بارازيت

في مأتم — ببلاد جبيل — تجمع أكابر «القوَّالين» ليعدِّدوا ميتًا وجيهًا في قومه، ولسوء حظ أهل الفقيد جاءوهم برزٍّ بينه وبين السمن ما بين القيسي واليمني … فكفُّوا أيديهم عنه ونسوا الفقيد الكريم وقاموا يندبون «الغدا» فكانت الردَّة — اللازمة:

والسمنات باللقلوق
والرُّزات عالمينا

وبين اللقلوق ومينا جبيل مسافة كان لا يقطعها «أوتو جدِّي» بأقل من تسع ساعات.

أليس هذا ما ينطبق على حالتنا اليوم؟ فالقدر تغلي على النار، الماء يفور حتى يكاد يطير الغطاء، أما الطابخون فما أعدوا — بعد — لا لحمًا، ولا رزًّا، ولا سمنًا، ولا توابل، كلما أعدَّ: مجلس مزوَّر، مجلس ٢٥ آيار.

هذي هي البرامج، وهذي هي المناهج! طبخة «بحص» لها على النار أربع سنوات إلا.

شيء مضى وراح، أفلا يحق لنا أن نتساءل اليوم: ترى أكل هذا المجلس هو كما قال النبي داود عن نفسه: بالآثام حبل بي، وبالخطايا ولدتني أمي! أليس فيه رجال ذوو كفاءات وجدارة، فلماذا نصوب على الجميع مدافعنا الرشاشة؟ لماذا وجدت أدوات الاستثناء؟ وفي أي بلد من بلاد الله ينزل المجلس كله من السماء بقفَّة!

وأغرب ما في أمر هذا المجلس أنك تسمع مثل هذا الطعن فيه من أفواه النواب أنفسهم، ويكون ذاك الطاعن مطعونًا وهو يحسب أنه «خلاه ذم» كما قال المهلهل لأخيه كليب. فإذا كنا ننتظر أن يذهب هؤلاء جميعهم أو نصفهم نكون قصيري النظر، إنا للمجلس وإنا إليه راجعون. هذا لسان أكثرهم، وأخاله الواقع، فعلى من نووا خدمة الوطن خدمة نصوحًا، لوجه الله الكريم، أن يأتوا الأمور من أبوابها، أي أن يرونا وجهوهم على ضوء البرامج، فكلمة ٢٥ آيار باخت، صارت سلاحًا صدئًا لا يصلح للنضال في المعركة العتيدة الطاحنة.

يا ليت شعري! ماذا ننتظر من مجلس عاش عمره الكامل وما سمع قط كلمة تشجيع، حتى ولا حين رد مشروع «احتكار البحر»، ما سمع غير ذلك النعت محسنًا ومسيئًا، وهكذا سلق القمح.

نحن قوم آفتنا التعميم، إذا أساء إلينا رجل من قرية سببنا القرية كلها، وقلنا: ضيعة ما فيها آدمي. وما أظن أن ضيعة تخلو من الأوادم. عندما شهدت أول عرس عدت أقول لوالدي: الضيعة كلها عند العريس، والبيت محشوك … فأجابني من فوره: أنت صبي خراط؛ كيف تكون الضيعة كلها عند العريس، وهذا جدك — وهو الذي يكلله — ما زال يصلي على المصطبة؟! وعمومتك وأولادهم وحريمهم، وأخوالك وجيراننا من نسوان ورجال كلهم في بيوتهم!

ودخل الناطور في تلك اللحظة فقال: أبو فارس، أهلًا وسهلًا، والتفت صوبي وقال لي مشيرًا إليه: وهذا عمك طنوس والعصا والجفت والكلب قدام عينك، فكيف تكون الضيعة كلها عند العريس؟!

قلت: طيب، نصفها.

فغاظته مماحكتي فقال بنزق: تقلَّع، قلت لك، وأشار بمدراه، فتراجعت وناب عني المسند في استقبال كفه المفلطحة.

هذا نموذج من المبالغات التي نشأنا عليها فتعودناها حتى صارت سلاحنا في كل جبهة، وإنني أخاطر — منذ الآن — من يخاطرني على أن مجلس نيسان القادم — إن كان الانتخاب في نيسان — سيقال فيه ما قيل في هذا. فالذي يندحر سوف يقول: مجلس مزور … والذي يفوز سيقول كذلك إذا فاز معه من لا يريد له الفوز، وهكذا يعاد «الموَّال» التقليدي …

إن أكثر المرشحين الخاسرين أشبه بالمقصرين في دروسهم، فالتلاميذ الراسبون في الامتحان يلقون التبعة على المصححين والأسئلة، والمرشحون الخائبون يلقونها على الصندوقة الحبلى بلا دنس!

ما هذا عراكًا، إن هذا إلا «بارازيت» يشوش ويعكر ويزعج، ولكنه لا يعوق الإذاعة …

١  /  ١٢  /  ٥٠

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤