المسألة الحادية والمائة

قد نرى من يضحك من عجب يراه ويسمعه أو يخطر على قلبه، ثم ينظر إليه ناظرٌ من بُعْدٍ فيضحك لضحكه من غير أن يكون شريكه فيما يضحك من أجله، وربما أربى ضحك الناظر على ضحك الأول، فما الذي سرى من الضاحك المتعجب إلى الضاحك الثاني؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

إن النفس الشخصية تتأثر من النفس الشخصية ضروبًا من التأثيرات بعضها سريعةٌ وبعضها بطيئةٌ، وقد مر لنا كلامٌ كثيرٌ في هذا المعنى، فمن تأثيراتها السريعة بعضها في بعض: النوم، والتثاؤب، وكثيرٌ من الراحات؛ فإنه قد اشتهر في الناس أن من نَعَسَ أو تناعَسَ عند المستيقظ الذي لا فُتُور به أنْعَسَه ونَوَّمَه، وكذلك المتثائِب والمتكاسِل عن عمل.

وقد يعرض قريبٌ من ذلك في النشيط للعمل أن ينشط أولًا ثم يُعْدِي الثاني، ولكن الأول أنشط وأبين.

والسبب في ذلك أن النفس وإن كانت كثيرةً بالأشخاص فهي واحدةٌ في ذاتها، فليس بعجب أن يتأدى من بعض الأشخاص إلى بعضٍ آثارٌ نفسيةٌ سريعةٌ بلا زمان بتة.

وليس يحتاج هذا المعنى إلى شيء يسري على طريق النُّقْلَة والحركة الجسمية التي تُقْطَع في زمان، بل يكفي في ذلك أن تتلاحظ النفسان؛ فإن التأثير من أحدهما في الآخر يقع بلا زمان.

وينبغي أن يُتَذَكَّر في هذا المعنى اللطيف الأثر الذي يقبله الناظر من المنظور إليه، فإن هذا وإن كان بوساطة الجسم فإنه يكون بلا زمان بتة، فلستَ تقدِر أن تقول: إن الناظر إلى كوكب من الكواكب الثابتة يكون بين فتحة عينه وبين رؤيته إياه زمان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤