الفصل السابع

كيف ساعد العملُ الجادُّ والسياسة فرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير؟

من الواضح نوعًا ما أن قطبَيْ هذه الصناعة، وهما دي لا رو وجيزيكه أوند ديفريَنت، يقتسمان الآن سوق النقد فيما بينهما، حارمَيْن الآخرين من إمكانية الدخول. لكنْ كان هناك يقينًا محاولاتٌ مِن جانب أطراف خارجية للمشاركة في هذه السوق في ثمانينيات القرن العشرين، حينما كانت أعمال أوراق النقد لا تزال تُدِرُّ أرباحًا شديدة الجاذبية، وكانت إحدى هذه المحاولات من جانب الفرنسي جان-بيير سافار بشركته فرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير، وقد نجح على نحو غير متوقَّع. جاءت محاولة ثانية من الأخوين الأرجنتينيين تشيكوني بشركتهما تشيكوني كالكوجرافيكا، لكنهما فشلا بسبب جشعهما. وكانت هناك بوندِسدروكراي (المطبعة الاتحادية الألمانية) المحترمة للغاية في برلين، التي أخفقت إخفاقًا يُثير الشفقة فيما يتعلَّق بتوسعها في الخارج. سنتناول المحاولتين الأخيرتين لدخول السوق بشكل منفصل في فصلين لاحقين، أما هذا الفصل فيتناول فرنسوا شارل أوبرتور.

عنقاء من الرماد

دخل جان-بيير سافار مجال طباعة أوراق النقد بالمصادفة نوعًا ما. كان هذا الاختصاصي في مجال البرمجيات قد تعامل مع منشآت صناعية فاشلة لسنوات في بنك ناسيونال دي باري، متخصصًا هناك في شركات بناء السفن والطباعة. وفي بداية ثمانينيات القرن العشرين كُلِّف بوضع تصوُّر لوزارة المالية لإنقاذ شركة الطباعة المُؤَمَّنة أوبرتور الكائنة في رين-شانتبي في بريتاني. كانت الشركة العائلية التي مضى على تأسيسها ١٤٠ سنة تنتج تشكيلة قوية من المواد المطبوعة: مراجع، روزنامات، تذاكر يانصيب، دفاتر شيكات، وبالأخص جزءٌ صغيرٌ من أوراق النقد التي كان بنك فرنسا يطبعها للمستعمرات الأفريقية السابقة، وهي منطقة الفرنك أو ما يعرف في يومنا هذا باسم «المنطقة المالية الأفريقية». كانت مؤسسة الطباعة هذه، التي كان اختصاصي الأحبار السويسري سيكبا يملك ٥٠ في المائة من رأسمالها، في حالة إعسار ويُفترض أن تُصفَّى. شعر سافار — كما روى فيما بعد — بأن ثمة فرصة كامنة، وبدلًا من إعداد تصوُّرِ إنقاذ لتقديمه إلى وزارة المالية، اشترى شركة الطباعة المُؤَمَّنة لنفسِه بسعر رمزي، هو فرنك واحد، تاركًا وظيفته البنكية عام ١٩٨٤م. ما حدث عندئذٍ كان يُشبه بروز «عنقاء من الرماد».

لم يكن سافار جاهلًا تمامًا بالمجال. كان قد اكتسب خبرته الأولى في هذا القطاع الصناعي كمالك لإديسيون دي شيفر، وهي مطبعة صغيرة لنماذج الشيكات ودفاتر الحسابات تقع على مشارف باريس. كان قد كوَّن أيضًا من خلال وظيفته في البنك علاقات مع مسئولين في مناصب مهمة. نذكر مثلًا أن عمدة رين آنذاك كان يشغل منصبًا وزاريًّا في باريس، وهو ما كان مفيدًا في مسائل «الحفاظ على الوظائف». وأخيرًا كانت لسافار علاقات مع أعضاء من التيار المحافظ؛ ومن ضمنهم جاك شيراك، الذي صار فيما بعد رئيس الجمهورية الفرنسية. تلعب العلاقات السياسية دورًا مهمًّا في مشهد الأعمال في بلدان كثيرة، وهي في فرنسا تقرِّر كل شيء. وسرعان ما كانت تمتلئ على نحو مشجِّع دفاتر طلبيات فرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير، الاسم التقليدي الذي أُعيد به تسجيل الشركة في السجل التجاري. أول ضربة حظ جاءت بعد إعادة تدشين الشركة بفترة قصيرة باستحداث يانصيب «تاك-أو-تاك». كانت أوبرتور مشارِكة بالفعل بدَوْر صغير في طبع اليانصيب الوطني، لكنْ عندئذٍ أُسند إلى الشركة التي خَلَفتها طبعُ ثُلُثَيْ تذاكر اليانصيب الجديد التي يخدش المشتري من فوقها طبقة سطحية ليرى إذا كان قد فاز من خلال الأرقام المخفية تحتها. بدلًا من طبع مئات الآلاف من تذاكر اليانصيب أسبوعيًّا، لزم آنذاك إنتاج عدة ملايين من تذاكر تاك-أو-تاك كل أسبوع في رين. ضربة الحظ الثانية، بل والأكبر، جاءت بعد ذلك بفترة قصيرة، وتمثَّلت في قرار بنك فرنسا — الذي كان يتعامل مع الإضرابات وإعادة التجهيز الفني لمطبعته في شماليير — التوقف عن طبع النقد لصالح منطقة الفرنك الأفريقية، وإسناده إلى مقاول من الباطن. كان قد سُمح لأوبرتور، حتى قبل استحواذ سافار عليها، بطبع جزء صغير من هذا النقد بأنواعه. أما الآن فقد حصل المالك الجديد على عقد لطبع هذا النقد كله. كانت المنطقة المالية الأفريقية تضم ١٣ بلدًا أفريقيًّا وجزر القمر، وكان عدد سكانها مجتمعين ٩٣ مليونًا، باحتياج سنوي يبلغ نحو مليار ورقة نقد. ضَمِنت هذه الطلبية لرين نسبة تشغيل عالية مستقرة، كما كان بنك فرنسا أيضًا يدفع بسخاء لطبع هذا النقد. بطبيعة الحال ظهر هناك من جديد القِيلُ والقال في قطاع طباعة أوراق النقد.

حقَّقت رين منذ نشأتها مبيعات تتزايد بسرعة، وأرباحًا تخطف الأبصار، وظلَّت معفاة من الضرائب أيضًا؛ إذ كانت الخسائر المرحَّلة من الإعسار تُستخدم لتُقابل الالتزامات الضريبية. ويُنسب الفضل إلى حكمة سافار كرائد أعمال في إعادة استثمار هذه الأرباح في تحديث المطبعة. أقرضتْه بنوكٌ عديدة رأسمالًا إضافيًّا، فاضطر أنْ يمنَحَها حصة بنسبة الثلث في شركته القابضة. في بداية تسعينيات القرن العشرين، كان لدى رين بالفعل خطَّا طابعات سوبر فائقَا الحداثة بطاقة إنتاجية نحو مليارَيْ وحدة سنويًّا، وهي طاقة طباعية هائلة بالنسبة إلى وافد جديد على هذا القطاع الصناعي. في بعض الأحيان كانت المطبعة تعمل بكامل طاقتها هذه. وعندما تدعو الحاجة، كانت آلات الطباعة في رين تعمل ثلاث مناوبات على مدار الساعة، ستة أيام أسبوعيًّا، تمامًا كقدوتها المتمثِّلة في مكتب سكِّ وطباعة العملة في واشنطن. وسرعان ما صار المنافسون الراسخةُ أقدامهم في المجال يخشَوْن سافار بسبب دخوله الشرس إلى السوق وأسعاره المحسوبة بإحكام لطبع أوراق النقد.

توسَّع سافار الذي كان مدمنًا للعمل، فدخل أعمال البطاقات بعد استحواذه على الشركة بثلاث سنوات فقط، إدراكًا منه أن مستقبل حركة المدفوعات سيكون للبطاقة البنكية، لا لدفاتر الشيكات التي كان يطبعها بكميات كبيرة. دخل في مشروع مشترك مؤقت مع شركة الإلكترونيات «بول» كمورِّد للبطاقات الذكية المزوَّدة بشريحة. كانت أوبرتور كارد سِستمز قد بدأت نشاطها. عندما طالبتْ سُلطة مكافحة الاحتكار الأمريكية ببيع مطبعة قبل موافقتها على الاندماج المخطط له بين أمريكان بنكنوت ويو إس بنكنوت، تحرَّك سافار على الفور بشراء مؤسَّسة بنكنوت كوربوريشن أوف أمريكا في نيويورك. وعلى الرغم من أنَّ هذه المؤسسة لم تَعُدْ تطبع أوراق النقد، فإن هذه الصفقة جعلت الرجل الفرنسي المورِّد الرئيسي لهيئة البريد الأمريكية. كانت أكبر منتِج للطوابع في العالم؛ إذ كانت تُنتِج عشرة مليارات طابع سنويًّا. تلا ذلك مزيد من الخطوات العملاقة. عندما اضطرت برِتِش أمريكان بنكنوت الكائنة في أوتاوا، والتي كانت تواجه صعوبات، إلى بيع وحدة أعمال اليانصيب التابعة لها لاستعادة السيولة، كان سافار هناك في لمح البصر. اضطر إلى تسليم ثمن الشراء على أقساط على مدى عدة سنوات. لكن هذه الخطوة مهَّدت الطريق إلى أعمال اليانصيب في الخارج. كان هذا منشأ شركة أوبرتور جيمنج تكنولوجيز. غير أن قفزة سافار النوعية حدثت قُبيل مطلع الألفية باستحواذه على وحدة أعمال البطاقات التابعة لشركة دي لا رو بأكملها. كانت أورجا كارتِنسِستِمِه الألمانية الكائنة في بادربورن قد رفضت عرض سافار، فاختطفت المطبعة الاتحادية هذا الصيد الثمين أمام عينيه. عوَّض الفرنسي هذه الصفعة وأكثر بضربته في بريطانيا؛ مما جعل أوبرتور كارد سِستمز ثالث أكبر مورِّد بطاقات في العالم في ضربة واحدة. لم تكن عملية الاستحواذ مجرد برهان آخر على جرأة سافار كرائد أعمال، بل أثبتت أيضًا مهارته الفنية في التمويل. وعلى الرغم من دفعه ثمنًا عاليًا في عملية الاستحواذ، فإنه سرعان ما طرح حصة صغيرة من رأس المال في البورصة في ذروة نشوة أسعار أسهم تكنولوجيا المعلومات، فجمع حصيلة قوية جدًّا كاد معها أن يستردَّ ما دفعه ثمنًا للشراء. يسيطر سافار على مجموعته بأكملها من خلال مؤسسة عائلية، لكنه خوَّل ابنه توماس مسئولية التوجيه التشغيلي لهذه الشركة التابعة الوحيدة المُدرجة في البورصة. وسُلِّمت إدارة أعمال اليانصيب الدولية وتمويل الشركة السريعة النمو إلى الابنتين إيمانويلا وماري. لا تنشر الشركة القابضة نتائج مُجمَّعة، لكنْ من المعروف أنَّ المجموعة حقَّقت عام ٢٠٠٣م مبيعات بمبلغ ٦٥٢ مليونًا، ودخلًا صافيًا مقداره ١٨٫٢ مليون يورو، بعدد ٤٧٠٠ موظف. مثَّلت البطاقات ٦٦ في المائة من مبيعات المجموعة، في حين مثَّل اليانصيب ١٥٪ منها. أما طبع النقد فحلَّ في المركز الثالث وبفاصل كبير؛ إذ بلغت نسبتها ٩ في المائة فقط.

التحديات

تقدَّم جان-بيير سافار، الذي ترعرع في ظروف متواضعة كابن مهاجر روسي، حتى بلغ القمة؛ حيث نجح في الانضمام إلى قائمة أغنى مائة فرنسي في غضون عَقْد ونصف العقد فقط. في مقر الشركة بباريس، وهو قصر مطل على شارع بولفار ماليرب، تنم المفروشات الأنيقة ولوحات المناظر الطبيعية التي رُسمت بريشة جهابذة إيطاليين وفرنسيين في مكتبه الفخم عن اعتزاز الأب المؤسِّس بما أنجز. وعلى الرغم من أنَّ رائد أعمالنا هذا اعتاد النجاح، فإنه شهد أيضًا انتكاسات، جاءت واحدة من أولاها في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين عندما نزع منه بنك فرنسا، الذي كان يحلو لسافار التنازع معه، جزءًا من نشاط طبع النقد المربح لصالح بلدان المنطقة المالية الأفريقية. سمح له بالاحتفاظ بأكبر طائفة من بلدان غرب أفريقيا التي يخدمها البنك المركزي لدول غرب أفريقيا، لكن اضطر إلى تسليم مجموعة بلدان وسط أفريقيا الأصغر حجمًا التي يخدمها بنك دول وسط أفريقيا. لا يمكن أن يكون هذا قد تحقَّق بناءً على السعر وحده؛ لأن حصة بمقدار الثلث ذهبت إلى شركة طباعة النقد السويسرية الخاصة أورِل فوسلي المعروفة بمستوًى عالٍ من جودة الطباعة؛ ومن ثم تكاليف الطباعة العالية. تردَّدت أقوال داخل دوائر القطاع تفيد بأن سافار حاول الالتفاف على بنك فرنسا بالتعاقد مع هذه البلدان مباشَرة.

لم يتضمَّن هذا إلا خسارة ٣٠٠ مليون ورقة نقد سنويًّا، لكن التجربة دفعت سافار إلى البحث عن حلفاء في سوق طباعة النقد المتزايدة الصعوبة. كان يمتلك خطَّيْ طباعة يتسمان بأداء عالٍ، وكان حريصًا على إبقائهما يعملان. كانت العُملة المشتركة الأوروبية تتبلور في الأفق، ولا بد أنه كان يخشى أن يظل مستبعَدًا من طبع اليورو. ولا ننسَ أن بنك فرنسا — على الرغم من كل مشكلاته — رفض دائمًا رفضًا قاطعًا أن يسمح له أو لشركة الطباعة المُؤَمَّنة القديمة أوبرتور بالمشاركة في طبع الفرنك الفرنسي. في البداية جسَّ سافار نبض جيزيكه أوند ديفريَنت في ميونخ. ربما كان يعتقد أنه يستطيع بسهولة استغلال الوريثتَيْن قليلتَيِ الخبرة في أمور الأعمال، لكن لم يثمر هذا عن شيء. بقرار سريع اتجه بعد ذلك إلى شركة طباعة النقد الهولندية الصغيرة إنسخيده، التي كانت مشاركتها في طبع اليورو مؤكَّدة، فعرض اندماج شركتي الطباعة المُؤَمَّنتين بنسبة ملكية أسهم ٣٠:٧٠. كان قد تم من قبل العديد من الاستحواذات بين شركتَي طباعة النقد الخاصتين المُؤَمَّنتين، لكن لم يكن قد حدث قط أيُّ اندماج بين ندَّيْن. أُعلن عن الزواج الصناعي العابر للحدود بالضجة الملائمة، لكنه انتهى بعد ذلك ببضعة أشهر باتهامات وإهانات متبادلة، وهو ما يُعزَى في جزء منه إلى التنافسية النسبية لكلٍّ من شركتي طباعة النقد. فبنحو ٣٠٠ موظف، كانت أوبرتور تُنتج في المتوسط ما بين ١٫٢ و١٫٤ مليار وحدة سنويًّا. وﺑ ١٠٠ موظف، لم تتمكَّن إنسخيده إلا من طبع ١٦٠ مليون وحدة. لكن كما يقول الخبير الفرنسي المتخصص جاي دوران من خلال متابعته عن كثب، جاء الانفصال أيضًا نتيجة تنافر بين الشخصيات المهمة وصِدَام بين الثقافة المهنية لشركتَي طباعة النقد كلتيهما. فلم يتواءم الهولنديون، المتسلِّطون وأحيانًا الجامدون، الذين دأبوا على كسب أموالهم من غير تعب لنحو قرنين من الزمن بطبع أوراق الجلدر للبنك الهولندي، مع الباريسي العصامي المجازِف الخفيف الحركة الذي كَرِهَ الردود الوقحة، وسرعان ما نفدَ صبرُه. تُرك سافار بمفرده في النهاية مع مطبعة نقده، التي كانت للأسف تفتقر أيضًا إلى أي تكامل رأسي، من تصنيع الورق إلى آلات معالجة أوراق النقد.

حملت الألفية الجديدة المزيد من المفاجآت غير السارة لصاحب الشركة. في البداية انهار سعر سهم أوبرتور كارد سِستِمز، ثم انهارت أعمالها في البطاقات، فارتفعتِ الخسائر والديون إلى حدٍّ يُنذِر بالخطر. لم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل تعرَّض قطاع البطاقات بأكمله لأزمة. كلَّف ذلك الابنَ توماس منصبَه كمدير، فانسحبَ غاضبًا من القيادة التشغيلية، وسُلِّمتْ إدارة قسم البطاقات إلى بيير بارباري، وهو خبير مشهود له في عمليات الإنقاذ الصعبة، فقاد خروج وحدة البطاقات من ديونها بسرعة إلى حدٍّ كبير. تتمتع أوبرتور كارد سِستمز الآن بمكانة جيدة في السوق الفرنسية في مجال البطاقات المخصَّصة للبنوك والهواتف الخلوية، كما أنها مورِّد للتطبيقات ذات الصلة بالأمن في مجال بطاقات الهوية، وهو المجال الذي تنشط فيه الشركة دوليًّا. وتعتبر هذه الشركة التابعة لفرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير واعدةً على الرغم من الصراع الشرس على سوق البطاقات.

تلقَّى سافار المزيد من الضربات القوية في غضون ذلك. في البداية خسر عَقْدَ طبع الطوابع مع هيئة البريد الأمريكية لصالح المنافس آشتون-بوتر. ويظل من قبيل التكهنات أن يكون اختلال العلاقة الأمريكية الفرنسية بشأن حرب العراق قد لعب دورًا في هذا الأمر. كانت الضربة التالية، وربما الأسوأ لسافار وشركته، أنْ أنهى بنك فرنسا أيضًا عقد الطباعة المتبقِّي — العقد الخاص ببلدان البنك المركزي لدول غرب أفريقيا — في نهاية عام ٢٠٠٣م. ويبدو أن البنك المركزي يريد طبع نقد هذه البلدان لاستيعاب طاقته الإنتاجية الزائدة، التي اتسعت مؤخرًا للتعامل مع طبع اليورو. لكن اللافت للانتباه أن شركة الطباعة السويسرية الخاصة أورِل فوسلي سُمح له حتى الآن بالاحتفاظ بحصته الطباعية الصغيرة. العواقب المترتبة على الشركة الفرنسية فرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير يمكن أن تكون خطيرة. فشركة الطباعة الفرنسية الخاصة المثقلة بالديون إلى حدٍّ كبير لم تخسر في ضربة واحدة نحو نصف حجم ما يُطبع من نقد في رين فحسب، بل الأهم أنها خسرت عقدًا مجزيًا طويل الأجل. يبدو أن تأثر هامش أرباح نشاط سافار بدأ يتجلَّى، ولا سيما أنه سُمح لسافار أخيرًا بالمشاركة في طبع طرح اليورو الأوَّلي، لكنه استُبعد بعدئذٍ من طبع أوراق إحلال اليورو، على نحو ما سنُبين فيما بعد. عملت فرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير في الحقيقة بأقصى طاقة إنتاجية طباعية لها عام ٢٠٠٤م؛ حيث أنتجت نحو مليارَيْ وحدة. لكنْ لم يتسنَّ هذا إلا بفضل سياسة تسويقية مجازِفة أثَّرتْ سلبًا على الأرباح. خسارة الشركة عميلَها الأكبر في مجال الطوابع، وبفاصل كبير، ربما يترك أيضًا آثارًا باقية. دعتِ الحاجة إلى بَيْع مطبعة الطوابع الأمريكية — المتخصصة في الطباعة المكلِّفة من سطح غائر — التابعة لمؤسسة بنكنوت كوربوريشن أوف أمريكا في نيويورك في نهاية عام ٢٠٠٣م، وبذلك اكتسب نشاط البطاقات مكانة أكبر في تأمين مستقبل الشركة. ربما سيقف الساسة من جديد في صفِّ شركة طباعة النقد الخاصة التي تواجه صعوبات. أبدى سافار من قبلُ اهتمامَه بالاستحواذ على المطبعة الاتحادية في برلين. وعلى الرغم من أنه ليس لديه ما يستغل فيه طاقتها الإنتاجية في طبع النقد، فإن هذا سيضمن دخوله مجال طبع اليورو. كما أن شركة برلين ستكون أيضًا عظيمة القيمة في تطوير نشاطه الضعيف في أعمال أنظمة الهوية المتطورة. لكن شركة برلين صدَّتْ محاولات سافار التقرُّب إليها في الوقت الحالي، غير أن القرار النهائي لم يُتخذ بعدُ. وعلى الصعيد المحلي، يمكن أن يستلهم بنك فرنسا «الحل الإنجليزي» الذي جُرِّب مع دِبدِن، فينقل المطبعة الحكومية العديمة الكفاءة في كليرمون-فيران إلى شركة طباعة النقد الخاصة فرنسوا شارل أوبرتور فيدوسيير بموجب عقد إدارة. كثيرًا ما كانت هناك شائعات عن اتفاق من هذا القبيل مع شركة طباعة النقد الخاصة هذه. لكنَّ بنك فرنسا المعتزَّ بنفسِه سيكون عليه أن يُنحِّي كبرياءه جانبًا، فضلًا عن أولئك المسئولين النقابيين الشرسين في كليرمون-فيران الذين سيؤثر عليهم على الأرجح رائد أعمال القطاع الخاص ذو التوجه نحو العائدات تأثيرًا يشبه تأثير قماشة حمراء يُلوَّح بها إلى ثور. لكن التوصل إلى مثل هذه الصفقة سيتطلَّب أيضًا وجود فاعل فَطِن سياسيًّا في صفِّ شركة فرنسوا شارل أوبرتور. لكن جان-بيير سافار، الذي بَنَى نشاطَه التجاري بمثل هذا الانخراط الشخصي القوي، بدأ ينسحب ببطء من العمليات اليومية بسبب تقدُّمه في السنِّ، ونقل منذ زمن طويل مِلكية شركته إلى أولاده. وبعد انسحاب الابن توماس من الإدارة التشغيلية في خضم نكبة البطاقات، حُوِّلت قيادة الشركات التابعة كلٍّ على حِدَةٍ إلى مديرين محترفين. وربما يأتي يوم لا يخطر ببال الناس سوى البطاقات عندما يُذكر اسم أوبرتور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤