المسألة السادسة والستون

ما يصيب الإنسان من قرينه في خيره وشره؟
وكيف صار يؤثِّر الشرير في الخيِّر أسرع مما يؤثِّر الخير في الشرير؟
وما فائدة النَّفس في المقارنة؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

ينال القرين من قرينه الاقتداء والتشبُّه، وكما أن كل متجاورين من الأشياء الطبيعية لا بد أن يؤثر أحدهما في الآخر فكذلك حال النفس؛ وذاك أن الطبيعة متشبِّهة بالنفس لأنها شبيهة بظل النفس، ومن شأن الشيء الأقوى في الطبيعة أن يُحِيل الأضعف إلى نفسه ويُشبِّهه بذاته، كما تجد ذلك في الحار والبارد والرطب واليابس؛ ولأجل تأثير المجاور في مجاوره حدثت الأمراض في البدن وبسببه عُوِلجَ بالأدوية.

ولما كانت النفس التي فينا هيولانية صار الشر لها طباعًا، والخير تكلُّفًا وتعلُّمًا، فاحتجنا — معاشر البشر — أن نتعب بالخير حتى نستفيده ونقتنيه، ثم ليس يكفينا تحصيل صورته حتى نألفه ونتعوده، ونُكرِّر زمانًا طويلًا الحالة التي حصلت لنا منه على أنفسنا لتصير مَلَكَةً وسجية بعد أن كانت حالًا.

فأما الشر فلسنا نحتاج إلى تعب به وتحصيله، بل يكفي فيه أن نُخَلِّي النفس وسَوْمَهَا ونتركها على طبيعتها فإنها تخلو من الخير، والخلو من الخير هو الشر؛ لأنه قد تبيَّن في المباحث الفلسفية أنه ليس الشر بشيء له عين قائمة بل هو عدم الخير؛ ولذلك قيل: الهيولى معدن الشر وينبوعه لأجل خُلُوِّها من جميع الصور؛ فالشر الأول البسيط هو عدم ثم يتركب وسبب تركُّبه الأعدام التي هي مقترنة بالهيولى.

وشرح هذا الكلام طويل، إلا أن الذي يحصل لك من جواب المسألة فيه أن النفس تتشبه بالنفس المقارنة لها وتقتدي بها، والشر أسرع إليها من الخير لِما ذكرناه، وهو أن النفس التي فينا هي هيولانية، وأعني بهذا القول أنها قابلة للصور من العقل؛ فالمعقولات إنما تصير معقولات لنا إذا ثبتت صورها في النفس؛ ولذلك قال أفلاطون: إن النفس مكانٌ للصور، واستحسن أرسططاليس هذا التشبيه من أفلاطون؛ لأنه استعارةٌ حسنةٌ وإيماءٌ فصيحٌ إلى المعنى الذي أراده.

فيجب — على هذا الأصل — أن نتوقى مجالسه الأشرار ومخالطتهم ومقارنتهم، ونقبل قول الشاعر:

عن المرء لا تسأل وأبصِرْ قرينه
فإن القرين بالمقارن مقتدِ

وينبغي أن نأخذ الأحداث والصبيان به أشد الأخذ، فقد مر في مسألةٍ ما يحقق هذا المعنى ويؤكده وينبِّه عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤