المسألة الحادية والسبعون

ما سبب غضب الإنسان وضجره إذا كان مثلًا يفتح قفلًا فيتعسر عليه حتى يُجَن ويعض على القفل ويَكْفُر، وهذا عارضٌ فاشٍ في الناس؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

هذا العارض وشبهه من أقبح ما يعرض للإنسان، وهو غير معذورٍ إن لم يُصلحه بالخُلُق الحسن المحمود؛ وذلك أن الغضب إنما يثور به دم القلب لمحبة الانتقام، وهذا الانتقام إذا لم يكن كما ينبغي، وعلى من ينبغي، وعلى مقدار ما ينبغي فهو مذموم، فكيف به إذا كان على الصورة التي حكيتَها!

فأما سؤالك عن سبب الغضب فقد ذكرته وأجبتُ عنه، وإذا ثار في غير موضعه فواجبٌ على الإنسان الناطق المميِّز أن يُسكِّنه ولا يستعجله، ولا يجري فيه على منهاج البهيمة وسُنَّة السبُع؛ فإن من أعانه بالفكرة وألهبه بسلطان الروية حتى يحتدم ويتوقد فإنه سيعسُر بعد ذلك تلافيه وتسكينُه، والإنسان مذموم به إذا تركه وسَوْم الطبيعة ولم يُظهِر فيه أثر التمييز ومكان العقل.

وجالينوس قد ذكر في كتاب الأخلاق حديث القُفْل بعينه، وتعجَّب من جهل من يفعل ذلك أو يرفُس الحمار ويَلْكُم البغل؛ فإن هذا الفعل يدل على أن الإنسانية يسيرةٌ في صاحبه جدًّا والبهيمية غالبةٌ عليه، أعني سوء التمييز وقلة استعمال الفكر.

وليس هذا وحده يعرض لحشو الناس وعامتهم، بل الشهوة والشَّبَق وسائر عوارض النفس البهيمية والغضبية إذا هاج بهم وابتدأ في حركته الطبيعية لم يستعملوا فيه ما وهبه الله تعالى لهم وفضَّلهم به وجعلهم له أناسي، أعني أثر العقل بحُسن الروية وصحة التمييز، والله المستعان ولا قوة إلا به.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤