المسألة الرابعة والثمانون

ما السبب في كراهة بعضهم إذا قيل له: يا شيخ، على التوقير والإجلال وهو لا يكون شيخًا، وآخر يتمنى أن يُقال له ذلك وهو شاب طَرِير؟

بل أنت تجد ذلك في شيخ على الحقيقة يكره ذلك، إلا أن هذا علته ظاهرة، ولكن الشأن في شاب يُشَيَّخ تعظيمًا فيكره، وشاب لا يُشَيَّخ فيتكلَّف، وفقْد الشباب مُوجِع، ووجه الشيب مُفظِع.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

إنما يختلف الناس في ذلك باختلاف نظرهم لأنفسهم وبحسب ملاحظتهم أغراض مخاطبيهم.

وذلك أنه ربما أحب الإنسان أن تظهر فضيلته في ابتداء زمانه واستقبال عمره، فإذا قيل له: يا شيخ، ظن أنه قد سُلِب تلك الفضيلة وأُلْحِقَ بمن حصَّل تلك الفضيلة في الزمان الطويل والتجربة الكثيرة.

وربما كره ذلك أيضًا لأربٍ له في الشباب وميل إلى اللعب والهوى اللذين يُستقبَحان من الشيخ، فإذا قيل له: يا شيخ، رأى هذا اللقب كالمانع له والزاجر، وأن مخاطبه ينتظر منه ما ينتظر من المشايخ ولا يعذره على ركوب ما يهُمُّ به ويعزم عليه.

وربما نظر الإنسان إلى مرتبة حصلت له من الوقار الذي لا يحصل إلا من المشايخ وهو في سن الشباب فيُسَرُّ بالإكرام وسرعة بلوغه مبلغ المُحَنَّكين وأهل الدُّرْبَة.

فبحسب اختلاف النظر تختلف وجوه الرضا بهذا الوصف والسخط له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤