المسألة الخامسة عشرة والمائة

رأيت رجلًا يسأل شيخًا من أهل الحكمة فقال له: العرب تؤنِّث الشمس وتُذكِّر القمر، فما العلة في ذلك؟

وأيَّ معنًى عنَوْا بهذا الإطباق؟ فإنه إن خلا من العلة جرى مجرى الاصطلاح على غير غرضٍ مقصود.

فلم يُورِدْ ذلك الشيخ شيئًا؛ ولهذا لم أُسمِّه؛ فإن في ذِكْره مع إظهار عجزه تعريضًا به وتحقيرًا لشأنه، وما يستحق بهذا اليسير أن يُجحَد ما يصيب فيه الصواب الكثير.

فقال السائل: فإن المنجِّمين يُذكِّرون الشمس ويؤنِّثون القمر، وهذا أيضًا من المنجِّمين اتفاق.

فأجاب ها هنا وقال ما قالوه، ولم يعجز عن المسألة الأخرى لقِصَر باعه في الأدب، ولكن لم يحفظ فيها جوابًا عن أهل العربية.

والمعنى فيه خافٍ، ليس من شأن المتمسحين في العلم، بل من شأن المتبحِّرين فيه، الخائضين في غماره، البالغين إلى قراره، وهيهات ذلك العلم عميق البحر، عالي الفلك، وليس كل قلب وعاءً لكل سانحٍ، ولا كل إنسان ناطقًا بكل لفظ، ولا كل فاعل آتيًا بكل عمل.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

أما النحويون فلا يعللون هذه الأمور، ويذكرون أن الشيء المُذَكَّر بالحقيقة ربما أنَّثته العرب، والمؤنث بالحقيقة ربما ذكَّرته العرب، فمن ذلك أن الآلة من المرأة بعينها التي هي سبب تأنيث كل ما يؤنَّث هي مذكَّرٌ عند العرب، وأما آلة الرجل فلها أسماءٌ مؤنثةٌ.

فأما العُقَاب والنار وكثيرٌ من الأسماء التي هي أولى الأشياء بالتذكير وهي مؤنثة وأمثالها فكثير، ولكن الشمس التي قَصَدَ السائل قَصَدَها بعينها؛ فإني أظنُّ السبب في تأنيث العرب إياها أنهم كانوا يعتقدون في الكواكب الشريفة أنها بنات الله — تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا — وكل ما كان منها أشرف عندهم عبدوه، وقد سمَّوا الشمس خاصةً باسم الآلهة؛ فإن اللَّاة اسمٌ من أسمائها؛ فيجوز أن يكونوا أنَّثوها لهذا الاسم، ولاعتقادهم أنها بنتٌ من البنات، بل هي أعظمهن عندهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤