المسألة الحادية عشرة: مسألة اختيارية
لِمَ قبُح الثناء في الوجه حتى تواطئوا على تزييفه؟
ولِمَ حسُن في المغيب حتى تُمُنِّيَ ذلك بكل معنًى؟ ألأن الثناء في الوجه أشبه الملق والخديعة وفي المغيب أشبه الإخلاص والتَّكْرِمَة أم لغير ذلك؟
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
لما كان الثناء في الوجه على الأكثر إعارة شهادةٍ بفضائل النفس وخديعة الإنسان بهذه الشهادة حتى صار ذلك — لاغتراره وتركه كثيرًا من الاجتهاد في تحصيل الفضائل، وغرض فاعلِ ذلك احتراز مودة صاحبه إلى نفسه بإظهار مودته له ومحبته إياه — صار كالمكر والحيلة فذُمَّ وعِيب.
فأما في المغيب فإنما حسُن لأن قصد المثني في الأكثر الاعتراف بفضائل غيره، والصدق عنه فيها.
وفي ذلك تنبيهٌ على مكان الفضل، وبعثٌ للموصوف والمستمع على الازدياد والإتمام، وحضٌّ على أسبابه وعلله.
وربما كان القصد خلاف ذلك، أعني أن يكون غرض المُثْنِي في المغيب مخادعة المُثْنَى عليه والطمع في أن يبلغه ذلك عنه فَيَتَنَفَّقَ عليه ويستميله ويَسْتَجِرَّ به منافعه، وهو حينئذٍ شبيه بالحالة الأولى في المكر، ومستقبح.
وربما قصد الأول في الثناء والمدح في الوجه الصدق لا الملق، فيصير مستحسنًا إلا بقدر ما يُظن أن الممدوح يغتر به فيُقصِّر في الاجتهاد.
فقد تبيَّن أن الثناء يحسُن بحسب قصد المُثْنِي وأغراضه، وبحسب صدقه فيه وكذبه، وعلى قدْر استصلاحه للمُثْنَى عليه أو استفساده، ولكن الأمر محمولٌ على الغائب في الظن والعادة فيه.
ولما كان الأمر على الأكثر كما ذكرناه، وعلى ما حكيناه، قبُح في الوجه وحسُن في المغيب، وإن جاز أن يقع بالضد فيحسُن في الوجه ويقبح في المغيب.