الوطنيون والعسكريون

بَيَّنَّا مبلغ ما أصيب به الأحرار في آمالهم منذ أن عُزِل إسماعيل وعُيِّن توفيق، ورأينا ما صدم النفوس من خيبة إذ استكثر توفيق الدستور على مصر، الأمر الذي أغضب شريفًا فاستقال، وحل محله رياض …

لم يكن لرياض مثل ما كان لشريف في قلوب الوطنيين من محبة، فقد كان على الرغم مما اشتهر به من براعة واستقامة متكبرًا محافظًا يسيء الظن بالوطنيين وحركاتهم ويوجس خوفًا منها، كما كان في خلقه شيء من الغموض والتحفّظ؛ فلم يكن له مثل صراحة شريف ولا مثل شجاعته الأدبية وإقدامه ونزعته الدستورية الحرة …

وقد استطاع رياض أن يجعل من نفسه الحاكم المطلق الفعليّ للبلاد، وذلك بضمانه رضاء توفيق، بأن جعل له حقّ رئاسة مجلس الوزراء متى أراد، وقد حرص في الوقت نفسه على السير في إدارة شئون البلاد وفقًا لمبدأ مسئولية الوزارة عن أعمالها، ذلك المبدأ الذي قرره إسماعيل في أغسطس سنة ١٨٧٨، والذي بمقتضاه لا يتنصّل وزير من مسئولية عمله برده إلى مشيئة الخديو كما كان الحال قبل تقرير هذا المبدأ …

وكانت تطغى على الرأي العام المصري روح الاستياء العام، فكان عهد وزارة رياض كجميع العهود التي تتهيأ فيها الأمم للثورات، فتكون في نفس كل امرئ ثورة وإن لم تدرِ على وجه التحديد ما بواعثها.

والحق أن استياء النفوس هو وليد ما بَيَّنَّا من أسباب تعصب المصريين وسخطهم أثناء حكم إسماعيل باشا، وجاءت وزارة رياض عقب استقالة شريف من أجل تمسكه بالدستور، فلم يبقَ مجال للأمل وخَيَّم اليأس على النفوس، حتى لم يعد هناك بد من متنفس لهذا الشعور المكبوت.

ولو أن رياضًا فطن إلى تلك الحال النفسية لأمكنه أن يعمل على تجنب عواقبها، ولكن رياضًا على حد تعبير الشيخ محمد عبده كان «لا يخالج فكره ريبة في سكون المصريين إلى إطاعة كل ما يُؤمَرون به حملًا لهم على سوابقهم وسالف عهدهم، فكان في غاية الطمأنينة من ناحيتهم ولم ير أنه يجب أن ينظر فيما عساه أن يثيرهم من جهة المقابلة في تنفيذ السلطة أو من ناحية الساخطين عليه من الوطنيين والأجانب».

أو كما قال عنه أنه كان «صادق النية مخلص السريرة في خدمة البلاد، ولكن لا يبالي في تأدية ما يراه واجبًا عليه بما يجرح القلوب ويؤلم النفوس، ويظن أن من الواجب على كل أحد أن يعلم حسن نيته، وإن لم يبينها هو، وأن يرضى بعمله وإن لم تظهر الغاية الصالحة منه».

وزاد الناس نفورًا من العهد كله، ضعف شخصية توفيق في ذاته وما لحق منصب الخديو من مهانة بسبب خلع إسماعيل، فقد ألقى في روع الناس وبخاصة حين رفض الدستور قاعدة للحكم أن مثله لا يرجى خير على يديه، وأنه بات صنيعة للأجانب يأتمر بأمرهم من وراء ستار بعد ما رآه من عزل أبيه، وأن رفضه الدستور لم يكن إلا مشايعة للأجانب في نظرتهم إلى المصريين …

ولم تكن في مصر طبقة راضية عن وزارة رياض أو عن الحال القائمة يومذاك بوجه عام، سواء نسبت إلى رياض أم لم تنسب إليه، فخاصة المصريين، الذين كانوا يدركون حال بلادهم حق الإدراك، والذين أثَّرت فيهم آراء جمال الدين، كانوا منذ عهد إسماعيل ساخطين على تغلغل نفوذ الأجانب في مصر، وعلى السياسة التي جرت على مصر العسر والدين، ومن هؤلاء سوف يتكون الحزب الوطني في عهد رياض كما سنبيِّنه في هذا الفصل.

وكان أعيان البلاد ينقمون على رياض إلغاء دين المقابلة، ويرون أن هذا أقبح الغبن إذ تلغي وزارة مصرية دينًا أُخذ من المصريين ولا تجرؤ على إلغاء شيء من أموال الأجانب، تلك الأموال التي شعر الناس جميعًا بمبلغ ما كان فيها من مغالطة وسرقة.

وكان رجال الجيش ينقمون على رفقي تعصبه لجنسه، ويشركون رياضًا معه في هذا الإثم بالضرورة لأنه أقره ولم يكن يشكو الجند من تعصب رفقي فحسب، بل كان يؤلمهم سوء ما يعاملون به مما يدل على الرغبة في امتهانهم وإذلالهم، فكان يكتفي بمجرد التُّهمة ليُفصَل الجندي من الخدمة، أو تنزع منه درجته أو يُنْفَى إلى مكان سحيق في السودان ولو لم يثبت شيء عليه. وكان ذلك خليقًا أن يملأ النفوس بالحفيظة ويدفعها إلى الرغبة في الانتقام، فليس الأمر أمر ظلم فحسب، ولكنه بتحيز الحكومة للشراكسة الذين يحتقرون المصريين كان ظلمًا على ظلم …

وزاد السخط في نفوس العسكريين إنقاص وزارة رياض عدد الجيش إلى اثني عشر ألفًا، أي إلى أقل مما يقضي به الفرمان الذي أرسله السلطان إلى توفيق، والذي يقضي بجعل الجيش ثمانية عشر ألفًا. وقد أدى هذا إلى صرف عدد من الضباط والجند إلى مواطنهم؛ فأصابهم العسر، وكانوا من الساخطين، كل ذلك والشراكسة لا يمسهم شيء، بل لا يجدون إلا التقلب في النعمة والتمتع بالرقي.

وكان الناس بوجه عام، ومنهم الفلاحون، يشعرون أن لا عدالة ولا قانون يحمي المظلومين من تجبر الظالمين، الحكام منهم وذوي الجاه والثراء، فالكرباج والسخرة والنفي إلى السودان وأمثالها من العقوبات تقع على الناس في غير رحمة، بل في غير حقّ، وظل التعذيب والسخرة والإذلال أمورًا شائعة في القرى على أيدي المديرين والأغنياء على الرغم من إصدار رياض أوامره بالكفّ عنها، ولقد كان نهيه عنها مما يحمد له، ولكن قعوده عن إبطالها كان مما يؤخذ عليه لا ريب. ولقد بلغ عدد الذين تقدَّموا إلى شريف باشا يلتمسون منه رفع الظلم عنهم حين ألف وزارته بعد يوم عابدين نيفًا وتسعمائة كان تقرر إبعادهم إلى السودان!

وكان مما يتألم منه الفلاحون اندساس كثيرين من المرابين الأجانب بينهم، والعمل بكافة الحيل على إيقاعهم في الشرك والاستيلاء على أكثر ما يستطيعون الاستيلاء عليه من أموالهم.

كانت الحكمة تقضي أن يأخذ رياض الأمور بالرفق علَّه يتجنب انبعاث العاصفة، ولكنه عمل بسياسته على ثورانها، ولعل مردَّ ذلك إلى جهله بحقيقة ما كان يحيط به، واستبعاده الثورة على المصريين …

ولعله كذلك خُيِّل إليه أنه قادر بالقمع والعنف على أن يحكم البلاد، ولذلك رصد عيونه يتعقب الساخطين من الخاصة، وكان يشتبه في كل حركة ويخاف من أقلِّ بادرة …

وأنزل العقاب الشديد بمن يعارض سياسته، ومن ذلك ما حلّ بالسيد حسن موسى العقاد، الذي كان كل ذنبه أن دعا الناس إلى التوقيع على مظلمة ترفع لولاة الأمر مما وقع على الناس من غبن بإلغاء دين المقابلة، وكان جزاؤه على ذلك النفيَ إلى فازوغلي بالسودان، ومنه أيضًا ما لحق الفريق شاهين باشا كنج الوزير السابق؛ فقد جُرِّدَ من رتبه وألقابه لمجرد اتهامه أنه يتصل بالوطنيين الناقمين …

•••

وتعقب رياض الصحف بالتعطيل الوقتي والإنذار والإلغاء، بتهمة إثارة الرأي العام، ومنها جريدتا: «مصر، والتجارة»، وقد جاء في قرار الوزارة بإلغائهما قولها: «حيث سبق صدور الإنذارات مرارًا عديدة وتنبيهات شفاهية من إدارة المطبوعات إلى أصحاب الجرائد الأهلية عمومًا، وإلى صاحب امتياز جريدتي «مصر، والتجارة» خصوصًا بعدم خروجهم عن حدود وظائفهم ولا ينشرون ما يُوجِد تشويش الأفكار، صدر له آخر إنذار بأنه إذا رجع لمثل ذلك، فتلغى جريدتاه بالكلية، وحيث إنه بعد هذا الإنذار لم يترك مسلكه الأول لما نشره في جريدة التجارة نمرة ١٢٣ الصريح في أنه لا يرجع عما هو عليه، وحيث ما اعتادت على نشره هاتان الجريدتان ضرره أكثر من نفعه، اقتضى الحال صدور الحكم بإلغائهما مؤبدًا.»

وتناول بطش رياض غير هاتين من الصحف فلم تنجُ في عهده صحيفة من التعطيل أو الإلغاء أو الإنذار.

أدت هذه السياسة التي جرى عليها رياض، إلى أن ينشط الناقمون في العمل على مقاومته والتخلص من حكمه، وكان هؤلاء الناقمون هم قادة الحركة الوطنية الذين كانوا يجتمعون منذ أواخر عهد إسماعيل أي قبل ذلك بنحو أربعة أعوام في بيت نقيب الأشراف السيد البكري، ونظرًا لما بثه رياض من عيون تُحصِي عليهم حركاتهم فقد تركوا القاهرة وجعلوا اجتماعاتهم سرًّا في حلوان، ومن ثم تألّف حزب أطلق عليه أول الأمر جمعية حلوان ثم صار يعرف بالحزب الوطني … وكان من أشهر رجال هذا الحزب محمد سلطان وسليمان أباظة وحسن الشريعي ومحمد شريف وإسماعيل راغب وعمر لطفي، وقد نشروا في أواخر سنة ١٨٧٩ أول بيان سياسي لهم وطبعوا منه آلاف النسخ وأذاعوها بين الناس. ولقد حنق رياض أشد الحنق على ناشري البيان، وبذل جهدًا كبيرًا ليعرف أسماءهم كي يرسلهم إلى السودان، فلم يهتدِ إلى أحد …

وأوفد الحزب أديب إسحق إلى أوربا ليدافع عن مبادئ الوطنيين فأنشأ في باريس جريدة القاهرة، وكان من أشد الساخطين على رياض لأنه عطل له جريدتيه: «مصر، والتجارة»، ثم إن أديبًا كان من تلاميذ جمال الدين، وكان من المؤمنين بالدستور والمبادئ الحرة. ولقد حمل حملة شديدة على رياض في جريدته الجديدة ندَّد باستبداده وقسوته، ونسب إليه الظلم والجهل والحمق، وعاب عليه ما رماه به من الخضوع للأجانب والركون إليهم على حساب أمته، ولم يدع عيبًا يستطيع أن يرميه به إلا بالغ فيه وأعاده وكرره، ولم يترك غميزة في خلقه أو فعله إلا أبرزها وراح ينوشه بأوجع الهجاء، وكان رجال الحزب الوطني يحصلون سرًّا على نسخ من هذه الجريدة ويوزعونها في البلاد، وكان من بينهم اثنان من المديرين هما: سليمان باشا أباظة مدير الشرقية، وحسن باشا الشريعي مدير المنيا …

وكان رجال الحزب الوطني، يطالبون بالدستور قاعدة للحكم، ويعملون على منع الأجانب من التدخل في شئون البلاد لا من ناحية السياسة فحسب، ولكن من ناحية المال كذلك، وقد أيقنوا أن الحكم الدستوري الذي يرد فيه كل أمر إلى الأمة هو وحده العلاج الشافي من كل الأدواء القائمة …

ولكن رجال هذا الحزب كانوا لا يزالون في المرحلة السرِّيَّة من جهادهم خوفًا من بطش رياض ومن ورائه توفيق، وخوفًا من تفرّد الأجانب ودسائسهم، وحسب المرء أن يذكر أن الحكم كان يومئذ وفق العرف ليدرك مبلغ ما كان يتمتع به رياض من سلطة ومبلغ ما كان يخشاه الوطنيون من نكال …

وفي نفس ذلك الوقت الذي كان فيه يتشاور الوطنيون فيما يعملون، كان السخط قد بلغ أشده في صفوف الجيش، على رفقي وسياسته، ومن ثم على رياض ووزارته،وكان سخط الجند بلا ريب ناحية من ذلك الاستياء العام الذي شمل مصر كلها، ولذلك فإن من ينظر إلى الحركة العسكرية يومئذ على أنها حركة منفصلة إنما يخطئ خطأً كبيرًا، وبخاصة إذا تذكر أن مبعث سخط العسكريين في جوهره كان تحيز رفقي لبني جنسه الشراكسة على حساب هؤلاء المصريين الذين كانوا يُنعتون بالفلاحين.

إذن فقد كان عرابي يمثل ناحية من الحركة الوطنية القومية حين ذهب إلى رياض يشكو إليه رفقي، وما كان الجند مدفوعين بمصالحهم وحدها، وإنما كان يُغضبهم الجَوْر ويدفعهم إلى الشكوى، ولو لم يكن هناك شراكسة يظفرون دونهم بالرقي والنعمة لما كان لحركتهم هذا الطابع القومي الذي نعجب كيف يماري فيه المارون! ولن ننسى في هذا الصدد أن نشير مرة أخرى — وقد رأينا مبلغ خوف الناس جميعًا من سطوة رياض — إلى ما كان في موقف عرابي من جرأة وشجاعة وعزة لن يجحدها إلا الظالمون …

•••

وكان مما يقضي به منطق الحوادث أن يلتقي الوطنيون والعسكريون، فهم أبناء أمة واحدة يجمعهم على كره رياض والاستياء من العهد كله ما كان يحيق بهم جميعًا من المظالم، وما كانوا يستشعرونه جميعًا في أنفسهم من أن مَرَدَّ ذلك إلى الحكم المطلق الذي يسير عليه توفيق ووزيره ومن ورائهما تدخل الأجانب.

ولذلك ما كاد عرابي يخطو خطوته حتى حقت له الزعامة كما بيَّنَّا، فقد اتجهت إليه القلوب، إذ هزت الناس جرأته وحميَّته، وأحسَّ الناس في دخيلة نفوسهم أن الثورة قد هيئ لها الرجل الذي يقودها.

ولئن زين لبعض الناس أن يقولوا إنه ما كان ليستطيع أن يفعل هذا لو لم يكن يستند إلى الجيش فإنا نقول لهم ولِمَ لم يضطلع بالقضية رجل غيره من رجال الجيش، ولم يكن أعلاهم مرتبة؟ ولقد كان معه زميلان حين وثب وثبته فلِمَ لم تنسب الحركة إلا إليه، ولِمَ لم يَجْرِ على الألسنة اسم غير اسمه؟ ومن أدراه أن الجيش لن يخذله إذا جد الجد؟ وهل قعد به تفكيره في ذلك وهو ما دار بخلده بالضرورة حين أقدم على هذا الأمر الخطير عن أن يخطو خطوته؟ وهل كان يغنيه ما أخذه على زملائه من المواثيق والأيمان إذا خاف الجند جانب الحكومة فقعدوا كما قعد آلايه هو عن التحرك من العباسية إلا بعد العشاء؟ ألا إنها الحمية التي تقوم عليها كل زعامة من الزعامات …

وندع للشيخ محمد عبده أن يُبيِّن لنا كيف اتجهت النفوس إلى عرابي، قال في مذكراته عن الثورة العرابية: «شاع هذا الخبر بين الناس على حسب العوائد في مصر، وعلم الكثير من الأعيان والعلماء والموظفين بإصرار الضباط على طلب ماس بالوزارة، وأحسوا بخلاف بين الخديو ورئيس نظاره، فهبَّ عند ذلك جميع الراغبين في تغيير الحال من علماء وأعيان وذوات كرام ومقربين من الجناب العالي، واتَّحَدت وجهتهم في الغاية وإن اختلفت الدواعي والبواعث، فطلاب مجلس النواب يؤمِّلون في التغيير أن ينالوا تشكيله، والمتضجِّرون من استبداد بعض المأمورين، والخائفون من أن يؤخذوا بالشبه يرجون بالتبديل كشفًا لكربتهم وأمنًا على أنفسهم، والواجدون على السلطة الأجنبية يرجون شفاء شيء من وَجْدهم، والذوات الكرام الطامعون في رجوع سلطتهم على أبدان الرعية وأموالها يطمعون في إرضاء شرههم، والأجانب الربويون يتطلعون إلى انقلاب تزيد به الشدة المالية حتى تتسع لهم طرق الكسب الماضية، وقنصل فرنسا البارون درنج يسعى في الانتقام من رياض باشا ويحب أن يأتي خلف له يمكنه مجاراته في مطالبه، والجناب الخديو لا يكره أن يتخلَّى رياض باشا عن رئاسة النظار، بل تلك أمنية من أمانيه.

فأخذت هذه العوامل جميعها تشتغل لتقوية جانب الضباط وتشجيعهم على الإلحاح في الطلب، وكل من وصل إليهم من أولئك بنفسه أو أمكنه أن يبعث إليهم من يعبِّر عن أفكاره يؤيد لهم عدالة الطلب، وموافاته للرغائب الوطنية، وأن ما يأتيه ناظر الحربية لا يمكن الصبر عليه ثم كانت تأتيهم الأخبار بأن الجناب الخديو لا يأبى إجابة طلبهم، بل يحب أن يمكن لهم أمنيتهم، وإنما رياض باشا هو الذي لا يريد ذلك. والله أعلم من أين كانت تأتيهم هذه الأخبار، مع أن رياض باشا كان يريد تحقيق الأمر حسب ما طلبوا في تقريرهم كما قدمنا.»

رأى الوطنيون ما أصاب رجال الجيش من ظفر سريع، بينما قد لحقهم هم الفشل، واستطاع توفيق أو استطاع في واقع الأمر رياض أن يأخذ عليهم مسالك القول والعمل، فسرعان ما اهتدوا إلى الطريق الذي يوصلهم إلى أغراضهم فتقرَّبوا من عرابي وتوددوا إليه، فأخذ شريف يراسله ويعقد بينه وبينه أواصر المودة، وحذا حذو شريف زعماء حركة الإصلاح في الأزهر وزعماء النوّاب مثل سلطان باشا ذلك الذي كان يمثل الأعيان كذلك لأنه منهم، واتّضح لهؤلاء أنه يجب عليهم أن يستعينوا بهذه القوة الجديدة لإقصاء رياض عن موضعه، وبعث الدستور الموْؤُود وتحقيق الإصلاح المنشود.

ويقول بلنت عن ذلك في كتابه: «وفضلًا عن أن عرابيًّا قد رأى أعيان الفلاحين يسعون إليه، فإنه قد رأى المطالبين بالدستور كذلك يجعلون منه حليفًا لهم، وقد كان الكثيرون منهم أعضاءً في الطبقة الحاكمة، وكانوا في قرارة أنفسهم يقاومون حرية الفلاح كما يقاومها رياض نفسه … وكان شريف رئيس هؤلاء الدستوريين، وقد أدَّى به مجرى الحوادث في الصيف إلى أن يجد نفسه ذا صلة وثيقة بعرابي وإن لم تكن صلة مباشرة، وذلك كوسيلة لبعث الدستور الذي هو وسيلته لاستئناف سلطته، ولما كان عرابي على الدوام ميالًا إلى مبدأ الدستور منعطفًا إليه فقد لبى مرحِّبًا بالفكرة، وزاده إقبالًا عليها أن سلطان باشا نفسه — أقوى أعيان الفلاحين يومئذ — كان من أشد أنصار الدستور، وقد اتخذ دور الوسيط في الصلة بينه وبين شريف.»

والآن نقول: إن الثورة العرابية في حقيقة أمرها هي التقاء الوطنيين والعسكريين على هذه الصورة التي بَيَّنَّاها، ولسنا بحاجة بعد ذلك فيما نعتقد إلى كثير ولا إلى قليل من القول لنرد على الذين يزعمون أن الثورة العرابية لم تكن إلا حركة عسكرية بعثتها دوافع شخصية، فأما الذين يزعمون هذا الزعم عن جهل فما نرتاب في أنهم يرجعون عن زعمهم بعد هذا، وأما الذين ساءت نيتهم فزعموا هذا الزعم مُغرِضين فما لنا إلى إقناعهم وسيلة …

إن تجريد الثورة العرابية من صفتها القومية الدستورية هو من صنع كُتَّاب الاحتلال، ومن ذهب مذهبهم من المخدوعين ومن المبطلين، وماذا كان يصنع الاحتلال غير هذا ليبرر وجوده؟ لقد شوَّه القضية وحصرها في فتنة عسكرية حمقاء هوجاء، وبذل غاية جهده واستعان بجاهه ليصرف الأذهان عن أي معنى من المعاني السامِيَة في ثورة عرابي الذي ألقي به وبالأبطال من زملائه في منفى بعيد بدعوى أنهم من العصاة المفسدين في الأرض، ثم دأب كُتَّاب الاحتلال وصنائعه على تضليل أبناء الجيل الذي أعقب الثورة، وجاراهم في ذلك من الكتّاب المصريين — وا أسفاه! — الجهلاء الذين انخدعوا بما عمل الاحتلال على إقراره في الأذهان، والضعفاء الذين راعوا جانب توفيق ثم جانب ابنه من بعده. ذلك الذي ما كان يستطيع أحد أن يجهر بالثناء على عرابي في عهده، وملئت كتب المدارس بالأغاليط والأباطيل، حتى ما يذكر الذاكرون اسم عرابي وثورته إلا قرنوها بمعاني الطيش والسفه والاحتلال …

ولكن الحق إنْ أُخْفِيَ عن الناس ردحًا من الزمن، لا يستطاع إخفاؤه عنهم إلى الأبد، وإلا ما كان حقًّا، فجوهر الحق في أنه لابد منتصر مهما طال عليه الأمد ومهما استعدى عليه الباطل من ألوان الخداع والبهتان.

وإن مصر اليوم لتعطف على عرابي وثورة عرابي، وقد آن لها أن تنصف هذا المصري الفلاح وأن تحدد له مكانه بين قواد حركتها القومية …

وليس بعجيب أن يموه كتاب الاحتلال وصنائعهم وأن يلبسوا الحق بالباطل ويكتموا الحق وهم يعلمون، نقول ليس ذلك بعجيب ونحن نجد — وا أسفاه! — رجلًا من خيرة رجالنا ومن مفاخر أبطالنا يكتب عن عرابي صاحبه في الجهاد وزميله فيما كان يطمح إليه من آمال، فينكر عليه زعامته ويقدح فيه قدحًا كم تألمنا لصدوره عن بالذات، وله في نفوسنا ما له من الإجلال والإكبار، ذلك هو الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده …

وإنا إذ نحرك القلم لننقل هنا ما كتبه ذلك الشيخ الجليل عن عرابي لنحس بكثير من الخجل والأسف، فما كنا نحب إلا أن يتنزَّه الإمام الكبير عما وقع فيه غيره وما نريد بنقل ما كتبه الأستاذ الإمام عن عرابي وبيان ما أحاط به من ملابسات أن نسيء إلى ذلك الشيخ؛ فتوقيرنا إياه وإجلالنا له فوق كل شك، وإنما قصدنا أن نبيِّن كيف تبعد أحيانًا بالمرء على رغمه عوامل وظروف عما يجب من إنصاف، ويهمّنا بوجه خاص حدوث ذلك من الشيخ محمد عبده بالذات، فقد هان بعده كل اتهام يوجّه إلى عرابي، وصغر كل ادعاء من ادعاءات المغرضين، وإذا كان الشيخ محمد عبده يكتب عن عرابي هذا الذي نورده وهو العليم به الخبير بأحداث عصره، وهو فوق ذلك الإمام الزعيم، فكيف بالظالمين الغاصبين من أنصار الاحتلال وأبواقه؟

وكأني بالقارئ يقول في نفسه: ولمَ لا يكون حقًّا ما قاله الأستاذ الإمام عن عرابي، وللقارئ أن يتساءل هذا التساؤل، ولكنه لن يلبث حتى يعلم اليقين …

كتب الأستاذ الإمام محمد عبده مذكراته عن عرابي بطلب من الخديو عباس حلمي، وهذه دعوى لا تحتاج إلى دليل؛ فقد جاء في مقدمتها قوله: «هذا مقام الذاكر لنعمتك، العارف بقدر منتك، العاجز عن الإيفاء بحق شكرك، التالي في سرِّه وجهره لآيات حمدك، طوقتني إحسانًا لم أكن أتأمّله، إذ أمرتني أمرًا ما كنت أتخيله، أمرت أن أكتب ما شهدت وما سمعت وما علمت وما اعتقدت في الحوادث العرابية من عهد نشأتها إلى نهايتها.» إلى أن يقول: «مولاي: أرفع إلى سدتك السنية ما وقفتُ عليه بنفسي غير ناظر في كتاب ولا راجع إلى مقال سبقني به غيري، اللهم إلا بعض الأوامر الرسمية أو شيء من المخابرات السياسية التي تضطرني في بيان الواقع إلى الإشارة إليها إذ لا غنى للقارئ عن الاطلاع عليها.» إذا كان هذا شأن هذه المذكرات فليس مما يتوقعه المرء أن يمتدح محمد عبده عرابيًّا ويظهره على حقيقته زعيمًا وطنيًّا مجاهدًا مطالبًا بالدستور الذي أنكره توفيق، فيسيء بذلك إلى عباس بن توفيق …

ولقد كانت صلة الإمام بالخديو أول الأمر طيبة، فلما دبَّ بينهما دبيب الخلاف فيما بعد أمسك الأستاذ عن إتمام تاريخ الثورة العرابية، ولو أن محمدًا عبده كتب هذا التاريخ بغير طلب الخديو، أو لو أنه كتبه بعد الخلاف بينه وبينه لما ذكر عن عرابي ما ذكره مما سيأتي بيانه، ولقد كان محمد عبده فيما كتبه عن توفيق مترفقًا به كل الترفق، يلتمس له المعاذير في كل أمر، وفي هذا وحده ما يكفي لبيان ما كان يحيط به من عوامل بعدت به عن الإنصاف.

يضاف إلى ما تقدم أن الأستاذ الإمام، وإن كان من دعاة الشورى والحكم الدستوري كأستاذه جمال الدين إلا أنه كان يرى أن مصر لم تكن تهيأت يومئذ لهذا الحكم، وكان يميل إلى حكم رياض، ويحسب أنه يجد فيه المستبد العادل الذي ينهض به الشرق، ولذلك نقم الأستاذ على عرابي ونفرت نفسه من الحركة العسكرية، نجد الدليل على ذلك في قول الشيخ رشيد رضا تلميذه وكاتب تاريخ حياته: «إن الأستاذ كان مؤيدًا لوزارة رياض باشا الإصلاحية، ويرى أنها صورة حسنة للمستبدّ العادل الذي يُرْجَى أن ينهض بالأمة في مدى خمس عشرة سنة كما بَيَّنَ ذلك في مقالة اجتماعية عامة وجيزة يراها القارئ في الجزء الثاني من هذا التاريخ، وكان يفضلها على إنشاء حكومة نيابية قبل استعداد الأمة لها.»

نورد بعد ذلك ما كتبه الأستاذ عن عرابي، فنقول إنه استبعد أن يكون عرابي من طلاب الدستور لذاته، فكأنه ما طالب بالدستور إلا محافظة على نفسه بعدما كان من فعلته التي أدت إلى حادث قصر النيل. يقول الأستاذ: «هذه أحاديث عقل ينبو عن فهمها ذهن شخص مثل عرابي تمثّلت له جنايته في صور أغوال فاغرة الأفواه محدّدة الأنياب، ولزمه خيالها في يقظته ومنامه، فهو في فزع دائم يخيل له العزل والموت في كل شيء يراه، يلتفت يمينًا وشمالًا فلا يرى إلا سيوفًا مسلولة أو حبالًا منصوبة، ولا يسمع من هواجس نفسه إلا صيحة واحدة: الخلاص، الخلاص، الهرب، الهرب، ولم يتمثل في مخيِّلته مهرب أوفى له من طلب تشكيل مجلس النواب على الصورة التي قدرها له في نفسه.»

وقال في موضع آخر: «استحثه الحرص على إدراك المطلب أن يفضي به إلى ضباط الجيش وأن يثير في أحلامهم الضعيفة تماثيل الأماني من العزة والسلطان والصعود إلى أعلا مراقي الرتب والمناصب، وإن كل ذلك لا يُنال إلا بمجلس النواب.»

وقال في موضع ثالث: «أما عرابي فلم يكن يخطر بباله ولا يهتف به في منامه أن يطلب إصلاح حكومة أو تغيير رئيسها، فذلك مما كان يكبر على وهمه أن يتعالى إليه، وإنما الذي أحاط بفكره وملك جميع مقاصده هو الخوف على مركزه مع شدة البغضاء لمن كان معه من أمراء الشراكسة والمنافرة من عثمان باشا.»

هذه آراء أقل ما يقال فيها بعد ما أشرنا إليه من ملابسات كتابتها أنه كتبها «غير ناظر في كتاب ولا راجع إلى مقال سبقه به غيره» كما ذكر في مقدمة مذكراته التي كتبها للخديو عباس، أعني أنها آراء يعوزها الدليل من الحوادث أو الشواهد، على أننا إذا أخذناها على علاتها فماذا نخرج به منها إلا أن عرابيًّا رأى الظلم محيطًا به فأراد أن يعتصم بالعدل في صورة مجلس نيابي؟ ولِمَ لا تكون مصر كلها ممثّلة في شخص عرابي، فكانت تحيط بها المظالم وتخشى الطغيان، ولم يكن لها من عاصم إلا حكم الدستور؟ ولقد بَيَّنَّا مبلغ ما كانت تعانيه مصر منذ حكم إسماعيل، وإذا دفع الإنسان الخوف من الظلم إلى مقاومة الظلم فهل يكون ذلك دليلًا على جبنه ورغبته في الهرب أم يكون دليلًا على شجاعته وتحديه المخاوف؟

إن الذي يعنيني من هذا الذي ذكره الأستاذ الإمام هو أن أُبيِّن ما لحق عرابيًّا من الظلم، حتى من أقرب الناس إليه، عسى أن يحذر القارئ مما قد يجده من غير الإمام من هذا القبيل، وعسى أن يطرح من ذهنه ما قد يكون قد علق به، وما أحسب أن في تاريخ الزعماء من تجمعت عليه المظالم كما تجمَّعت على عرابي في حياته وبعد موته، كذلك لست أذكر حركة جردت من معانيها السامية حتى تركت فارغة شوهاء تنكرها النفوس كهذه الحركة القومية التي بَخَسَها المبطلون حقّها هذا البخس الشنيع.

كانت الثورة العرابية ثورة قومية جمعت بين المدنيين والعسكريين من أبناء أمة واحدة أيقظتها المظالم، وإذا كان العسكريون أو زعيمهم عرابي قد طالبوا بالدستور خوفًا على أنفسهم كما يذكر الشيخ محمد عبده، فلماذا طلبه المدنيون؟ إن كانوا طلبوه خوفًا على أنفسهم كذلك من مغبة معارضتهم الخديو ووزيره، وكان ذلك معناه عند الشيخ الجبن فإنه لا قومية ولا وطنية هناك، ويكون شأن الوطنيين في هذا ومنهم الشيخ محمد عبده شأن عرابي وأعوانه …

إن الوطنيين والعسكريين قد أحاطت بهم المخاوف من كل جانب، فطلبوا الدستور وطلبه عرابي فيمن طلبوا، وقد استعان به الوطنيون، ولست أفهم لماذا يفرق الشيخ محمد عبده بين الباعث لعرابي على طلبه وبين باعث الوطنيين؟ لقد كان يجوز أن تعلق بكلامه بعض الوجاهة لو لم يثبت أن الوطنيين اتَّصلوا بعرابي وطلبوا عونه، أي لو أن عرابي وحده قد التجأ إلى الاعتصام بطلب الدستور كفكرة طارئة أملاها عليه الخوف وليس في البلد حركة دستورية، أما أن تكون المطالبة بالدستور حركة عامة سابقة لشكوى عرابي وزميليه ويكون هو قد شايعها بوجدانه متضامنًا مع زعمائها لإيمانه بمبدأ الشورى ولما كان ينصب على الجميع من مظالم بيَّنَّاها في موضعها، ثم يصور لنا طلبه كما صوره الإمام فذلك ما لا نستطيع أن نحمل عقلنا على قبوله، ولو أن عرابيًّا كان من طبعه الخوف والهرب لما أثار تلك الحرب على الشراكسة، ولما أقدم على رفع الشكوى إلى رياض ولا على تدبير حادث قصر النيل ولا على الذهاب إلى عابدين بعد إخراجه من السجن، أجل ما كان ليفعل شيئًا من هذا جبانٌ خائفٌ، فهي أفعال لن ينهض بها إلا مقدام. قال الشيخ محمد عبده فيما علق به سنة ١٩٠٣ على ما كتبه عرابي من تاريخه لبلنت حين أطلعه عليه:١ «كانت الأشهر السبعة بين حادث قصر النيل ومظاهرة ٩ سبتمبر أشهُر نشاط سياسي عظيم شمل جميع الطبقات، وأكسبت عرابيًّا فعلتُه كثيرًا من ذيوع الصيت، ووصلت بينه وبين المدنيين من أعضاء الحزب الوطني، مثل سلطان باشا، وسليمان أباظة، وحسن الشريعي، وشخصي، وكنا نحن الذين أبرزنا فكرة تجديد المطالبة بالدستور، وكانت وجهة نظره يومئذ أن ذلك يهيئ له ما يعصمه ويعصم زملاءه العسكريين من انتقام الخديو ووزرائه، وقد أخبرني بذلك مرارًا أثناء الصيف، وبناءً على ذلك أعددنا ملتمسات للمطالبة بالدستور، وشفعنا ذلك بحملة في الصحف، وقد لقي عرابي سلطانًا في الصيف مرات كثيرة وقد اهتم به سلطان — وقد كان عظيم الثراء — اهتمامًا شديدًا وأرسل إليه كثيرًا من الهدايا كالمنتجات الزراعية والخيل وما إليها، وذلك كي يثير حماسته، ولكي يظفر بمعونته في الحركة الدستورية، ولقد دبرت مظاهرة عابدين بالاتفاق مع سلطان.»

وخلاصة ما يستخرج من هذه الفقرة أن الوطنيين والعسكريين اتفقوا على المطالبة بالدستور، وأن الوطنيين أرادوا أن يستعينوا بقوة العسكريين، وأن الباعث للعسكريين كان رغبتهم في إيجاد ما يعصمهم من انتقام الخديو، وأي عيب في هذا الباعث؟ وهل كان غيره منذ نشأت الحركات الدستورية باعثًا للأمم على المطالبة بالحكم الدستوري؟ إن كل منصف لا يسعه إلا أن يرى فيما وصف به الشيخ محمد عبده عرابيًّا من صفات الفزع والخوف والهرب تزيُّدًا لا مبرر له ولا ينهض من الحوادث دليل عليه، بل إن الحوادث جميعًا تنقضه، فالأمر هين بَيِّن ينحصر في أن عرابيًّا وإخوانه رأوا في الحكم الدستوري عاصمًا لهم من الجور كما رأى ذلك الوطنيون، ومنهم الشيخ محمد عبده …

•••

التقى الوطنيون والعسكريون فكان من التقائهما واتجاههما وجهة واحدة، حركة قومية غايتها الدستور والحرية. ولقد نجحت تلك الحركة نجاحًا باهرًا يدعو إلى أكبر الإعجاب، وبلغت غايتها دون أقل مكدر يوم عابدين، ولولا ما كان من موقف توفيق بعد ذلك ومن كانوا يتربصون بالبلاد من الثعالب وبنات آوى لسارت مصر قدمًا في طريق الحرية والنهوض …

وما يشين هذه الحركة مشاركة العسكريين فيها، فليست في ذلك بدعًا من الحركات، فما خَلَت حركة قومية من عنصر الجند إما متطوعين أو من الجيش القائم، وهل يعيب حركة استقلال المستعمرات الأمريكية مثلًا أن وشنطون الجندي كان زعيمها؟ وهل يشين الثائرين من الأحرار على استبداد الملك شارل الأول في إنجلترا استعانتهم بكرمول وجنوده؟ وهل كان في انضمام الجيش في فرنسا إلى أكثر الحركات الثورية ما يذهب بجلال هذه الثورات؟ ذلك ما لا يقوله منصف …

حق لمصر أن تفخر بأنها ثارت ثورة قومية حرة في القرن التاسع عشر؛ عصر القوميات والثورات، وتلك هي الثورة العرابية التي مهدت لها عوامل وأسباب تجعلها أشبه ما تكون بأجلّ الحركات القومية في أوربا …

وسيخنق الاحتلال هذه الحركة القومية، ويطفئ شعلتها، ولكن جمرتها تبقى تحت الرماد إلى أن ينفخ فيها سعد من روحه فتشتعل وتتوهج حتى ما يستطيع مستبدٌّ ولا طاغية بعد ذلك أن يخمد نارها أو يطفئ نورها …

١  The Secret History of The British Occupation of Egypt. P. 490.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤