌ بلا إسنادِ
ما هذه الدنيا وما هذا الملا
ما القصد في الإعدام والإيجاد
ماذا الحيوةُ وما الممات وما الوجودُ
وما النفوس تضجُّ في الأجسادِ
إني رأيتُ الكلَّ شيئًا واحدًا
يجري كصوتٍ واحد الترداد
مع أن ذا ضدٌّ لذا والكون إن
يثبت فذا بتنازع الأضداد
فعلمتُ أنَّ عنايةً علويةً
للكل مثل الأم للأولاد
وإذا وفاقٌ قام في أجناسه
فالخلق في الأنواع والأفراد
لكن مللتُ دوام صوت واحد
ملل السماع مطارق الحداد
ورأيت أن الأرض تيهٌ مظلمٌ
وبه الورى تسعى بلا إرشاد
يا صاحب الدنيا حذار حذار إن
عادتكَ يومًا فهي شرُّ معادي
أنثى فلا يرجى ثباتٌ عندها
تبغي الوداد ولم تقم بودادِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤