المسألة التاسعة والمائة
لِمَ فرح الإنسان بنيل مالٍ وإصابة خير من غير احتساب له وتوقُّعٍ أكثر من فرحه بدَرْك ما طلب ولُحُوق ما زاول؟ ألأنه في أحد الطرفين يبتغي طلب شيء متخير أم لغير ذلك؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
إن جميع ما يصيب الإنسان مما يخصُّ نفسه أو جسمه إذا وصل إليه بتدريج قلَّ إحساسه به وضعُف ظهور أثره عليه، وإذا وصل إليه بغتةً وضربة كَثُرَ إحساسه به.
أما مثال ذلك في الجسم فإن الأمراض التي يخرج بها عن الاعتدال على تدريج فليس يشعر بها إلا شعورًا يسيرًا وربما لم يشعر بها ألبتة؛ فإن خرج بها على غير تدريجٍ تألَّم منها جدًّا كالحال في الدَّوَى وأشباهه من الأمراض؛ فإن الإنسان يخرج عن الاعتدال بها إلى الطرف الأقصى الذي يليه الموت فلا يحس بألمه؛ لأنه على تدريج، ولو خرج دون ذلك الخروج ضربة للحقه من الألم ما لا قوام له به.
وكذلك الحال في اللذات؛ لأن اللذة إنما هي عَوْدُ الإنسان إلى اعتداله ضربةً.
فاللذة والألم حالان يستويان في أنهما يَرِدَان دفعة بلا تدريج فيستويان في باب شدة الإحساس.
وهذه المسألة أحد الآثار التي تَرِد على الإنسان مرة بتدريج ومرة بغير تدريج، فتصير حال الإنسان — بما لم يحتسبه ولم يتدرج إليه بالمزاولة — حال ما يصيبه ضربةً واحدةً مما ضربنا مثاله فيكثُر إحساسه به وظهور أثره عليه.