هذا الجراب

«من الجراب» عنوان لا أغرَّك منه، فهو كمسمَّاه فيه خبز كثير، منه المخمَّر ومنه الفطير.

كأني أراك تهزُّ برأسك وتمطُّ شفتيك! فإذا كنت من المتنطعين — في اللغة — فافتح لسان العرب، أو تاج العروس، وإن لم تصل يدك إلى هذين فلا بأس عليك إن تناولت «المنجد»، ألسنا في عصر السندويش؟!

يذكر المنجد أربعة معانٍ للجراب: قراب السيف، وعاء من جلد، جوف البئر، أما المعنى الرابع الذي قدَّره المتنبي أسمى التقدير، حين نظر إلى كافور المخصيِّ … فنقِّر عنه أنت.

إذن الجراب كاسمه، ولهذا اختصه العوام عندنا بكنايات واستعارات شتى، فقالوا: جراب الكردي. ثم كنُّوا عن الرجل السليط اللسان بقولهم: فتح جرابه. وإذا ثرثر حتى شبع يقولون: فرغ جرابه. وكنُّوا عن الكلام المرِّ بقولهم: من كعب الجراب. كما قالوا عن الكذاب: من يعوم على جرابه؟!

وإذا كنت رأيت الجمل، في شباط، وقد اندلق من بين فكيه ذلك الكيس الأحمر، المرصع بالحبب، تعرف لماذا قالوا: أرخى فلان جرابه. وأخيرًا، لا تنسَ جواب أبي الفتح الإسكندري لصاحب المضيرة حين قال له: أتريد كنيفًا يزري بربيعي الأمير، وخريفي الوزير … يتمنى الضيف أن يأكل فيه؟!

أجابه: كُلْ أنت من ذاك الجراب، لم يكن الكنيف في الحساب! لا ترع يا صاحبي، إن جرابي نظيف، ولو لم أكن مربي قرية أكلها القديد، كنت جعلت عنواني: من الكنانة، أو من الخريطة، أو من الحقيبة تيمنًا بالوزارة … لا تتعجب، وإذا كان غير صحيح، ففأل مليح … فبعد ما رأيت، ممن رأيت من المستوزرين، أظنك تراني جديرًا بها!

إن جراب الأمس — أعزك الله — هو حقيبة اليوم. رحم الله جراب جدي وجدك! كم كان أقل كلفة، وأخف مئونة، وأسلم عاقبة …

إن صاحب الجراب مسكين يشمر راكضًا خلف المدورات الثلاث التي تدور عليها الدنيا: الدينار، والدرهم، والرغيف.

ليس الجراب يا أخي صندوقًا من صناديق «أصحاب الجمع والمنع»، إن هو إلا ملجأ للزاد، والزاد محدود كمعاش «المعلم» مثلًا …

أعطنا يا رب رزق يوم بيوم، لا تكثر لنا، ولا تدع جرابنا فارغًا …

١٥  /  ٥  /  ٥٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤