المسألة الخامسة والأربعون: مسألة طبيعية

لِمَ لَمْ يرجع الإنسان بعدما شاخ وخَرِفَ، كهلًا، ثم شابًّا غريرًا، ثم غلامًا صبيًّا، ثم طفلًا كما نشأ؟

وعلامَ يدل هذا النظم؟ وإلى أي شيء يشير هذا الحكم؟

الجواب

ليست الشيخوخة والهرم نهاية نُشوء الإنسان، ولا غاية الحركة الطبيعية، أعنى النامية، فتروم — أيَّدك الله — أن يعود الشيخ في مسالكها إلى المبدأ الذي تحرك منه، بل ينبغي أن تعلم أن غاية النشوء والحركة إنما هي عند منتهى الشباب ثم حينئذٍ يقف، وذلك زمان التكهل، ثم ينحط، وذلك زمان الشيخوخة؛ وذلك أن الحرارة الغريزية التي في الأجسام المركَّبة من الطبائع الأربع ما دامت في زيادة قوتها، فهي تنشئ الجسم الذي هي فيه بأن تجتذب إليه الرطوبات الملائمة بدل ما يتحلل منها فتكون غذاءً له، ثم تبقى بقية جذبها فضل القوة فاضلة عن قدر الغذاء الذي عُوض من المتحلل فزادتها في مساحة الجسم ومددت بها أقطاره، فإذا تناهت القوة وقفت فلم تزد في الأقطار شيئًا، بل غايتها حينئذٍ أن تحفظ على ذلك الجسم أقطاره ومقداره بأن تغذيه، أعني أن تجتذب من الرطوبات مقدار ما يسري في الجسم عوضًا عما تحلل بلا زيادة تنصرف إلى التزييد والتمديد.

ثم إن الحرارة تضعف قليلًا وتأخذ في النقصان بعد أن تقف وقفة في زمان التكهل، فيبتدئ البدن في النقص ويصير الإنسان إلى الانحطاط عن تلك الحركة الأولى، فلا يزال الغذاء ينقص عن مقدار الحاجة فلا يفي ما يعتاض من الرطوبة بما تحلل منها، فهو كذلك إلى أن يهرم ويبلغ إلى الانحلال الذي هو مقابل التركيب الذي بدأ منه، وهو الموت الصحيح الطبيعي.

وهذه سبيل كل حركة قهرية في أنها تبتدئ بتزيُّد، ثم تنتهي إلى غاية، ثم تقف وقفة، ثم تنحط.

ولما كان مزاج الإنسان وكل مركَّب من الطبائع المتضادة إنما كان بجامع جمعها وقاهر قهرها، حتى ألفها مع تضادها ونفور بعضها من بعض صارت حركتها قهرية، ومن شأن الحركة القهرية ما ذكرت من أمرها إذا لم يُتبِعها القاهر أبدًا بقهر بعد قهر، فوجب في حركة النشوء ما وجب في كل حركة من جنسها، ولم يعد الشيخ كهلًا ثم شابًّا ثم طفلًا؛ لأن الحركة لم تقع على هذا النظام، ولا الشيخوخة هي غاية الحركة، بل هي غاية الضعف ونظير الطفولة.

ووسط زمان الإنسان الذي بين الطفولة والشيخوخة هو غايته، ثم العود في الانحطاط والحركة يكون على سبيل ما بدأ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤