المسألة الحادية والعشرون: مسألة طبيعية خُلقية

لِمَ طال لسان الإنسان في حاجة غيره إذا عُنِيَ به وقصُر لسانه في حاجته مع عنايته بنفسه؟ وما السر في هذا؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

بِنية الإنسان وتركيبه ومبدأ خلقه وقع على أنه مَلِك، فكل إنسان له أن يكون ملِكًا بما أُعد له من القوى المساعدة عليه، ولا ينبغي لأحد أن يقصِّر عن أحد في هذا المعنى إلا لآفةٍ أو نقصٍ في البِنية.

ولما عرض للواحد بعد الواحد أن يسأل غيره، مع أن موضوعه موضوع الآخر، ولم يكن بأن يحتاج إلى صاحبه أولى من أن يحتاج صاحبه إليه — وجب أن تحدث له عزة نفسٍ تمنعه من التذلل.

ولهذه العلة وجب التمدُّن، وحدث الاجتماع والتعاون، وحسُن بين الناس التعامل، وأن يدفع الإنسان إلى صاحبه حاجته إذا كانت عنده؛ ليستدعي مِثلها منه فيجدها أيضًا عنده.

فالسائل إذا لم يكن معوِّضًا ولا معامِلًا، والتمس الرِّفد من غيره من غير مقابلةٍ عليه، ولا وعدٍ من نفسه بمثله كان كالظالم، وأيسر ما فيه أنه قد حط نفسه عن رتبةٍ خُلِقَ عليها، ونُدِبَ إليها فقصُر لسانه، واحتقر نفسه.

فأما إذا تكلم في حاجة غيره لم يعرض له هذا العارض، فكأنه إنما يُحيل بهذا النقص على من تكلَّم عنه فانطلق لسانه ولم تذل نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤