الدولة الساسانية

أو الدولة الفارسية الرابعة في العراق ٢٣٦–٦٣٧م

بعد أن استولى أردشير بن بابك على «العراق» وقرض الدولة البرتية، وأسَّس الدولة الساسانية، أو دولة الأكاسرة الشهيرة في التاريخ؛ نظم إدارة البلاد العراقية وولَّى عليها الولاة، ولم يتعرض بديانة العراقيين ولا بعاداتهم، وأقرَّ قوانين البلاد على حالها، ولكنه اضطهد اليهود من أجل مساعدتهم للبرتيين أثناء الحروب التي قامت بينه وبين البرتيين في العراق، وأقرَّ على الحيرة وما يليها ملكًا على العرب جذيمة الوضاح، الذي كان محالِفًا له قبل فتح العراق ثم خضع لسيادته، وبسبب خضوعه هذا هاجَرَ كثير من العرب ولا سيما تنوخ التابعين لحكومة الحيرة، ونزلوا بادية الشام لأنهم أَبَوا الرضوخ للفرس.

وبقي العراق في هدوء حتى مات أردشير سنة ٢٤١م، بعد أن حكم خمس عشرة سنة (٢٢٦–٢٤١)، ومن مبانيه في «العراق» مدينة «بهرسير»، بناها على «دجلة» تجاه «أكتسيفون» في الجانب الغربي، وعدة حصون وقلاع منها قلعة كبيرة بالقرب من موقع «البصرة» عدا ما حفره من الأنهار، وما جدَّدَه من المدن منها مدينة «سلوقية»، فإنه جدَّدَ بناءها فسُمِّيَتْ بعد حينٍ «أرداشير».

مات هذا الفاتح والدولة الساسانية التي أسَّسَها في دورة التأسيس، ولم يفتح بعد العراق — بعد محو البرتيين والتغلُّب على مملكتهم — غير بلاد ما بين النهرين التي أعلن الحرب من أجلها على الروم في عهد القيصر ألكسندر سويروس، وأخذ منه جميع تلك البلاد، ثم وسَّع خلفاؤه المُلك بفتوحات جديدة، حتى صارت هذه الدولة من أعظم دول الأرض في تلك الأزمنة.

وتولى بعد أردشير الأول ابنه شابور الأول (٢٤١–٢٧٢م) الذي أدخل القسم الأعظم من جزيرة العرب تحت حماية الفرس، وبنى في «العراق» مدينة «تكريت» التي صارت بعد حينٍ مركزًا للبعاقبة النصارى، وظهر في أيامه ماني المشهور الذي ادَّعَى النبوة في بلاد فارس، وشابور هذا هو الذي أسر ملك الروم والريانوس قيصر وأرسله أسيرًا إلى «بابل»، بعد حروب شديدة استمرت أعوامًا بين الدولتين، ولكنه اندحر أخيرًا أمام أذينة الثاني العربي ملك «تدمر» الخاضع لسيادة الرومانيين، حتى استردَّ منه باسم الرومانيين جميع بلاد الجزيرة، وظلَّ يطارده حتى دخل «العراق» وحاصَرَ مدينة «سلوقية» سنة ٢٦١م، ثم رجع بمَن معه من جيوش العرب والروم؛ لاختلال حدث في المملكة الرومانية.

وتولَّى بعده ابنه هرمزد — هرمز — الأول سنة ٢٧٢م، ثم بهرام الأول سنة ٢٧٣م، وهو الذي قتل ماني وسعى في محو مذهبه من بلاد فارس، وأعلن الحرب على الروم، فانخذل أمامهم فطاردوه إلى «العراق» واستولوا على مدينتي «سلوقية» و«أكتسيفون»، ثم رجعوا إلى ما بين النهرين. وخلفه بهرام الثاني سنة ٢٧٦م، ثم بهرام الثالث سنة ٢٩٣م، فلم يملك غير أربعة أشهر، فتولَّى في السنة نفسها نرسي بن بهرام الثاني، وهو الذي حفر في العراق بنواحي الكوفة نهرَ النرس الذي يأخذ من الفرات،١ وفي أيامه جعل نهر «الخابور» حدًّا فاصلًا بين العراق والروم، أو بين المملكة الفارسية والمملكة الرومانية، وتولى بعده هرمزد الثاني (سنة ٣٠٢–٣٠٩م)، وفي كل هذه المدة لم يحدث في العراق اضطراب أو اختلال داخلي.

(١) شابور الثاني والعرب العراقيون

تولَّى شابور الثاني بعد هرمزد الثاني سنة ٣٠٩م، ولصغر سنه نصب الفرس وصيًّا عليه ليتولى شئون المملكة، فساءت الأحوال بادئ بدء وكثرت الاضطرابات في المملكة حتى طمع العرب فيها، وجاء منهم — زيادة على مَن في العراق منهم — عدة قبائل من البحرين وغيرها وعبروا خليج «فارس» وأخذوا يشنون الغارات على الأطراف، وأغارت قبيلة «إياد» على سواد «العراق» ونهبت وغنمت، وظلَّ العرب أعوامًا — وخصوصًا إياد — معادين للفرس والفرس لا يقاتلونهم. فلما بلغ شابور السادسة عشر وتسلَّم زمام المملكة بدأ بأعدائه القريبين منه، وهم العرب الذين في العراق، فتعمَّدَ أذاهم وإخراجهم من بلاده، وخصوصًا قبيلة إياد التي قال فيه شاعرها:

على رغم سابور بن سابور أصبحت
قباب إياد حولها الخيل والنعم
فتمكَّنَ من الفتك بالعرب، فقتل من «إياد» ومن «تميم» عددًا كبيرًا، وشتتت جيوشه شمل العرب، ففرَّ بعضهم إلى «الروم» وبعضهم إلى «البحرين» وغيرها، فطارَدَ سابور مَن في «البحرين»، فقطع الخليج الفارسي وفتَكَ في «البحرين» و«اليمامة» ببني تميم، ثم سار إلى «الأحساء» و«القطيف» وفتك بالعرب الذين هناك، ثم عاد وحمل على ديار بكر وربيعة فيما بين مملكة «الفرس» و«الروم»، وفتك بهم، وكان ينزع أكتاف رؤساء العرب الذين يظفر بهم فسمَّوه «ذا الأكتاف»، ولم يكتفِ سابور بما أنزله بالعرب من الفتك العظيم في أكثر الجهات، بل إنه أصدر بعد تلك الحادثة أمرًا بعدم دخول العرب في عاصمته بغير إذن منه، ومَن دخلها بغير إذن يُقتَل، وبنى مدينة «الهفة» في طرف السواد في أنحاء «البطيحة» في «العراق»، وأسكن فيها مَن أسره من إياد، ونهى الفرس عن مخالطتهم،٢ فأراد العرب الذي فروا إلى «الروم» أن ينتقموا منه، فاتفقوا مع الروم في عهد الملك قسطنطين الأكبر وزحفوا معهم على الجزيرة، فاتسع الخرق على الفرس وجرت بين سابور وبين الروم عدة وقائع، انهزم في آخِرها الفرس، فطاردهم الروم والعرب حتى استولوا على «أكتسيفون» وغنموا ما فيها، فاضطر الملك الفارسي إلى تأليف جيش جديد فتمكَّنَ من استرداد «أكتسيفون»، وظلَّ يقاتل المهاجمين حتى أخرجهم من «العراق» وطاردهم فحالفه النصر حتى اضطر الروم إلى مصالحته وإرجاع مدينة «نصيبين» له، ولما تولَّى عرش الروم يوليانوس حمل على الفرس سنة ٣٦٣م، وعبر نهر دجلة وتوغَّلَ في البلاد حتى اقترب من «أكتسيفون» فلقيته جيوش شابور، وبعد معارك هائلة انكسرت الجيوش الرومانية وقُتِل ملكها.
ولم يكن اضطهاد شابور قاصرًا على عرب البادية، بل شمل سكان المدن منهم، وهم النصارى الذين كانوا منتشرين في المدن العراقية، فإنه قتل كثيرًا منهم، وأصدر أمرًا بمضاعفة الجزية السنوية التي عليهم، وذلك سنة ٣٣٩م، وأردفه بأمر آخَر بعد سنة قضى بهدم الكنائس ثم قتل جماعة من الأساقفة، والذي حمله على ذلك انتشار الدين المسيحي في عهده في «العراق» انتشارًا هائلًا بين الحضر والبدو من العرب، وتحزب النصارى وتحسبهم لقياصرة الروم الذين من مذهبهم، لا سيما في عهد القيصر قسطنطين الكبير؛ ولذلك بلغ الاضطهاد أشده في أيامه، وهو أول مَن اضطهد النصارى من الملوك الساسانيين، وهو الذي بنى مدينة «آلوس» الواقعة في جزيرة صغيرة في وسط «الفرات» شرقي «حديثة»، وجعلها مسلَّحَة تحفظ ما قرب من البادية، وهو الذي حفر خندقًا في «برية الكوفة»، أي من «هيت» إلى «كاظمة» مما يلي موقع «البصرة» يشق طف البادية،٣ وينفذ إلى البحر، وجعل عليه القلاع والحصون ونظمه بالمسالح؛ ليكون ذلك مانعًا لأهل البادية من السواد، أي ليمنع هجمات العرب،٤ وهو جدَّدَ بناء مدينة «الأنبار» التي كانت على «الفرات» في غربي موقع «بغداد» بينهما عشرة فراسخ، وهو الذي قرض دولة الضجاعمة العربية التضاعية، واستولى على مدينتها الحضر التي يسميها اليونان «أترا»، ويسميها بعضهم «حطار» الواقعة في الجزيرة في الجنوب الشرقي من «سنجار»، وهو الذي بنى القصر المشهور في مدينة «أكتسيفون»، وجعله دار الملك، وأنفق على بنائه أموالًا طائلة.٥ وتولَّى بعده أخوه أردشير الثاني سنة ٣٧٩م، ثم خُلِع سنة ٣٨٣م وأُجلِس مكانه شابور الثالث، ثم بهرام الرابع سنة ٣٨٨م، وفي أيامه أغار الهونيون على «أرمينيا» سنة ٣٩٦م، ثم على ما بين النهرين وسورية، واستولوا على بلاد كثيرة، ثم حملوا على العراق حتى اقتربوا من «أكتسيفون»، فحمل عليهم بهرام هذا، وبعد عدة معارك انخذل الهونيون وتمزَّقَ جَمْعهم واستردَّ منهم بهرام السبايا الذين سبوهم من بلاد الروم، وكانوا نحو الثمانية عشر ألف نسمة، فأعاد بعضهم إلى بلادهم وأسكن بعضهم «العراق»، وذلك سنة ٣٩٩م.

ثم تولَّى يزد جرد الأول الملقَّب بالأثيم سنة ٣٩٩م، وكان يحب العرب ويكرمهم، وكان لملك «الحيرة» النعمان الأول عنده منزلة رفيعة، حتى إنه لما مرض ابنه بهرام أعطاه وهو طفل للنعمان ليربيه في الحيرة لطيب هوائها وعذوبة مائها، فربَّاه النعمان أحسن تربية وعلَّمه الكتابة والحكمة والرمي والفروسية وكل ما يلزم للملوك، وبنى له قصرًا فخمًا وبقي عنده حتى مات أبوه. وفي عهده اضطهد الفرس النصارى، فاتخذ الروم ذلك الاضطهاد ذريعة للحرب، فتظاهروا بنصرة أبناء مذهبهم وأشهروا الحرب على الفرس، وبعد عدة وقائع اتفق الفريقان على الصلح، وأرسل ملك الروم أركاديوس وفدًا إلى «العراق»، فنزل الوفد في البلاط الملوكي ﺑ «أكتسيفون» فتمَّ الصلح على شروط رضياها، من جملتها: رفع الاضطهاد عن النصارى الذين في المملكة الفارسية، وعقد يزد جرد معاهدة صلح لمائة سنة، وأزال الاضطهاد عن النصارى، وأذن لهم بتجديد الكنائس التي خُربت في الاضطهادات، وأطلق لهم الحرية التامة.

وخلفه ابنه بهرام الخامس أو بهرام جور سنة ٤٢٠م، وهو الذي ربَّاه النعمان الأول ملك الحيرة وساعَدَه على لبس التاج؛ لأن الفرس اختلفوا فيمَن يملِّكون عليهم من أولاد يزدجرد الأول الذين ثارت بينهم الفتن عند موت أبيهم، فاستنجد بهرام بالنعمان، فجهَّزَ لنصرته جيشًا كبيرًا من العرب، وسار به إلى «أكتسيفون» وأجلَسَ بهرام على كرسي المملكة، ومن أجل ذلك أحبَّ هذا الملك العرب حبًّا جمًّا، ورفع منزلة ملك الحيرة على سائر رجال دولته، فاعتلى شأن العرب في عهده.

وتولَّى بعده يزدجرد الثاني سنة ٤٣٨م، ثم هرمزد الثالث سنة ٤٥٧م، فنازعه أخوه الأكبر بيروزا أو فيروز على الملك واستنصر بالهياطلة،٦ فأمدَّه ملكها بثلاثين ألف مقاتل، فحارَبَ أخاه حتى استولى على العرش بعد أن قتل أخاه سنة ٤٦٠م، فلما كانت سنة ٤٨٤م قُتِل هذا الملك في حربه مع الروم، فخلفه بلاش باني مدينة «ساباط» بالقرب من «أكتسيفون»، فنازَعَه أخوه قباذ على الملك، ولكنه مات في أثناء ذلك، فصفى الجو لقباذ وجلس على العرش سنة ٤٨٨م، وفي أيامه ظهر مزدك الشيوعي ونشر الشيوعية في بلاد فارس، وتبعه الملك قباذ وساعَدَه على نشر مذهبه في المملكة الفارسية حتى كادت تسري الشيوعية إلى العراق، وأمر قباذ جميع الولاة والحكَّام والموظفين في خدمة الحكومة باتِّبَاع هذا المذهب، فاتبعه فريق منهم طوعًا وآخَرون كرهًا، وأَبَى اتباعه جماعة كبيرة منهم المنذر الثالث ملك «الحيرة»، فعزله قباذ وولَّى على «الحيرة» كندة الحارث بن عمرو عدو المنذر، فلما زاد تعصُّب قباذ للشيوعية اتفق عظماء الفرس على خلعه، فخلعوه وحبسوه سنة ٤٩٩م، وأجلسوا مكانه أخاه زماسب — جامسب.
وبعد قليل فرَّ قباذ من الحبس بمساعدة أخته، وسار ملتجِئًا بالهياطلة والبرابرة، وهناك استنجد بملكهم، فجهَّزَ له جيشًا كبيرًا وانضمَّ إليه أتباع مزدك، فزحف قباذ على أخيه، وبعد حروب قهره وعاد إلى العرش ثانيةً سنة ٤٩٨م، فلما عاد قباذ ورأى الفرس قد غضبوا عليه بسبب اتِّبَاعه لمذهب مزدك الشيوعي، تركه وتظاهَرَ بالمجوسية، وهو الذي جعل الخراج بالمساحة في «العراق»، بعد أن كان أسلافه يأخذون الخراج بالمقاصمة، فضرب قباذ على الجريب الواحد من الأرض درهمًا وقفيزًا، مهما يكن حاله من الخصب أو الجدب؛٧ فبلغت جباية «العراق» في أيامه مائة وخمسين مليون درهم في السنة، حيث كانت بلاد «العراق» حينذاك زاهية بالبساتين والحدائق والمزارع العظيمة والأنهار، خصوصًا وأن هذا الملك كان قد نشط التجارة والزراعة، وحفر عدة أنهار في «العراق».
وتولى بعد قباذ ابنه كسرى أنو شروان العادل سنة ٥٣١م، فأصلح أمور الدولة ونظَّم جيوشها وعدَّل الشرائع التي وضعها أردشير الأول،٨ فزهت في أيامه المملكة الفارسية، وتقدَّمَ «العراق» نحو المدنية والعمران حتى أصبح حافلًا بالعلماء من أهل البلاد الأصليين والفرس وغيرهم، ونبغ فيه جماعة من النصارى في الطب والفلسفة، وزادت ثروة أبناء الرافدين وسعدوا برقي بلادهم، فبلغت جباية «العراق» في عهده مائتين وسبعة وثمانين مليون درهم؛ لأن هذا الملك بذل جهده في إنماء ثروة البلاد، واجتهد كثيرًا في تنشيط التجارة وتوسيع أمور الري والمعارف، ونشر العدل وبثَّ الأمن، ورغب الناس في العلوم فانتشرت في أيامه الفلسفة اليونانية والعلوم المختلفة، وهو الذي حفر نهر «الفاطول» فوق «سامرا» المعروف ﺑ «القاطول النكسروي»، الذي كان يأخذ من «دجلة» في الجانب الشرقي ويصب في «النهروان»، وحفر نهر «دن» بقرب «أكتسيفون»، وحفر غير هذا عدة أنهار وترع في «العراق»، وبنى مدينة بالقرب من «أكتسيفون» وهي مدينة «نطيخوسرو» أي أنطاكية الجديدة لأنها كانت على شكل أنطاكية الروم، فسمَّتْها العرب «رومية المدائن»، وسمَّاها الكلدان «ماحوزا حدثا»، أي القلعة الجديدة، وزاد في القصر الملوكي الذي أسَّسه شابور ذو الأكتاف ﺑ «أكتسيفون» وأكثَرَ من زخرفته، وأعاد المنذر الثالث ملك «الحيرة» إلى ملكه، وقتل مزدك وكثيرًا من أتباعه، واجتهد في محو الشيوعية حتى أزالها من مملكته، وعدل قانون الجزية أي أنقصها عمَّا كانت عليه أيام أسلافه ترفيهًا لرعاياه، واستثنى منها أهل البادية وهم عرب «العراق»، أي إن هذه الجزية أو الضريبة السنوية على أهل المدن فقط. ولما جاء الإسلام أرادَ عُمَر أن يجعلها على العرب أولًا ثم عفى عنهم، فأصدر أمرًا عامًّا ألزم به الرعية الجزية ما عدا العظماء وأهل البيوتات والجند والهرابذة والكتَّاب ومَن بخدمة الملك، كل إنسان على قدره، فجعلها اثني عشر درهمًا، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم، وعفى عمَّن كان عمره دون العشرين أو فوق الخمسين، وأمر أن يُوضَع عمَّن أصابت غلته جائحة — أضرار — بقدر حائجته، وبجمع الجباية في كل أربعة أشهر مرة واحدة، وبهذا التعديل خفَّفَ عن رعاياه، وفي أيامه غزت قبيلة إياد القوافل فحمل عليهم أنو شروان، وكانوا قرب مكان «الكوفة» ففتك بهم وطردهم من «العراق»، فهاجروا إلى الجزيرة، وعلى إثر ذلك جدَّدَ سور مدينة «آلوس»، ووضع فيها جنودًا لصد هجمات القبائل العربية التي كانت تُغِير على ما قرب من السواد إلى البادية.

وجلس على سرير المملكة بعده هرمزد الرابع سنة ٥٧٩م، ثم خُلِع على إثر فتنة قامت بينه وبين القائد العام بهرام، الذي انحازت إليه الجيوش كلها فأجلس الفرس على العرش ابنه أبرويز سنة ٥٩٠م — كسرى برويز أو كسرى الثاني — حسمًا للنزاع وتسكينًا للفتن والاضطرابات، فازداد القائد عتوًّا وطمع في العرش، فدارت رحى الحرب بينه وبين الملك أبرويز، وبعد عدة وقائع جرت بالنهروان في العراق، انتصر بهرام واستولى على «أكتسيفون» واغتصب العرش وأعلن نفسه ملكًا، أما أبرويز فإنه فرَّ بعد انكساره إلى «القسطنطينية» مستنجدًا بالإمبراطور موريس «موريقي»، فأكرم وفادته وزوَّجه بابنته، ثم جهَّزَ له جيشًا عرمرمًا وأمده بالأموال، فسار أبرويز بالجيش حتى اقترَبَ من العراق فلاقاه بهرام، وبعد معارك هائلة دامت مدة انتصر أبرويز انتصارًا باهرًا، ومزَّقَ جيوش بهرام، وظل يطارده إلى «أذربيجان»، وهناك انتصر عليه انتصارًا نهائيًّا، ففرَّ بهرام إلى بلاد الترك، وعاد أبرويز إلى عرش الملك ودخل «أكتسيفون» باحتفال عظيم، بعد أن دامت الحروب بينه وبين بهرام أربع سنوات.

وعلى إثر هذا الفوز تنازَلَ أبرويز للروم عن مدينتَيْ «دارا» و«ميافارقين» اللتين أخذهما أبوه هرمزد منهم، وأرسل إلى الإمبراطور موريس هدايا نفيسة، وأجزل العطاء والصلات إلى قواد الروم الذين جاءوا لنصرته، وفرَّق الأموال في العساكر الرومية، فعادوا إلى مقرهم، وعقد أبرويز معاهدة الصلح مع الروم، وأصبحت الدولتان في وفاق ووداد، خصوصًا وأن أبرويز أضحى صهر موريس، ولكنه ألغى تلك المعاهدة وأشهر الحرب على الروم سنة ٦٠٢م، عندما خلعوا الإمبراطور موريس وقتلوه وأجلسوا مكانه «فوقا» على أثر فتنة أهلية حدثت في مملكتهم، فحمل عليهم أبرويز بجيوشه سنة ٦٠٤م؛ أخذًا بثار حميه مورس، ودامت الحروب بين الأمتين أعوامًا. وبعد أن توغَّلَ الفرس في مملكة الروم واستولوا على أكثر ممتلكاتها ومستعمراتها، وكادوا يفتحون «القسطنطينية» ويقضون على تلك المملكة، انعكس الأمر عندما تولَّى هراقليوس عرش الروم، وأخذوا يستردون من الفرس مدينة بعد أخرى، وظل الفرس يتقهقرون والروم يتقدَّمون حتى اقترب هراقليوس بجيوشه من «نينوي»، وهناك دارت رحى حرب طاحنة دارت بها الدائرة على الفرس، واستولى الروم على «نينوي» سنة ٦٢٧م، ثم على «كركوك»، ثم تقدَّموا نحو «العراق» حتى وصلوا «الزاب الأكبر»، وهناك حدثت حرب أخرى دموية، فانكسر الفرس فيها أيضًا، وأخذ الروم يتقدمون والفرس يفرون حتى وصل هراقليوس إلى الدسكرة،٩ ثم تقدَّمَ إلى «النهروان» فاختلَّ أمر الفرس واضطربت أحوالهم، فاجتمع كبراؤهم فخلعوا أبرويز وولَّوا مكانه ابنه شيرويه، وذلك سنة ٦٢٨م.

ففاوَضَ الملك الجديد الروم في الصلح فأجابوه، وتمَّ عقد الصلح بينه وبين هراقليوس على ما يرضي الروم، فعادوا إلى بلادهم، وعلى أثر ذلك قتل الملك شيرويه أباه أبرويز.

وأبرويز هذا هو الذي قتل النعمان الثالث ملك الحيرة سنة ٦١٦م، وولَّى بدله على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي، وهو الذي أرسل إليه صاحب الشريعة الإسلامية كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام مع عبد الله بن حذافة السهمي سنة ٦٢٨م الموافقة لسنة ٦ﻫ، فلما حضر عبد الله أمام أبرويز سلَّمَه الكتاب وهذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على مَن اتَّبَعَ الهدى وآمَنَ بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله، فإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر مَن كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، أَسْلِمْ تَسْلَم، فإن أبيتَ فإنما عليك إثم المجوس.»

فقرأه أبرويز فلما انتهى منه مزَّقه وأساء إلى حامله، وكتب إلى عامله ﺑ «اليمن» يأمره أن يغزو المدينة ويأتيه برسول الله أسيرًا، وعاد عبد الله إلى النبي وأخبره بما فعل أبرويز، فقال: «اللهم مزِّق ملكه كما مزَّقَ كتابي.» فلما خُلِع أبرويز كتب ابنه شيرويه إلى عامله ﺑ «اليمن» ينهاه عن مقاتلة رسول الله.

وفي عهد أبرويز حدثت المعركة الشهيرة بوقعة «ذي قار» بين الفرس والعرب التي انتصر فيها العرب انتصارًا باهرًا على الفرس.

ولم يملك شيرويه غير بضعة أشهر فقُتِل وخلفه أردشير الثالث سنة ٦٢٩م، ملَّكه الفرس وهو طفل فجعلوا له نائبًا ليقوم بأمره، وهو رئيس أصحاب المدائن — رئيس الوزراء — المدعو جسنس، فتسلَّمَ هذا زمامَ الأمور، ولكن الاضطرابات الداخلية كانت تزداد يومًا فيومًا في الوقت الذي حمل المسلمون فيه على «العراق» بقيادة خالد بن الوليد، فاختلَّتْ شئون المملكة واختلفت كلمة رجال الدولة حتى آلَ ذلك إلى حدوث فتنة بين رئيس القواد وبين نائب الملك، كان النصر في آخِرها لرئيس القوَّاد، فحمل بجيوشه على «أكتسيفون» وحاصَرَها ونصب عليها المجانيق، ثم احتلها عنوةً وقتل أردشير الملك ونائبه وجماعة من رجال الدولة، واغتصب العرش ونادى بنفسه ملكًا سنة ٦٣٠م، ولكنه لم يلبث أكثر من أربعين يومًا حتى وثبت عليه جماعة من الفرس وقتلوه، وعلى أثر ذلك اتفق رجال الدولة على تمليك بوران بنت كسرى أبرويز في السنة نفسها، فلم تملك هذه غير ستة عشر شهرًا فاحتال عليها رئيس القوَّاد بيروز وخنقها سنة ٦٣١م، فاشتدَّ الشقاق والخلاف بين رجال الحكومة وعظمت الاضطرابات في المملكة الفارسية، وانقسم الفرس إلى ثلاثة أقسام، فبايَعَ أهل «أكتسيفون» آزرميد وخت بنت كسرى أبرويز، وبايَعَ أهل «خراسان» صبيًّا من أولاد الملوك اسمه ميهر خوسرو، وبايَعَ أهل «اصطخر»١٠ يزدجرد بن شهريار، ثم قتلت آزرميد وخت، قتَلَها رستم حاكم خراسان بعد أن حمل عليها بجيشه، ودخل «أكتسيفون» حربًا عقب عدة معارك، ثم قُتِل ميهر خوسرو أيضًا فسادت الفوضى في البلاد واختلَّ النظام، والذي زاد الدولة اضطرابًا وزعزع أركانها توغُّل العرب المسلمين في العراق، الذين جاءوا للفتح منذ أيام أردشير الثالث، أي سنة ٦٢٩م بقيادة خالد بن الوليد في عهد الخليفة الأول أبي بكر.

ثم اتفق أهل «أكتسيفون» على تمليك حشنشده ابن عم أبرويز سنة ٦٣٢م، فقُتِل هذا بعد شهر من تمليكه، وولَّوا مكانه فيروز بن مهران من نسل أنو شروان، فقُتِل بعد بضعة أيام وملك بدله سابور بن شهريزان، وكان طفلًا فقام بأمره أحد كبار رجال الدولة اسمه فرخ زاد خسرو بن البنذوان، ولم يمضِ ثلاثة أشهر حتى قُتِل الملك ونائبه، وزاد أمر الدولة اديارًا بسبب تلك الفتن المستمرة وطمع بها أعداؤها، فلما أدرك الفرس خطورة موقفهم اجتمعوا على تمليك يزدجرد الثالث ابن شهريار الذي أجلسه على العرش أهل «اصطخر»، فاستقدموه منها إلى «أكتسيفون»، وأجمعوا كلمتهم عليه، فحضر «أكتسيفون» سنة ٦٣٢م فدانت له الفرس.

(٢) انقراض الدولة الساسانية

جلس يزدجرد الثالث على عرش المملكة الفارسية في الوقت الذي كانت فيه الدولة قد ضعفت من توالي الفتن الداخلية، وزادها ضعفًا توغُّل العرب المسلمين في العراق وحروبهم الشديدة مع الفرس منذ أيام أردشير الثالث وأيام الخليفة الأول أبي بكر الصديق، فكان هذا الملك يبذل جهده في إخماد الثورات الداخلية القائمة بين قومه من جهة، ويصد هجمات العرب الذين جاءوا للفتح من جهة أخرى، حتى ارتبك عليه الأمر، ولكنه كان مع كل ذلك جلدًا لا يُظهِر الضعف ولا يتظاهر بالعجز أمام العرب، وظلَّ يجهز الجيوش لقتالهم، فانتصروا عليه في أكثر الوقائع وفي الأخير أصلوه حربًا حامية في وقعة «القادسية» الشهيرة سنة ٦٣٦م، ثم أجبروه على الهزيمة من «العراق» إلى بلاد «فارس» سنة ٦٣٧م، بعد حروب عديدة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وقامت دولة الإسلام في «العراق» وانقرضت منه دولة «الفرس» التي حكمته ٤١٠ سنوات (٢٢٦–٦٣٧م).

(٣) تتمة لما تقدَّمَ

كان معظم سكان «العراق» في عهد الدولة الساسانية من بقايا الأراميين الأصليين — وهم الكلدان والسريان — والقبائل العربية التي منها إياد وربيعة وغيرهما، وعرب المناذرة سكان «الحيرة» وما يتبعها، ويتخلَّل تلك الجموع شتات من الفرس والأكراد وغيرهم من أمم أخرى، وكان الجميع في عيش رغيد وحرية تامة، بسبب عدم تعرُّض هؤلاء الملوك بشرائع أهل البلاد وآدابهم وعاداتهم، وإبقائهم القوانين على ما كانت عليه قبلًا، غير أنهم بدءوا باضطهاد النصارى العراقيين منذ تنصُّر القياصرة ملوك «رومية» بعد أن كانوا وثنيين، أي منذ أيام القيصر قسطنطين الكبير، بسبب ميل النصارى إلى القياصرة أبناء مذهبهم والتجسس لهم، خصوصًا عندما كانت تقوم الحرب بين الفرس والروم، فيتجسس النصارى لأبناء دينهم، حتى إن بعض الملوك قتلوا كثيرًا من رؤساء النصارى وهدموا أكثر كنائسهم، ولم يكن ذلك وحده سببًا لاضطهادهم، بل إن انتشار الدين المسيحي بين عرب «العراق» من بدو وحضر، وازدياد أتباعه عامًا فعامًا خوَّفَ الفرس من القضاء على دينهم الزردشتي الذي اتخذوه دينًا رسميًّا لدولتهم واجتهدوا بتقويته، خصوصًا وأن الدين المسيحي كان قد صار أخيرًا دينًا رسميًّا لدولة الروم المجاورة لهم، وصار الروم ينتصرون للنصارى الذين تحت حكم الفرس، حتى إنهم كانوا يتخذون اضطهادهم في بعض الأحيان ذريعة للحرب مع الفرس، ومع ذلك كله فقد كان أهل العراق في عهد هذه الدولة سعداء بالنسبة إلى الأمم الأخرى الراضخة لحكم الأجنبي في ذلك العهد.

أما حالة «العراق» من الوجهة الاقتصادية فكانت حسنةً جدًّا؛ لاعتناء هؤلاء الملوك بالري واهتمامهم بتوسيع نطاق الزراعة وتنشيط التجارة ورُقِيِّها، ومن أجل ذلك كان «العراق» في عهدهم غنيًّا جدًّا، وقد بلغت ثروته حينذاك مبلغًا عظيمًا بفضل الزراعة والتجارة والصناعة، واشتغَلَ أبناء الرافدين في أيامهم بالتجارة برًّا وبحرًا، وتبادلوا بها مع أهل الأقطار البعيدة ﮐ «مصر» و«سورية» و«الهند» و«فارس» وغيرها، بل إن زراعة العراق كانت في عهدهم أرقى زراعة في العالم؛ بفضل ما حفروه من الترع والأنهار،١١ وأصبحت جباية هذا القطر عظيمة خصوصًا في عهد أردشير الأول ودارا الأول وقباذ وأنو شروان،١٢ ولم يكن اهتمام هؤلاء الملوك قاصرًا على رقي التجارة وإنماء الزراعة فحسب، بل إن أكثرهم اهتموا بنشر العلوم أيضًا، فأنشئوا في العراق المدارس والمراصد والبيمارستانات، وخدموا المدنية القديمة بأنظمتهم ومؤسساتهم.

أما جباية خراج «العراق» فكانت في عهدهم بالتعديل؛ أي إنهم كانوا يأخذون خراج الأراضي بالمقاسمة، فلما تولَّى قباذ بن فيروز جعل الخراج بالمساحة، فضرب على الجريب الواحد درهمًا وقفيزًا مهما يكن حاله من الخصب أو الجدب، أما الجزية فعلى ما يُروَى أنها لم تكن عندهم قبل أنو شروان بن قباذ، وأنه هو الذي وضعها حينما عدل قوانين دولته، وكان قد أصدر قانونًا بإلزام الناس الجزية ما خلا العظماء وأهل البيوتات والجند والمرازبة والكُتَّاب ومَن في خدمة الملك، كل إنسان على قدره، فجعلها اثني عشر درهمًا، وثمانية دراهم، وستة دراهم، وأربعة دراهم.

وكانوا قد جعلوا في كل مدينة ديوانًا خاصًّا بالخراج تُدوَّن فيه أعماله ودخله وخرجه، وله كُتَّاب وجباة وعمَّال من أهل البلاد، وعلى كل مدينة حاكم يسوسها ويدير دفة إدارتها ويرأس جندها، وقد أطلقوا على الولاة الكبار اسم «الموهباط» من الفارسية «مه آباد»، وعلى الذي يتولَّى الحدود «مرزبانا» — أي حافظ الحدود — وعلى العمَّال الذين هم أحطُّ منزلةً اسم «الرد»، وكانوا لا يولُّون الولاية إلا لقائد محنَّك يعهدون إليه الحرب والإدارة؛ أي القيادة والولاية.

وكان هؤلاء الملوك يقيمون أيام الشتاء في مدينة «أكتسيفون المدائن» التي صارت في آخِر أيامهم أعظم مدينة، ويقضون المواسم الثلاثة الباقية في مدينة «اصطخر» ﺑ «فارس»، ثم صاروا أخيرًا يقضون أكثر أيامهم في «أكتسيفون»، وقد سُمُّوا ﺑ «الأكاسرة» منذ أيام كسرى أنو شروان بن قباذ، ومعنى «كسرى»: واسع الملك، وجمعه «أكاسرة»، وعاشت هذه الدولة ٤٢٥ سنة (٢٢٦–٦٥١م)، وقام فيها ٢٨ ملكًا أولهم أردشير بن بابك، وآخِرهم يزدجرد الثالث الذي قُتِل سنة ٦٥١م الموافِقة لسنة ٣١ه في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وبقتله انقرضت هذه الدولة ومُحِيت من عالم الوجود على يد العرب المسلمين، بعد أن كانت من أكبر دول العالم، وتشتمل على بلاد «إيران» و«الديلم» و«جورجان»، وبلاد «بابل» — العراق — وبلاد «آشور» التي في ضمنها «كردستان»، وبلاد الجزيرة — بين النهرين، وجزائر خليج «فارس»، وقسم من بلاد العرب منها بلاد «اليمن».

ولم يكن سبب انقراض هذه الدولة العظيمة المجد المترامية الأطراف غير الانقسامات التي حدثت فيها، والثورات الأهلية المتوالية، والفتن المستمرة بين الأسرة المالكة تارة وبين رجال الدولة أخرى، والحروب التي كانت تقوم بينهم وبين الروم في أزمان مختلفة، أهمها الحروب التي استعرت نارها في عهد أبرويز حتى تمكَّنَ الضعف منها فتمكَّنَ العرب المسلمون من محوها، واستولوا على جميع بلادها بالتدريج، فإنهم قرضوا دولتهم من «العراق» سنة ٦٣٧م، الموافقة لسنة ١٦ﻫ، ثم قرضوها من بلاد فارس سنة ٦٥١م الموافقة لسنة ٣١ﻫ، وأصبحت هذه الدولة منذ ذاك في خبر كان.

ولم تقم بعدَ الدولة الساسانية دولةٌ للفرس في «العراق» أعوامًا طوالًا، بل انتقل الحكم في هذا القطر بعد انقراضهم إلى الخلفاء الراشدين، ثم إلى بني أمية، ثم إلى بني العباس، حتى إذا ما ضعف شأن الخلافة العباسية في بغداد في الوقت الذي قامت فيه دولة فارسية في بلاد «فارس» على يد بني بويه، طمع هؤلاء فحملوا على «بغداد» وأسَّسوا فيها دولة فارسية في سنة ٣٣٤ﻫ الموافِقة لسنة ٩٤٥م، ثم تلتها الدولة الصفوية بعد حين من الدهر، ثم الدولة الزندية في العهد العثماني، وسنذكر ذلك في محله.

١  وهو الذي كراه الحجاج بن يوسف أمير العراق في عهد الأمويين، فسُمِّي نهر النيل، وكان عليه عدة قرى من جملتها «نرس».
٢  ولقد صارت هذه المدينة بعد ذلك منفى، وصار الملوك الساسانيون ينفون إليها كل مَن غضبوا عليه.
٣  الطف: ما أشرف من أرض العرب على ريف «العراق».
٤  ولا زالت آثار هذا الخندق باقية حتى اليوم، ولا زال العرب حتى الآن يسمونه «خندق سابور».
٥  يقال إنه قضى في بنائه عدة سنوات، وجعله في وسط المدينة على مقربة من «دجلة»، ثم زاد فيه كسرى أنو شروان ومَن جاء بعده حتى صار من المباني العجيبة.
٦  بلاد الهياطلة هي البلاد التي خلف النهر الأعظم مما يلي أرض «بلخ».
٧  الجريب ٣٦٠٠ ذراعًا مربعًا، والقفيز عُشْر الجريب أي ٣٦٠ ذراعًا مربعًا.
٨  ويُسمَّى «كسرى الأول»، ومعنى كسرى: واسع الملك، ومعنى أنو شروان: ذو النفس الكريمة.
٩  الدسكرة: بلدة كانت قرب «شهربان»، وهي غير «الدسكرة» التي كانت بين «بغداد» و«واسط»، وغير «الدسكرة» الثالثة التي كانت على نهر الملك.
١٠  اصطخر: مدينة قديمة في «فارس» واقعة في الشرق الشمالي من«شيراز»، وبينهما ستون كيلومترًا، وكانت عاصمة الدولة الفارسية، ويسميها اليونان «برسبوليس»، أي مدينة «فارس»، وكانت فخمةً عظيمةَ البناء، فتحها المسلمون سنة ١٨ﻫ.
١١  فمن الأنهر التي حفروها نهر «النرس» الذي احتفره الملك نرسي بن بهرام، ونهر «الصراة» الذي احتفره أردشير الأول، ونهر «القاطول» ونهر«دن» اللذان احتفرهما أنو شروان، هذا عدا الأنهار الصغيرة التي منها ما يأخذ من «الفرات»، ومنها ما يأخذ من «دجلة»، وعدا ما كروه من الأنهار القديمة وما أنشئوه من السداد والجسور ومخازن المياه، وما بنوه من المدن والقلاع.
١٢  وقد بلغت جباية «العراق» في عهد قباذ مائة وخمسين مليون درهم، وفي عهد أنو شروان ٢٨٧ مليون درهم، وفي أيام أردشير الثالث — حينما كانت الفتن مستمرة والاضطرابات متوالية — مائة وعشرين مليون درهم سنويًّا، عدا ثلاثة ملايين تُدفَع للبلاط الملكي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤