انقراض الدولة الكيانية الفارسية

وقيام الدولة اليونانية
لم يتخلص العراقيون من الاستعمار الفارسي حتى حمل الإسكندر المقدوني على مملكة الفرس في عهد دارا الثالث، الذي جلس على سرير الملك في الوقت الذي كانت فيه الدولة الفارسية في اضطراب مستمر، فزادها هذا الملك ضعفًا واضطرابًا لعدم كفاءته وقلة تجاربه، فانقرضت تلك الدولة العظيمة على يد بطل اليونان الإسكندر بعد ثلاثة وقائع مشهورة: الأولى وقعة الغرانيق التي حدثت سنة ٣٣٤ق.م، والثانية وقعة أسوس١ التي جرت سنة ٣٣٣ق.م، والثالثة معركة أربيلا٢ التي وقعت ٣٣١ق.م، وهي التي قضت على تلك الدولة وقرضتها من العراق بعد أن فتح الإسكندر من الفرس جميع ما كان لهم من البلاد والمستعمرات، عدا بلاد فارس التي استولى عليها بعد فتح العراق، ومحى تلك الدولة من عالم الوجود.

بعد أن انقرضت الدولة الكيانية الفارسية العظيمة المجد المترامية الأطراف على يد الإسكندر، وتم الأمر في العراق لليونان بعد وقعة أربيلا، ثم دانت لهم بلاد فارس بعد قتل دارا الثالث؛ بقي العراق تحت حكم الإسكندر، ثم انتقل إلى خلفائه السلوقيين، وكانت مدة حكم اليونان في العراق ٢٠٥ سنوات ٣٣١–١٢٦ق.م، وذلك منذ أن افتتحه الإسكندر إلى انقراض الدولة السلوقية اليونانية على يد البرتيين الفرس.

(١) تتمة لما سبق

كانت بلاد العراق — مملكة بابل — في عهد الدولة الكيانية مربوطة بإتاوة تدفعها للدولة الفارسية كغيرها من الولايات، وكان لها حاكم عام مطلق يدير دفة السياسة والإدارة والحرب معًا، ويولي العمَّال على المدن، وكان لكل مدينة مجلس قضائي يسير على ما جاءت به شريعة البلاد؛ لأن هذه الدولة كانت قد أبقت قوانين البلاد وشرائعها وعاداتها على حالها، وكانت في الغالب تولي على الإيالات رجالًا من العائلة المالكة وتخول لهم السلطة التامة، وكان الحاكم الذي يتولى إحدى الأقاليم يُسمَّى ساتراب، وفي رواية أنها كانت قد جعلت في كل ولاية ومدينة هيئة عدلية مؤلَّفة من جماعةٍ أكثرُهم من كهنة الفرس.

أما الدين الرسمي للدولة الكيانية فهو دين زردشت أو زورواستر أو زرادشت الذي ظهر في الفرس بين القرن العاشر والسابع قبل الميلاد، وادَّعَى النبوة وأنه مرسَل من الله، وأنه جاء من عنده بكتاب سماوي. وقد جاء زردشت بقوانين دينية ونظامات سياسية ومدنية، ووضع لقومه كتابًا سُمِّي «الزاندافستا» ضمَّنَه جميع تعاليمه وإرشاداته الدينية، وعلى توالي الأعوام أصبحت شريعته رسمية في بلاد فارس، وترك الفرس ديانتهم القديمة التي كانوا عليها منذ العصور الواغلة في القِدَم؛ وهي عبادة القوى الطبيعية المختلفة وخاصة الشمس. ولا يسعنا هنا ذكر ما جاءت به شريعة زردشت، وما يعتقده أتباعها، وما حدث عليها أخيرًا من التغيير والتحرير والتحريف، غير أن هذا الدين لم ينتشر في العراق أيام الكيانيين؛ لأنهم لم يُجبِروا أحدًا على اعتناقه؛ ولذا لم يعتنقه أحد من أهل هذا القطر، وظلَّ منحصرًا في الجالية الفارسية التي استوطنت البلاد، حتى جاءت الدولة اليونانية، ثم الدولة البرتية، ثم الساسانية، فكثر أتباع هذا الدين من الفرس لتوالي الدول الفارسية على هذه البلاد، فلما جاء العرب المسلمون قرضوه بالتدريج كما قرضوا البقية الباقية من ديانة البابليين «الوثنية» التي قرضتها النصرانية تقريبًا قبل الفتح الإسلامي.

١  «أسوس» مدينة بكلكيا.
٢  «أربيلا» هي «أربل» أو «أربيل» الحالية، وهي قديمة جدًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤