يا أبَا الأمَّة

تهنئة سعد زغلول باشا من خطر العدوان عليه، وقد ألقيت هذه القصيدة في حفل حاشد في ٢١ من يوليو سنة ١٩٢٤م.

يَا أَبَا الأُمَّةِ يا مَنْ ذِكْرُهُ
مَلأَ الدُّنْيَا حَدِيثًا عَطِرَا
هَزَّ مِصْرًا نَبَأٌ فاضَتْ لَهُ
عَبَراتُ الْقَوْمِ تَجْرِي مَطَرَا
هُرِعُوا نَحْوَكَ كَالْبَحْرِ إِذَا
سُجِّرَتْ أَمْواجُهُ أوْ زَخَرَا١
بَيْنَ شَكٍّ وَيَقِينٍ قاتِلٍ
يَنْشُرُ الْخَوْفَ وَيَطْوِي الْحَذَرَا٢
بِوُجُوهٍ مَرَّة آمِلةٍ
وَهْيَ حينًا باسِراتٌ كَدَرَا٣
تَرتَجِي الرَّحْمَنَ فِي مِحْنَتِهَا
ثُمَّ تَخْشَى في الْمُصابِ الْقَدَرَا
كُلُّهُمْ يَسْأَلُ عَنْ سَعْدٍ وَمنْ
عَيْنهِ ماءُ الشُئُونِ انْهَمَرَا٤
إِن سَعْدًا غَرَسَ النبْتَ وَقَدْ
شاءَ رَبِّي أنْ يَذُوقَ الثمرَا
كُلما رامُوا بِسْعدٍ ضَرَرًا
صَانَهُ اللّهُ وَكَفَّ الضَّرَرَا
إِنَّ سيْفًا في يَمِينِ اللّهِ قَدْ
هَزَّهُ بارِئُهُ لَنْ يُكْسَرَا٥
عِشْ لِمِصْرٍ وَزَرًا يَكلَؤُهَا
لَمْ نَجِدْ غَيْرَكَ فِيها وَزَرَا٦
أَنْتَ مِصْرٌ، عِشْ لمِصْرٍ إِنَّها
بِكَ تَحْيَا وَتَنَالُ الْوَطَرَا٧
بَطَلٌ أيْقَظَ مِصْرًا بَعْدَمَا
كادَ يُرْدِي أهْلَها طُولُ الْكَرَى٨
بَعَثَ اللّهُ بِهِ فَانْبَعَثَتْ
رُسُلُ الآمالِ تَتْرَى زُمَرَا٩
وَطَوَى اللّهُ بِهِ عَهْدًا مَضَى
تَهْلَعُ النفْسُ لَهُ إِنْ ذُكِرَا
قادَ جَيْشًا مِنْ قُلُوبٍ حَوْلَهُ
خاضعاتٍ إِنْ نَهَى أوْ أمَرَا
تَرْكبُ الصعْبَ إِلَى مَرْضاتِهِ
وَتُلاقِي في هَوَاهُ الْخَطَرَا١٠
شَلَّ زَنْدٌ قَدْ رَمَى زَنْدَ الْعُلَا
وحَمَى اللهُ الرئيسَ الأكْبَرَا
مَحَقَ اللهُ أَبَا لُؤْلُؤَةٍ
وَوَقَى مصرًا فأبقى عُمَرَا١١
إن من يحْرُسُه بارِئُهُ
لا يُبالي بالرَّدى إنْ خَطَرَا١٢
فهَناءً بِنَجاةٍ كَشَفَتْ
غُمَّةَ القُطْرِ وَطابَتْ أثَرَا١٣
عاشَ سَعْدٌ والْمَليكُ الْمُرْتَجَى
مَوْئِلُ الأُمَّةِ في أسْمَى الذرَا١٤

هوامش

(١) هرعوا: أعجلوا وحملهم النبأ العظيم الهائل على الإسراع. تسجير الماء: تفجيره. زخر: ظما وارتفع وامتلأ.
(٢) الطي: ضد النشر. الحذر: الاحتراز والتوقي.
(٣) باسرات: جمع باسرة أي: عابسة. الكدر: ضد الصفو.
(٤) الشئون: مجاري الدموع إلى العين واحدها شأن. انهمر: انصب وسال.
(٥) بارئه: خالقه.
(٦) الوزر: المعقل والملجأ والمعتصم. يكلؤها: يحفظها.
(٧) الوطر: البغية والحاجة.
(٨) البطل: الشجاع. يُردي: يهلك. الكرى: النعاس.
(٩) تترى: متواترة متتابعة. الزمر: الجماعات. واحدتها: زمرة.
(١٠) المرضاة: الرضا. الهوى: الحب. الخطر: الإشراف على الهلاك وخوف التلف والمراد الهلاك والتلف.
(١١) محق: محا وأهلك. وأبو لؤلؤة فيروز المجوسي عبد المغيرة بن شعبة، وكان قد قتل غدرًا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — طعنه بخنجر وهو قائم يصلي سنة ٢٣ﻫ. شبه الشاعر سعدًا بعمر بن الخطاب والمعتدي عليه بأبي لؤلؤة.
(١٢) البارئ: الخالق وهو الله جلَّ وعلا.
(١٣) الغمة: الكربة والعي الشديد.
(١٤) موئل: ملجأ. أسمى: اسم تفضيل من السمو وهو الارتفاع والعلو. الذرا: جمع ذروة وهي من كل شيء أعلاه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤