المسألة الثانية والسبعون والمائة

ما الدليل على وجود الملائكة؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

أما الكتاب والسُّنَّة فمملوءان من ذِكْر الملائكة وأنها خَلْقٌ شريفٌ لله تعالى ولها مراتب متفاضِلةٌ، وأما العقل فإنه يُوجِب وجودها من طريق أن العقل إذا قَسَم شيئًا وُجِدَ لا محالة إلا أن يمنع منه مُحال.

وذلك أن قسمة العقل هي الوجود الأول والحق المحض الذي لا يعترضه مانعٌ ولا تعوق عنه مادةٌ، فإذا قَسَم العقل فقد وُجِدَ الوجود العقلي، وإذا حصل هذا الوجود تبعه الوجود النفساني والوجود الطبيعي؛ لأن هذين متشبِّهان بالفعل، مقتديان به، تابعان له، غير مقصِّرَيْن ولا وانِيَيْن.

ولكن الطبيعة تحتاج في هذا الاقتداء إلى حركة لقصورها عن الإيجاد التام، ولذلك قيل في حد الطبيعة إنها مبدأ حركةٍ، ولأن العقل إذا قَسَم الجوهر إلى الحي وغير الحي، قَسَم الحي منه إلى الناطق وغير الناطق، وقَسَم الناطق منه إلى المائت وغير المائت، فيحصُل من القسمة أربعةٌ وهي:
  • حيُّ ناطقٌ مائتٌ.

  • وحيٌّ غير ناطقٍ غير مائتٍ.

  • وحيٌّ ناطقٌ غير مائتٍ.

  • وحيٌّ غير ناطقٍ مائتٍ.

والقسم الثالث هم المُسمَّون ملائكة، وهي مشتركةٌ في أنها غير مائتةٍ، ومتفاضِلةٌ في النطق، وبهذا التفاضل صار بعضها أقرب إلى الله تعالى من بعض، وبه أيضًا صِرْنا — نحن معاشرَ البشر — متفاضلين في التقرب إلى الله تعالى والبعد منه، ولأجله قيل: فلانٌ شبيهٌ بمَلَكٍ وفلانٌ شبيهٌ بشيطان، وبسببه قيل: فلان عدو الله، وبسببه قيل: فلان وليُّ الله، وفي السَّبِّ يُقال: أبعد الله فلانًا ولعنه، وقرَّب الله فلانًا وأدناه.

وقد يمكن أن يُثبَت وجود الملائكة من طريق آثارها وأفعالها الظاهرة في هذا العالم. ولكني لما احتجت في ذلك إلى مقدمات كثيرةٍ وبَسْطٍ للكلام أخرج به عن الشرط الذي شرطته في أول هذه المسائل اقتصرت على ما ذكرته وهو كافٍ إن شاء الله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤