الدولة الصفوية الأولى
تمهيد
أسَّسَ الدولة الصفوية في «إيران» إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن الشيخ صفي الدين الأردبيلي الصوفي، وسُمِّيَتْ بهذا الاسم؛ نسبةً إلى صفي الدين المذكور، وليس لهذا البيت قرَابَة مع إحدى العائلات المالكة في إيران ولا في غيرها، ولا كانت تُعرَف هذه السلالة بغير رئاسة التصوف بادئ بدء، ثم قوي أمرها على عهد جنيد وكثر أتباعها واشتهرت، وظل أبناؤها يتدرجون في الزعامة على أتباعهم شيئًا فشيئًا حتى عظم شأن حيدر بن جنيد، ولما مات نهض ابنه إسماعيل وجمع الجموع — وكان حازمًا عالي الهمة — فحمل على «أذربيجان» ٩٠٥ﻫ واستولى عليها، ثم على «شيروان» ٩٠٦ﻫ، ثم على «ما وراء النهر»، فبلاد «فارس»، ﻓ «خراسان»، ﻓ «العراق العجمي»، ﻓ «كردستان»، ﻓ «ديار بكر». وأسَّسَ مملكة واسعة الأطراف، وهو أول ملوك الدولة الصفوية، وأول ملوك «فارس» الذين تلقَّبوا بالشاهات — أي السلاطين.
(١) استيلاء الشاه إسماعيل على «العراق»
ولما دخل الشاه إسماعيل «بغداد» ثانيةً، أعاد القتل وأعمل السيف بالسُّنة والنصارى وفتك بهم، ولم يمسَّ اليهود بسوء لأنهم تجسَّسوا له قبل دخوله «بغداد» وبعده، وغالى في الانتصار لمذهب الشيعة وأتباعه، وأعلن المذهب الشيعي رسميًّا في مملكته، وبالَغَ في اضطهاد مَن بقي من السُّنة، حتى إنه أجبَرَ كثيرين منهم على التشيُّع.
(٢) الشاه طهماسب الأول وذو الفقار الكردي
دخل الشاه طهماسب «بغداد»، فسلَّمت له المدن العراقية كلها تقريبًا، فأعاد أعمال أبيه في دار السلام من اضطهاد السُّنَّة والفتك بهم، ثم ولَّى على «بغداد» «بكلو محمد خان» وفوَّض إليه شئون البلاد العراقية، وسار هو عائدًا إلى مقره، وظلَّ رجاله في «العراق» يضطهدون أبناء السُّنَّة ويحكمون بما تشتهيه نفوسهم؛ مما حمل السلطان سليمان القانوني على الانتقام من الفرس؛ انتصارًا لأبناء مذهبه السُّنَّة، فصمَّمَ على فتح «العراق» وأخذه منهم.
(٣) خروج «العراق» من يد الفرس
دخلت سنة ٩٤٠ﻫ الموافقة لسنة ١٥٣٥م، فعزم السلطان سليمان القانوني على أخذ «العراق» من الفرس، فأرسل إبراهيم باشا الصدر الأعظم والقائد العام بجيشٍ كبيرٍ لقتال الشاه طهماسب الأول، وسار هو في إثره بجيش آخَر، فدخل إبراهيم باشا «تبريز» أولًا بالأمان، ثم سار منها قاصدًا «بغداد»، فلما اقترب منها هرب حاكمها الفارسي «بكلو محمد خان» بجيوشه؛ خوفًا من الأسر، فسلَّمت المدينة وفتحت أبوابها للقائد العثماني، فدخلها باستقبال عظيم في شهر جمادى الآخرة سنة ٩٤١ﻫ، وبعد أيام قليلة وصل السلطان إلى «بغداد»، ودخلها بين التهليل والترحيب والتقديس على حسب عادة العراقيين مع كل فاتح. ثم فتحت الجيوش العثمانية مدينة «الموصل» في السنة نفسها، ودانت المدن العراقية كلها للعثمانيين، وزالت دولة الصفويين بعد أن حكموا «العراق» ٢٥ سنة تقريبًا، منها نحو سنتين بعد الغارة الأولى التي كانت في سنة ٩١٤ﻫ، وما بقي فهو بعد الغارة الثانية التي حدثت في سنة ٩٢٠ﻫ.
أما «البصرة» فإنها كانت يوم مجيء السلطان سليمان تابعةً للفرس، وكان عليها حاكم فارسي اسمه راشد خان، وكان قد بلغه سقوط «بغداد» وغيرها، فخاف على نفسه ومنصبه، فسار إلى «بغداد» للمثول بين يدي السلطان وعرض الطاعة والخضوع، فرَقَّ له السلطان فأقرَّه على «البصرة»، على شرط أن تكون الخطبة والنقود باسم السلطان، وأن يكون ممتثِلًا لأوامر ولاة «بغداد» الأتراك في المسائل الهامة، فعاد راشد خان إلى منصبه، ولكنه بعد قليل استبدَّ بالأمور كأن لم تكن له رابطة بالعثمانيين، فاضطروا إلى إرسال جيش تحت قيادة الوزير إياس باشا لطرد راشد من «البصرة»، فلما قرب الجيش انهزم منها راشد ودخلها الجيش العثماني، وذلك في سنة ٩٥٣ه. «وظلت هذه المدينة في قبضة الأتراك إلى سنة ١٠٠٥ﻫ، فاستقلَّ بها أمراؤها ثم أعادها الأتراك إليهم في سنة ١٠٧٨ﻫ، ثم تغلَّبَ عليها أمير «الحويزة» فرج الله خان في سنة ١١٠٩ﻫ، فطرده الأتراك في سنة ١١١١ﻫ، وبقيت في قبضتهم إلى أن تغلَّبَ عليها كريم خان الزندي في سنة ١١٩٠ﻫ، ثم عادت للأتراك في سنة ١١٩٣ﻫ، وبقيت تحت حكمهم حتى قامت الحرب العامة، فاستولى البريطانيون عليها في سنة ١٣٣٣ﻫ.»
وبقي «العراق» في قبضة العثمانيين ٩١ سنة تقريبًا (٩٤٨–١٠٣٢ﻫ)، ثم عاد للصفويين، ثم للأتراك.