ضمائر جديدة

خلق كشَّافي، وروح رياضي، ومبدأ أونسكي، وأخيرًا ضمير روتاري، أثواب مختلفة الأسماء والطراز، ولكنها مقطوعة من قماش واحد.

جميلة جدًّا هذه المبادئ، ولكني أنا متشائم جدًّا جدًّا … فلا أؤمن بنتائجها؛ لأنها في نظري من باب اقرأ تفرح، جرِّب تحزن.

إنها تذكرني بدون كيشوت ورفيقه سانشا بانشا المؤمنين برفعة الفروسية ونبلها … هذا إذا لم أقل إنها تذكرني بحكاية الأعرابي وهرِّه. مس أعرابيًّا الضر فلم يرَ عنده شيئًا يبيعه غير الهرِّ فحمله إلى السوق.

فقال له أول راغب: أتبيع هذا الهر بدرهم؟ فضحك الأعرابي ومشى. فقال له ثان: يا أعرابي، بكم هذا السنُّور؟ أتبيعه بنصف درهم؟ وما تزحزح من مكانه خطوات حتى قال له ثالث: أتعطي هذا القط بقيراط؟

فغضب الأعرابي، وضرب بِبِسِّه الأرض قائلًا له: ما أكثر أسماءك، وأقل ثمنك!

لا أدري إذا كان يصحُّ هذا في ما يطلع علينا من مبادئ جديدة لتهذيب البشرية. جميلة جدًّا هذه المبادئ ولكن تطبيقها أجمل منها.

أشهد أني لم أفهم ما هو «الروتاري» لولا قراءة بعض الخطب. فهمت من إحداها أن الروتاري يخاف «أن يطغى على عالم الأعمال نزعة إلى الربح دون التقيد بالقواعد الفاضلة، وتوخي السرعة والسهولة في الإثراء على حساب الأخلاق» ولذلك أنشئوا ما عبر عنه السيد جان فتال بالضمير الروتاري لمقاومة ذلك.
figure

ثم قرأت كلمة أخرى مآلها أن الروتاري يرمي إلى «محو عدم الثقة الذي يباعد بين المخدوم والموظف، وإلى أن يوحي إلى «العمال» شعورًا عميقًا بأنهم ليسوا غرباء عن المهمة التي يقومون بها، وأن لهم في كل مشروع دورهم وفائدتهم.»

قرأت هذا ورحت أسائل نفسي: ألا يطبق هذا عندنا؟ وبعد ما استعرضت صور كثيرين وجدت أن هذه المساواة عندنا فاضلة على الكفاية.

رأيت الكثيرين من «صغار العمال» — بله الكبار — غارقين إلى آذانهم في أموال الدولة، وهم يشعرون شعورًا ليس عميقًا فقط، بل من أعمق الأعماق، إنهم ليسوا غرباء عن المهمة التي يقومون بها، وإن لهم في كل مشروع دورهم وفائدتهم … فقلت في نفسي: وما حاجتنا إذن إلى هذه المبادئ الروتارية ما زالت تطبق عندنا «رسميًّا» … إننا أحوج إلى روتاري من نوع آخر. إلى روتاري يفهم هؤلاء أن يقللوا من «الخوش بوش» بينهم وبين صناديق الدولة.

ألا يوجد إثراء عاجل على حساب الأخلاق إلا في التجارة!

مساكين التجار، قد يخسرون كل شيء حتى رأس المال، أما من كانت «أيديهم» رأس مالهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

٤  /  ٥  /  ٥٠

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤