في الزيارة الملكية

أنشدت أمام الملك فؤاد بمدينة أسيوط في ٢١ من ديسمبر سنة ١٩٣٠م، حينما زار المدينة لزيارة معاهدها العلمية.

طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ
وأشْرَقتَ مِثْل النَّجْمِ فِي الأُفْقِ يَلْمَعُ١
وأَقْبَلتَ تَبْنِي الْمَجْدَ في كلِّ مَوْضِعٍ
فَلم يَخْلُ من آثارِ مَجْدِكَ مَوْضِع
خَوالِدُ آثارٍ تَمَنَّى مِثالَهَا
عَلَى الدَّهْرِ رَمْسيسُ العظيمُ وخَفْرَع٢
بَنَوْهَا لِمَا بَعْدَ الْحَيَاةِ وأبْدَعُوا
وإنك تبْنِي للحَيَاةِ وتُبْدِع
مَعاهِدُ عِلْمٍ تَنْشُرُ النُّورَ والهُدَى
وتَطْوِي ظَلَامَ الْجَهْل مِنْ حَيْثُ تَسْطَع٣
وَآثَارُ فَضْلٍ في البِلَادِ رَفَعْتَها
كما كَان (إسْمَاعيلُ) للْبَيْت يَرْفَع٤
إذا تُمِّمَتْ من فَيْضِ جَدْواك نِعْمَةٌ
فأَنْتَ بِأُخْرَى سَاهِرُ الطَّرْفِ مُولَع٥
جَرَيْتَ عَلَى آثارِ آبائِكَ الأُلَى
مَضَوْا ثُمَّ أَبْقَوْا ذِكْرَهَم يَتَضَوَّع٦
هُمُ غَرَسُوا دَوْحَ الحضَارةِ وارفًا
تُظَللُنا مِنْه غُصُونٌ وأَفْرُع
أفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ نَدَاكَ صَنِيعةٌ
تُعِيدُ إلَى مِصْرَ الشَّبَابَ وتَرْجع؟
أفِي كُلِّ يَوْمٍ للمَلِيك عَزِيمةٌ
تَخِرّ لَهَا شُمُّ الجِبَالِ وتَخْشَع؟٧
مَلَكْتَ زِمَامَ النِّيلِ يا شِبْهَ فَيْضِهِ
فَلَمْ يَبْقَ في مِصْرٍ بيُمْنِك بَلْقَع٨
وعَلَّمَته مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ خَلَّةً
فما سَالَ إلَّا وَهْوَ بالتِّبْرِ مُتْرَع٩
عَلَوْتَ مَطَاهُ وَهْوَ للأَرْض مَشْرَعٌ
وأَنْتَ لآمالِ الرَّعِيَّةِ مَشْرَع١٠
فسَالَ يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهًا بمالكٍ
لَهُ المَجْدُ تَاجٌ بالْجَلالِ مُرَصَّع
وأَشْرقَ إقْلِيمُ الصَّعِيدِ بِطَلْعةٍ
تخِرُّ لهَا الْأَعْنَاقُ طَوْعًا وتَخْضَع
بَدَتْ مِثْلَ مِصْبَاحِ السَّماء تَعَاوَنَتْ
عَلَى تِمِّهِ في الأُفْقِ عَشْرٌ وأَرْبَع١١
لدَى مَوْكِبٍ ما سَارَ فيه ابنُ مُنْذِرٍ
ولا نَالَه في سالِفِ الدَّهْر تُبَّع١٢
يُحِيطُ به نُورُ الإلهِ ونَصْرُهُ
وَتَحْرُسُه عَيْنُ الإلهِ وتَمْنَع١٣
سَمِعْتُ بِه حتى إذا ما رأَيْتُهُ
(رأَيْتُ بِعَينيِ فَوْقَ ما كُنْتُ أَسْمَع)١٤
وللشَّعْبِ قَلْبٌ حَوْلَ رَكْبِكَ خَافِقٌ
وَرَأيٌ عَلَى الإخْلَاصِ والود مُجْمِع١٥
يزَاحِمُ كيْ يَحْظى بنَظْرةِ عاجلٍ
فَيَبْهَرُهُ من نُورِ شَمْسِك مَطْلَع
هُتَافٌ مِنَ الْحُبِّ الصَّمِيمِ انْبِعاثُهُ
تُرَدِّدُهُ أَصْدَاؤُهُ وتُرَجِّعُ
مَلَكْتَهُمْ مُلْكَ الْكَرِيمِ فأَخْلَصُوا
وقُدْتَهُم نَحْوَ المَعَالِي فأَسْرَعُوا
فَخارًا (سُيُوطٌ) فِيكِ خَيْرُ مُمَلَّكٍ
تَحُجُّ لَهُ آمالُ مِصر وتُهْرَع١٦
بَدَا مِثْلَ ما يَبْدُو الرَّبيعُ بَشَاشَةً
ووَافَى كَمَا وَافَى الرَّجاءُ المُمَنَّع
فماؤُكِ سَلْسَالٌ، وطَيْرُك صادِحٌ
وغُصْنُك ريّانٌ، ووَادِيكِ مُمْرع١٧
(فُؤاد) ابْقَ لِلْقُطْر الْخصِيب تَحُوطُهُ
وتَدْفَعُهُ نَحْوَ الْحَيَاةِ فَيُدْفَع
وعاشَ بِك (الفَارُوقَ) في ظِلِّ نِعْمةٍ
يَلُمّ شَتَاتَ المَكْرُمَات ويَجْمَع١٨

هوامش

(١) خشع: مطرقة هيبة وخشية.
(٢) رمسيس وخفرع: من فراعنة مصر الأقدمين.
(٣) تطوي الظلام: تذهب به وتزيحه.
(٤) رفعتها: أعليت بنيانها. إسماعيل: هو نبي الله إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام. البيت: الكعبة.
(٥) فيض جدواك: عميم كرمك وواسع جودك. ساهر الطرف: لا يغمض لك جفن حتى تنجزها.
(٦) يتضوع: تنتشر رائحته الطيبة.
(٧) تخر وتخشع: تقع وتنهد. وشم الجبال: ما علا منها وارتفع.
(٨) الزمام: ما تقاد به الدابة. ملك زمام النيل: القدرة على توجيهه وتصريفه. فيض النيل: ما يفيض به على البلاد من حياة وخصب. البلقع: الأرض الجرداء لا نبات فيها.
(٩) الحالة: الخصلة والشيمة. مترع: مملوء فياض.
(١٠) مطاه: متنه وظهره. مشرع: مورد.
(١١) مصباح السماء: القمر. يريد البدر في تمامه وذلك في الليلة الرابعة عشرة من الشهر.
(١٢) ابن منذر: هو النعمان بن المنذر، من المناذرة ملوك الشام، وكان ذا حول وطول، وهو الذي شاع ذكره في شعر النابغة. تبع: التبابعة ملوك اليمن، وكان لهم فيها السلطان الواسع.
(١٣) تمنع: تدفع.
(١٤) الشطر الثاني من شعر ابن هاني في مدح جوهر الصقلي.
(١٥) خافق: يهتز بحبك.
(١٦) تحج: تقصد. تهرع: تسرع.
(١٧) سلسال: صاف خالص مما يشوبه. ريان: ناضر. ممرع: مخصب.
(١٨) فاروق، كان ولي العهد إذ ذاك. شتات المكرمات: ما تفرق منها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤