المسألة الثالثة والسبعون

لِمَ اعتقد الناس في الكَوْسَج أنه خبيثٌ وداهية، وكذلك في القصير؟

ولَمْ يعتقدوا العقل والحصافة فيمن كان طويل اللحية، كثيف الشعر، مديد القامة، جميل الإمَّة.

ولِمَ رأوا خفة العارضين من السعادة؟

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

هذه المسألة من باب الفَرَاسة.

والممدوح المحمود من كل أمر يتبع مزاجًا ما هو الاعتدال.

فأما الطرفان اللذان يكتنفان الاعتدال — أعني الزيادة والنقصان — فهما مذمومان مكروهان.

فإن كان وُفُور اللحية وطولها وعِظَمها وذهابها في جميع جهات الوجه دليل السلامة والغفلة؛ فبالواجب صار الطرف الذي يقابله من الخفة والنَّزرة والقلة دليل الخبث والدهاء.

وهما جميعًا طرفان خارجان عن الاعتدال المحمود.

وأحسب أن للاختيار السيئ مدخلًا؛ وذلك أن الرجل إذا كان وافر إضاعة اللحية فهو قادر على أن يُخفِّف منها بأيسر مئونة حتى يحصل على القدْر المعتدل والهيئة المحمودة، فتركه إياها على الحال المذمومة مع تعبه بها وإصلاحها دائمًا، أو تركه إياها حتى تسمُج وتضطرب دليلٌ على سوء اختيار، ورداءة تمييز.

فأما عدم اللحية فليس يَقْدِر صاحبه على حيلة فيها فهو معذور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤