المسألة التاسعة والتسعون

لِمَ صار السرور إذا هجم تأثيره أشد وربما قتل؟

وقد حكى الثقة من تأثيره أمورًا، ولقد خُبِّرَتْ والدة بعض الناس أن ابنها وَلِيَ إمرةً فَبرِقَت وانحرفت وما زالت تنتفض حتى ماتت، وقال لي ابن الخليل: الحيرة التي تلحق واجد الكنز هي من إفراط فرحه وغلبة سروره؛ ولذلك ما يبين على شمائله وينم بحركاته، ويضيق عَطَنُه عن كتمان ما به وسياسته.

ولا تكاد تجد هذا العارض في الغم والهم النازل المُلِم، وقلَّ ما وُجِدَ من انشقَّت مرارته، وانتقضت بِنْيَته، وانحلت مَعَاقِده ومآسِره بخبر ساءه وناءه، ومكروهٍ غشِيَه وناله؛ فإن كان فهو أيضًا قليل، وإن ساوى عارِض السرور فذاك أعجب، والسر فيه أغرب.

الجواب

قال أبو علي مسكويه، رحمه الله:

قد مر جواب هذه المسألة في عرض ما تكلمنا عليه في المسائل المتقدمة، وقلنا: إن النفس تؤثِّر في المزاج المعتدل عن البدن، كما أن المزاج يؤثر في النفس، وبيَّنا جميع ذلك وضربنا له الأمثال، ولسنا نشك أن السرور يحمرُّ منه الوجه، وأن الخوف يصفرُّ منه، وما ذاك إلا لانبساط الدم من ذاك في ظاهر البدن، وغَوْرِه من الآخر إلى قعر البدن، والحرارة التي في القلب هي التي تفعل هذا، أعني أنها تنبسط فتُرِقُّ الدم تارة وتنقبض فتُغَلِّظه أخرى، ويتبع ذلك الحال السرور، ويتبع هذه الغم، فإذا كان زائد المقدار في أي الطرفين كان تبعه الخروج عن الاعتدال، وبحسب الخروج عن الاعتدال يكون الموت الوَحِيُّ أو المرض الشديد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤