المسألة الثانية والثلاثون: مسألة طبيعية

لِمَ غضب الإنسان من شر يُنسب إليه وهو فيه؟
وما سبب غضبه من شر يُنسب إليه وليس هو فيه؟
والصدق في الأول من باب المحبوب المحمود، والكذب في الثاني من باب المذموم المكروه.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

سبب ذلك محبة النفس، وقد تقدَّم شرحه.

والإنسان إذا ذُكِرَ بشر هو فيه كره أن يُفطَن له، وإن فُطِن له كره أن يُجْبَهَ أو يُغتَاب به؛ لأنه يعرف قبح الشر، ويحب لنفسه التي هي حبيبته أن تكون بريئةً من كل عيب بعيدةً من كل ذنب وذم، فإذا رُمِيت بشر لحقه غمٌّ أولًا ثم محبة الانتقام ممن غمه.

والغضب حقيقته حركة النفس للانتقام، وهذه الحركة تثير دم القلب حتى يغلي؛ ولذلك يُحَدُّ الغضب بأنه غليان دم القلب شهوة الانتقام.

•••

فأما غضب الإنسان من شر يُنسب إليه وليس هو فيه فبالواجب؛ لأنه قُصِدَ بالظلم ليُغَمَّ.

وفائدة الغضب وسبب وجوده في الإنسان هو أن ينتصر به من الظالم أو يمنعه ويضعه عن نفسه؛ فإذا علِم الإنسان أن قاصدًا يقصده بالظلم أحب الانتقام منه وتحركت نفسه لذلك فحدث الغضب.

فقد استبان من الصدق والكذب جميعًا في هذه المسألة سبب هيج الغضب ومائيته أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤