المسألة الحادية والثلاثون: مسألة خلقية

لَمَ اشتدت عداوة ذوي الأرحام والقربى حتى لم يكن لها دواءٌ لشدة الحسد وفرْط الضغائن وحتى زالت بها نِعَم وبادت نفوس وانتُهِيَ إلى الجلاء والهلاك؟

وهل كان الجوار وما يُتعوَّذ بالله منه في شكل هذه العداوة أم لا؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

قد تقدَّم في مسألة حد الحسد، وفي المعاني القريبة التي يغلط الناس فيها، وفي ذكر أسمائها، ما فيه غنًى عن إعادته في جواب هذه المسألة؛ لأنَّا ذكرنا هناك أن الاثنين أو الجماعة من الناس إذا اشتركوا في أمر وجمعهم سبب فتساووا فيه مع تساويهم في الإنسانية ثم تفرَّد من بينهم واحدٌ بفضيلة حسده نظيره أو غبطه.

وذوو الأرحام هم جماعة مشتركون في نسب واحد، ولا يرى أحدهم للآخر فضلًا؛ فإن انفرد واحد منهم بأمرٍ نافسه الآخر.

وأيضًا فإن موضوع الشركة في النسب هو المؤازرة والمعاونة والتساوي في الأحوال، وهذه حال منتظرةٌ يتوقعها كل واحد من الآخر، فإذا أخلف الظن كان أشد احتمالًا، وأصعب علاجًا، وصار بمنزلة الدَّين المجحود، والحق المَغْمُوط، فإذا اقتُضِيَ ثَقُل، وإذا ثَقُل تُنُوكر، وإذا تُنُوكِر ثارت قوة الغضب بالجميع، والغضب يزرع الحقد ويبعث على الشرور.

وينضاف إلى هذا شدة العناية والتفقد للأحوال، وهذا لا يكون مع البعداء ولا يمكن فيهم، فتكثر وجوه المطالبات بالحقوق وادعاؤها وإن لم تكن، وتثور أسباب الغضب، والغضب يُرِي أكثر مما تُريه الحال نفسها، ويطلب كل واحد من صاحبه، وينتظر مثل ما يطلبه صاحبه وينتظره، وينتهي من العدد وكثرة الوجوه إلى حيث يتعذر دواؤه ويقع الإياس منه.

والجِوار أيضًا سببٌ قويٌّ لأنه شركةٌ ما تبعث على تفقُّد الأحوال وتُنقِّح الحسد، وجميع الأحوال التي ذكرناها في ذوي الأرحام، إلا أن هناك عطفًا مرجوًّا وإبقاءً معلومًا لا يوجد مثلهما في الجوار؛ فالشر إذا ثار منه صرفٌ، والحسد فيه محضٌ، لا مزاج للخير فيه ولا داعي إلى البُقْيَا معه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤