المسألة السابعة عشرة والمائة
ما غضب الصارف على المصروف؟ هكذا تنشأ هذه المسألة، وصورتها: أنك تُوَلَّى إمرة بلد أو قضاء مدينة فتَرِد البلد وبه أميرٌ قبلك صُرِفَ بك فتعنُف به وتغضب عليه وتكَلِّح وجهك في وجهه، وهو ما أغضبك ولا آذاك وليس بينكما لقاءٌ ولا إساءة ولا إحسان.
ومن جنس هذا الغضب غضب الجلَّاد والسَّيَّاف.
الجواب
قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:
لما كان الصارف يستشعر من المصروف أنه يبغضه ويكرهه لا محالة، وفي الطباع أن يكره الإنسان من يكرهه وببغض من يبغضه، عرض هذا العارض لكل صارف على كل مصروف.
وربما انضاف إلى ذلك أشياء أُخر منها: أن المصروف ربما صُرِفَ عن خيانة أو جناية كبيرة يعرض في مثلها الغضب بالواجب، وربما انضاف إلى ذلك أن يُؤْمَر الصارف بالقبض على المصروف ومواقفته على جناياته واستصفاء ماله، وهذه أشياء تثير الغضب وتزيد في مادته، لا سيما والمصروف يحتجُّ لنفسه ويدفع عنها كل ما نُسِبَ إليه من القبيح، ويدافع عن ماله بما أمكنه، فأين يذهب الغضب عن هذا المكان؟ وهل هو إلا في حقيقة موضعه الخاص به؟
فأما الجلَّاد والسيَّاف فلهما وجهٌ آخر من العذر، وهو أنهما إنما يأخذان أجرة على صناعتهما، وإن لم يُوَفِّيَاها حقها خشيا اللائمة والاستخفاف، وليس يمكنهما توفية صناعتهما حقوقها إلا بإثارة الغضب، هذا مع العلة الأولى التي ذكرتُها في الصارف والمصروف.