المسألة الثانية والعشرون: مسألة طبيعية خلقية

ما سبب الصيت الذي يتفق لبعضهم بعد موته وأنه يعيش خاملًا ويشتهر ميتًا كمعروف الكرخي؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

معظم السبب في ذلك الحسد الذي يعتري أكثر الناس، لا سيما إذا كان المحسود قريب المنزلة من الحاسد أو كان في درجته من النَّسَب أو الولاية والبلدية أو ما أشبهها؛ فإن هذه النِّسَب إذا تقاربت بين الناس فاشتركوا فيها ثم انفرد واحد منهم بفضيلةٍ نافَسَه الباقون فيها وحسدوه إياها، حتى يحملهم الأمر على أن يجحدوه آخر الأمر؛ ولذلك قيل: أزهد الناس في عالمٍ جيرانه؛ لأن الجوار وكثرة الاختلاط سببٌ جامع لهم يتساوون فيه، فإذا انفرد أحدهم بفضيلة لَحِقَ الباقين ما ذكرته.

وربما كان سبب زهدهم فيه غير هذا، ولكن الأغلب ما ذكرته.

فأما البعيد الأجنبي؛ فإنه لما لم يجمعه وإياه سببٌ خفَّ عليه تسليم الفضل له، وقلَّ عارض الحسد فيه؛ ولأجل ذلك إذا مات المحسود وانقطع السبب الذي بينه وبين الحساد أنشئوا يُفضِّلونه ويُسلِّمون له ما منعوه إياه في حياته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤