المسألة الثامنة والخمسون

كيف صار يُخلِص في وقتٍ معتاد النفاق، ويتيقن من اشتمل بالريب، ويستيقظ من هو راقدٌ، ويتنصَّح من هو غاشٌّ؟

وكيف صار أيضًا ينافق من نشأ على الإخلاص ويريب من ألِف النزاهة؟ وعلى هذا كيف يكون يخون من استمر على الأمانة ستين عامًا ويتحرج من عَتُقَ في الخيانة ستين عامًا؟

ما هذه العوارض المختلفة والعادات المستطرَفة؟

وكذلك نجد الكذاب يصدُق أحيانًا لغير أربٍ مجتلَب، والصادق يكذب لغير معنًى محدد، ثم لا يتفق أن يصدق ذلك في نافعٍ أو يكذب هذا في دافعٍ.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

هذه المسألة أيضًا قريبةٌ من المسألتين المتقدمتين والجواب عنها قريب من الجواب عنهما، وذلك أن النفاق والنصح وسائر ما ذكره في هذه المسألة هو من آثار النفس الناطقة، ومن البيِّن أن هذه النفس لها أيضًا مرضٌ وصحةٌ، فصِحَّتها اعتدالها في قواها الباقية، ومرضها خروجها عن الاعتدال، وهي إن خرجت عن اعتدالها في وقت فغير منكَرٍ لها أن تعود إليه في وقت آخر، وكما أن الصدق والنصيحة وصحة الروية وتقسيط الأعمال بحسب الأحوال هو صحتها واعتدالها فأضداد هذه مرضها وخروجها عن الاعتدال، ولكن ليس نُسَلِّم أنها تصدق ثم تكذب لغير سببٍ ولا لدفع مضرةٍ، بل يُظن أبدًا أن فعلها صوابٌ لأمرٍ تراه، فربما كان ذلك الظن غلطًا وخطأً، فأما أن تفعل ذلك لغير أربٍ وغير قصدٍ إلى ما تراه خطأً فمُحال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤