المسألة العاشرة والمائة

لِمَ صار البنيان الكريم والقصر المَشِيد إذا لم يسكنه الناس تداعى عن قُرْب وما هكذا هو إذا سُكِنَ واختُلِفَ إليه؟

لعلك تظن أن ذلك لأن السكان يرمُّون منه ما استرمَّ ويتلافون ما تداعى وتهدَّم ويتعهدونه بالتطرية والكنس، فاعلم أن هذا ليس لذاك؛ لأنك تعلم أنهم يؤثِّرون في المسكن بالمشي والاستناد وأخذ القُلاعَة وسائر الحركات المختلفة ما إن لم يُضعفه على رمِّهم ولمِّهم كان بإزائه ومقابله، فقد بقيت العلة على هذا وستسمعها في عرْض الجواب عن جميع مسائل هذا الكتاب.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

إن معظم آفات البنيان يكون من تشعيث الأمطار، وانسداد مجاري المياه بما تحصِّله الرياح في وجه المآزيب ومسالك المياه التي ترُدُّ المياه إلى أصول الحيطان من خارج البناء وداخله، وبما يَتَثَلَّم من وجوه البنيان الكريمة بالآفات التي تُعرِّضها لحركات الهواء والأمطار والبرد والثلوج، وربما كان سبب ذلك قصبةٌ أو هشيمٌ من تِبْن الطين الذي تُطيِّره الأرواح إلى مسلك الماء، فتعطف الماء إلى غير جهته فيكون به خراب البنيان كله.

فأما ظهور الهوام في أصول الحيطان، والعناكب في سقوفه، وأخذها من الجميع ما يتبيَّن أثره على الأيام فشيءٌ ظاهر؛ وذلك أن هذا الضرب من الخراب قبيح الأثر جدًّا ينبو الطرف عنه ويسمُج به البناء الشريف، وربما أغفل السكان بيتًا من عُرْض البناء إما بقصدٍ وإما بغير قصد، فإذا فُتِحَ عنه يوجد فيه من آثار الدَّبيب من الفأر والحيَّات وضروب الحشرات التي تتخذ لنفسها أكِنَّة بالنقب والبناء، كالأرَضَة والنمل وما تجمعه من أقواتها، ومن نسج العنكبوت وتراكم الغُبْرَة على النقوش ما يمنع من دخوله، هذا إنْ سلِم من الوكْف وتطرُّق المياه وهدمها لِمَا تسيل عليه من حائط وسقف ورَضِّه بما يُثْقِله من طين السطوح وتقصُّف جميع الخُشب والسِّنادات والعَمَد، وإذا كان فيها السكان منعوا هذه الأسباب العظيمة في الخراب، وكان ما يُشعِّثونه بعد هذه الأشياء يسيرًا بالإضافة إليها، فكان البناء إلى العمران أقرب ومن الخراب أبعد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤